أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - أسرار العمل الفني














المزيد.....

أسرار العمل الفني


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 5840 - 2018 / 4 / 9 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


لقد تمكن الفن الحديث والمعاصر من التخلص من فكرة المحاكاة La mimèsis - μίμησις الموروثة عن الثقافة اليونانية، التي درسها إفلاطون في الجمهورية ثم طورها أرسطو فيما بعد. رغم كون ذلك خطوة جبارة في تطوير الفنون وتقدمها ومكنها من التحرر من التقليد ومحاولة إعادة خلق ما هو موجود ومرئي في الطبيعة بطريقة إصطناعية، غير ان ذلك أدى في نفس الوقت إلى سقوط الفن في غياهب ظلمة فكرية وتشوش نظري وإبتداع آلهة وانبياء وديانات جديدة، وأدى إلى خلق سلطة روحية من نوع جديد، سلطة لا حدود لها، ومنحها لمفسري الفن ومنظريه من كل نوع، وخلق دينا جديدا بكهنته وأحباره وشيوخه ومعابده في جميع عواصم العالم المتحضر. وأدى خلق هذه السلطة الفنية، والمكونة من النقاد الفنيين والمثقفين والفلاسفة والشعراء والمشتغلين بالفنون التشكيلية، أي الفنانين انفسهم، بالاضافة إلى اصحاب صالات العرض ومديري المتاحف والمسئولين السياسيين عن الثقافة، إلى خلق هوة عميقة بين الفن والحياة وبين الفن والمشاهد العادي الذي لم يستطع ان يتجاوز مرحلة المحاكاة ولم يستطع - حسب نظرة هؤلاء النقاد- الوصول إلى اسرار الفن ومعانيه العميقة والغوص أبعد مما يراه ويسمعه. فنلاحظ هذه النظرة الغيبية للفن بوضوح اكثر حدة، فيما يتعلق بالفن التشكيلي، حيث نشاهد ظواهر غريبة في مجال النقد، أذ يتكلم الناقد احيانا مثلما يتكلم العرّافون، الذين يتنبأون بما يخبئه المستقبل، فيفسرون معنى الألوان والأشكال، ويجعلون "اللوحة" تنطق وتبوح بسرها كما يفعل المشعوذون الذين يحركون الطاولات، ويجعلونها تتحاور مع البشر بأية لغة يشاءون. ذلك ان اغلب النقاد يعتبرون الفن لغة يجب اكتشاف وتحليل شفرتها، وترجمتها إلى لغة الكلمات، أو في احسن الأحوال يجعلونها رموزا يجب تحليلها مثل الأحلام، ويستعملون في ذلك ادوات الإنشاء الفرويدية وغيره من مفسري النفس البشرية وابداعاتها. وهذه القطيعة بين الفن والمجتمع ترجع بالدرجة الأولى إلى إعتبار الفن لغة دلالية، أي أن العمل الفني يقول شيئا ما يجب إكتشافه والبوح به بالكلمات والجمل أي باللغة الكلامية. ونحن نعرف اليوم ـ ونستطيع ان نؤكد ـ بأنه لا يوجد وراء اللوحة سوى الحائط الذي يسندها والمسمار الذي يشدها إلى الحائط، وكل ماعدا ذلك هو من السحر والشعوذة الفكرية، والتي لا تقود إلا إلى المزيد من التعمية، وتعميق الهوة ـ العميقة أصلا ـ بين المشاهد والفن، واغراقه في الخطأ الأساسي، وهو محاولة ايجاد الرسالة المخبأة وراء الألوان والخطوط والأشكال. وبهذا القول لا نعني انه لا يوجد أي معنى او رمز أو دلالة لأية لوحة او أي عمل من الأعمال الفنية، بل نعني بان هذا المعنى او الرمز ـ إذا وجد ـ فإنه ليس له علاقة مباشرة، او داخلية بالعمل الفني ذاته، فنحن لا نحب الأشياء لأنها جميلة، ولكن الأشياء جميلة لأننا نحبها كما يقول الشيخ سبينوزا. المتحف أو المركز الفني لا يحتوي داخل صالاته كل هذه الأعمال واللوحات الفنية لأنها أعمال عظيمة وجميلة أو لأنها تحف، بل هذه الإبداعات عظيمة وجميلة وتعتبر تحفا لأنها توجد داخل محراب المتحف. فهذا المكان، كالمعبد هو الذي يضفي صفة العظمة والقدسية على كل ما يحتويه داخل جدرانه. البعد الجمالي، أو الحكم على جمالية العمل الفني هو بناء وتركيب بعدي، وليس من خصائص العمل الفني جوهريا، إنه يتعلق باللوحة وبالمشاهد معا وتفاعلهما مع المكان الذي يتواجد فيه العمل الفني، انه مجرد "علاقة" او اضافة ثقافية اجتماعية، تلتصق بالعمل الفني من الخارج، كعنوان اللوحة، وسعرها، وتاريخها، وتوقيع الرسام، الخ. إن الفنان حين يبدأ في رسم لوحته، لايضع خطة جهنمية لإخفاء مايريد قوله، إنه لا يرسم اسرارا، إنه فقط يقوم بعمله حسب احاسيسه، وقواعده، وقوانينه الداخلية، وحسب المعطيات المادية المتاحة امامه، ولا يستطيع هو ذاته تنظير عمله علميا بطريقة لغوية. إنه لا يستطيع ان يتجاوز حدود اللغة، كما لا يستطيع ان يتجاوز حدود اللوحة. فاللغة حدودها الدلالة، بينما الرسم والفن عموما، هو مسرح الخيال، أو المخيلة. وهذا لا يعني عدم وجود الخيال في الكتابة مثلا، فالشعر والرواية والقصة والمسرحية تنتمي بدورها إلى عالم الصور والخيال.غير ان الوسيلة المستعملة "لفتح" لوحة ما، غير الوسيلة المستعملة لفتح رواية او قصيدة شعرية. المفتاح يختلف اختلافا جوهريا، ولا نستطيع حتى ولو كنا سحرة، ان نفتح عملا فنيا كاللوحة، بمفتاح اللغة، لا بد من استعمال العين والبصر والرؤية المباشرة للوصول إليها كعمل فني. وفي نفس الوقت لا نستطيع ان نفتح قصيدة شعرية، بمفتاح الخيال مباشرة، ولا بمفتاح البصر والرؤية وحدها، فلا بد من المرور بمحطة جديدة هي محطة الكلمات حتى ندخل عالم الخيال الشعري. رغم وجود بعض التجارب المعاصره التي تحاول ان تتجه في هذا الاتجاه، أي إلغاء محطة اللغة والوصول إلى العمل الفني مباشرة، حيث تستعمل الكلمات كأشكال بصرية أو صوتيه، وتحاول التخلص من دلالة الكلمات قدر الإمكان، مثل تجارب الشعر الصوتي والشعر البصري التي تنحو هذا الاتجاه دون نجاح كبير في البداية، لسبب تقني بسيط، هو عدم قدرة هذه التيارات التخلص من فكرة الكتاب كوسيلة لنشر هذا النوع من الشعر، ولكن اليوم أصبحت هذه التيارات تتطور وتنتشر بسرعة كبيرة في العديد من العواصم الأوربية لوجود إمكانيات تقنية أكثر مناسبة لهذا النوع من الإبداع والذي ما يزال يسمى شعرا، مثل الكمبيوتر والفيديو والسينما والمجال السمعي البصري عموما. ولكننا مع ذلك نعرف أن الأعمال الفنية تختلف عن الصناعات الأخرى، ونعرف أيضا أن أي لوحة لروتكو Barnett Newman أو نيومان Mark Rothko ليست مجرد مسطح من الألوان المرتجفة مع الضوء، هناك شيء ما يجعلنا نتوقف أمام الخطوط والألوان والأصوات وننتقل بطريقة سحرية من عالم المشاهدة العينية الواقعية، عالم الإدراك، إلى عالم آخر هو عالم الخيال، وعندما نزيح أنظارنا عن اللوحة فإننا يبدو كأننا نستيقظ من أحد أحلامنا، فما هو إذا هذا الشيء الذي يضفي السحر على الأشياء التي بطبيعتها مجرد أشياء مادية عادية؟



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة الرمز في القرآن
- القرآن بين الإيمان والإسلام
- كزينوفان والله الواحد
- بداية اللوغوس
- اللغة المقدسة
- الله بين الشعر والفلسفة
- معنى الدلالة ودلالة المعنى
- العقل اللولبي
- رسالة إلى المواطن الليبي
- الإغتصاب والعنف تجاه النساء
- موت النبي
- فيثاغوراس والآلهة الصماء
- تهافت الأدلة على وجود الله
- ليبيا: أحذروا من العسكر ومن العقيد حفتر
- ليبيا وديموقراطية الذئاب‬
- طريقة الشيخ فيثاغوراس‬
- أدلة عقلية في سبيل الله
- الأدلة على وجود الله ١ الدين أفيون الشعوب
- الجار قبل الدار بخصوص الجنة والنار
- أدوار إجتماعية للإيجار


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - أسرار العمل الفني