أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - مركز البحوث العلمية -9- المقطع الأخير














المزيد.....

مركز البحوث العلمية -9- المقطع الأخير


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5838 - 2018 / 4 / 7 - 12:36
المحور: الادب والفن
    


في اليوم الرابع من الأسبوع السادس شعرت بالضجر واِنعدام الفرح والفرج يحفران لي قبراً في حلب. حسمت أمري وذهبت إلى مبنى الرئاسة حيث مكتب إدارة شؤون الطلبة، قابلت المدير القانوني المحامي خالد، شاب أجلح الرأس عريض البطن والمؤخرة، في منتصف عقده الرابع، تكلّمت معه بشفافيةٍ، عَبَّرت له عمَّا يجول في خاطري، شرحت له ظروفي وحاجتي لأكون مع أهلي ورغبتي بالرحيل من المركز في أسرع وقتٍ، أخبرته بعدم طمانينتي للمستقبل الذي ينتظرني في المركز وقلت له بأنَّني أريد تقديم أوراقي للتعيين في الجامعة حيث مكاني الطبيعي، وبأنَّي قد سئمت الحياة في المركز، وبأنَّ خريجي جامعة حلب وأبنائها هم الأولى بالدراسة في المركز.
وأنهيت الكلام والشكوى بالقول: "أستاذ خالد، باختصارٍ كي لا أطيل عليك، لقد اِتخذت قراري بمغادرة المركز ولست نادماً بتاتاً، ولن تقنعني أية محاولات للعدول عن قراري، ماذا يتوجَّب عليّ فعله؟"
بكل هدوءٍ ووقارٍ نهض السيد خالد من كرسيه وتوجَّه إلى الصندوق في إحدى زوايا مكتبه، أحضر دفتر شيكات، جلس خلف طاولته وسجَّل على صفحةٍ منه مبلغاً كبيراً، كتب بالعربية إثنان وعشرون ألف ليرة سورية فقط لا غير.
قال لي: "هذا راتبك يا أستاذ أحمد لمدة شهر ونصف عندنا في المركز، تفضل هذا حقك".
وأردف: "أين ستحصل على مثل هذا الراتب في مؤسسات ومعامل وجامعات البلد؟ من خلال نجاحك في المركز ستحصد كل شيء، المال والسيارة والجاه والسفر ومتابعة الدراسة في أرقى جامعات العالم الغربي. مستقبلك لدينا مضمون مئة بالمئة، مستقبلك آمن هنا كما حضن النبي إبراهيم، عليك فقط المثابرة والتَّحَلِّي بالصبر. إنظر أو استفسر إن لم تكن تعرف، إلى أين يسافر المعيدون في الجامعات هذه الأيام؟ أنا أقول لك، كلهم يسافرون إلى مصر أو الهند، وفي أحسن الأحوال إلى رومانيا أو روسيا أو أوكرانيا، بالله عليك، هل تستطيع جامعات هذه البلدان المُنهكة أن تقدِّم لنا العلم والمعرفة؟ أنا أُجيبك، لا أظنها قادرة، هذه البلدان وجامعاتها ليست أفضل من بلدنا وجامعاته على الإطلاق. سنعمل كل ما بوسعنا دون كللٍ أو مللٍ على تجاوز جامعاتهم ومعاهدهم في أقرب وقتٍ، إِنَّا مؤمنون
بالطاقات الإبداعية لطلابنا وأعضاء الهيئات التدريسية وبأنَّ مسيرة بناء الوطن مستمرة وبأنَّ تعميق الوَعْي بضرورة التنافس المعرفي معهم هو مشروع وطني لا يجوز تناسيه أو إهماله. أليس كذلك أستاذ أحمد؟".
أجبته: "بالتأكيد، بالعلم وحده ترقى الأمم، وسنصل حتماً إلى غاياتنا وأهدافنا المرسومة في ظل القيادة الحكيمة".
قدّم لي إيصالاً مالياً لقبض المبلغ المذكور، لحظتئذٍ تذكّرت نصيحة الزميل طوني، فقلت له: "لست نادماً على التجربة التي عشتها في هذا المركز، لقد تعلّمت الكثير لديكم، لا طمع لي بالمال، لا أريد صرف الشيك، لن أستلمه، لأنَّني في الحقيقة لا أستحقه، لن أبقى لديكم وأرجو أن تحترموا رغبتي، أريد هويتي الخاصة بي، حريتي بالعودة إلى جامعتي".
عندئذٍ تكلّم المدير معي بكل صراحةٍ وتهديد مُبطّن عن الأخطار والأعباء المالية التي قد تنتظرني إذا ما غادرت المركز بهذه السرعة، وذكَرني بأنَّني قد وقّعت عقداً قانونياً معهم ويجب عليّ أن أحترمه.
قلت له: "لكنني لم أستفد من هذأ العقد بعد ولا أريد شيئاً".
نهض المحامي خالد بالهدوء الذي يتقنه، ودّعني طالباً مني التفكير برويةٍ والعودة إليه في الأسبوع القادم.
*****
في نهاية الأسبوع، في يوم الجمعة فعلت ما فعله قبلي زميلي اِلياس.
لملمت أغراضي البسيطة ووضعتها في حقيبتي الوحيدة، خرجت من الشقة بعد أن أقفلت باب الغرفة، أقفلت الباب الخارجي للمبنى، طلبت تكسي وتوجّهت إلى إدارة المبنى التي كانت تعمل ذلك اليوم حتى منتصف النهار بشكلٍ طوعيٍ، إذ كان موسم العمل الطوعي قد تَفَشَّى في الوطن كالسرطان، سلّمت مفاتيح السكن بشكلٍ رسميّ.
قلت للموظف: "هذه هو مفتاح باب السكن الخارجي وهذا مفتاح غرفتي".
اِستلمها مني أحد الموظفين المحترمين بابتسامةٍ تشجيعيةٍ، أمضى لي إيصالاً باستلامها وأعطاني النسخة الأصلية منه، شكرته مُودّعاً، ثم خرجت أمشي حراً باِتجاه كافيتيريا كلية الهندسة المعمارية، طلبت فنجان قهوة، اِشتريت علبة دخان، أشعلت سيجارة بعد أن كنت قد توقّفت عن التدخين لمدة شهر. دخَّنت بشهيةٍ وأنا أسترجع كل ما حدث معي في الأيام الأخيرة.
بعد حوالي ساعة أوقفت سيارة أجرة ورجوت السائق إيصالي إلى محطة القطار. عندما صعدت عربة القطار المسافر إلى اللاذقية كانت الساعة الواحدة ظهراً.
اِسترخت عضلات جسدي آن اِنطلق القطار وابتسمتُ بحبٍ وأنا أرسم في مخيلتي خطة أتمكّن بها من إقناع أبي حين ألتقيه بأنَّني صرت من المغتربين بعد غيابي عن الضيعة لمدة شهر ونصف في مدينة حلب.
ما زلت أذكر حكاية صديقنا غيث الذي سافر للدراسة في مدينة كييف في أوكراينا. اِتصلت به أمه بعد فترة زمنية قصيرة جداً وأخبرته أنَّ جارهم مختار الضيعة قد أودت به المنيّة، ساعتئذٍ سألها غيث: "من تقصدين يا أمي؟ لا تؤاخذيني، والله نسيت اسمه، ملعونة الغربة".
وحين عاد المغترب غيث بعد حوالي تسعة أشهر إلى ضيعتنا لقضاء إجازة الصيف في المدينة التي وُلِدَ وترعرع فيها حدث أن سألَ أحدَ العَابِرِين: "من فضلك يا أخي، هلاّ دللتني على الطريق باتجاه محطة القطار!؟"
*****
نهاية الفصل الثالث
لمشروع رواية "المذراة".



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مركز البحوث العلمية -8-
- مركز البحوث العلمية -7-
- مركز البحوث العلمية -6-
- مركز البحوث العلمية -5-
- مركز البحوث العلمية -4-
- مركز البحوث العلمية -3-
- مركز البحوث العلمية -2-
- مركز البحوث العلمية -1-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -13- المقطع الأخير
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -12-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -11-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -10-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -9-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -8-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -7-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -6-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -5-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -4-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -3-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -2-


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - مركز البحوث العلمية -9- المقطع الأخير