أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عطا مناع - عجوز وطابون وسته دجاجات















المزيد.....

عجوز وطابون وسته دجاجات


عطا مناع

الحوار المتمدن-العدد: 5843 - 2018 / 4 / 12 - 23:48
المحور: القضية الفلسطينية
    


عجوز وطابون وسته دجاجات
بقلم : عطا مناع
تصحو حليمه مع الديك أو قبله بقليل، تتدحرج باتجاه خم الدجاج لتفحص حال دجاجاتها اللواتي يشكلن سلاحها الاخير والفعال في مواجهتها للحياة التي لا تشبهها حياة، حليمة التي ستطوى سنواتها الاربعين شاخت مبكرا، وهي دائماً تحدث نفسها لدرجة أن الذي يسمعها يعتقد ان الشيطان لبسها.
حليمه التي لا يزيد طولها عنى متر وخمسة وخمسون تعيش خارج الواقع، هي لا تقتنع بعمرها، لا تعترف يزمانها ولا مكانها، لا زالت تعيش هناك وتتمنى ان تدفن هناك، هناك وكما تعتقد كانت اكثر اشعاعاً وجمالاً، بالرغم من جمالها المتواضع والذي خبا بسبب قسوة الحياة في المخيم.
هي تعرف أن رحلة الشقاء القصيرة ترجمت نفسها على وجهها الذي امتقع ليميل للأسود ما يضيف بعض البشاعة لها وخاصة ان الوشم الاخضر القاتم احتل مساحة لا بأس بها على وجهها الذي لم تعد تراه بسبب عن وجود مراه في بيتها.
مرآة حليمة كانت وجوه النساء في المخيم، انها ترى نفسها في وجوه الاخريات اللواتي لا يختلفن عنها كثيرا، ومراتها الاخرى كانت زوجها خليل.
يعرف خليل أنه الميت الحي، ويعرف ايضاً ان النكبة استحضرت كل شياطين الارض لتنغص عليه حياته التي كان يعيشها بالطول والعرض في قريته تل الترمس، لذلك وعندما تنظر الية ترى شية انسان، كان يقول دائماً لم يعد للحياة طعم، نحن نعيش كما البهائم في هذا المخيم، فكل شيء في المخيم موت، الحياة موت، الثياب الرثة المرقعة التي تلبسها موت، ما تلقي به في معدتك موت، المختار موت والنساء اللواتي كانت بالنسبة له زينة الحياة الدنيا موت.
خليل ذو قامة فارعه، الناظر له يستغرب كيف تزوج بحليمه، هو اجمل منها بكثير، والفارق بينهما بضع سنوات، وسنوات النكبة القصيرة والقاسية لم تترك الكثير على وجهه، لكن قلبة كان مدمياً ، وتراه احياناً يتحدث خارج السياق لدرجة ان الذي لا يعرفه يعتقد انه مجنون، كان يردد دائما ... انا زي ذكر النحل لا شغل ولا مشغله، يقول ذلك بالرغم من انشغاله لتضيع الوقت لا اكثر في نسج السلال من اغصان الشجر التي تأتيه من القرى المجاورة بهدف وضع منتوج التفاح والخوخ والاجاص والسفرجل وشتى انواع الفواكه والخضراوات فيها.
حليمة الشابة العجوز تبذل ما في وسعها لحرق الوقت، كأنها تستعجل الحياة الثانية، وهي مقتنعة تمام الاقتناع بالانخراط والتقوقع في عالمها المقتصر على دجاجاتها السته وطابونها الذي صنعته من الطين بهدف توفير رغيف الخبز لعائلتها التي تدفع يومياً ثمن النكبة التي راحت ضحية فن السياسة.
حليمة تتقن فن الصمت، ولا تنفك عقدة لسانها الا وهي في خم الدجاج، تبوح لدجاجاتها بكل ما يعتمل صدرها، واحياناً تضحك على نفسها وهي تناجي دجاجاتها ولكنها غالبا ما تنهمر دموعها وهي تتذكر حياتها السابقة التي تشتاق لها، ففي حياتها السابقة تختيئ الذكريات والاحلام الجميلة.
احياناً وفي خضم مناجاتها لدجاجاتها يقتحم عليها احمد عالمها وينادي عليها غاضباً شاتماً، فالغضب والشتائم كانا ثقافة شملت كل بيوت المخيم، وكأن الرجال يهربون من واقعهم وثقل الهزيمة واوجاع اللجوء بالشتائم التي باتت تشغل جزء لا بأس به من حياة التيه والفراغ التي يعيشونها.
في احد الايام ارتفع صوت احمد غير كل المرات، كانت حليمة في تزبل الطابون ليكون جاهزا للاستخدام، اسرعت اليه فوجدت وجهه ممتقعاً ، وعلى الفور سألها، أين كواشين الارض؟؟؟؟ اجابته الكواشين في الطربوش؟؟؟ رد كعادته غاضباً أي طربوش؟؟؟؟ اجابته وهي ترثي لحاله في طربوشك.
عل الفور تناول الطربوش وافرغ بحرص ما في داخله من اوراق، بدأ يقلب الاوراق وقد عادت لوجهه الطمأنينة، كان هذه المرة مختلفاً عندما قال هل تعرفي يا حليمة أن كواشين الارض شاخت؟؟؟؟ يا الله خذ ما تبقى من عمري واعدني يوماً لهناك لأطمئن على ارضنا، معقول يا حليمة أن الارض بتشيخ ؟؟؟؟ نعم يا حليمه الارض تشيخ كما نحن ولكن الفرق بيننا وبين الارض أنها تستعيد شبابها كلما احتضنت واحداً من عشاقها.
نظر اليها وقد ارتسمت على وجهه نظرة تعرفها جيداً، توجست واستنفرت قبل ان يحاول ان يحتضنها قائلاً : هل تعلمي يا حليمه انك الوجه الاخر للأرض التي تركناها هناك ؟؟؟ عندما احتضنك أشتم رائحة ارضنا ، قالت له عندما احتضنتني اخر مره وقعت على رؤوسنا الخيمة وانفضحنا، فقال لها كل المخيم انفضح يا حليمه ، الله لا يرجع هذه الايام، ايام الثلجة الكبيرة ، هل تعرفي يا حليمة أن الارض عاقبتنا بالثلجة الكبيرة، عاقبتنا لأننا تركناها هناك وحيدة شيخوختها.
اجابته على الفور: من قال لك أن الارض وحيدة شيخوختها ؟؟؟؟ أرضنا يا احمد في قمة الشباب ؟؟؟ عنفوانها كما جذور البلوط صلبة عصية على الكسر ؟؟؟ أرضنا أرتوت بدماء عشرات الالاف من ضحايا العصبات الصهيونية ، كل قريه في فلسطين قدمت ضريبتها، لا تنسى يا احمد مئات المجازر التي راح ضحيتها عشرات الالاف من شعبنا، هؤلاء ملح الارض وديمومة شبابها.
خوفي يا حليمة من الاجيال القادمة وعليها، خوفي أن تنسى، كيف ننسى يا أحمد وصدى اصوات الضحايا لعنة ستلاحق كل من ينسى، نعم نحن سنشيخ ونموت وبموتنا تتجدد الارض منتظرة من يستحقها، لا تخف من الاجيال القادمة ولا تقلق عليها، هناك من سينسى ولكنهم قلة، كما قلت المرأة كما الارض لا بل هي الارض وهذا هو مخزوننا للسنوات القادمه.
الخوف يا حليمه كرباج يدمي ظهورنا، الخوف يتسرب لتفاصيل حياتنا، الخوف يا حليمه حولنا الى بهائم ، من رحم الخوف يا حليمه تلد الخيانة، اخاف يا حليمه أن نورث الخوف لأولادنا واحفادنا، الكنبة يا حليمة زرغت في قلوبنا الخوف، نخاف أن لا نعود، نخاف أن ننسى، ونخاف يا حليمه أن نتحول لبهائم لا تفكر الى في قوت يومها.
علينا يا احمد أن نخاف، فمن رحم الخوف تلد الجرأة وبعض الخيانة، هذا المخيم يا احمد لا خوف عليه، هنا سيتعمد الاطفال ليشتد عودهم ويزرعوا الارض شهداء وحراس، لا تخف يا احمد ألا من خوفك وعلى خوفك، لا تخف على المستقبل فالمستقبل هو خلاصنا ولكن عليك أن تبصق بمليء فمك على الحاضر بكل أوساخه، اذا رفضت الحاضر يا احمد سيفتح لك المستقبل أبوابه، يا أحمد المستقبل لنا، ومن يدري لعلنا بعد عشر سنوات أو عشرين سنة وعندما تختضننا الارض ونصبح نحن الارض سنحتض أحفادنا وأحفاد أولادنا شهداء، الأرض يا احمد تحتفي بالشهداء وتلفظ الخونة.
صمت أحمد لبضعة ثواني، ثم قام بلملمة كواشين الارض واعادها لطربوشه، اطلق نطرة في الافق كما السهم، نظرة اخترقت الجدران وطوت المسافات لتحط هناك حيث الذكريات التي لا تنسى، وكأنه السحر نهض على قدمية ولبس طربوشه وتوجه الى حاكورة داره حاملاً فأساً هرماً وبدأ ينكش الحاكورة بدون توقف وعلى وجهه ارتسمت علامات الغضب والانفراج.
تركته حليمة أسير الحاكورة والذكريات وراحت لتكمل ما بدأته من كد في البيت، كانت تعمل وهي تتابعه بنظرات أتعبها الاشتياق، وكأن الحديث بينهما اختصر الزمن وعاد بها للوراء لتستذكر احلامها البسيطة التي لم تتجاوز حدود القرية ، كانت تحلم وكأي فلسطينية عاشت ذلك الزمان براحة البال والطمأنينة، لا طموح لها سوى أن تهتم بزوجها وأولادها وأرضها.
أشاحت بوجهها عن احلامها وعن ماضيها الذي يسبب لها الصداع والشقاء، عادت الى خم الدجاج بعد أن اعدت وجبة الخبز اليومية، هنا مع الدجاج تشعر بالراحة فهي تحدث نفسها دون أن يقاطعها أحد، تذكر الحوار الذي جرى بينها وبين زوجها، حوار أضاف للخطوط التي حفرتها سنوات النكبة على وجهها خطاً اخر.
في خضم غيبوبتها اليقظة والتعب الذي أثقلها نتيجة عبئ اعمال المنزل، راحت حليمة في غفوة لترى المخيم قد اشتد عوده حيث لم يعد المخيم الذي تعيش، رأت الحشود تتوجه لبيتها حاملة احد أحفادها شهيدناً، كانت خارج المشهد حيث الحشود التي انتصرتِ على الخوف، أمام هذا المشهد المهيب نادت على احمد التي أصبحت واياه تراباً وكأنها تعلن انتصارها على الخوف وسنوات الوجع وقالت .... ألم اقل لك يا احمد.



#عطا_مناع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخارجون عن القانون
- الحكيم جورج حبش : طفح الكيل
- نكبتي ولجوئي: الوعد المشئوم
- هل في عزل ثيوفيلوس الثالث يكمن الحل ؟؟؟؟
- وين ع رام الله
- نكبتي ولجوئي: أن تصفع بحذاء بالي
- نكبتي ولجوئي : انها فوبيا العجز يا شهيد نا الصالح
- نكبتي ولجوئي: براء حمامده : هل هو شهيد التنسيق الامني ؟؟؟؟
- نكبتي ولجوئي : لن نتضامن معك يا علان
- نكبتي ولجوئي : سقوط سور الدهيشه اللعين 2
- نكبتي ولجوئي:سقوط سور الدهيشه اللعين ج 1
- نكبتي ولجوئي : في مثل هذا اليوم مات ابي
- نكبتي ولجوئي : قوارض تقتات الحقيقة
- نكبتي ولجوئي: شكراً اسرانا
- نكبتي ولجوئي: الشعب في خطر
- نكبتي ولجوئي : عزيزه هي السبب
- نكبتي ولجوئي : الجماهير على حق
- نكبتي ولجوئي : الحجر والبشر
- نكبتي ولجوئي : العجز يطحننا
- نكبتي ولجوئي


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عطا مناع - عجوز وطابون وسته دجاجات