أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1














المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5840 - 2018 / 4 / 9 - 19:06
المحور: الادب والفن
    


ريشةُ الشمس، شرعت بالانسياب على قماش لوحة المدينة ذي الفراغات البيضاء، مخلفةً لوناً أحمرَ.. لون وحيد، بات يمتّ لماضيها، المتزمت، أكثر منه حاضرها التائق لحرية الرأي والعبادة. مع ساعة الشفق، يهيمن أيضاً اللونُ الأسود لظلال الأبنية القديمة، المثبت على مداخل بعضها لوحاتٌ تخلّدُ أسماءً رموزاً، يحفظها جيداً تلامذة المدارس. تفرغ عندئذٍ الشوارعُ والحدائق رويداً من المرتادين، كما لو أنها رئاتُ أسماكٍ تلفظ آخر أنفاسها في سلة صيادٍ عند حافة النهر. يخت كبير، كان هنالك يخترق المياه، عائداً على الأرجح من جولةٍ بين جزر الفولغا. لعله المركب نفسه، الذي سبقَ أن استقلّته الصديقتان، قبل عام مضى، مع زملائهما في معهد اللغة. آنذاك، لم يَزد تعارفهما على بعض كلمات المجاملة: " سوسن "، كانت مبهورة بكل ما تراه، كونها المرة الأولى تجد فيها نفسها ببلدٍ أجنبيّ. فيما زميلتها الكويتية، حظيت بزيارة أكثر من عاصمة أوروبية بحُكم عمل والدها الدبلوماسيّ. على أنهما كلتاهما، لن تلبث أن تقع ضحيةَ الكآبة، بالأخص فيما يتعلق بالطقس المناقض لمثيله في المشرق.
ولكنها الآنَ مع صديقتها في ساعة غروبٍ، مورّدة بشمس آب. كانتا هذه المرة بصحبة زميلٍ، مقيم في مسكنهما الطلابيّ. لنقل منذ البدء، أنّ اسمه " عادل "، وجوده في موسكو سبقَ مواطنته السورية بخمس سنين. شكله، لا يختلفُ كثيراً عما نعرفه عن شباب الشام؛ ببنية صحيحة مع ميلٍ قليل إلى القصر، وبشرة بلونٍ حنطيّ على شيء من الشحوب. لحيته كثيفة، مشذبة بعناية ( قَصَّة كارل ماركس؟ ). ويعتقد بعضهم، أنه لا يمتلك من رأسمال الجمال سوى هذه اللحية. إنه رأيٌ، لم تكن " سارة " تأخذه على محمل الجدّ ما دامَ جرى مرةً على لسان صديقتها، اللاذع. هذه الأخيرة، تركت مسافة بينها وبين المحبَيْن، تتيح لهما تبادل الحديث الحميم بعد فترة فراق تقاربُ الشهرين.. فترة، كانت فيها رسائل " سارة "، المفعمة بكلمات العشق والشوق، تصل إليه على عنوان المسكن الطلابيّ مسجلةً باسم صديقتها.
" اختارَ هذا المساء تحديداً لكي يلتقي معها في المدينة، مؤملاً أن تصطحبه للحفل وتعرّفه على أبيها. بل لقد تهندمَ للمناسبة بسترةٍ لائقة، شيطان يأخذه هوَ وسترته! "، فكّرت في حنق. على هذا المنوال كانوا يتمشون في شارع أربات، وقد قبعَ خلفَ ظهرهم تمثالُ " دولغاروكي "، المتمثّل هيئةَ شرطيّ مرور بيده الممتدة إلى المركبات المتزاحمة حول قاعدته الرخامية. انحدروا من ثمّ نحوَ ساحة " بوشكين "، أين تمثال الشاعر المنتصب بحركة مؤثرة تعبّر عن التفكير العميق. كانت وجهتهم الساحةُ الأخرى، الحاملة اسمَ شاعر الثورة البلشفية الأشهر، والمحتفية أيضاً بتمثاله المهيب. يا للتماثيل، الأكثر عدداً في هذه المدينة من مدمني الكحول!
هنالك على طرف ساحة " ماياكوفسكي "، قبعَ مطعمٌ ـ مرقص يحمل اسمَ إحدى العواصم الاشتراكية، أجتمع فيه مساءً موظفو القنصلية الكويتية، ونسوتهم المتزينات بالحلي الثمينة، على شرف " الشيخ سالم " الذي عاد مؤخراً وعلى صدره وسامٌ أميريّ رفيع. فما لبثَ المُحتفى به، المكتسي بسترة الملحق العسكريّ، أن دعا الحضورَ إلى مأدبة العشاء. المناضد، المفروش كلّ منها بسماط ناصع، ازدحمت بالأقداح الكريستال والخزف الصينيّ والقوارير المذهّبة، وكلّها تتألقُ ببريقٍ يكادُ يطغى على لألاء الماس والمجوهرات والنياشين. مستخدمو المطعم، وغالبيتهم من الروس، كانوا قد تسمروا كالتماثيل في زوايا الصالة بعدما أنهوا توزيع عدّة المأدبة. فما عتمَ هؤلاء أن فغروا أفواههم دهشةً، حينَ تقدّم أربعة رجال سمر بنسق واحد وهم يحملون صدراً نحاسياً، بحجم منضدة، عليه تلّ فضيّ من الرز المطبوخ وقد تربع فوقه عجلٌ مشويّ ضاحكُ الثغر. عند ذلك، تصاعدت من المدعوين همهمةٌ متآلفةٌ مع غمامة البخار العَبِقة: " منسف زين..! ".
بحثت بين عشراتِ الوجوه المحتفلة عن وجه " سارة "، إلى أن لمحته أخيراً وكانَ يضوي بالرضا والحبور. أسرعت إليها مجتازةً خيالات الشموع المتراقصة، المشتعلة فوق المناضد: " لديّ ما أقوله لكِ ". ثم انتحت بها جانباً عند عمودٍ من المرمر الأشقر، لتردف بشيء من القسوة: " ما هذا منك؟ ترقصين مع صديقك، وبيدك كأس شمبانيا أيضاً؟ حتى المدعوين الروس أظهروا احتراماً لمضيفيهم، فلم يتصرفوا بهذا الشكل ". أبدت " سارة " نوعاً من الاستهانة، ملوحةً بالكأس أمام وجه الأخرى: " ولكنه شرابٌ غازيّ، وليسَ شمبانيا؟ "
" مهما يكن، فإنني لحظتُ أماراتِ السخط على ملامح والدك عندما كنتِ تراقصين عادل "
" ولكنني استأذنته سلفاً، وإنها ليست المرة الأولى أحضر معه حفلاً راقصاً "
" كلّمتك بهذا الشأن، كيلا تسببي للشيخ سالم إحراجاً أمام مرؤوسيه. أساساً، وجودُ صديقك في الحفل كان تصرفاً لا يقلّ طيشاً "
" اللعنة! قد أكون آلمتُ أبي بالفعل، فيما كنتُ لاهية بالرقص "، قالتها وقد ارتسم على سحنتها تعبيرُ طفلٍ جزع يعلمُ أنه أرتكبَ هفوة فادحة مكشوفة. ثم عادت لتهمس برجاء: " وإنني أعتمدُ عليكِ في تصليح الموقف، على الأقل لناحية كأس الشمبانيا! ". في حين أولتها " سوسن " ظهرها، لتمضي إلى أبيها، همدت هيَ على كرسيّ وجدَ مصادفة بالقرب من قدمها. من بعيد، أرسل صديقها نظرة ضارعة لم يفطن لها أحد. بعد قليل، لما آبت " سوسن " إليها، وجدتها في نفس المكان منكسةً رأسها. جلست بالقرب منها، جاعلة يدها في حضنها: " أرفعي رأسك، وانظري الآنَ إليه! إنه سعيدٌ، باسم الثغر مثلما ترين ". قالت " سارة " مشتتة الفكر: " ولكنني أراه حزيناً..؟ "
" يا لك من بلهاء، إنني أقصد أباك لا صاحب اللحية الحزينة! "، أجابت ضاحكةً متهكّمة. ثم نهضت واقفة وقد تحولت سحنتها إلى التقطيب والعبوس. عادت وانحنت قليلاً بجزعها، لتقول بصوت خافت: " آه يا صديقتي، لا أدري كيفَ عليّ أن أخبرك بالأمر؟ لقد عرضَ والدك عليّ الزواج في الحال، أعني لحظة هممتُ التكلمَ معه بشأنك ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2
- الطريق إلى الغوطة
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1