شيء من واقع الطبقة العاملة في المغرب

عبد الغني القباج

الحوار المتمدن-العدد: 5855 - 2018 / 4 / 24 - 08:22
المحور: ملف الأول من أيار عيد العمال العالمي 2018 المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي
    

المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي


"إشارات عديدة لماركس و إنجلز المؤسسة على تجربة الحركة العمالية الإنجليزية (...) تبين كيف أن الـ"الازدهار" الصناعي يحث على محاولة "شراء البروليتاريا" لتحويلها عن خوض الصراع؛ كيف هذا الازدهار "يَحْبِط العمال"، كيف أن البروليتاريا "تَـتَـبَـرْجَز"- "يظهر أن الأمة الأكثر تبرجزا من كل الأمم (الأمة الإنجليزية) تريد في النهاية امتلاك البرجوازية أرستقراتية برجوازية بجانب وبروليتاريا برجوازية".

Correspondance de Marx, tome I, p. 136, tome II, p. 218 , tome II, p.290

إن ما يميز البروليتاريا في المجتمع الرأسمالي كطبقة هو اكتسابها للوعي، الوعي بذاتها كطبقة. لكن هذا الوعي بذاتها لن يحررها من الاستغلال الطبقي الذي تمارسه طبقة الرأسماليين عليها. وبالتالي يفرض عليها واقع الاستغلال الطبقي الذي تمارسه طبقة الرأسماليين عليها الوعي بتناقضها الشامل مع هذه الطبقة؛ ومن ثمة الوعي بدورها الثوري كطبقة قادرة على تحرير المجتمع من الاستغلال الطبقي ومن النظام الرأسمالي.
لأن البروليتاريا توجد في موقع طبقي يفرض عليها صراعا دائما ضد البرجوازية. وبالتالي لا خيار للبروليتاريا سوى فرض تحررها وتحرر المجتمع من الاستغلال الطبقي ومن الاستلاب وفق تحول شامل للإنسان كضرورة لخلق هذا الوعي الشيوعي. لكن، مثل هذا التحول لا يمكن أن يحدث إلا بحركة عملية، أي بثورة، كما عبر عن ذلك ماركس و إنجلز في "الإيديولوجية الألمانية":
لذلك فإن الوعي الطبقي البروليتاري يتجسد في ضرورة الثورة على أسباب اللا مساواة الطبقية في المجتمع الرأسمالي، لأن البروليتاريا تحتل موقعا أساسيا في الصراع الطبقي، ولأن طبقة البرجوازية التي تملك وسائل الإنتاج تمارس الاستغلال الطبقي على البروليتاريا، ولأن البروليتاريا ومعها الجماهير الشعبية لا تملك وسائل الإنتاج ولأن البروليتاريا لا تستطيع التحرر من الاستغلال إلا بالقضاء على نظام ومجتمع الرأسمالية، أي تحرير جميع الطبقات والفئات الاجتماعية المُسْتغَلـَّة والتي تضطهدها سيطرة طبقة البرجوازية والنظام الرأسمالي.
ولا يمكن أن تنجز البروليتاريا هذه المهمة، مهمة تحرير نفسها وتحرير وقيادة تحرير الجماهير والمجتمع من الاستغلال الطبقي والنظام الرأسمالي، ما لم تتنظم طليعة البروليتاريا الثورية في تنظيمها الثوري.

الطبقة العاملة المغربية وتنظيمها السياسي المستقل

في واقع الطبقة العاملة المغربية النقابي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي كان واضحا، بعد الاستقلال الشكلي، أنه لم يتم بناء "حزب بروليتاري مغربي" من تحت، بمشاركة الطبقة العاملة المغربية التي تمتلك وعيا طبقيا لذاتها وللفئات الشعبية، لأن جماهير العمال والعاملات لم تكن حاملة آنذاك للوعي الثوري تلقائيا بالنظر لأن الإيديولوجية الرأسمالية الريعية والتبعية والثقافة المخزنية استمرت سائدة في المجتمع وبنسبة كبيرة وسط العمال رغم ممارسة الطبقة العاملة المغربية لنضالها النقابي ضد استغلال طبقة الرأسمالية الاستعمارية خلال مرحلة الاستعمار، ثم ضد الطبقة الرأسمالية الكمبرودارية المغربية خلال الاستقلال الشكلي. ورغم العلاقات التي جمعت عمالا نقابيين فرنسيين شيوعيين واشتراكيين بعمال ونقابيين مغاربة منذ بداية ثلاثينات القرن العشرين، حيث عقدت الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية في المغرب (ِCGT) لتشكيل "الاتحاد المحلي للدار البيضاء" يوم 2 مارس 1930، إذ أن اتحادا محليا هو الذي أنشئ يوم 2 آذار/مارس في الكوخ الخشبي بـ"حديقة ليوطي"، رغم ذلك لم تكتسب الطبقة العاملة وعيا سياسيا طبقيا متحررا. إن ما تتحدث عنه نشرة "الشعب المغربي" بتاريخ 9 آذار/مارس هو لجنة منتدبة عن النقابات المتحدة كونفديراليا لدى الاتحاد المحلي المؤس َس س حديثا...برفقة الرفيق جوهو".
"ويقول لوكَولار ( (Le Goulardبهذا الصدد: "جاء جوهر (النقابي) نفسه الى الدار البيضاء، وترأس تجمعا تأسيسيا عُـقِـدَ في كوخ خشبي بحديقة ليوطي. وقد حضر هذا الاجتماع فدرالية الموظفين، والمعلمون، والأساتذة، ومستخدمو البريد، وشغيلة الدولة والفوسفات، وعدد من قادة النقابات العمالية الرباطية والبيضاوية. لقد كان الجو العام جيدا، وكان هناك كثير من الحماس والشباب ..." ( رسالة بتاريخ 6 أيار/مايو 1965).
وتعد الصورة الصادرة في نشرة "المغربي الشعبي" ( Marocain Populaire) "بتاريخ 9 آذار مارس مع الإشارة التالية: أول اجتماع لمندوبي الكنفدرالية العامة للشغل بالمغرب" (Confédération Générale du Travail)، دليلا على هذا الحدث بدون شك. ويبدو في الصورة كل من جوهر ولبيير بصحبة دوكاب، كَيطون، شامبيون، ليونيتي، َ لوكَولر، تيكسيي ومناضلون نقابيون آخرون أو مندوبو الهيئة الثالثة ومعظمهم اشتراكيون من الفرع الفرنسي للأممية العمالية (SFIO)". (1)

كما أن الواقع الملموس للرأسمالية المغربية يكشف أنها لا تنفك تعيش على وهم التحول من رأسمالية ريعية تبعية متخلفة إلى رأسمالية منتجة متقدمة. وسياسة وثقافة الطبقة البرجوازية الكمبرادورية الحاكمة تتعارض وتتناقض جذريا في الجوهر مع سياسة وثقافة الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد التنافسي وفصل السلط وحقوق الإنسان وما تحمله من قيم وممارسات تضمن حرية العقيدة وحرية الصحافة والحريات الفردية والجماعية وحرية ومساواة الرجل والمرأة والتنظيم السياسي والنقابي ودولة الحق والقانون ومحاسبة كل من أُنِيطتْ به المسئولية والسلطة وعدم إفلات جرائم الفساد المالي والاقتصادي من العقاب.
كما أن تناقض الطبقة الحاكمة في الجوهر مع سياسة وثقافة الديمقراطية الليبرالية تتجلى في:
- لـُـجُوءِ الطبقة الحاكمة والبرجوازية الكمبرادورية إلى "فرض مدونة شغل" تشرعن التعاون الطبقي الذي يتجسد في العمل بالعقدة (أي أن حق رب العمل في تسريح العمال و العاملات متى اعتبر ذلك مضرا بمصالحه وبأرباحه).
- فرض العمل بالعقدة، و غالبا بعقدة مغشوشة تُـؤَبِّـدُ موسمية العمل وهشاشته وخلق تنافس بين العمال والعاملات.
- مصادرة حق الإضراب وممارسة قمع السلطة السياسية للطبقة العاملة كي تخضع لإرادة رب العمل ومصالحه.
- عدم احترام حق الانتماء النقابي وتسريح العمال لأسباب نقابية أو نضالية وخلق أرباب العمل لنقابات صفراء وخاضعة لهم.
- عدم احترام الحد الأدنى للأجور رغم ضعفه.
- عدم توفير التأمين الصحي الإجباري للعمال وللعاملات.
- تقليص عدد العمال بهدف الرفع من الربح.
- عدم تصريح أرباب العمل بالعمال والمأجورين لصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وعدم أداء أرباب العمل لقسطهم المالي لهذا الصندوق (مثلا وضعية عمال المناجم ومناجم إميضر وبوازار وغيرها من المناجم وعمال الفوسفات ومركبات صناعة الحامض الفوسفوري والأسمدة .. عمال وعاملات النسيج والصيد البحري و العمال الزراعيين... إلخ).


النقابية المغربية
رهينة الظرفية السياسية
و التباس استراتيجية النضال النقابي

في ظل واقع سيطرة سياسة طبقية للنظام السياسي وتحالفه الطبقي البرجوازي الكمبرادوري الممثل جزئيا بـ"الاتحاد العام لمقاولات المغرب"، عمل النظام السياسي باستمرار على ضرب نضالات الطبقة العاملة واستعمل جميع الأساليب لتدجين قيادات نقابتي الـ ا.م.ش و الـ ك.د.ش. وكان الهدف هو فصلها عن الوعي الطبقي النقابي والسياسي الثوري، بالنظر لكون امتلاك الحركة النقابية العمالية للوعي النقابي والسياسي الطبقي الثوري يشكل بديلا مرحليا واستراتيجيا للنظام السياسي الرأسمالي التبعي كنظام اقتصادي اجتماعي ثقافي يرعى مصالح البرجوازية الكمبرادورية، وبديلا للتبعية السياسة للرأسمالية الاستعمارية الجديدة.
المحجوب بن الصديق ينتقد ويستنكر كون الانخراط في "الكنفدرلية العامة للشغل" كانت دائما مُصَاحَبَة ببطاقة انخرط في الحزب الشيوعي المغربي وأن القادة النقابيين كانوا دائما أعضاء في الحزب.(2)
و ستنتبه الكنفدرالية العامة للشغل والأطر التي تمثلها في المغرب لهذه المسألة وقبلوا تحويل منظمتهم النقابية في المغرب إلى مركزية نقابية مستقلة لها علاقات رمزية مع "الكنفدرالة العامة للشغل" الفرنسية. (3)
وأصبح اتحاد العام للنقابات الكنفدرالية بالمغرب ( l U.G.S.C.M) تــُـسَيَّـرُ من طرف أمينين عامين، أندري لوروي والطيب بن بوغزة.
أما الحزب الشيوعي المغربي بقيادة علي يعتة في صيف 1946، وتحت ضغط الأعضاء المغاربة داخله، فقد التحق بالمطالبة بالاستقلال دون أن يتخلى عن المطالبة بحقوق الطبقة العاملة المغربية بلور موقفا لتشكيل جبهة موحدة عرضه على حزب الاستقلال الذي رفض هذا العرض.

البيروقراطية النقابية في المغرب
الاتحاد المغربي للشغل نموذجا

تبلور تيار البيروقراطية النقابية داخل "الاتحاد المغربي للشغل" بقيادة الراحل المحجوب بن الصديق، الذي كان في البداية موقفه من استقلالية النقابة غير واضح، بل متوافق مع طرح يسار الحركة الحركة الوطنية داخل حزب الاستقلال بزعامة المهدي بنبركة وعبدالرحيم بوعبيد، ولم يغير موقفه إلا بعد التناقضات داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بين التيار السياسي اليساري وبين التيار النقابي الذي تزعمه المحجوب بن الصديق و سانده عبدالله إبراهيم. وهذا الصراع والتحول مكن عدد من الوصوليين والانتهازيين من اقتحام المركزية النقابية (ا.م.ش) والوصول إلى مراكز قيادية وطنيا ومحليا واستفادوا ماليا ومن انخراطات الطبقة العاملة وفئات الأجراء وهبات الدولة.
واستغل النظام السياسي هذه التناقضات بين التيار السياسي اليساري وبين التيار النقابي، وعمل على احتواء الاتحاد المغربي للشغل بمساعدات و هبات كثيرة بتوفير المقرات والدعم المادي و بالتالي توفرت شروط اندماجه في النسق السياسي المخزني التبعي الذي بلورته المؤسسة الملكية و الاستعمار الجديد. ونشير هنا إلى معارضة المحجوب بن الصديق وقيادة الاتحاد المغربي للشغل لإضراب الموظفين التاريخي يوم 19 يونيو1961، إذ قبل ليلة واحدة، خرجت قيادة الاتحاد ببيان تعلن فيه تعليق الإضراب.
وكان هم المحجوب بن الصديق، إضافة إلى طموحاته لزعامة الاتحاد المغربي للشغل، هو تحقيق الحقوق والمطالب النقابية للطبقة العاملة المغربية التي كانت تعاني من استغلال متوحش من طرف البرجوازية الاستعمارية الفرنسية والبرجوازية الكمبرادورية المغربية، بعيدا عن الصراعات السياسية والحزبية.
ونتيجة للصراعات وللتناقضات بين الأجنحة السياسية داخل "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" وهروبا من القوة السياسية للجناح السياسي الراديكالي داخل الحزب قررت قيادة المحجوب بن الصديق إعلان الاتحاد المغربي للشغل "نقابة مستقلة"، بعد أن كان قد واجه الطيب بن بوعزة الذي اختاره المؤتمر التأسيسي للاتحاد المغربي للشغل يوم 20 مارس1955 أمينا عاما، وبعد أن زَوّرَ نتيجة المؤتمر للاستيلاء على الأمانة العامة للمركزية النقابية ببعثه مراسلات للإعلام الداخلي والخارجي تعلن أن المؤتمر التأسيسي للاتحاد المغرب للشغل اختار المحجوب بن الصديق أمينا عاما.
وسيدعم الراحل عبد الله إبراهيم هذا الطرح كما دعمته قيادة حزب الاستقلال آنذاك وتيارها اليساري بدعم عبدالرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة بالنظر للعلاقة المتميزة التي كانت للطيب بن بوعزة بالمؤسسة الملكية المخزنية وكذلك لترويج دعاية كون الطيب بن بوعزة كان شيوعيا في حين أنه انتمى لحزب الاستقلال. مع أن الطيب بن بوعزة كان يدعو و يناضل من أجل استقلال تام للنضال التقابي عن النضال الحزبي.
الطيب بن بوعزة، هو من نظم نقابة عمال المناجم في غشت 1946، عندما قرر عمال المناجم المجتمعون تشكيل نقابة وطنية و تنظمت داخل "اتحاد النقابات التابع للاتحاد العام للشغل" (CGT). انتمى إلى حزب الاستقلال قبل أن ينسحب للالتحاق بالحزب الشيوعي المغربي بين 1946ـ 1947، لكنه غادر الحزب الشيوعي وعاد إلى "حزب الاستقلال" ليناضل من أجل استقلال المغرب. اعتقلته السلطات الاستعمارية سنة 1948. وأصبح عضوا بمكتب الاتحاد العام لنقابات المغرب في الدار البيضاء، في نوفمبر 1950. وكاتبا عاما في مايو 1951. سيتعرض مرة اخرى للاعتقال من نوفمبر 1952 إلى سبتمبر 1954 بسجن القنيطرة، على إثر المظاهرات العمالية المنددة باغتيال القائد النقابي التونسي الشهيد فرحات حشاد يوم 5 نوفمبر 1952. وكان له دور أساسي في تأسيس الاتحاد المغربي للشغل الذي انعقد في بيته يوم 20 مارس 1955. (4)
ودخلت قيادة الـ ا.م.ش في سياسة عزل القطاعات العمالية بعضها عن بعض و تقسيم نضالات الطبقية العاملة. وشكلت "حراس" سياسة وتوجه البيروقراطية للتحكم في القواعد النقابية.
و زاد تأسيس "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" من طرف برجوازية حزب الاستقلال من تعميق إضعاف وتقسيم الحركة العمالية والنقابية.
النظام السياسي بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في ماي 1960 فرض حكما استبداديا وسلطة مطلقة في المغرب وحاصر القيادة النقابية "للاتحاد المغربي للشغل" لكسر قوة الحركة العمالية كقوة كفاحية تحررية ديمقراطية. وبالتالي بدل أن تمارس ناضل قيادة "الاتحاد المغربي للشغل" نضالا نقابيا طبقيا قويا مارست سياسة إضعاف الحركة العمالية بمواقفها وبممارستها البيروقراطية المهادنة أو الموسمية مما أدى إلى عزل الطبقة العاملة و الحركة العمالية عن النضال السياسي التحرري والديمقراطي وعن دورها الريادي في النضال الديمقراطي. وانتهى بها المطاف اليوم بالدخول في سياسة التعاون الطبقي وما يسمى "مأسسة الحوار الاجتماعي" مع أرباب العمل والسلطة السياسية المخزنية.
وقد شكل التناقض بين جناحين داخل حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" حول علاقة الحزب بـ"الاتحاد المغربي للشغل" ضربة قوية للوحدة الطبقة العاملة ولتطور وعيها السياسي الطبقي. وتبلور موقفان حول العلاقة بين حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" والنقابة "الاتحاد المغربي للشغل" وحول دور النقابة في الصراع السياسي.
وهو آنذاك تناقض بين تصورين للعلاقة بين السياسة والنقابة:
- تصور جناح تزعمه المهدي بنبركة ومحمد البصري وعبد الرحيم بوعبيد، وهم زعماء "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" يرى أن "الاتحاد المغربي للشغل" تنظيم مرتبط وتابع للحزب ومواقف الحزب ملزمة للنقابة ويربط النضال النقابي بالنضال السياسي والاجتماعي العام الذي كان يخوضه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ضد نظام الحسن الثاني.
- وتصور ثاني، تزعمه المحجوب بن الصديق وعبد الله إبراهيم الطرف الآخر من زعماء حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، وهو المسيطر على النقابة وأجهزتها، يطرح فصل النقابة عن الحزب ورفع شعار "لا لحزبية النقابة" وشعار "الوحدة – الاستقلالية - الديمقراطية". وتحقق الانقسام بدل الوحدة! وتحقق "الحياد الطبقي" بدل الاستقلالية! وتحققت البيروقراطية بدل "الديمقراطية"!
وبداية من سنة 1964 أدركت الحركة العمالية والطبقة العاملة سياسة الحكم آنذاك وكذا سياسة قيادات الاتحاد المغربي للشغل و الاتحاد العام للشغالين و رفضت الخضوع ودخلت القواعد العمالية في نضالات قوية امتدت إلى نهاية الستينات وبداية السبعينات. وعمت هذه النضالات والإضرابات معامل السكر وأجراء الطيران وبحارة بأسفي عمال شركة تكرير البترول لاسامير.
وفي مسيرات فاتح ماي 1964 بالدار البيضاء رفعت الطبقة العاملة شعارات ترفض المواقف والتوجهات الاستسلامية والبيروقراطية التي مارستها قيادة "الاتحاد المغربي للشغل" وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وأعلنت تضامنها مع إضرابات طلبة الجامعة.
استمرت بيروقراطية النقابة بقيادة المحجوب بن الصديق في ممارسة محاصرة وطرد معارضيها والانقلاب على الاتحادات المحلية التي تختلف مع التوجه الرسمي البيروقراطي الاستسلامي للقيادة.
لكن نضال الطبقة العاملة مع دخول عمال شركة لاسامير ومحطات توزيع النفط في إضراب عام والذي تميز بمطالب تأميم الشركات الأجنبية العاملة في مجال النفط وبإحداث "مكتب وطني للبترول". أمام تصاعد نضال الطبقة العاملة جعل المحجوب بن الصديق الكاتب العام "للاتحاد المغرب للشغل" يُطـْــلِق قولته الشهيرة "من هو ضد القيادة، فهو ضد الطبقة العاملة", وهي السياسة النقابية التي لا زالت تعمل بها قيادة هذه المركزية النقابية. لكن عدد كبير من المناضلين النقابيين اليساريين الماركسيين والراديكاليين أصبحوا يواجهونه هذه العقلية.
الواقع النقابي ورهانات تجديد العمل النقابي في المغرب
تُشَكـِّـل "النقابية الديمقراطية اليسارية" قضية مجتمعية حقيقية كمجال وكأداة للحرية وللتواصل وللعلاقات الاجتماعية وللإنسانية المتضامنة وللتربية على المواطنة وكأداة للمساهمة في بناء مجتمع المواطنة والديمقراطية. سيما أن الطبقة العاملة والمأجورين والمأجورات وما يمكن أن نصطلح عليه تجاوزا "بالعمال الفكريين" الديمقراطيين، كالمعلمين والمعلمات والأساتدة والأستاذات وكالتقنيين والتقنيات والمهندسين والمهندسات والمختصين في المعلوميات والتكنولوجيات الحديثة والأطباء والطبيبات الديمقراطيين وغيرهم من فئات اجتماعية التي لا تملك وسائل الانتاج ولا تملك العقارات للتجارة السكنية والفلاحية، والتي لها تاريخ رائد ومساهم في قيادة النضال النقابي اليساري الديمقراطي، كل هذه الفئات الاجتماعية المتعلمة و الواعية تنحاز بوعيها وبموقفها وبممارستها المرتبطة بالطبقة العاملة والطبقات الشعبية في النضال الشعبي الجماهيري الديمقراطي وفي قيادته، لأنها هي الأخرى تبيع عملها الذهني في عدة قطاعات عمومية للدولة وفي عدة شركات رأسمالية خاصة شرط أن لا تملك وسائل الإنتاج وتعيش من أجرها فقط رغم أنها لا تنتمي طبقيا واجتماعيا للطبقة العاملة.
كما تشكل النقابية الديمقراطية عاملا أساسيا من أجل التجديد والتطوير المستمرين للديمقراطية وللنضال الديمقراطي وللمجتمع وللمواطنات والمواطنين وللعلاقات الاجتماعية وللمجال العمومي.
وقد تشكلت الحركة النقابية الديمقراطية قوة اجتماعية فاعلة ارتبطت عضويا بالمصالح الحيوية للطبقة العاملة وللفئات الاجتماعية الكادحة والمحرومة وكجزء مهم من قوى التحرر الوطني المناضلة ضد الاستعمار الفرنسي وكجزء مرتبط عضويا بالحركة الديمقراطية وبالنضال الديمقراطي.
إذا كانت الطبقة العاملة المغربية، خلال مرحلة الاستعمار، عانت التمييز بين العمال الفرنسيين والعمال المغاربة خلال وكانت تعاني قمع الحريات النقابية ومصادرة الحق في الانتماء النقابي وضرب الحريات العامة وخرق الحقوق النقابية والاجتماعية، وتعاني من شروط العمل القاسية، فإنها في الظرف الراهن كذلك استمرت ولازالت تعاني من نفس الشروط الاجتماعية المتدهورة ومن التبعية للحزبية الضيقة ومن سيطرة البيروقراطية النقابية، كما تعاني الطبقة العاملة من ممارسات النقابية البيروقراطية والبرجوازية الصغيرة التي تعمل على فك ارتباط الطبقة العاملة عن الاحتجاجات والنضالات الديمقراطية الجماهيرية التي بلورتها "حركة 20 فبراير" وتبلورها جماهير شعبية في عدة مناطق.

________________________________________
(1) ألبير عياش : "الحركة النقابية في المغرب" الجزء الول: 1919-1942 ترجمة: نور الدين سعودي مراجعة: العربي مفضال، رقن إلكتروني: جريدة المناضل-ة

(2) GEORGES OVED «LUTTES DE CLASSES ET PRIVILÈGES NATIONAUX AU MAROC»
(3) نفس المرجع (2)، ص 105
(4) (4) حوار مع محمد الصديق جريدة "الأحداث المغربية" عدد 20 مارس

#عبد_الغني_القباج (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات