أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - اساطين الفلسفة اليونانية(2)- أفلاطون















المزيد.....


اساطين الفلسفة اليونانية(2)- أفلاطون


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 5843 - 2018 / 4 / 12 - 21:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اساطين الفلسفة اليونانية
داود السلمان
المبحث الثاني
أفلاطون Plato أو Platon
مقدمة:
يُعد أفلاطون من أشهر الفلاسفة عبر التاريخ بعد أستاذه سقراط. وقد أسس أفلاطون خلال حياته أكاديمية لمختلف العلوم، والفلسفة والموسيقى وغيرها. وأثرت أفكاره الفلسفية على الفكر الغربي تأثيراً كبيراً، لا زال الى اليوم الفلاسفة والمفكرين والكتاب يرتشفون من معين فكره الثر، وسيبقى ذلك ببقاء الدهر، كون فكره كان إنسانياً، تفوح من خلاله عبق حرية التطلع الى السمو والرفعة، وتريد من الانسان أن يكون إنساناً بكل ما تحمله هذه المفردة من معنى.
"وكانت أعماله هي الشرارة الأولى التي أشغلت جميع المسائل والافكار الفلسفية في العالم الغربي حتى اليوم، وكانت ايضاً الحافز الاول لظهور علم النفس والمنطق والسياسة، وقد خلقت تلك الاعمال تأثيرات عميقة على الحياة العلمية في مختلف عصور التاريخ"(1)
وكانت كتاباته صُبت عن استكشاف العدالة، والجمال، والمساواة، وتضمنت ايضاً العديد من المناقشات حول علم الجمال والفلسفة السياسية، واللاهوت، وعلم الكون، ونظرية المعرفة وفلسفة اللغة، واما اكاديميته، فكانت بالفعل واحدة من المؤسسات الاولى للتعليم العالي في العالم الغربي. وسنتطرق اليها في هذا المبحث.
والآن نخوض في سرد جوانب نراها مهمة في حياة هذا الفيلسوف العظيم، وتتضمن:
اولاً: المولد والنشأة
أفلاطون هو أرسطوقليس، لا تُعرف سنة ميلاده على وجه الدقة، ولكن المختصين بتاريخ الفلسفة يرجحون أنه ولد عام 427 ق.م في مدينة اثينا اليونانية. وعُرف بأفلاطون، والتي تعني عريض المنكبين، لسعة جبهته وعظم البسطة والجسم. ينحدر أفلاطون من عائلة أرستقراطية عريقة كان لها دور مهم في المجتمع اليوناني آنذاك، بعكس أستاذه سقراط.(2)
"وطبقاً لما ذكره المؤرخ ديوجين ليوشيس (200م) فإن والد أفلاطون يرجع نسبه من أبيه إلى أحد ملوك أثينا يدعى Codrus ومن أمه إلى ملوك ميسينيا. والدة أفلاطون اسمها بينكتوني (Περικτιόνη) وهي من سلالة القانوني والشاعر اليوناني الأرستقراطي سولون. بينكتوني أخت اليوناني كريتياس (Κριτίας) وابنة كارميدوس" (الموسوعة الحرة)
وما لبث توفى والد افلاطون عندما كان شاباً، وتزوجت والدته من بعده سياسي يوناني معروف وكان أيضاً سفيراً في بلاد فارس.(3) ويشار الى إنّ أفلاطون كان لديه أثنين من الاخوة الاشقاء، أخت واحدة وشقيق، ولكنه ليس من المؤكد ترتيب أفلاطون وسط اخوته، وعندما كان أفلاطون شاباً، كان من ذوي الخبرة فكانت له اثنين من اكبر الاحداث التي حددت مساره في الحياة.
وفي بداية أمره تلقى أفلاطون تعليمه على الأرجح على أيدي أفضل المعلمين في اليونان شأنه شأن العديد من الشبان في طبقته الاجتماعية، وكانت المناهج التعليمية تتناول مذاهب كراتيلوس وفيثاغوروس بالإضافة إلى بارامينديس، وهو ما ساعد على الأرجح على تطوير أساس دراسة أفلاطون للميتافيزيقيا (ما وراء الطبيعة) وعلم المعرفيات (دراسة المعرفة).(4)
لم يتزوّج أفلاطون قط، مخالفاً بذلك أستاذه سقراط، بل قضى حياته في سبيل العلم والمعرفة والتدريس، وزرع محبة الحكمة في قلوب تلاميذه.
والفترة التي عاشها أفلاطون في اليونان كانت حينذاك فترة ازدهار، إذ سبقه سقراط الذي قام بتفجير ثورة المعرفة والعلم؛ ومن الواضح أنِّ افلاطون لم يكن له اشتراك بصورة مباشرة في الحياة السياسية برغم من أنه دعا كثيراً لتغير النظام السياسي، ولكن بصورة غير مباشرة، وكان هذا التغير الذي يدعو اليه هو وصول الفلاسفة الى الحكم ويصبحوا ملوك العالم الغربي بأكمله، وهو ما جاء في مدينته الفاضلة "الجمهورية" وسخط على النظام الديمقراطي في البلاد، واعتبر أن ذلك النظام هو اقرب الى الدكتاتورية، بعد أن شاهد استاذه سقراط يُعدم أمام ناظريه.(5 )
ثانياً: بدايات أفلاطون
ذهب أفلاطون فِي أول أمره الى" تعلم علم الشّعْر واللغة فَبلغ فِي ذَلِك مبلغاً عَظِيماً إِلَى أَن حضر يَوْماً سقراطيس وَهُوَ يثلب صناعَة الشّعْر فأعجبه مَا سمع مِنْهُ وزهد، فِيمَا كَانَ عِنْده مِنْهُ وَلزِمَ سقراط وَسمع مِنْهُ خمس سِنِين ثمَّ مَاتَ سقراط فَبَلغهُ أَن بِمصْر قوماً من أَصْحَاب فيثاغورس فَسَار إِلَيْهِم حَتَّى أَخذ عَنْهُم، وَكَانَ يمِيل فِي الْحِكْمَة قبل أَن يصحب سقراط إِلَى رَأْي ايرقليطس وَلما صحب سقراط زهد فِي مَذْهَب ايرقليطس وَكَانَ يتبعهُ فِي الْأَشْيَاء المحسوسة، وَكَانَ يتبع فيثاغورس فِي الْأَشْيَاء المعقولة، وَكَانَ يتبع سقراطيس فِي أُمُور التَّدْبِير ثمَّ رَجَعَ أفلاطون من مصر إِلَى أثينيا وَنصب فِيهَا بَيْتِي حِكْمَة وَعلم النَّاس فِيهَا ثمَّ رَجَعَ أفلاطون من مصر إِلَى أثينيا وَنصب فِيهَا بَيْتِي حِكْمَة وَعلم النَّاس فِيهَا ثمَّ سَار إِلَى سيقليا فجرت لَهُ قصَّة مَعَ ديونوسيوس المتغلب الَّذِي كَانَ بهَا وبلي مِنْهُ بأَشْيَاء صعبة؛ ثمَّ تخلص مِنْهُ وَعَاد إِلَى أثينيا فَسَار فيهم أحسن سيرة وأرضى الْجَمِيع وأعان الضُّعَفَاء وراموه أَن يتَوَلَّى تَدْبِير أُمُورهم فَامْتنعَ لِأَنَّهُ وجدهم على تَدْبِير غير التَّدْبِير الَّذِي يرَاهُ صَوَاباً وَقد اعتادوه وَتمكن من نُفُوسهم فَعلم أَنه لَا يُمكنهُ نقلهم عَنهُ وَأَنه لَو رام نقلهم عَمَّا هم عَلَيْهِ لَكَانَ يهْلك كَمَا هلك أستاذه سقراط على أَن سقراط لم يكن قد رام استكمال صَوَاب التَّدْبِير؛ وَبلغ أفلاطون من الْعُمر إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة. وَكَانَ حسن الْأَخْلَاق كريم الْأَفْعَال كثير الْإِحْسَان إِلَى كل ذِي قرَابَة مِنْهُ وَإِلَى الغرباء متئدا حَلِيمًا صبورا وَكَانَ لَهُ تلاميذ كَثِيرَة وَتَوَلَّى التدريس بعده رجلَانِ أَحدهمَا بأثينيا فِي الْموضع الْمَعْرُوف بأقاديميا وَهُوَ كسانوقراطيس وَالْآخر بلوقين من عمل أثينيا أَيْضاً وَهُوَ أرسطوطاليس. وَكَانَ يرمز حكمته ويسترها وَيتَكَلَّم بهَا ملغوزة حَتَّى لَا يظْهر مقْصده لِذَوي الْحِكْمَة وَكَانَ درسه وتعلمه على طيماوس وسقراطيس وعنهما أَخذ أَكثر آرائه".(6)
وقد تناولت كتبه موضوعات العدل والجمال والمساواة كما تضمنت نقاشات في علم الجمال والسياسة والفلسفة واللاهوت وعلم الكونيات وعلم المعرفيات وفلسفة اللغة. حيث تثقف أفلاطون كأحسن ما يتثقف به أبناء الطبقة الراقية، وأظهر ميلاً نحو الرياضيات وأخذ الحكمة عن فيثاغورث، ثم تأثر أفلاطون بفكر أستاذه سقراط وفلسفته إلى درجة يصعب معها الفصل بين أفكار أفلاطون وأفكار أستاذه سقراط. وقبل ذلك كان أفلاطون يميل في الفلسفة، قبل أن يصحب سقراط إلى رأي هيرقليطس.(7)
أفلاطون كان يرغب في شبابه أن يكون رجل سياسة. وفي عام 404 ق.م، نصَّب مجموعة من الأثرياء أنفسهم حكامًا مستبدين على أثينا، ودعوه للانضمام إليهم إلا أنه رفض لاشمئزازه من ممارساتهم القاسية اللاأخلاقية.(8)
ثالثاً: الاكاديمية
وكنتيجة طبيعية للظروف التي تمر على الانسان، وخصوصاً اذا كان هذا الانسان بحجم أفلاطون، يحمل فكر وهاج وحكمة متعالية ولب ثاقب. فكّر أفلاطون بتأسيس مدرسة خاصة لطلبة الفلسفة، وفعلا تم له ذلك، وكان ذلك حوالي 385 قبل الميلاد، وأطلق عليها الاكاديمية، وهي أول جامعة أو مؤسسة في العالم وقد ترأسها حتى وفاته، وتقع هذه الاكاديمية في حديقة مغلقة لبطل اثينا الاسطوري أكاديموس. وأقام فيها أفلاطون يعلم الناس على طريقة أستاذه سقراط ولا يطلب من أحد أجراً. وعلى مدى سنوات من عملها، كانت مناهج الأكاديمية في علم الفلك، وعلم الأحياء، والرياضيات، والنظرية السياسية والفلسفة. وكان أفلاطون يأمل في أن توفر الأكاديمية مكاناً يخرج منه قادة المستقبل لاكتشاف كيفية بناء حكومة أفضل في المدن اليونانية.(9)
واصطفى من بين تلاميذه ثمانية وعشرين تلميذاً كان يذهب بهم في بعض الأحيان إلى منزله، وفيهم أرسطو. وأخذت تعمل حتى عام 529 ميلادياً، ومن ثم تم إغلاقها من قبل الإمبراطور الروماني جستنيان الاول، الذي كان يخشى انها تكون مصدرا للوثنية وتكون بالتالي تهديدا على المسيحية.( 10)

رابعاً: نظرية المُثُل:
أستطاع أفلاطون أن ينشأ نظرية فلسفية قوامها وجود صورة خالدة للأشياء اطلق عليها (المُثل) أو الافكار ووحد بينها وبين الوجود، ووضع مقابل المثل العدم الذي وحده بالمادة والمكان.(11) "وأفلاطون يفرق بين انماط المعرفة التي تتوقف على الاشياء المدركة المختلفة. فالمعرفة الاصيلة لا تكون ممكنة الا عن المُثل الموجودة الحقة. ومصدر مثل هذه المعرفة الذكرى التي تتذكرها النفس الانسانية الخالدة من عالم المثل وهي تتمثل فيها قبل تجسدها في الجسد الفاني، ولا يمكن أن تتوفر لدينا معرفة الاشياء الحسية وعالم الظواهر. كل ما لدينا هو معرفة ظنية، احتمالية".(12)
إذن، المعرفة الجدلية هي المعرفة الفلسفية الحقة، وهي تساعد على الارتقاء من الأفراد المحسوسة إلى الأنواع، ومن الأنواع إلى الأجناس. ومن تبين الصفات المشتركة بين الأجناس يتم الوصول إلى الماهيات أو المُثُل كما يعتقد أفلاطون. ويقوم العقل عن طريق الجدل الصاعد باستخلاص المعاني الضرورية للحكم على المحسوسات. وفوق العقل تقوم المعاني المجردة لكل الأشياء في عالم مستثقل هو عالم المُثُل. وكل جسم أو شيء يشارك في واحد من تلك الموجودات المجردة أو المثل فيتشبه به يحصل على شيء من كماله. فكما أن مجموع الأجسام يؤلف العالم المحسوس كذلك فإن مجموع المثل يؤلف العالم المعقول، وهو العالم الموجود حقاً، وما وجود الأشياء إلا ظلال وأشباح لهذا العالم العلوي. ولمعايشة النفس عالم المثل قبل نزولها إلى هذا العالم، فإن معرفتنا الحقيقية بالأشياء تعود إلى "تذكر" المثال من غير رؤية الأشياء الحسية.(13)
ويذهب الدكتور زكريا ابراهيم الى أن أفلاطون كان يأخذ المنهج السقراطي الاصلي مأخذ الجد" فهو بني نظرية من اهم واكبر نظرياته، وهي نظرية "التذكر". ففي هذه النظرية تعد كل معرفة نوعا من التذكر لحقيقة كانت كامنة في الذهن، ولكنها نسيت بعد أن غلفها ظلام الاهتمام بالأمور الجزئية والمشاغل اليومية لهذه الحياة".(14)
كان أفلاطون شديد الاهتمام بكيفية استخدامنا لكلمة أو فكرة واحدة تغطي وتشمل عدة أشياء مختلفة. فمثلا كيف يمكن استخدام كلمة مائدة لكل الأشياء المفردة التي هي موائد؟ وقد أجاب على هذا السؤال بأن الأشياء العديدة يمكن تسميتها بنفس الاسم لأنها تتضمن شيئًا مشتركًا أُطلق عليه اسم المثال أو الفكرة.(15)
والمُثُل توفر للفيلسوف الصورة الكاملة للعلم الحقيقي وللوجود الخالد، وهما حقيقتان متكاملتان. وقد رد أرسطو على نظرية المُثُل هذه رافضاً وجودها في عالم منفصل ومستقل عن المادة بربطه بين الصورة والمادة ربطاً يسقط المُثُل (أو الصور) من عالم مفارق إلى عالمنا الأرضي.(16(
وشدد أفلاطون بقوله: إن المُثل تختلف اختلافاً كبيراً عن الأشياء العادية التي نراها من حولنا، إذ أن الأشياء العادية تتغير لكن مُثلها لا تتغير. إضافة إلى ذلك فإن الأشياء المفردة تقارب مُثلها بشكل غير كامل، وتظل هذه المُثل نماذج للكمال لا يمكن الوصول إليها. والأشياء الدائرية أو الجميلة ليست كاملة الاستدارة أو كاملة الجمال أبدًا. والشيء الوحيد الكامل الاستدارة هو المثال الخاص بالاستدارية ذاتها والشيء الوحيد الكامل الجمال هو المثال الخاص بالجمال.(17)
وكان أفلاطون هو الذى بلور نظرية شهيرة تقسم العالم إلى قسمين: عالم المثل العليا، والعالم الأرضي وبالتالي فقد بلور فكرة التعالي الذى يتجاوز الإنسان والواقع المحسوس، كما أنه ركز على فكرة روحانية النفس وخلودها بعد الموت.

خامساً: نظرية الكهف
في كتابه "الجمهورية" يتحدث افلاطون هنا على لسان سقراط متحدثاً لأحد أتباعه:
سقراط: تخيل كائنات بشرية قبعوا في كهف تحت الأرض، له ممر طويل باتجاه النور، ظَل هؤلاء الناس هناك منذ نعومة أظافرهم، وقيدت أرجلهم وأعناقهم بأغلال، بحيث لا يستطيعون التحرك من أماكنهم أو رؤية أي شيء سوى ما يقع أمام أنظارهم لأن السلاسل منعتهم من إدارة رؤوسهم. وخلفهم نار متأججة من مسافة، وبين النار والسجناء طريق مرتفع. ولتتخيل على طوال هذا الطريق حائطاً منخفضاً، مشابها لتلك الحواجز التي يضعها أمامهم لاعبو الدمى المتحركة.
غلوكون: أنها حقاً لصورة عجيبة، تصف نوعاً غريباً من السجناء.
سقراط: انهم ليشبهوننا، ذلك أولاً لأن السجناء في موقعهم هذا لا يرون من أنفسهم و من جيرانهم شيئا غير الظلال التي تلقيها النار على الجدار المواجه لهم، أليس كذلك؟
غلوكون: وكيف يمكنهم خلاف ذلك ما داموا عاجزين طوال حياتهم عن تحريك رؤوسهم…؟
سقراط: فلتتأمل الآن ما الذي سيحدث إذا رفعنا عنهم قيودهم وشفيناهم من جهلهم. فلنفرض أننا أطلقنا سراح واحد من هؤلاء السجناء، وأرغمناه على أن ينهض فجأة، ويدير رأسه، ويسير رافعا عينيه نحو النور. عندئذ سيعاني آلاماً حادة ويضايقه التوهج، وسوف ينبهر إلى حد يعجز معه على رؤية الأشياء التي كان يرى ظلالها من قبل. فما الذي تظنه سيقول إذا انبأه أحد بأن ما كان يراه من قبل وهم باطل، وأن رؤيته الآن أدق، لأنه أقرب الى الحقيقة، ومتجه صوب أشياء أكثر حقيقة؟ ولنفرض أننا أريناه مختلف الأشياء التي تمر أمامه، ودفعناه تحت إلحاح اسئلتنا إلى أن يذكر ماهي. ألا تظنه سيشعر بالحيرة، ويعتقد أن الأشياء التي كان يراها من قبل أقرب من الحقيقة من تلك التي نريها له الآن؟
غلوكون: إنها ستبدو أقرب كثيراً إلى الحقيقة.
سقراط: وإن أرغمناه على أن ينظر إلى نفس الضوء المنبعث من النار، ألا تظن أن عيناه ستؤلمانه، وإنه سيحاول الهرب والعودة إلى الأشياء التي يمكنه رؤيتها بسهولة، و التي يظن أنها أوضح بالفعل من تلك التي نريه إياها الآن؟
غلوكون: أعتقد ذلك.
سقراط: فلتتصور أيضا ماذا يحدث لو عاد صاحبنا واحتل مكانه القديم في الكهف، أن تنطفئ عيناه من الظلمة حين يعود فجأة من الشمس؟ فإذا كان عليه أن يحكم على هذه الظلال من جديد، وأن يناقش السجناء الذين لم يتحرروا من أغلالهم قط، في الوقت الذي تكون عيناه فيه مازالت معتمة زائغة، وقبل أن تعتاد الظلمة، وهو أمر يحتاج إلى بعض الوقت، ألن يسخروا منه ويقولوا إنه لم يصعد إلى أعلى الا لكي يفسد أبصارهن و ان الصعود أمر لا يستحق منا عناء التفكير فيه؟ فاذا ما حاول أن يحررهم من أغلالهم، ويقودهم إلى أعلى واستطاعوا أن يضعوا أيديهم عليه، ألن يجهزوا عليه بالفعل؟؟
غلوكون: أجل بالتأكيد.

سابعاً: كتاب الجمهورية.
كتاب جمهورية أفلاطون ومقسم إلى عشرة كتب بمثابة أبواب، وباختيار الحوار والسؤال والجواب وسيلة يصل بنا "أفلاطون" شيئا فشيئا إلى شكل جمهوريته ونظامها واختلاقها ومصطلحاتها وما تشكله بعد هذا من بشر يعيشون في أرجائها.
وتُعد جمهورية هي المصدر الأول لعلم السياسة، ولا غنى لأي دارس لهذا العلم عن الارتشاف من مورده العذب إن شاء أن ينطلق في دراسته انطلاقة صحيحة واعية. الجمهورية من أضخم الآثار التي تركها أفلاطون، ومن خلالها عالج خلاله الكثير من النظم السياسية وفلسفاتها، وعرض بأسلوبه المتزن معنى الديموقراطية الصحيحة وشروط تحققها في المجتمع اليوناني في عصره ويمكن أن تندرج مفاهيمه ضمن كل مجتمع وكل عصر.(18)
فالجمهورية هو عبارة عن حوار فلسفي سياسي، يَعرض من خلاله أفلاطون رؤيتَه للدولة المثالية أو المدينة الفاضلة السقراطية؛ فسقراط هو المُحاوِر الرئيس، وحوله شخصيات عدة يُجادلها وتُجادله، وتتحدَّد مع تصاعُد الجدال ملامحُ جمهورية أفلاطون المتخَيَّلة. في جمهورية أفلاطون ينتمي كلُّ فردٍ من أفراد المجتمع إلى طبقةٍ محددة، ويعمل في مجالِ تخصُّصٍ محدد.
ويتحقَّق التوازن بين القوى الثلاث التي يتكوَّن منها المجتمع: القوة العاقلة، والقوة الغضبية، والقوة الشهوانية. وبينما يحاول تقديمَ تعريفٍ للحاكم العادل ويقابله بالحاكم المُستبِد، يُقسِّم الحكومات إلى أربعة أنواع: الأرستقراطية، والأوليغاركية، والديمقراطية، والاستبدادية.(19)
وأفلاطون في جمهوريته يرى أن الحكام في الدولة الفاضلة، ينبغي أن يكونوا من الفلاسفة ويعلل ذلك بنظرية عالم المثل والتي تطرقنا لها. وهذه النظرية هي أهم ما يميز أفلاطون ومدرسته الفلسفية. وتتمثل في خلاصتها، بأن هناك طاولة مثالية، وهي عبارة عن فكرة موجودة في العقل. وكل الطاولات الموجودة في الحياة ما هي إلا محاولات لتقليد الطاولة المثالية الموجودة في عالم المثل؛ وفكرة الطاولة موجودة وجوداً حقيقياً لا افتراضياً.( 20)
وسكان الجمهورية أو أي دولة يؤسس لها أفلاطون، ينتمون إلى ثلاث طبقات: طبقة الحكام وطبقة الحراس وطبقة العمال. والأخيرة رأى أنها تشمل أصحاب الحرف اليدوية والفلاحين. ويضع أفلاطون خطة لإعداد وتهيئة كل طبقة من الطبقات الثلاث، التهيئة المثلى. ولكن أفلاطون اهتم في كتابه بتهيئة الحكام والحراس أكثر من طبقة العمال. ولذلك يرى كثيرون أن أفلاطون كان نخبوياً.(21)
وأفلاطون اخرج الشعراء من جمهوريته، بذريعة أنَّ الشعراء خياليون وليسوا مثاليون على اعتبار أن جمهوريته جمهورية مثالية.
وقد عرض افلاطون في كتاب الجمهورية لتعريفات العدالة السائدة. وبرهن على فسادها، لكونها ثمرة لمصلحة أو نتيجة خوف.
ومن هذه التعريفات:
1- إن العدالة تحقق مصلحة الاقوى.
2- إن العدالة اتفاق اعمال الناس مع التقاليد الموروثة.
3- إن العدالة هي اتفاق الناس فيما بينهم على أن لا يظلم بعضهم بعضاً.
ولقد رفض افلاطون هذه التعريفات كلها، وأثبت مفهومه الخاص للعدالة، وأبان كيفية تحقيقها".(22)
ثامناً: الأخلاق والسياسة
الأخلاق والسياسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً لدى أفلاطون، والخلاف بينهما يشبه الخلاف بين الجزئي والكلي، أو الفردي والجماعي: فالأخلاق غرضها استكمال فضائل النفس الإنسانية على مستوى الأفراد أما السياسة فإنها تدبير أحوال الناس المجتمعين في الدولة ـ المدينة. إلا أن الأخلاق والسياسة يجمعهما عند أفلاطون مثال الخير. وإن تطلع الإنسان إلى الخير يعني لدى أفلاطون التطلع إلى السعادة. وهذا الربط بين السعادة والخير ورثه أفلاطون عن أستاذه سقراط. والمعروف أن الخير الأسمى لدى أفلاطون هو مثال الخير المطلق، وهو رأس المُثُل كافة، ويأتي تحته بالتدرج الهرمي مثال الحق ومثال الجمال. وإذا سلك المرء الطريق المعاكس النازل، يجد أن المادة والجسد كليهما من عالم الشر. والفيلسوف هو الذي يرتفع بالعقل فوق مستوى المادة والجسد ويقترب أكثر فأكثر من الخير المطلق. فالخلاص الأخلاقي للفرد بحسب تعبير أفلاطون هو إماتة العلائق الحسية بالزهد، والارتقاء إلى مستوى التأمل العقلاني الخالص. ويتجلى الخير لدى أفلاطون في أشكال شتى أعلاها صورة الخير المثالية في رأس الهرم؛ وثمة نوع آخر من الخير هو اكتشاف الانسجام الموجود في الصور الحسية، وهنالك مرتبة أدنى يتحقق فيها الخير هي اكتشاف المُثُل عن طريق العلم. أما المرتبة الأدنى للخير أو السعادة فهي الحصول على اللذة التي لا يعقبها ألم ولا يتبعها ندم.(الموسوعة العربية على النت)
تاسعاً: من روائعه:
1- إذا أردت أن تعرف طبقتك من الناس فانظر إلى من تحبه من غير علة.
2- احسانك الى الحر يحركه الى المكافئة وإحسانك إلى الوغد يحركه إلى عودة المسألة.
3- إذا طالبت المال فاجعل زمانه اكتساب له أطول من زمان الانتفاع به.
4- اضعف الناس من ضعف عن كتمان سره واقواهم من قوى على غضبه واصبره من ستر فقره وأغناهم من قنع بما تيسر له.
5- الرجل الصالح هو الذي يحتمل الأذى لكنه لا يرتكبه.
6- السعادة هي معرفة الخير والشر.
7- الحياة أمل، من فقد الأمل فقد الحياة.
8- قليل من العلم مع العمل به أنفع من كثير من العلم مع قلة العمل به.
9- كل إنسان يصبح شاعراً إذا لامس قلبه الحب.
10- نحن مجانين غدا لم نستطع أن نفكر ومتعصبون إذ لم نرد أن نفكر وعبيد إذ لم نجرأ أن نفكر.
11-الحكيم من لم يكن برأيه معجبا ولم يدخله العجب عند المدح ولم يغضب عند اللوم.
12-لا ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له كما لا ينبغي للصاحي أن يخاطب السكران.
13-غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه.
14-إذا أردت أن يدوم حبك فأحسن أدبك.


وفاتــــــه
أمضى افلاطون السنوات الأخيرة من حياته في الاكاديمية مع طلابه يزقهم أنواع العلوم زقاً، وأن كانت الظروف المحيطة بوفاته هي غير معروفة لدى مؤرخي الفلسفة، لكنهم يرجحون أنه من المؤكد قد توفى في أثينا حوالي 348 قبل الميلاد عن عمر يناهز الثمانين عاماً.
وبموته لم تمت الفلسفة، بل جاء من يكمل الطريق الذي عبده افلاطون، واعني به ارسطو، ولو أنه قد أبتعد عن نهج استاذه أفلاطون.
وهو ما سنخوض في جوانب من حياته وفلسفته في المبحث التالي.

هوامش المبحث الثاني
(1) أحمد الميناوي، جمهورية افلاطون ص15، دار الكتاب العربي دمشق-القاهرة.
(2) الدكتورة اميرة حلمي مطر، الفلسفة اليونانية ص155، طبع القاهرة – مصر 1998.
(3) احمد الميناوي، جمهورية افلاطون ص15، دار الكتاب العربي دمشق-القاهرة.
(4)أميل برييه، تاريخ الفلسفة، الجزء الاول ص130، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة بيروت، الطبعة الثامنة 1978.
(5) الدكتور عزت قرني، مجلة عالم المعرفة، المجلد 38- 2 ديسمبر سنة 2009.
(6) أبن أبي أصيبعة، طبقات الاطباء ص 69 دار المعارف، بيوت ط الاولى 1998.
(7) الدكتور كامل حمود، دراسات في تاريخ الفلسفة العربية ص 31، درا لفكر اللبناني، سنة الطبع 1990.
(8) وول ديورانت، قصة الحضارة ص 48).
(9) كرم تاريخ الفلسفة ص 80).
(10) أميل برييه، تاريخ الفلسفة مصدر سابق.
(11) موسوعة الفلسفة ص 37 وضع مجموعة من العلماء السوفيات.
(12) المصدر نفسه.
(13) أحمد الميناوي، جمهورية أفلاطون ص120 وما بعدها.
(14) جمهورية أفلاطون ص 45 دراسة وترجمة زكريا ابراهيم.
(15) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية ص 90.
(16) محمد مظهر سعيد ونظلة الحكيم، جمهورية أفلاطون ص 131 وما بعدها، الطبعة الاولى 2013، بيروت).
(17) يوسف كرم، الفلسفة اليونانية ، مصدر سابق.
(18) جورج سباين، تطور الفكر السياسي، ص 42 وما بعدها، ترجمة المحامي جلال حسن العروسي، مصر، سنة الطبع 1954.
(1) محمد مظهر سعيد و نظلة الحكيم، جمهورية أفلاطون ص 131 وما بعدها، الطبعة الاولى 2013، بيروت).
(20) يوسف كرم- تاريخ الفلسفة اليونانية ص 120، دار القلم بيروت، مراجعة وتنقيح د. هلا رشيد أمون.
(21) برتراند راسل، حكمة الغرب1: 112).
(22) الدكتور كامل حمود، دراسات في تاريخ الفلسفة العربية ص39، دار الفكر اللبناني بيروت 1991.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أساطين الفلسفة اليونانية(1)-سقراط
- حدائق الكلام - نصوص (7)
- حدائق الكلام - نصوص (6)
- حدائق الكلام - نصوص (5)
- حدائق الكلام- نصوص(4)
- حدائق الكلام - نصوص (3)
- حدائق الكلام- نصوص(2)
- حدائق الكلام- نصوص(1)
- بول الابل في الفقه الإسلامي
- علك البستج والنائبات العراقيات
- ابن سلمان في بغداد!
- ستيفن هوكينغ يرحل بلا جائزة نوبل
- التحرش.. ظاهرة كلنا مسؤول عنها
- التقارب العراقي السعودي
- إقتلوا الشيوعيين والعلمانيين!
- الله لا يحاسب الفقير!
- هل العيب بالدين أم برجال الدين؟
- الانتخابات وخيبة الناخب
- الدين: خرقة قماش أو قطعة بلاستيكية !
- خرج باكراً لكسب قوت يومه فلقي حتفه في ساحة الطيران


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - داود السلمان - اساطين الفلسفة اليونانية(2)- أفلاطون