أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم نصر الرقعي - حفّار القبور!؟ قصة قصيرة (2/2).















المزيد.....

حفّار القبور!؟ قصة قصيرة (2/2).


سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)


الحوار المتمدن-العدد: 5840 - 2018 / 4 / 9 - 04:45
المحور: الادب والفن
    


حفّار القبور!؟ (2)
(قصة قصيرة من حلقتين..)
[الحلقة الثانية والأخيرة]
*********************
ظل (الحاج سعيد) - حفار القبور - في مقبرته العتيقة الضخمة على هذا الحال لسنين طوال، يحفر القبور نهارًا ويحرسها ليلا، بينما حياته تجري وتسري على هذا المنوال، وفي ذات مساء - عند آخر النهار - وقف وحيدا في المقبرة يتأمل تلك القبور العديدة التي حفرها بكد اليدين وعرق الجبين صباحًا وكيف أنها كانت خِمَاصًا وباتت بِطَانًا بعد أن ابتلعت في بطونها جثث كل أصحابها الشرعيين المُقدَّرين لها لهذا اليوم عدا قبر واحد يتيم ظل فاغرًا فاه في انتظار أن يواتيه الحظ بجثمان ميتٍ ليبتلعه في جوفه عند حلول نهار اليوم التالي بعد أن لم يسعفه (الحظ) هذا النهار!. ألقى (سعيد) نظرة أخيرة إلى تلك القبور الجديدة المؤصدة التي أغلقت أفواهها جميعًا وأخلدت للصمت الرهيب بعد أن ابتلعت في أحشائها هؤلاء الموتى الجُدد الذين انضموا للمقبرة ذلك اليوم!، هؤلاء الموتى الذين حينما كان يحفر هذه القبور صباح اليوم الباكر لم يكن يدور بخلده قط من هم؟ وما يكونون!؟ هل هم رجال أم نساء!؟ كبار أم صغار؟ شيوخ أم رُضع!؟، أغنياء أم فقراء!؟، علماء أم جهلاء!؟ وجهاء من علية القوم أم ممن تزدريهم أعين الناس ممن لا قدر لهم ولا وزن ولا حجم ولا عرض ولا طول في المجتمع!؟، هل هم صالحون متقون أم خطأة مُبتلون بالمعاصي!؟... فهو كان دائما في كل صبح يحفر قبورا لا يدري قط لمن ستكون على وجه التعيين!؟، ولكنها قطعا كانت في علم الله وتقديره قبورًا مخصصة لقوم معينين (فلان وفلان ابن فلان)!!، أي لهؤلاء الاحياء الذين لم يكونوا يعلمون قط - في الوقت الذي كان فيه سعيد يحفر صباح ذلك اليوم قبورا بالمقبرة – أنهم سيبيتون ليلتهم في جوفها جثثًا هامدة وأجسام خامدة كما لو أنهم آلات تعطلت بشكل كلي أو احترقت بعد أن انقطعت عنها الكهرباء بشكل تام فأصبحت أجهزة معطوبة منتهية الصلاحية!، فهؤلاء الموتى هم أصحاب هذه القبور!، هؤلاء الموتى الجدد الذين حينما كان يحفر قبورهم هنا هذا الصباح كانوا هم هناك وسط ازدحام المدينة في غفلة عن ما يحدث في المقبرة، وعن الموت الذي كان يحوم حولهم من حيث لا يشعرون!، كانوا منهمكين في حياتهم اليومية العادية وهم لا يدرون في تلك اللحظة أن هذه الحُفر الغائرة التي يحفرها في الأرض هذا الحفار في تلك المقبرة النائية إنما هي قبورهم هم لا سواهم!، هم على وجه التعيين!!، قبورهم التي ستغدو عما قليل مراقدهم الأخيرة التي سيرقدون فيها آخر هذا النهار بدلًا عن تلك الأسرة المريحة التي لطالما اضطجعوا عليها في بيوتهم في سلام آمنين!!، هكذا أطلت هذه الحقيقة الرهيبة والمرة عليه بوجهها الأصفر المخيف من على شرفة ذهنه فشعر بالوجل والرهبة والوحشة حينما كان يحدق في تلك القبور التي حفرها هذا الصباح، وها هي قد باتت محشوة بالجثث!، جثث قوم كانوا صباح اليوم يدبون على الأرض ومسجلين في قسم النفوس بالبلدية في خانة الأحياء ثم ها هم باتوا آخر النهار مقيدين في سجل وملف الوفيات! ، شيء غريب ورهيب !!.
- "غريبة هذه الدنيا وغريب كل ما فيها" !!،
هكذا قال (الحاج سعيد) محدثا نفسه، ثم ألقى نظرة خاطفة إلى ذلك القبر الفارغ اليتيم الذي ظل فاغر الفم دون بقية أقرانه من تلك القبور التي أغلقت أفواهها بعد أن استقرت جثث موتى ذلك اليوم في جوفها وانتهى الأمر!، وتساءل في استغراب وهو يقول :
- "سبحان الله!!، ترى لمن سيكون هذا القبر!!؟، من سيحل فيه غدًا من عباد الله!؟.. هل طفل صغير أم رجل كبير!؟، امرأة أم رجل؟، غني أم فقير؟ مريض أم سقيم!؟ من سيكون صاحب هذا القبر يا ترى !!!؟؟" .

وهنا، وهو في غمرة تساؤلاته وحيرته ودهشته، تذكر أمرًا حدثه عنه صديقه المرحوم (الشيخ صابر) عن رجل من هؤلاء الغرباء الزاهدين الذين يقصدون المقابر بغرض تذكر الموت والآخرة ولتهذيب أنفسهم المتعلقة بحطام الدنيا والتخفيف من غلوائها وتكالبها على الشهوات، حيث كان ذلك الرجل غريب الأطوار - كما قال الشيخ صابر - يزور المقبرة قبل المغيب لا ليتجول بين القبور وحسب بل كان أحيانًا يبحث عن قبر فارغ شاغر غير مسكون من القبور المحفورة التي لم يستقر فيها جثمان ميت بعد!، فيقصده ويتمدد بجسمه في جوفه لعدة دقائق في هدوء تام!، ويظل راقدا هناك ببطن ذلك القبر يخاطب نفسه مذكرًا إياها بحتمية مروره بهذا الموقف الرهيب إن عاجلا أو آجلا حين يموت ويبيت جثمانه وحيدًا في القبر تحت الصخور بين ألوف القبور!، تراه كيف سيكون حاله!!؟؟، فيتخيل حينها نفسه أنه مات بالفعل وصار هنا وحيدا في ظلمة القبر المظلم يستمع لخطوات نعال اخوانه وخلانه وهم يغادرون المكان ويستمع لهمساتهم الحزينة التي تصل إليه من مكان بعيد فيما هم يغادرون المقبرة تاركين إياه وحده في المقبرة وسط الظلام!!، فتزداد بهذا التخيل الذهني مع التمثيل العملي لتجربة الموت وللحظة دفنه في بطن القبر كمية اليقظة والانتباه في النفس وتفيق من غفلتها وتزداد كمية خشيتها وتخبو جذوة شهوتها فيكون هذا الحال المكتسب زادًا للتقوى يساعد المرء على الاستقامة في الحياة!، هكذا أخبره الشيخ صابر عن فلسفتهم في الحياة وطريقتهم في تربية أنفسهم، وحينما سأله يومها : (وهل جربتَ ذلك بنفسك يا شيخ صابر!؟) أجاب بالإثبات وذكر أنه فعل ذلك عدة مرات وكان في كل مرة يرقد فيها في جوف قبر شاغر يشعر بعدها بأن نفسه - بغرورها وبشهواتها وفجورها - قد انكمشت كقطة خائفة ومذعورة وانكفأت على ذاتها من شدة الوجل والخوف والارتعاش وتوقفت عن كل ذلك الغي والانتفاخ والانتفاش لزمن مديد!، كأنها طفل تعرض إلى لذعة من نار أحرقته فآلمته بشدة فصار كلما رأى نارًا شعر بالوجل والرهبة والتزم الحذر الشديد!...

تذكر الحاج سعيد كل تلك الأحاديث الطيبة التي حدثه عنها الشيخ صابر، رحمه الله، وعن أحوال أولئك الغرباء الحكماء العارفين بالله، العارفين بأحوال النفس وأحوال الدنيا وأحوال الناس، السائرين في طريق تزكية واصلاح نفوسهم كما لو أن (النفس) وكذلك (الجسم) ليست سوى بهيمة راحلة ودابة ناقلة يمتطي ظهرها الانسان بعقله الواعي في هذه الحياة الدنيا فوق الأرض ليقضي من خلالها حاجاته وأغراضه، إلا أنها لن تكون وسيلة نافعة للسفر والنقل والرحيل إلا إذا خضعت للترويض والتهذيب والتعليم والتدريب والتمرين الطويل حتى تغدو أداة طيعة للعقل وصالحة للنقل والتوصيل.... (أليس من العجيب أن تركبك دابتك بدلا من أن تركبها يا سعيد!؟؟؟)، هكذا سأله الشيخ النبيل (صابر) مبتسما ذات مرة على حين غرة! .... تذكر سعيد كل ذلك الحديث الجليل في تلك اللحظة فيما كان وجه رفيقه الطيب يطل عليه مبتسمًا من شرفة مخيلته فيبدد وحشته!، ثم حين هم سعيد بمغادرة المكان نحو البوابة قبل حلول الظلام خطرت في باله، في تلك اللحظة، خاطرة غريبة لم تخطر له على بال من قبل!، خاطرة طارئة مرعبة جعلته يباغت نفسه بالسؤال التالي: ( لماذا لا يعيش هذه التجربة !؟) أعني تجربة الرقود حيًا في قبر شاغر في خلوة عجيبة مع الله ومع النفس!؟ ثم الاستغراق في حالة من التأمل والتفكر لعدة دقائق في الموت وهو ممدد وحيدا داخل القبر !!؟، ووجد نفسه مشدودا لهذه الفكرة بشكل غريب!، أي في أن يعيش هذه التجربة المخيفة النادرة بنفسه على الرغم من غرابتها وصعوبتها على النفس!، فاتجه على الفور إلى ذلك القبر المحفور الخالي، ذلك القبر الوحيد واليتيم الذي لم يجد جثمانًا يملأه في ذلك اليوم كبقية القبور الأخرى، قصده بقلب واجف، ونفسه تقاومه، وتمدد فيه كالميت!، وظل هناك لعدة دقائق صامتًا في رهبة وسط سكون المقبرة المهول لا يسمع حتى حسيس أوراق الشجر عدا صوت ديك كان يصيح بين الفينة والأخرى من مكان بعيد مودعًا ضوء النهار!... وظل (سعيد) هناك يتخيل لحظات الموت وسكرات الموت وما بعد حصول الموت!، ومرت عدة دقائق وهو ممدد في ذلك القبر وحيدا في صمت تام... ومرت دقائق أخرى وهو هناك في سكون بلا حراك، وي كأنما تلك التجربة الغريبة والرهيبة قد راقت له وأعجبته فظل على حاله وسط القبر يعيشها لحظة بلحظة بعمق شديد وخوف لذيذ!، حتى تلك الرهبة الموحشة التي كانت تزحف نحو قلبه كجيش جرار لتجبره على انهاء هذه التجربة والفرار الى غرفته فورا تلاشت فجأة وحل محلها شعور بالراحة والسكينة!، احساس غامر بالطمأنينة تدفق في كل كيانه!.... مع شعور بتفاهة الحياة على الأرض وبأن الدنيا لا تساوى جناح بعوضة!، وظل محله هناك في جوف القبر لا يقاوم الرغبة في البقاء في هذا القبر أطول زمن ممكن!، بالرغم من أن النهار قد رحل، والليل حلَّ وعسعس وأخذ يرخي سدوله وستائره السوداء الثقيلة على مسرح وأرض المقبرة!، وظل سعيد ممددا في قبره بعد أن أحس فجأة بالأنس وأنه لم يعد في إمكانه أن يقاوم كل هذا الاغراء الجميل بالبقاء الطويل ولو طوال الليل في هذا المكان الهادئ الجليل!، ومضت دقائق تليها دقائق بل ربما ساعات وساعات!! وشعر أن هذا القبر قد أخذ في الاتساع بشكل عجيب على مد البصر وأنه بات كمرقد وثير وكبير من ريش النعام الفاخر!، أحس براحة عجيبة تسري في كل أنحاء جسمه المتعب الذي أضنته الشيخوخة والوحدة!، وبات هذا القبر كالسرير الحريري الناعم الندي الفسيح فطاب له المقام في هذا القبر المريح!، واستغرق في نوم لذيذ! نوم عميق وهادئ .. نام بسلام.......
وفي صباح اليوم التالي – عند الضحى - كان رئيس البلدية ومجموعة من الناس يقفون عند حافة هذا القبر وهم يحملقون باستغراب وذهول في جثمان حارس المقبرة (الحاج سعيد) وهو ممد هناك وسط قبره بثيابه بكل هدوء وارتخاء كما لو أنه طفل نائم في حضن أمه بكل أمان!!، يحدقون في جثمان حفار القبور الذي حفر قبره بيده قبل أن يفارق الحياة!، وقفوا جميعا في صمت تام كأن على رؤوسهم الطير وهم ينظرون في دهشة وحيرة إلى وجهه المكلل بالنور فيما كانت على ثغره تتلألأ ابتسامة الرضا والسرور كإشراقة فجر جديد!!.
•••••••••••••••
سليم الرقعي
6 ابريل 2018



#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)       Salim_Ragi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفّار القبور!؟ قصة قصيرة (1/2).
- ما الفرق بين النظام وصورة النظام !؟
- فلتذهب دولنا العربية للجحيم!؟
- هل هناك مفاجآت في الانتخابات المصرية!؟
- بحسنها الأثير..غدوتُ كالأسير. خاطرة شعرية
- هل الديموقراطية تعني حكم الشعب أم نيابة عن الشعب!؟
- من ليبيا يأتي الجديد!.من القائل ومتى!؟
- رحيل العبقري المُقْعد الذي حلّق بعقله حتى الثقوب السوداء!؟
- العقلانية هي الحل !؟
- العقلانية والليبرالية وواقعنا الاجتماعي والثقافي!؟
- كي لا يكون عيد الحب عيدا للخب!!
- أمازلتَ يا قلبُ ترجو رضاها!؟
- آآخ من الاسترالية !؟
- التطرف الإسلامي بين الدور الإيراني والدور السعودي!؟
- الحل الإنفصالي في اليمن وليبيا هل يحقق الإستقرار!؟
- حزب النور السلفي يؤيد انتخاب السيسي!؟
- الأمة الوطنية !؟.محاولة للفهم!
- الفرق بين الرجال والنساء في صيد العصافير!؟
- المعتزلة والخطأ المدمر!؟
- أول عملية لزراعة رأس لإنسان!؟


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم نصر الرقعي - حفّار القبور!؟ قصة قصيرة (2/2).