أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - أرصفة مريدي - قصة قصيرة














المزيد.....

أرصفة مريدي - قصة قصيرة


حيدر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 5842 - 2018 / 4 / 11 - 01:12
المحور: الادب والفن
    


لم تعُد السُرَّة الى مكانها ، منذ أسبوع وهو يراجع المضمّد ، كان " حسين القوري " قد تعِبَ من مراجعة كلّ من هب ودب ، في البداية مددته أمه على ظهره ، و أخذت بتدليك بطنه بالزيت الى الاسفل ، و دهنت ظهره و أيضا قامت بالتدليك نحو الاسفل ، جرت أبهامه من اليد اليمنى ، و من ثم الابهام من اليسرى ، كان صدره حفرةً متخومة بالحرارة ، النار تصاعد نحو الصدر وتهبط ، قلبته على ظهره ، و اخذت تدير فنجان شاي حول السرة لتعود ، وهكذا نحو ثلاثة أيام ، حتى يأس و ذهب الى " أبو حيدر " المضمد الذي طهره ، مازال يهابه ، ويخاف منه ، أمره بحلق الشعر الذي يحيط بطنه ، أو ملعب الشعب كما مازحه ، بعد أن فعل ضغطها بأنبوب بلاستيكي مفرغ من الهواء ، يالهذا العالم البلاستيكي فكّر " قوري " ، تركه المضمد ليمارس هوايته ، الثرثرة ، و تذكر كل ماهو ميت ، لكن الاشياء الميتة كانت حاضرة ، و مرشوشة بالوضوح في هذا المحل الصغير ، كل شيء هنا ميت ، لكنه موجوداً ، حتى " قوري " الذي هزأوا دائما من رأسه الذي يشبه ابريق الشاي ، أو القوري باللهجة العامية العراقية ، أخذ يتلّوى و هو ينظر الى مروحة السقف التي تطقطق ، ثمة عدة طيور محنّطة ، شاهد كرسي جدّه الذي كان صديقا حميمياً للمضمد ، كان له مقعد خاص هنا ، و لم يجد صورته التي كانت معلقة مع أقرانه ، أو ضحايا الطهور ، و لكم حلموا جميعا بالوساخة و البقاء على القذارة مقابل الطهور المؤلم ! .

بعد أيام ، بقيت الالام ، السُرَّة عادت ، لكن الالام لم تنقشع ، كان عليه أن يترك العمل لأسبوع آخر ، لكن حمولة من ( السكراب ) علق عليها آماله ، قاوم تعبه ، و وجعه ، و ذهب لشراء الصفقة ، أكوام من الحاجات الفائضة ، المرمية في النفايات ، و المُباعة بأسعار زهيدة ، تطلب منه شاحنة كبيرة ، فاتفق مع صديقه صاحب " اللوري" ، واشترى الحمولة كلّها بمليون دينار عراقي ، فكّر ببارس ، المقاهي ، سارتر ، ـــ ياه ، كم هي الارصفة هناك أرصفة ، ليست هذه الارصفة التي هجرها الوصول ، تخيّل أن يجلس في مقعد كتب عليه كامورواية ، أو حتى جملة ، أو فكر بجملة ما ، تصدّ من هنا ينتفض شبح رامبو ، يطاردك طيف جان جينيه ، دريدا ، فوكو ، و تشمّ عرق ماركس وهو يركض خوفا من شرطة باريس ، تمضي لتلملم المخطوطات التي أسقطها ، و تحمل من الأرض فزعه المتناثر ، ياه يا أرصفة باريس لو تعلمين أي أرصفة هنا في سوق مريدي ـــــ ، أخرج من جيبه ما تبقت من أوراق نقدية ، و في وسطها لمح آخر قصة كتبها ، كانت تتحدث عن الشيخ الذي فقد نظره و مازال يعمل في السكراب ، لكم غشّوه ، و لكم سرقوه ، و لكنه بقي صامداً ، ملتزما بهذا الرصيف ، ولم يتخلّ عنه ، صرخ في القصة بوجهه لانه كان ضعيفا في الواقع ، زجره ، لطالما تركنا هذا الرصيف الشاحب ، لماذا هو يتمسك به الى الان ، انه لا يعرف شيئاً عن أرصفة بللتها روائح الزهور ، مالذي يستنشقه هنا غير البارود و الكدر ، ـــ قرف ، قرف ، سأرحل من هنا بعد هذه الصفقة ـــ .

كان حسين القوري يحب كتابة القصص ، ولطالما أجل نشر مجموعته القصصية الاولى بسبب صورة ( ماركيز ) التي يضعها خلفية في هاتفه الذكي ، يقول عنه ( ما عاف شي ينكتب ) ، و لكن هذا لم يمنعه من الحلم بباريس ، باللجوء الى الفردوس الذي بجلّه سيوران ، وصل الى مكانه ، أنزلّ الحمولة في فردوسه الطفولي او المخزن الكبير ، بيت جدّه الذي كان ملاذه الوحيد ، أفرغ كل الحاجات المستعملة ، إتصل ببعض الاصدقاء ، و بعد أن إطمأن على نجاح البيع ؛ قرر الخروج بنفسه عند العصر ، أفرز الحاجات الثمينة التي تباع بثمن باهظ ، وبعد كد مرير كانت الخطوة الاخيرة نقل الاغراض بسيارة النقل الصغيرة ، رشّ المكان القذر ، مسحه ، و بكلّ بساطة نسي كتاب الوجوجود و العدم و هو يقول ( اللهم صلِّ على محمد وآل محمد ، يا زراق يا ستار ) ، ضحك بسرّه ، قال في نفسه ( عادي ، أهم شي جملتي ما تحتاج تفكيك لان دريدا يصدّعني ) ، راح يموضع الاشياء بطريقة سيميائية ، و ما انفكّت الضحكة تفارقه بعدما قال لمساعده " حمودي " ( لك حتى مريدي يرادله سيميائية ) ، و رد عليه الاخير بفظاظته المعتادة ( انت مو صاحي يرادلك حبوب بلع ) ، و ماهي الا لحظات حتى عجّ السوق بالفائضين ليشتروا الفائض ، آه يا ماركس من الواضح أن فائض القيمة يخلق أُناساً فائضين عن الحاجة . كان البيع يدرّ الربح بإستمرار ، الجيوب ممتلئة ، والعرق يتصبب ، لكنّ معدة حسين القوري كانت تلتهب ، و يكابر للذهاب الى باريس ، تنتفض حرقة من الداخل ، و يصبو قلبه نحو تلك الشوارع ، يشاهد المخاط السائل فوق وجوه الاطفال ، و يتأمل نهر السين ، النفايات المتراكمة ، متحف اللوفر ، المتسول الذي يزحف ، الارصفة المجنحة هناك ، الظلام ، النور ، الهواء ...........

لم يتنفس حسين القوري الهواء بسهولة بعد أن إنفجر الفتاق في داخله ، كان ممداً بين السلع الفائضة ، تتبخر من عينيه مشاهد باريس ، و المقاهي ، و الارصفة الموسيقية التي حلم بها ، أسندوه المارة على الرصيف الذي مقته دائماً ، لم تكن السُرَّة علّته ، كان فتاقاً حمله نهايته ، بعد الحمولة التي إشتراها ، كان بعض المارة يمدّون أيديهم في جيبيه ، و الاطفال يسرقون الأغراض من حوله ، وآخرين يصرخون ( لا اله الا الله ) منددين بالسرقة التي حصلت ، كان فتاقه أن يولد هنا ، وحمولته هذا الرصيف الذي يستند اليه ، أطلق ضحكة هازئة في المدى المحموم ، و صاح ( ها دريدا ارتاحيت ، فككوني ) .



#حيدر_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقطع من قصة ( ن ) / قصة طويلة
- أسير مريدي - قصة قصيرة
- حسناء مريدي - قصى قصيرة
- حسناء مريدي - قصة قصيرة
- الثياب الرثة تقلقكم
- المتفوقون بالعمل !
- طالبُ المُستنصرية الأخير - نص
- حنا مينه قاصاً
- سكّان الأزقة الكافكوية ، سعدي عباس العبد أنموذجا
- إبتسامة هاربة - قصة قصيرة
- العنف اللغوي في الاغنية العراقية
- برستيج العامل الجديد
- عن سوق مريدي (3 ) / مروءة أهل العراق البلاستيكية
- الأخطل الصغير و دماء الورد !
- الابنودي أصابع الطين - مقال
- باليه فوق الجثث - قصة قصيرة
- كافكا و جليل القيسي
- مهرجان الغايات و الوسائل
- عن جدي و الشهد و الدموع
- عجين مريدي - قصة قصيرة


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر سالم - أرصفة مريدي - قصة قصيرة