أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح -10-















المزيد.....

سجن الرّوح -10-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5838 - 2018 / 4 / 7 - 10:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في خلوة مع ذاتي، ومن باب الفضول في أن أعرفني. اعتبرتني شخصاً غريباً عنّي، بدأت أحدثني بصوت عال، وأجيب بأدبّ جم. كأنني قرأت أفكاري، وأرغب أن أمرّر لي رأيي بطريقة لبقة.
قبل أن نبدأ الحوار بيني وبينها-أعني ذاتي- جلبت صحناً مليئاً بالمحشي المثقوب والمبعوج من على طنجرة المحشي الموجودة على الغاز. تعوّدت أن آكل الأشياء الغير مهندمة، كبقايا لفاّت أولادي، وبقايا الطّعام البائت.
بينما كنت أتناول أوّل عضّة من أول كوساة كانت قد فلّشت داخل الطنجرة وشّطرت إلى نصفين. سمعت نفسي تقول لي : هناك ثقافة كاملة حول الطعام، الكوساة لا تنهش نهشاً. لم أقل لك اجلبي شوكة وسكيناً . اجلبي ملعقة فقط، وقطعة خبز، كليّ قطعة واحدة، أو قطعتين مع قطعة خبز. لم تعتني بصنع الطّعام فهذا الصّحن الذي سوف تأكلينه يكفي لعائلة.
أنهيت الصّحن ثم دفعته، أجبتها: هذه ثقافتي. كيف أبدّلها وقد تربيت عليها؟ أنا عادة لا آكل أمام أحد. أرغب أن أكون حرّة في طريقتي. أحبّ أن ألتهم دون أن أتذوّق، ودون أن يراني أحد، وعندما يجلس زوجي وأولادي إلى مائدة الطّعام أحرص أن أسكب لهم الأشياء الجيدة، أتمتّع بالمشهد لأنّهم قبلوا أن يأكلوا طعامي. هم لا يقبلون طعامي دائماً. في الصّباح مثلاً، وعندما ينتهون من طعام الإفطار، ويذهبون إلى المدرسة ألملم كلّ فتافت الطّاولة ، وآكلها حتى لو شعرت بالامتلاء، فالنّعم لا تلقى بالقمامة.
-يبدو أنّنا لا يمكن أن نتحاور معاً. ابق في عالمك ودعيني أعيش ذلّي معك. ليتني كنت ذات أحد آخر، لكن من فضلك اسمعيني: عندما تطهين الطّعام دون حبّ فهذا يعني أنّك لا تمارسين ثقافة الطّبخ. ثقافة الطّبخ تحتاج لتفاصيل، وأسلوب تناول الطّعام ثقافة أيضاً.
-لا بأس. سوف أحاول، فقد أتيت في جلسة مصارحة. أشعر بالقلق عندما يكفّ فكّي عن اللوك، عليّ أن أبلع، وأسفّ، وأقرط ، وأعلك، وإلا كيف أنهي يوماً كاملاً مليئاً بالعمل وفارغاً في نفس الوقت. انتظريني لحظة. سوف أجلب صحن البزر، وفنجان القهوة. هل هذا ممكن؟
-اتركي البزر إن استطعت، أراك عندما تسكرين به كيف يتراقص على صدرك، وينزل على الأرض. موضوع البزر هذا في حدّ ذاته حكاية. صحيح أنهم لم يسجّلوا حالاته كمرض إدماني، لكنّهم لم يدرسوا الموضوع عن قرب. سوف نعالج الموضوع لاحقاً كما نعالج فطام الطفل عن ثدي أمه. اجلبي الآن فنجان قهوة، وقطعة بسكويت، ومحرمة، وكأس ماء. اجلسي وظهرك مستقيم. ارشفي ببطء، واقضمي قطعة صغيرة من قطعة البسكويت ثم كوني حريصة على المحرمة. افتحي حديثاً متوازناً معي كأن تقولي مثلاً: ما رأيك يا عزيزتي أن نتعاون في العمل على موضوع ما في أن نكون حقيقيين؟ واصمتي بعد السّؤال كي تستمعي إجابتي، وبينما تستمعين لي حدّقي في عينيّ، وهزّي برأسك أحياناً كإشارة على التّعاطف. جلبت لك مثالاً، وليس بالضّرورة أن تطرحي عليّ نفس السّؤال.
-أحب الحريّة وأنت تقيدينني بالإتكيت. لا أحبّ القيود، ولماذا أتعود على قانون؟ عندما أبدأ في تنفيذ ما تقولين . سوف يكون ذلك بمثابة العودة إلى صفوف الدراسة من جديد، وتكونين أنت المعلم الجديد. لا عليك. دعيني أندب قليلاً، مضى علينا ساعة كاملة ولم أندب حظي. سوف أطرح عليك بعدها أسئلة لا سؤالاً.
تراني أدفع ضريبة الحين متى أنتهي من دّفع الدّيون؟
حياتي منّي بالدّفع تضيع . . ما أعرف مين اشترى بالدّين
عمري كومة ثلج بعزّ الصيف.. . الصبر مالو مكان لو تدرين!
أدّق على صدري من القهر.. . ونام على سرير من الجمر
ليلي ما ينتصف وما فيه فجر. . ملعون أبوطي ع أبو العمر
. . .
سوف أكمل ندبي فيما بعد. هل تجيبين على سؤالي الأوّل؟ سوف أحدّق فيك، وأهزّ برأسي كما طلبت.
أين أنت يا ذاتي؟ لماذا هربت؟
سوف أجلبك مرغمة.
-سوف آتي. فقط أبحث علّني أعرف من قتل رئيس وزراء لينان رفيق الحريري؟ أرغب أن أغير الحديث فتعودين لطريقة المحطات الفضائية في الدفاع عن حقوق البشر. اللّت مهنة قد تكون مربحة إلا معك، فالحديث معك هراء. مضى على الموضوع زمن ولم يعملوا حلقة رأي حول الموضوع. دعينا نذهب إلى أصدقائك علنا نعرف من قتل الحريري.
-ليس لي أصدقاء. لكن يمكنني الذهاب معك إلى بيت أم ثائر " المخابرات"
-أنا متحمسّة . هيا.
يبدو أن أبا ثائر في البيت. سنأتي لاحقاً.
-تفضلي. أبو ثائر معجب بك وبتواضعك.
القهوة جاهزة.
-من قتل الحريري برأيك؟ يسألني أبو ثائر، ويتابع: كلب وفطس. أصبحت ذاتي ترقص غضباً وتحفزّني على أن أقدم نفسي كضحية بحيث أقول أن النظام قتله، ولا يجوز تصفية المخالفين بالقتل. اصمتي أيتها الذّات السّاذجة. من سوف يعيل أولادي لو دخلت السّجن. أنا ضدّ قتله، سوف يضيع حق الرّجل. رأيت حديث ابنه كانت نسبة غباءه تعادل ستين بالمئة، وفكّه يحتاج لعمليّة كي يشدّه.، لكن من حقي أن أعلن أنّني ضد القتل بهدوء.
التفت أبو ثائر إليّ، وقال: هل تتكلمين معي؟
-لا غنى عنك يا أبو ثائر، لكنّني أفكر بيني وبين ذاتي بما سألتني ولا أعرف الإجابة. هل لديك إجابة على السّؤال: من قتل الحريري؟
-طبعاً. لديّ إجابة. من له مصلحة بماله غير ابنه؟
- معقول!
-معقول ونص.
شكراً على القهوة. زورونا!
. . .
أرغب أن أعتزل الحياة الاجتماعية، أي الصّباحية وشرب القهوة والثرثرة، وطق البراغي، لكن اليوم بالتحديد مملّ. النّهار طويل ولا ينتهي. لم أتكلم مع أحد منذ عدّة أيام. ترغب ذاتي في صرف نظري عن دعوة أحد فتسألني عن الحبّ، تطلب أن أكتب شعراً للحبّ، أشحذ ذاكرتي فتعطيني نكزة ساخرة بأن الحب والسّعادة كلمات غير مفهومة، لكن لو وضعت إشارة يساوي قربهما لكان القاسم المشترك هو المال. سوف أبسّط الأمر، فأنا لست كارل الماركس. وأجيبها:
حبيبي يرفرف حول أحلامي كحمامة بيضاء.
يأسرني صوته، إطلالته.
ذلك الرّجل الذي أسند رأسي إلى كتفيه.
-الله. الله، وتشكين من العزلة؟
-أيتها القابعة في أعماقي. أنت غبيّة مثلي. عليّ أن أتحدّث عن أشخاص من خيالي كي يصبح الحديث أجمل. هذا خيال امرأة تطمح أن تكافأ في الآخرة بالحب. لا علاقة لما قلت بالواقع.
سوف أهاتف صديقتي كي تجمع الشّلة ونجلس في الحديقة. علي أن أجهزّ المكان.
يبقى المكان مع النّاس أفضل من المكان الفارغ.
اليوم دور الحديث عن الحموات. كلّهن يقلن حماتي مثل أمي، وبعدها يدخلن في السّلبي. إلا أم حنا قالت: أخشى على حماتي أن تسقط وتكسر فهي تلبس كعب ذو ارتفاع سبعة سنتمتر.
عندما دخلت أم حنا. لبست إحدى صديقاتي حجابها، وقالت لا يجوز الظّهور على المسيحي بدون حجاب حتى لو كان امرأة. لو تحدّثت لأخي مثلاً أن هناك امرأة قالت ذلك لكذّبني وقال: سورية لا يوجد فيها تعصب ولا طائفية، لكن ابنة أم علي بيدها لعبة دون رأس فقد قصّت أمها رؤوس جميع اللعب، وقالت لا يجوز أن يتشبه الإنسان بالخالق، وعندما حضرت مولد فرح ابن أم هاني كان الفرح بين الرّجال ويستعمل فيه الدّف والأناشيد الدينية، وكانت النساء مستمعات من خلف الجدار الاسمنتي، وقدمت ام هاني وعظها بأنّ الدّف سنّة نبوية. لو قلت لابن عمّي عن الموضوع لقال لي: فقط في الجزيرة لأنهم متخلفون. ربما ابن عمي على حق، لكن عندما مات جارهم السّني وخرج الرّجال خلف الجنازة. كان أولاده يرددون. مات سنّي. هي حوادث فردية لا قيمة لها، حتى عند ولادتي تحارب السّنة والاسماعيليون في قرية المفكر وذهب سبعة قتلى ضحايا وسميت المعركة " الدوكة" وأعرف ميلادي منها فقد ولدت في شهر الحصاد من عام الدّوكة. العلوية، والإسماعيلية بينهم عداوة تاريخيّة يذكرون بعضهم بها بينما يشربون أنخاب بعضهم. هذه الحوادث الفردية تأتي لبالي على الدّوام. لا شكّ أن التّعميم خاطئ، وعلي أن أقول أنّها حوادث فرديّة.
. . .
وصلني اليوم رسائل شتيمة من بعض الأصدقاء وغير الأصدقاء، بعضهم اتهمني بتشويه سمعة الوطن، وآخر اتهمني بأنني أحط من قيمة الدّين، وأخي وابن عمّي ومجموع عائلة الحق والصواب" أعني أهلي" تبرؤا مني لآنّ أفكاري كما يقولون صهيونية ماسونية وقد بعت نفسي بالرخيص، والبعض نصحني بأن ألف زوجي وأنام ولا أتحدث بما لا يخصنّي، فتّشت عنه لأحضنه-أعني الزّوج-، وأعمل بالنصيحة، لكنّني لم أجده. الأزواج يدهنون أنفسهم بالزّيت كي يتملّصوا من الحياة الزّوجيّة.
كيف يكمل الإنسان حياته؟
لا بدّ من وجود أشياء تدفعه للاستمرار.
إذا كان المال غير موجود.
الأزواج غير موجودين.
العائلة غير موجودة.
هل يمكن لجلسات التّأمل أن تحلّ اللغز؟
وجدتها! الحكواتي. لولا وجود الحكواتي لا نستطيع الاستمرار. صحيح أنّه موظف من قبل شخص غني ليسلّي النّاس، وربما أحياناً يحرّضهم على الانتحار. صاحب المال والسلطة يقوم بأفعاله، والحكواتي يمرّرها، كما جميع القصص.
مضى زمن ولم تفتح قضيّة الحريري. لا نعرف إلى أين وصلت، يبدو أن الحكواتي خبّأها مفاجأة. هل تعرفون من قتل رفيق الحريري؟



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول قانون زواج الأطفال في السّويد
- حول تويتر
- سجن الرّوح -9-
- مارتن لوثر كنغ
- حول قيامة المسيح
- سجن الرّوح-8-
- سجن الرّوح-7-
- حول غزو العراق
- سجن الرّوح-5-
- حول فضيحة ترامب مع الممثلة الإباحيّة
- حول الانتخابات المصرية
- سجن الرّوح -5-
- ماريا فرن
- حول وسائل التّواصل
- سجن الرّوح -4-
- حول فضيحة كامبريدج أناليتيكا
- سجن الرّوح-3-
- سجن الرّوح-2-
- سجن الرّوح-1-
- طريق العودة


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح -10-