أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عاصفة الغبار ... شهادة جماهيرية ل (علي الحجار)














المزيد.....

عاصفة الغبار ... شهادة جماهيرية ل (علي الحجار)


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5838 - 2018 / 4 / 7 - 14:54
المحور: الادب والفن
    



كلُّ رمال الدنيا تكاثفت في شلال من الغبار الشرس، ليضربَ سماءَ القاهرة في عاصفةٍ عمياءَ يوم الأربعاء 28 مارس الماضي. كأنما مؤامرةٌ طقسيةٌ خماسينية هائلة، أرادت اختبار قوة "قلب" مصرَ، وقياس مدى صموده أمام قوى الطبيعة في أعلى مستويات شراستها. كان يومًا جحيميًّا، لم أرَ له مثيلا طيلة حياتي. الرؤيةُ منعدمة، والسياراتُ مكسوّةٌ بطبقات كثيفة من الرمال والأتربة حتى تشابهت علينا، فلا يكاد الإنسانُ يعرف سيارتَه من بين المتشابهات. اعتصم جميعُ الخلق بالبيوت، وغلّقوا الأبوابَ والنوافذَ والصدور، هربًا من رصاص الحصى في العيون والقلوب، وتوقفت الحياةُ في العاصمة، وفي مجمل أرض طِيبة الطيبة، ودخلنا في حال يشبه الموات. لكن قلبَ مصرَ لا يموت. قلبُ مصرَ عصيٌّ على الموات، وإن ماتت الدنيا.
في ذلك اليوم الشقيّ، كان الموعدُ الشهريُّ المعتاد مع حفل الفنان الاستثنائي "علي الحجار" في ساقية الصاوي العامرة بالجمال والفن. جال بصري في أرجاء القاعة وأنا أهمسُ للجميلة الجالسة إلى جواري: “اليومَ اختبارٌ كونيٌّ صعبٌ لجماهيرية علي الحجار يا هدهد. سنعرف إن كان جمهورُ الحجار أقوى من العواصف، أم ستتغلب شراسةُ الطبيعة على عشق الحجار؟” أما "هدهد"، فهي السيدة "هدى الحجار"، زوجته الحسناءُ المثقفة، وأما إجابة سؤالي، فكما توقعتُ، وكما تقول أبجدياتُ المنطق في علم الجمال. كان الحضور في كثافته المعتادة كلَّ شهر. لم يكن هناك مقعدٌ واحدٌ شاغر. والبعضُ وقوفٌ بلا مقاعد في مؤخرة وجوانب قاعة "الحكمة" بالساقية. باقاتُ الزهر المعتادة بكامل إشراقها تنتثرُ تحت أقدام الفنان الكبير الذي بدا في كامل بهائه المعهود، وحيائه وبساطته التي تؤكد قيمة تواضع الملوك وتباسطهم في تعاملهم مع مريديهم وعشاقهم بكامل الودّ، حتى يكاد يظنُّ كلُّ إنسان أن "علي الحجار" يغنّي من أجله وحده. يمتلك علي الحجار سمةً جميلة تميّزه، فضلا عن موهبته الصوتية الفريدة، هي خفة الظلّ المغلّفة بالحياء، وقدرته على مخاطبة جمهوره الهائل وكأنه يعرفهم فردًا فردًا بالاسم. ليس من فراغ أن نجح هذا النجمُ في حصد قلوب الملايين من مصر وخارجها، على مدى عقود طوال.
مازلتُ أذكر أنني وقعتُ في شِباك هذا الصوت المتوهج منذ ألبومه الأول. قلتُ لزملائي بالجامعة يومها: “هذا صوتٌ يليق بمصر، وسوف يعيد لمصرَ وهجَها الفنيَّ الذي لا يليقُ إلا بها.” وهو ما تأكد مع السنوات والعقود. أزعمُ أنني أحد الذين لا يجودون بسمعهم إلا للممتاز، وفقط. بخيلةٌ على نفسي جدًّا في السماع، فلا أسمعُ إلا الفرائدَ من الفن الرفيع. وابتكرتُ قانونًا صارمًا يقول: “مادام هناك الممتازُ، لماذا أسمعُ الجيدَ؟! ومادام هناك الاستثنائيُّ، فلماذا أسمع الممتازَ؟" وهكذا أصبح عالمي الموسيقيُّ والطربيُّ شحيحًا وقليلا، وغربالي النقدي ضيّقة ثقوبه، لا يُمرّرُ إلا الاستثنائي والممتاز، وفقط.
في الحفل، حكت سيدةٌ من جمهور علي الحجار عن رجل المرور الذي استوقفها لأنها لم تنتبه للإشارة الخضراء، وحين عاتبها على تعطيل السير، اعتذرتْ واعترفتْ بأنها كانت "تتعاطى" علي الحجار. ثم أطلعته على "جسم الجريمة"؛ وطلبتْ إليه أن يُنصتَ معها إلى الأغنية "التهمة"، علّه يتعاطف معها. فابتسم مع نشوة الطرب، وقام "بتحريز" الأغنية لنفسه.
هذا الفتى النحيل الذي درّب مسامعَنا على ألا تقبل إلا الممتاز من النغم، جمع من صنوف الفنّ الكثير. فهو فنان تشكيلي ونحّات، ومثقف متصوّف، وانتقائيٌّ لا يعرف الابتذال، مهما ابتذلت اللحظةُ الراهنةُ ووهنت. على أحبال حنجرته الفريدة ترقصُ الكلماتُ مثل باليرينا خلاسية لا تعرف لغة المشي الأرضي، بل تتواثبُ وتطيرُ في فضاءات الكون حتى يصفو وجه الحياة، مهما أظلمت.
كانت الحياةُ صامتةً في مصر في ذلك اليوم العسير، فيما يشبه الموات، لكن قلب مصر كان نابضًا بالحياة والصخب والنغم في الساقية، مع حنجرة الحجار المترامية القرارات والجوابات، وجمهوره الذي تحدّى العواصف والغبار. أشعرُ بالفرح لأن حنجرة الحجار المدهشة سوف تشدو بكلماتي، لأول مرة، في أغنية عن شرف مصر الخالد: جيش مصر العظيم. فشكرًا للسماء الطيبة. وشكرًا لمصر أمَّ الفرائد والدُّرر.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم هاني رمزي الجديد .. الضحك بطعم المرّ
- هل جدلت السعف بالأمس؟
- أوهامُ الحبّ ... وفنّ الهوى
- مشعل النور من الأقصر للمغرب على صفحة النيل
- نشاركُ في الانتخابات … حتى نستحقُّ مصرَ
- ماما سهير … ماما آنجيل
- وشوشات مارس 18
- شارع البابا شنودة
- معركة سيناء 2018… سيمفونية الحسم الأسطورية
- الإيمان الحقيقي ... والإيمان الشو
- حكاية بنت اسمها فافي
- لو كانت -شيرين- إماراتية!
- وشوشات فبراير 18
- فاروق حسني … الفنانُ الذي يعرفه العالم
- حين عانقتُ (جميلة بوحَيرد)…أخبرتني الرصاصةُ
- عصا -راجح داوود- … في موريتانيا
- أبونا سمعان … العدلُ معقودٌ بناصية بلادي وجيشه
- الشمعةُ التي في قلوبكم
- بهيج إسماعيل … الروايةُ بنكهة الشِّعر والجنون
- صَهٍ … الجيشُ المصريُّ يتكلم!


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عاصفة الغبار ... شهادة جماهيرية ل (علي الحجار)