أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثاني 2














المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الثاني 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5856 - 2018 / 4 / 25 - 21:55
المحور: الادب والفن
    


باكراً في حدود الساعة السابعة، أفاقت كعادتها تقريباً كل يومٍ. كان صباحاً جميلاً من أصباح أيلول/ سبتمبر، المعتدلة الحرارة. انتشرَ أريجُ ورودِ أصص الترّاس جنباً لجنب مع أصداء تغريد الطيور، المتصاعدة من الحديقة . حالة من الضيق في مزاج " سوسن خانم "، عارضت ما يحيطها من رخاء الطبيعة والطقس. لعله ناتجٌ عن أرقٍ، استبدّ بها ليلة أمس، أو شعورها بالقلق أمام الزيارة المرتقبة. أجل، إنها ستواجه الأميرة بعد قطيعةٍ استمرت عاماً ونيّف. مع أنّ أياً منهما لم تشعر يوماً بكونهما قريبتين لبعضهما البعض، كي لا نقول صديقتين. عدا عن حقيقة أخرى، كان من الجائز أن تخفف من إحساسها بالإحراج؛ ألا وهيَ أنّ " للّا عفيفة " آلت إلى إنسانة شبه منهارة، معنوياً وجسدياً، ربما لا ترجو من الحياة أكثر مما تتمناه أيَّ مريضة بداءٍ عضال. لقد قالتها بالأمس، آنَ اتصلت بها الخانم لتبلغها بأمر الزيارة: " إنني مثل فريسةٍ وقعت في الفخ، تنتظرُ ساعة قدوم الصياد ليُجهز عليها بسكينه الحادّة ". فما هوَ أصلُ هذا القلق، إذا؟
الأميرة، أفزعت مُحدّثتها لدرجةٍ شعرت فيها هذه أنّ دقات قلبها تُسمع بوضوح على الجانب الآخر من خط الهاتف. كانت " سوسن خانم " في سبيلها إلى ردّ سماعة التليفون لمكانها، لما فاجأها الصوت المتعب وقد دبّ فيه حيوية شريرة: " سوسن، يا عزيزتي! إنك تعلمين ولا شك بموضوع مذكرات صديقنا المسكين، غوستاف؟ ". ثم سكتت برهة، وكأنما بغيَة إفساح المجال للخانم كي تلتقط أنفاسها. وهذا ما كانت تفعله مُحدّثتها بالفعل، مفكّرةً بسرعة ولهوجة: " ماذا وراء كلامها عن المذكرات؟ ولِمَ تعمدت مخاطبتي بلا كلفة؟ ". قبل أن تبادر للرد، جاء صوتُ الأخرى كالفحيح يزحفُ خِلَل الأسلاك: " ما كنتُ لأهتم حقاً بالموضوع، لولا أنني آملُ بترك الحياة مع ذكرى من صديقٍ قديم وحميم. إنني آملُ حَسْب، ولعل في مقدورك تحقيق أمنيتي! إنني آسفة لو سببتُ لك أيّ إزعاج، ولا يسعني سوى الترحيب بك مجدداً في قصري يومَ الغد ". ثم أقفلت السماعة بضربةٍ، وقعَ رجْعُها شديداً في قلب السيّدة السورية.
فغمَ أنفها عبقُ أزهار الغاردينيا، المتسلل من خلف ستارة المرسم، المُسدلة على عزلتها الصباحية وأفكارها المضطربة. ألقت نظرةً مستاءة على دفتر مذكراتها، المفتوح على صفحةٍ متخمة بخطوط التصحيح: " كنتُ أدع الدفتر على الطاولة كل مرة، دونَ أيّ حيطة وحذر. يا لغبائي! "، نفخت فكرَتها بقنوط. كادت أن تضيّعَ المزيد من الوقت، بإعادة قراءة ما سجّلته في الدفتر. ولكنها أبعدته بحركة حانقة. نهضت إلى المكتبة الدقيقة الحجم، لتجلب هذه المرة مذكرات المسيو الفرنسيّ. آبت إلى الأريكة، تستلقي عليها فيما تقلّب الأوراقَ. جرت عيناها سريعاً على بعض الفقرات، المخصصة للحديث عن " للّا عفيفة " آنَ كانت طالبة في باريس. ولأنّ ذاكرتها كانت على ما يرام، لم تشأ متابعة القراءة: " لا يوجد في المذكرات معلومات من الممكن أن تخشاها الأميرة، أو حتى يجهلها من يعرفها عن قرب! ". في الأثناء، كانت مشغولة الذهن بفكرة أخرى ملحّة: " لو أنّ أحداً ممن يخدمني قد باع نفسه للأميرة، فالمفترض أن تكون الآنَ نسخة من المذكرات في يدها. حقاً إنها لم تلحّ بقوة على الموضوع، وتناولته في نوعٍ من الخفّة، إلا أنها أظهرت بوضوح رغبتها في الإطلاع على المذكرات ". تنهدت أخيراً بعمق، كمن أفاقَ من كابوسٍ رأى فيه نفسه على حافة جرف صخريّ شاهق.
في المكتب، وجدت سكرتيرها أول الحاضرين دأبه كلّ يوم. راجعت معه بعض الأوراق، ووضعت توقيعها على البعض الآخر. ثم ما لبثت أن تساءلت، ما إذا كانت " الرانج روفر " جاهزة للانطلاق. قال لها: " بالتأكيد، يا خانم. أتريدين مني أن أقودها؟ ". نظرت إليه ساهمةً، قبل أن تهز رأسها نفياً: " ربما أصحبُ زين، لأنني سأقصُد مكاناً مقتصراً على النساء! "، أجابته بنبرة جدية. كان واضحاً للشاب، أنّ الخانم تولي أهمية كبيرة للزيارة حدّ أن تحتار فيمن سيرافقها. فقبل قليل، كانت قد أمرته بإخبار " للّا عيّوش " إحضارَ السيارة من الكراج. وهيَ ذي تتجه بخطى بطيئة نحوَ الشرفة، تاركةً سكرتيرها في موضع الحيرة. ما عتمت أن أطلت هنالك على مشهد الصباح، الهادئ المعتدل، حال أفكارها المستسلمة الفاترة.
" الرانج روفر "، الناصعة البياض كالحليب، كان محركها يهدرُ إيذاناً بالانطلاق. تفقدت الخانم حقيبة أوراقها، التي سبقَ أن حمّلتها للمرافقة: " نسخة المذكرات، هيَ أثمن ما يمكن أن تتلقاه امرأة تبغي العزاءَ في أيامها الأخيرة "، قالت في نفسها. بالأمس، صرفت النظرَ عن موضوع شراء هدية، كونها لم تجد في السوق شيئاً مناسباً لمقام الأميرة. كانت تفكّر حينئذٍ بسلّ حليَة من حافظة مجوهراتها، ثمّ غيّرت رأيها بعد تلك المكالمة الهاتفية. وإنها حسمت أمرها أيضاً، بخصوص مَن تختارها لقيادة السيارة. " زين "، ظهرت قبل وهلة أمام مدخل الإقامة الفندقية، متألقة بثوبٍ تقليديّ رائع ذي لون سماويّ مع حزامٍ مذهّب. معلمتها، التي اكتست بدَورها زياً شبيهاً، هيَ من كانت قد اقترحت عليها قبلاً تبديلَ ثيابها العصرية. ولأنّ الوقت بدأ يضيق، أعارتها الثوبَ من خزانة ملابسها. كانتا في نفس الطول تقريباً، مع فارق قليل من ناحية الرشاقة لصالح السيّدة السورية. فما لبثت السيارة أن مضت بهما في اتجاه غيلز، كي تأخذ من هناك طريق فاس عبرَ شارع " الحسن ".
عينا " سوسن خانم "، المسحورتان بانعكاس المناظر المتوالية عليهما، ما عتمتا أن تحجرتا على شيءٍ من الجحوظ. كانت السيارة متوقفة عند الإشارة الحمراء، حَذاء ساحة " الحارثي "، حينَ خيّل للخانم رؤية هيئة مألوفة لامرأة تعرفها حقّ المعرفة. في لحظةٍ همّت فيها بفتح الباب، كي تجري بأثر المرأة، إذا بالسيارة تندفعُ في طريقها على أثر تغيّر الإشارة الضوئية. هتفت بصوتٍ مرتعش: " رباه، إنها الشريفة ! ". ألتفتت إليها المرافقة مدهوشةً، لتسألها عن جليّة الأمر. ولكنّ معلمتها لم تجب. ألقت الخانم رأسها على يدها المتكئة على النافذة، مرددة في داخلها: " بلى، إنها هيَ، هيَ..! ".





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5
- إلِكْترا: الفصل الأول 4
- إلِكْترا: الفصل الأول 3
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الثاني 2