أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - الفساد.. ينزل من أعلى















المزيد.....

الفساد.. ينزل من أعلى


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1488 - 2006 / 3 / 13 - 09:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفساد، هو استغلال للمسؤولية الإدارية أو السلطوية وتحويلهما إلى مجال خاص للكسب المادي أو تسخيرهما للأغراض والمنافع الشخصية والعائلية.
ويؤدي ارتخاء الأنظمة السياسية والتنظيمية وتفككها إلى خلق المناخ المواتي لانتشار ظاهرة الفساد خصوصا في ظل غياب المؤسسات الرقابية والزجرية أو ضعفها وعدم نجاعتها.
وتتركز احتمالات الفساد بشكل ملحوظ بالنسبة لبلدان العالم الثالث، كما هو الحال في المغرب، في المواقع الإدارية المنتجة للقرار والمتحكمة فيه أو في المواقع المنفتحة على المراجعين وأصحاب المصالح من المواطنين، أو في المناصب المعنية بالتدبير المالي والميزانيات داخل المؤسسات.
وقد يتغلغل الفساد إلى الأعمق بين الموظفين المتوسطين والصغار والأعوان، ويصبح ظاهرة في البلدان التي تعرف تفاوتات حادة في كل من أنظمة الحوافز والمرتبات بين القطاعين العام والخاص، وأنظمة سلاليم الأجور بين الأعلى والأدنى، وفي الفروق في الامتيازات بين المركز إلى الهامش، وفي تراجع القدرة الشرائية للفرد أمام المتطلبات الضرورية الدنيا للحياة.
ويزيد من هذا التغلغل كون السبب في هذه الفجوة الحاصلة لا يقوم على عامل الاستحقاق وحده دائما، أي مستوى التعليم والخبرة والمهارة التكنولوجية والمردودية، بل هنالك عوامل أخرى تدخل في نطاق الزبونية والمحسوبية والمكافآت العائلية والحزبية ونظام الإرضاء والولاء والاحتواء وما إلى ذلك... مما يعزز الشعور بالغبن والظلم لدى الناس.
والفساد متى ما كان حالة معزولة، أمكن محاصرته والقضاء عليه بسهولة إذا توفرت النية والإرادة لذلك. لكن هذا لا يحدث لأنه دائما ما يكون نظاما شبكيا سريا ومعقدا تتداخل أطرافه وعلاقاته. وحتى في الحالات التي يتم فيها خرق هذا النظام لسبب من الأسباب فسرعان ما يرمم نفسه باستبدالات تعوض العلاقات المفقودة بعلاقات جديدة.
للفساد "سلاليم تراتبية" خفية على شاكلة تلك الموجودة رسميا. وهو كما يقال "يهبط دائما من أعلى"، فكل فاسد لابد أن يقع تحت سلطة فاسد أعلى منه درجة ضمانا للحماية وتوفيرا لكل أشكال التغطية.
ويشكل الفاسدون بمختلف أنواعهم، بعد أن يستشري ميكروب الفساد في أوردة المنظومة السياسية والاقتصادية والإدارية... جيوبا معتمة هي عبارة عن بطانات منغلقة ولوبيات ومراكز قوى تعطل النظام والقانون وتفعل في حراسه سلبا لتهيء الظروف الملائمة لنشاطها وكسبها غير المشروع.
ويتميز من الفاسدين عادة الأذكياء المتنفذون اللذين يسخرون معرفتهم بالقانون وثغراته، ويوظفون مواهبهم وخبراتهم بدواليب البيروقراطية ومساربها غير المحروسة رقابيا وأمنيا لتنفيذ مخططات السطو والسرقة والاختلاس وتنظيف أو تبييض الأعمال والمعاملات القذرة. فذلك الذكاء وتلك المعرفة يجعلان العمل المشبوه وغير القانوني يمر من نفس الإجراءات الإدارية ويخضع لنفس التصديقات المكتبية الروتينية للعمل الشرعي السليم، وبذلك تجري مثل هذه العمليات في واضحة النهار وأمام أعين الجميع.
في حالة المغرب مثلا، وبشهادة الموظفين أنفسهم، ليس سهلا أن يبقى المرء نظيفا حتى ولو سعى لذلك بدافع من مبدأ أو أخلاق أو دين، لأن المحيط غالبا ما لا يسمح بتعايش النقيضين. فالفاسد، وهو في معظم الأحيان ذو منصب وسطوة ونفوذ، لا يحس بالأمان إلا إذا أسند ظهره إلى محيط فاسد يشكله من الآخرين المشتركين والمتواطئين والأدوات، ولا عبرة بعد ذلك بدرجة الفساد وخطورته عند كل واحد من هؤلاء.
ومع أن التعميم لا يجوز، إلا أنه في ظل تراجع المبادئ والقيم الأخلاقية في المجتمع، قد ينعت الموظف أو المسؤول النظيف المستقيم المستمسك بنزاهة ذمته، خصوصا إذا لم يكن مستكفيا ماديا بالغباء أو يوصف بالمثالية الساذجة، وقد لا يعذره حتى أقرب الأقرباء من الأسرة إن حدث وغادر موقع المسؤولية دون أن يحقق لنفسه مكاسب شخصية تحسن من وضعه اقتصاديا وترفعه طبقيا.
غير أن الفساد في حد ذاته ليس فكرة متأصلة أخلاقيا أو قيميا بل مكتسبة وطارئة، وأكثر من ذلك منبوذة. فكل موظف أو مسؤول مهما كانت انتماءاته وأصوله الاجتماعية إلا ونجد أنه كان في بدايته من أنصار الأفكار المعاكسة أي الصلاح والنزاهة والاستقامة، وقد يكون من المتشددين في الحماس والإيمان النظري بها. لكن الجو العملي السائد لا يدع الأفكار الأخلاقية عموما تقف بسهولة على أرض صلبة فسرعان ما يسحب الفرد للانغماس التدريجي في شروط الانحراف، وكثيرون يستسلمون لهذه الشروط بسرعة بذريعة أنه لا يمكن للفرد أن يغير العالم لوحده مهما كانت نواياه صالحة. لذلك وحفاظا على لقمة العيش يجد مثل هؤلاء أن أفضل وسيلة لحماية النفس من مضاعفات الفساد هي التعرض الطوعي لعدواه ومجاراة تياره الجارف عملا بالمثل العامي القائل "اجعل رأسك وسط الرؤوس..." لكي لا يقضي عمره الوظيفي في دفع ضريبة الاستثناء والتشبث بالمثل.
إن مبدأ محاسبة المسؤولين ومعاقبتهم مبدأ غير معمول به على وجه العموم باستثناء حالات خاصة تجري في ظل الواقع الحالي. وبذلك لا يضطر المسؤول إلى تبرير حجم ثروته إن تضخمت من أعمال مشبوهة لأنه لم يكن مضطرا للإعلان عن حجمها الحقيقي مسبقا كما يحدث في بلدان أخرى إبراء للذمة وضمانا للشفافية، مما يفتح المجال أمام كل جنوح نحو الاغتناء السريع أي الفساد على حساب المسؤوليات المؤتمن عليها.
والمسؤول الفاسد حينما يخرق القانون ويتجاوزه إنما يفعل ذلك بالمراهنة على أمرين اثنين:
ـ أولا، فساد النظام القضائي أو قابليته للإفساد، وبالتالي فهو لا يستشعر خطرا كبيرا من مغبة القبض عليه ومعاقبته.
ـ ثانيا، إن المكسب من الفساد عادة ما يكون ضخما ومغريا وبالتالي تهون أمامه العقوبة المنصوص عليها إن نفذت فعلا.
كما أن تحول المعايير القيمية الاجتماعية المشار إليه جعل الخوف الطبيعي ( أو الخجل )، من الفضيحة كرادع ذاتي يتآكل باستمرار وبالتالي تقلصت مجمل المحاذير المتعلقة باعتبارات صيانة السمعة والكرامة وقد كانت في الماضي تتعدى ذات الشخص إلى انتمائه العائلي وأصوله القبلية خصوصا وأن الفضيحة كانت تستمر في الزمن مددا طويلة.
إن المسؤول المغربي متحفظ ومتكتم بطبعه وبطبيعة النسق الإداري والسياسي "الممخزن" الذي يحيط به لذلك فهو يسيج حدود سلطته ومسؤوليته بالغموض والأسرار، ويحتفظ بمعلوماته في دهاليز الكتمان حتى بعد أن يغادر منصبه بعد التقاعد، وأحيانا يضفي على هذه الأسرار طابع "الأسطورية" والمبالغة.
لكن التكتم على فضائح الآخرين وأسرار تجاوزاتهم لا يدخل في إطار ما يسمى ب "أسرار الدولة" وإنما يدخل في إطار تبادل الخدمات ومقايضة المصالح. فهذا النوع من الأسرار هو سلاح من أسلحة السياسيين ورجال الإدارة يشيع التهافت على امتلاكه باعتباره أداة فعالة للدفاع عن النفس ضد الآخرين.
فمجرد التلميح بمعرفة سر من أسرار تجاوزات الخصم والتلويح بالاطلاع على تفاصيله بالدليل والبينة يجعل هذا الأخير يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على فضح ملف من الملفات التي بحوزته، وبالتالي فإن التجسس على أسرار الآخرين في مجال الفساد هو تكتيك من تكتيكات توازن الرعب بين الفاسدين المتنافسين. وقد لا تظهر قيمة هذا السلاح إلا حينما تتحول خلافاتهم إلى فضائح متناسلة تكر وراء بعضها البعض بسبب الجدل والصراع وتبادل التهم. كما أن كل عملية إفشاء لابد أن تتحول في لحظة ما إلى ما يشبه التداعي الحر وهذا يؤدي إلى تعري حقائق خطيرة ومروعة تباعا يكون المنطلق في انكشافها أول الأمر مجرد شنآن تافه.



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عم.. يتنافسون؟
- خطاب التشغيل في المغرب: الهروب بلغات متعددة
- من المعارضة إلى المشاركة_تحولات السلوك السياسي الحزبي في الم ...
- الأحزاب السياسية في المغرب
- تخلف جهل.. وحضارة جهالة


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الإله بوحمالة - الفساد.. ينزل من أعلى