|
أحبابنا الأمريكان
أحمد عبد الرحمن الحجي
الحوار المتمدن-العدد: 1488 - 2006 / 3 / 13 - 00:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثيراً ما نسمع هنا و هناك عن دعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية و الأمريكية و البريطانية مروراً بالدنماركية أخيراً، كرد فعل على نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم (صلى الله عليه و سلم). و أصبح هذا هو سلاحنا كلما راودتنا الشكوك بأن فلاناً فعل كذا أو قال ذاك عن المسلمين، فما أن ثارت الشائعات عن ذلك، حتى نبدأ نرى و نسمع و نقرأ عن "الغيارى في هذه الأمة" بالدعوة لمقاطعة المنتجات و السلع للبلد الذي ينتمي إليه هذا الشخص، و في مشهد أقرب ما يكون بالأضحوكة أو الألعوبة التي تعبر خير تعبير عن المسلك الذي نسلكه وفقاً لعواطفنا الجياشة نحن العرب، و التي تأخذ بنا هنا و هناك دون أي إدراك، فلا يحول بين الشرق و الغرب الشيء الكثير. فأصبحنا لا نستغرب ممن يدعو إلى شيء اليوم أن يظهر يوم غد و هو يدعو إلى أمر مختلف تماماً، بل و يجرّم من يقوم بما دعا إليه هذا المسكين يوم أمس! و لكن تساءل الكثير، و أنا من بينهم عن جدوى ذلك. فهل بإمكاننا مقاطعة كافة البضائع و الخدمات لمن نزعم أننا نقاطعهم؟ فماذا لو نشرت هذه الصور المسيئة في كل الجرائد الأوربية و الأمريكية و الروسية و الصينية و اليابانية، هل بإمكاننا فعل ذلك؟ و لا داعي لهذا الافتراض البعيد، ماذا عن مجرد "مقاطعة" البضائع الدنماركية، هل بإمكان أحد منا فعل ذلك حقيقةً؟ و ماذا لو علمت أن أغلب ما يستعمل مرضى السكري من أدوية الأنسولين هي من المنتجات الدنماركية؟ هل نقاطع ببعض ما ينتجون و نقبل البعض الكثير لمجرد أننا لا نقوى على مقاطعة هذا الجزء مما ينتجون؟ لا أظن أن ذلك موقفاً أخلاقياً و عادلاً .. فإذا كانت المقاطعة بمثابة التعبير عن رفض الرسوم المسيئة للرسول، فلماذا تقاطع أيها المقاطع زبدة لورباك و تشتري لنفسك دواءً دنماركياً؟ هل من رسم الرسوم هو صاحب مصنع زبدة لورباك في حين لم يكن كذلك صاحب مصنع الدواء؟ و مثل ذلك قل في كل ما تزعم أننا نقاطع من منتجات أمريكية و أوربية. ماذا عن نظام تشغيل الكومبيوتر ويندوز و البرامج الأخرى؟ هل بالإمكان مقاطعتها و هي من الأشياء البسيطة .. فما بالك بالكبيرة. بغض النظر عن جدوى و فعالية و أخلاقية موضوع مقاطعة البضائع، فإننا لا نستطيع أن نقاطع أصلاً، فزعم التوقف عن شراء بعض منتجات البلدان و شراء البعض الآخر يعد موقفاً نفا قياً بامتياز، و يتنافى أول ما يتنافى مع تعاليم الإسلام و هدي محمد عليه الصلاة و السلام التي ندعي أننا ندافع عنهما. و توقع إن أرادوا معاملتنا بالمثل، و ذلك لهم من الحقوق، أن يقطعوا عنا منتجاتهم، كل منجاتهم، فماذا نحن فاعلون بلا طعام يؤكل و لا دواء يؤخذ و لا لباس يلبس و لا علم و لا معرفة تقدم و لا شمعة تضاء و لا سيارة تمشي. الحمد لله كل الحمد أن لم يجعلنا نحن العرب و المسلمين رواد هذا العصر في العلوم و في النتاج و لا بأي شيء، و إلا لامتننا على كل من يأخذ بعلمنا و لو القليل، فنقطع علمنا عن هذا تارة و عن ذاك تارة أخرى لأش شيء يبدر منهم يعكر صفونا، و هو أمر متوقع وفقاً لما نحن عليه اليوم من أزمة، هي أخلاقية قبل أن تكون أزمة من نوع آخر. بل أن بعضنا يشعر بامتنان عظيم على هذه البشرية مما صنعه و قدمه "أجدادنا" من علم و تقدم، ليس لنا نحن فيه من شيء لا من قريب و لا من بعيد، بل الظن أن الفجوة العلمية التي كانت بين العرب و المسلمين قديماً و بين العالم لم تعدو أن تكون سوى جزء يسير من الفجوة التي هي اليوم بيننا و بينهم. إن لله حكمة في تدهور حالنا هذه الأيام. خير ما يعبر عن هذا الكلام هي تلك المحادثة الطريفة التي جرت مع بعض الأصدقاء، و كان من بينهم من لم ينفك عن وصفنا –وصف العرب- بكل جميل، و كيل الشر و اللعنة و كل سيء على غيرنا، حتى أخذ تفاحة ليأكلها و قد كتب عليها: "Product of USA" فأخبرته بذلك، و كان قد وصف أهل هذا البلد بكل قبيح، فما كان منه إلا أن ناقض نفسه بنفسه قائلاً: أحبابنا الأمريكان. فأدركت في حينها ما كنت قد قرأته قبل حين في كتاب المحاسن و المساوئ للبيقهي عن الذين لعنوا الحجاج ثم استغفروا له في ساعة واحدة، فما وجب إلا مجاهدتهم.
#أحمد_عبد_الرحمن_الحجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف
...
-
صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
-
-الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت
...
-
روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم
...
-
-بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر
...
-
-حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م
...
-
تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
-
البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ
...
-
-بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض
...
-
علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|