أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - إختلاف القيم وصدام الحضارات















المزيد.....

إختلاف القيم وصدام الحضارات


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 1489 - 2006 / 3 / 14 - 10:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تصاعدت في الأونة الأخيرة النداءات الداعية إلى حوار الأديان كإجراء وقائي لتفادي صراع محتمل للحضارات. دعوات حوار الأديان لم تقتصر على طرف بعينه، وإنما صدرت عن العالم الإسلامي ممثل في زعمائه وملوكه بالإضافة إلى رجال الدين المتفتحين كشيخ الجامع الأزهر، كذا الغرب ممثل في الفاتيكان وبعض رجال الدين البروتستانت والأنجليكان. ربما اتفق عقلاء كافة الأطراف على أهمية تعايش الأديان في سلام تحت راية حرية العقيدة، ولكن لازالت هناك بعض الأصوات التي ترفض الاعتراف بالأخر المختلف في عقيدته وذلك إيمانا منها بوحدة العقيدة بعد ظهور الإسلام. يتزعم السلفيون هذه الأصوات ومنهم تقي الدين بن تيمييه ومحمد بن عبد الوهاب وسيد قطب. في المقابل تظهر في الغرب نظريات تنبئ بحتمية صراع الحضارات بعد سقوط صراع الأيديولوجيات، لعل أبرز هذه النظريات ما طرحه Samuel Huntington في عام 1993. رغم انها ليست المرة الاولى التي يتحدث فيها البعض عن الربط بين حوار الأديان ونبذ نظرية صراع الحضارات، إلا أن الدعوات تأتي هذه المرة في وقت مشحون محتقن بعد مشكلة الرسوم الكاريكاتيرية التي اعتبرت مسيئة للإسلام وما تبعها من ردود أفعال غاضبة عنيفة في الشارع الإسلامي فسرها مؤيدو Huntington على أنها إرهاصات صراع الحضارات.

كان Samuel Huntington إفترض في كتابه "The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order" أنه بنهاية الحرب الباردة فان قوى جديدة ستطفو على السطح ، وان الاختلافات الدينية والثقافية بين هذه القوي ستقودها الى التصارع فيما بينها. وحدد هانتينجتون الإسلام باعتباره التحدي الاكبر، بين هذه القوى، للسلام العالمي والطموح الامريكي.

على الجانب الرسمي إنتقدت الدول العربية والإسلامية ومعظم الدول الغربية فكرة صراع الحضارات، وخرجت تصريحات رسمية من هنا وهناك تطمئن الرأي العام العالمي بصفة عامة والإسلامي بصفة خاصة وتقول بأن التعايش السلمي بين الأديان والحضارات المختلفة هو الحقيقة الواقعة، ضاربة المثل بالمجتمعات المتعددة الأعراق والثقافات والأديان في الغرب. من جانبهم، تولى العديد من الباحثين والخبراء نقد نظرية صراع الحضارات، فكان هناك من أيدها على إطلاقها وكان هناك من أيدها بتحفظ وكان هناك من رفضها واعتبرها مجرد محاولة لملء الفراغ الذي خلفته الحرب الباردة في الوجدان الامريكي.

كان من هذه الأبحاث دراسة "The True Clash of Civilizations" للباحثين Ronald Inglehart وPippa Norris الذي نشر بمجلة "Foreign Affairs"، عدد مارس/أبريل 2003 يقول Inglehart وNorris في نقدهما لنظرية صراع الحضارات أن Huntington افترض أن القيم السياسية هي جوهر الصراع بين الغرب والإسلام، لكن ذلك يشكل نصف الحقيقة فقط، إذ أن للصراع بين الطرفين جذور أخرى تعود إلى تنافض موقفيهما من قضايا أساسية أهمها المساواة بين الرجل والمرأة والحرية الجنسية . ويصف Inglehart وNorris الهوة بين الغرب والإسلام بـ "الهوة الجنسية" القائمة على التفرقة بين الجنيسين. ويضيفان أن هذه الهوة تتسبب في اتساع الفروق الإقتصادية بين الغرب والعالم الإسلامي، لان الأخير يفتقد نصف قدرته وطاقته المتمثل في المرأة المضطهدة والمستبعدة. ويؤكد الباحثان أن الإلتزام بالمساواة بين الجنسين هو المؤشر القوى والأوضح على التزام المجتعات بمبادئ الحرية والتسامح والمساواة الإجتماعية.

ربما كانت هناك بعض النقاط التي يمكن أن نتفق فيها مع Inglehart وNorris وبخاصة النقاط المتعلقة باختلاف القيم والأسس التي تقوم عليها المجتمعات الغربية والمجتمعات الإسلامية، ولكني أرى أن إختصار هذه الإختلافات في المساواة بين الجنسين فقط لا يشكل كل الحقيقة، وإن كان جزءا اساسيا ومهما منها. إذ أن قيم أخرى كفصل الدين عن الدولة، وحقوق الإنسان، والمساواة بين المواطنين على اختلاف عقائدهم، والتسامح ، وقبول الأخر، وحرية الإختلاف، ورفض المطلق، ونقد المحرمات لا تزال تشكل فروقا جوهرية بين العقلية الغربية والعقلية المتزمتة في مجتمعاتنا. مجتمعاتنا لا تزال تشهد ظواهر سياسية واجتماعية عفا عنها الزمن منذ أمد بعيد في المجتمعات المتحضرة. وإلا فبماذا نفسر تدخل الدين في أمور الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بما يشكل عائقا أمام تقدم معظم مجتمعاتنا؟ وبماذا نفسر إحتلال الدول الإسلامية مقدمة جداول الدول المنتهكة لحقوق الإنسان في العالم؟ وبماذا نفسر الإعتداء على الأقليات هنا وهناك؟ وبماذا نفسر الحرب الأهلية التي تكاد تندلع في العراق بين المسلمين السنة وأشقائهم المسلمين الشيعة؟ وبماذا نفسر التصفيات الفكرية والجسدية التي تتم لرجال الفكر في لبنان ومصر والجزائر وغيرها؟ وبماذا نفسر ظاهرة الثأر؟ وبماذا نفسر عدم منح المرأة حقوقها المساوية للرجل؟ أسئلة كثير تشكل فوارق زمنية وحضارية وعلمية بين مجتمعاتنا والمجتمعات الغربية التي يكفرها البعض.

إن نبذ صراع الحضارات لا يكون بالشعارات الرنانة وحوار الطرشان الذي يريده البعض، ولكنه يتم بتبني قيم متحضرة تقاوم التخلف الذي تقبع فيه مجتمعاتنا. إن نبذ صراع الحضارات لايتطلب بالطبع أن يتخلى المسلمون عن دينهم وتعاليمه كما يروج البعض، ولكنه يتطلب تفعيل العقل، والإنفتاح على الثورات العلمية، والتعلم من تجارب الأخرين في المجالات الأتية:

أولا: فصل الدين عن الدولة فصلا تاما على أن يقتصر دور رجال الدين على شرح وتفسير العقائد الدينية دون التدخل الأمور السياسية أو فرض الرؤية الدينية على الحكومات. علينا الاستفادة من تجارب الأخرين في هذا الشأن. أوروبا لم تنطلق من كبوة العصور الوسطى إلا بعد تحرير الدولة من سلطة البابوات.

ثانيا: تثبيت دعائم الديمقراطية السياسية القائمة على المساواة والتسامح والعدل بما يكفل للفرد حرية العقيدة والتعبير وانتخاب ممثليه.

ثالثا: مواجهة الفكر الإرهابي المعادي لكل ما هو غير سلفي. وأعتقد في هذا الصدد أنه تقع على عاتق رجال الدين الاسلامي مسؤولية ضخمة في في هذا الشأن. أرى أنه لا ينبغي إغفال الجانب التاريخي لبعض النصوص وبخاصة التي تتعلق بتكفير الأخر ومواجهته، وذلك لمواجهة التنظيمات الارهابية التي تفرغ تلك النصوص من دلالاتها التاريخية وترى انها واجبة التنفيذ في كل العصور. لقد عانى الغرب طويلا من سيطرة النصوص ولكنه تمكن من التغلب على قوى الظلام ليس بمواجهة المسيحية ولكن بالإنفتاح في فهم الكتاب المقدس.

رابعا: مراجعة الفتاوى والأحكام الصادرة عن دور الفتوى الرسمية بالدول الإسلامية ومنها على سبيل المثال "حكم الإحتفال بحلول عام 2000 الافرنجي وما يتعلق به من أمور" ألصادر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية وغيرهما من الفتاوى والأحكام التي قد تؤثر على سلام واستقرار التعايش الإجتماعي المشترك. قراءة إحدى هذه الفتاوى يعطي الإنطباع بحجم الإنعزال والتقوقع الذي يريده رجال الفتوى لمجتمعاتنا، ناهيك عن الأثار السلبية التي تغرسها مثل هذه الفتاوى في بنيان المجتمعات المتعددة الثقافات والأديان. مثل هذه الفتاوى تقوض أركان أي مجتمع مدني مبني على التسامح وقبول الاخر.

خامسا: إعادة تاهيل رجال الدين والخطباء بما يضمن حصولهم على الحد الأدنى من التعرف بالثقافات الأخرى، فالتعرض للثقافات الأخرى لا يجب أن يكون في أطار التنافس والسعي لنقضها وهزيمتها كما هو الحال في معظم البلدان العربية والإسلامية ولكن التعرض للأخر يجب ان يكون في إطار الإحترام المتبادل والسعي لخلق ارضية مشتركة مع الجميع.

سادسا: نظم تطوير نظم التعليم القائمة على أحادية الثقافة والمصدر ، إذ ينبغي تنقية التعليم من كل ما يهين ويجرح مشاعر ويقلل من شان الأخر. أصبح من الضروري التعامل مع التعليم بنظرة مختلفة ، فالتعليم لم يعد هو التلقين، وإنما تدريب النشء على البحث العلمي الدقيق والموضوعي.

سابعا: علي وسائل الإعلام في العالم الاسلامي أن تعي أهمية الدور الذي تلعبه في تشكيل الرأي العام. ففي ظل العولمة والثورة الهائلة في نظم المعلومات والإتصالات والهجرة المنتظمة بين المجتمعات أصبح من الضروري التعامل مع الاخر كشريك لا كعدو وكاضافة لا كمرادف. وعلى وسائل الإعلام أن تتوقف عن التقليل من شان الأخر في سعيها لتعظيم الذات، وكذا عليها أن تتوقف عن التحريض ضد الأقليات الدينية والعرقية وأن تعامل مع الجميع من منظور عادل يتيح للجميع حير التعبير.

إن تعايش الحضارات يتطلب تغييرا في القيم السياسية والإجتماعية، وتطويرا للمناخ والعقليات والسلوكيات السائدة في العالمين العربي الاسلامي. فلا تعايش الحضارات طالما تواجدت الدكتاتورية وسيطرة رجال الدين وانتهاك حقوق الإنسان. ولا تعايش للحضارات مع الكراهية والحقد وإنكار الأخر. تعايش الحضارات يتواجد حيثما تواجدت قيم التسامح والمساواة والعدل بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة. دعونا نحلم بمستقبل افضل لمجتمعاتنا....



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأزق أقباط المهجر!
- النقد الفكري في الإسلام


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - إختلاف القيم وصدام الحضارات