أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خالد العارف - الموت الآتي من هناك















المزيد.....

الموت الآتي من هناك


خالد العارف

الحوار المتمدن-العدد: 5829 - 2018 / 3 / 28 - 15:02
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


صدرت رواية يوميات موت حيّ للكاتب والمفكر عبد الإله بلقزيز سنة 2017 عن دار منتدى المعارف، وهي تتشكل من خمسة عشر فصلا تتتبّع المسارات الخطية تارة المتعرجة تارة أخرى لكمّ هائل من الشخوص لا تحضر فيه المرأة إلا بوصفها أما أو ضحية. تبدو العتبة الأولى للرواية نوعاً من التلاعب بالمفاهيم والشطح بالتصاوير في محاولة لخلق توتر تحفيزي للغوص في عوالم الرواية. فالكلمات الثلاث المشكلة للعنوان متنافرة من ناحية المعنى وقد لا يستقيم استعمالها في جملة واحدة إلا في شكل رمزي، إذ لا تعلُّقَ بينها في اللغة حقيقةً؛ وما التعلق هنا إلا مجازاً وهو إضافة إلى ذلك مجاز مبتكر من حيث كونُه يُسند الكتابة والحياة إلى الموت ظاهرياً. وإذا كان اللفظ دليل الفكر كما يقول الأصوليون، فإننا هنا في إحدى عتبات الرواية (كما في الرواية بأكملها طبعاً) بصدد انتصار الحياة على الموت، ذلك أن اليوميات تحيل على الحياة في بعدها الزمني وكذا في بعدها الكتابي التوثيقي كما في قول الكاتب يوميات نائب في الأرياف مثلا؛ ويفيد لفظ اليوميات الدوام والاستمرارية والألفة والحدوث من جهة الزمن؛ ويفيد التوثيق والتذكير والتذكر من حيث هو جنسٌ أدبي انبثق مع النهضة الأوروبية بشكل جلي مع بزوغ أولى بوادر الاهتمام بالفرد. وعليه فإن الحياة غالبة على الموت في العنوان. من جهة أخرى يمكن تأويل العنوان اعتماداً على قراءة أخرى تكون فيها كلمة "حيّ" بمعنى "مباشر" وهناك بطبيعة الحال ما يعضد هذه الفرضية من داخل أحداث الرواية، مع أنها تبقى نسبياً بعيدة. أما الرواية فمن ناحية ثيمة الموت الطاغية عليها، والمرتبطة هي ذاتُها أفقياً بالموت والموتى وعودتهم وكذا القتل والتقتيل وكل أشكال الانسحاق المصاحبة، فتندرج ضمن نزعة غلبت على الرواية العربية مؤخراً، خصوصاً بعد أحداث الربيع العربي؛ ومن بين هاته الروايات يمكن، تمثيلا لا حصراً، الإشارة إلى سرمدة لفادي عزام وفرسان الأحلام القتيلة لابراهيم الكوني وعطارد لمحمد ربيع وموت مختلف لمحمد برادة و2084 حكاية العربي الأخير ونساء كازانوفا لواسيني الأعرج والمغاربة لعبد الكريم جويطي وحدائق الرئيس لمحسن الرملي وموت صغير لمحمد حسن عطوان (رغم ارتباط الموت الصغير سياقاً ومقاماً بالحب في سيرة ابن عربي في الرواية الأخيرة وكثرة المداخل إلى الموت والقتل والتقتيل في باقي الروايات المشار إليها آنفاً). ويمكن أيضاً إدراج روايات كتبت بالفرنسية أو بالإنجليزية لكتاب عرب أو من أصل عربي مثل مورسو التحقيق المضاد لكمال داود وأغنية هادئة لليلى سليماني وغوابا لسليم حداد.
تدور أحداث الرواية في بلد عربي غير مسمى؛ لكن الإشارات المتناثرة هنا وهناك تشير ضمناً لا تصريحاً بأن البلد هو المغرب؛ ومن قبيل ذلك ما يقوله حسان زهيري في نفسه وهو يفكر في بلاده: "..فليس فيها أصنام تباع، ولا آبار ومصافي، بل ليس من أثرياء فيها ينفقون على الجهاد كما يفعل أثرياء البلاد الأخرى." (ص. 391) وهناك إشارة أخرى تكاد تشير من طرف خفي إلى المغرب على سبيل الظن لا التأكيد مفادها أن البلاد عرفت قفزة نوعية وأن التغيير لحق قرية حسان بالذات إذ يقول السارد: "استغرب لهذا التبدل السريع الذي طرأ على القرية ...وبأن هذا التحول لابد سيحمل للقرية فوائد جمة مثل الصيدليات والمراكز الصحية" (ص. 27) ويمكن قراءة هذا التفصيل بشكل مغاير انطلاقا من كونه يؤسس لما سيأتي لاحقا من أحداث تبني على هذا التفصيل المرتبط بوجود الصيدلية لأن محمد نجيب (الاسم الحقيقي لحسان زهيري المكنى أيضا بأبي نوفل) سيحتاج إلى شراء الأدوية لنفسه ولعمته لاحقاً. ورغم أن السرد لا يذكر البلد كما تمت الإشارة إلى ذلك فإن الحركة السردية الدافعة للأحداث تتخلق من انتظام مضمر ينتج فضاءين مختلفين وزمنين متباينين هما هنا وهناك والآن ومن قبل. أما الزمن الراهن للحكي فيرتبط بتطور الحكاية الأم التي تتفرع عنها كل الحكايات وهي تحديدا حكاية محمد نجيب الشاب العائد إلى بلده بعد أن قضى أربع سنوات في بلادستان وانتظم في منظمة إرهابية هناك. غاب الشاب محمد نجيب مدة عشر سنوات عن قريته الأصلية التي تربى فيها يتيما في حضن عمته وزوج عمته. تتشكل رحلة محمد نجيب إلى بلادستان إذن من غيبة دامت عشر سنوات أمضى منها أربعة في مدينة قريبة من قريته الأصلية المسماة القبيبة. يعود محمد نجيب نجيب جريحا إلى القرية ويساعده بعض أهلها في الوصول إلى بيت عمته التي هي كل عائلته ولكن الشكوك والمخاوف تفترس مخيلته خوفاً من أن يكون أمره قد كشف إذ أن محمد نجيب هو اسمه الحقيقي بينما حسان هو اسمه الحركي الذي يعرف به وسط أعضاء الخلية الجهادية التي كونها من أجل القيام بأعمال إرهابية في بلده. تتشكل الخلية من سالم الذي سبق أن ساعد في تهريب حسان عبر الحدود البرية إلى بلاد حاسستان كي يتمكن من الالتحاق ببلادستان؛ وسالم، شاب "درس في كلية الشريعة عاماً، لكنه انقطع عن الدراسة بسبب اعتقاله في أحداث تفجير مركز سياحي، والحكم عليه بخمسة أعوام قضاها جميعها وراء القضبان على الرغم من عدم ثبوت تهمة المشاركة عليه" (ص. 50)؛ ومن جامع وهو مهرب ملابس سيكلفه حسان بالعمل على استيراد السلاح والمتفجرات برا عن طريق وسطاء يعرفهم الأخير ويثق بهم. أما عضوا الخلية الآخرين فهما همام وصابر ولا يعرفهما لا سالم ولا جامع وهما في علاقة مباشرة مع حسان أمير الخلية. أما همام فلم يكن له "تحصيل علمي مكين، لا مدرسيّاً ولا في العلوم الشرعية" و"حصل على الباكالوريا ولم يلج الجامعة، وإنما التحق بمدرسة مهنية للتكوين في الكهرباء" (ص. 140). وكلاهما أصبح عضواً في الخلية باقتراح من الجماعة في بلادستان (ص. 141). ينضاف إلى هؤلاء الأعضاء آخرون عادوا من بلاد الجهاد بتوصية من الجماعة الأم في بلادستان وهم عصام وخالد وعبد الباسط وهؤلاء جميعا كانوا قريبين جدا من أعضاء الجماعة الأم في بلادستان من مثل أبي مصعب وأبي دريد والحاج صلاح الدين، وقد اكتسبوا خبرة في كافة أعمال الإرهاب.
من خلال الرسائل الشفوية التي يبلغها هؤلاء الثلاثة الملتحقون مؤخرا بالتنظيم لأمير الجماعة، يبدو العمل الدقيق لأشكال التواصل في قلب الخلايا الإرهابية إذ أن كل واحد من الثلاثة يبلغ رسالة خاصة للأمير دون أن يعرف الآخران فحوى الرسائل الأخرى والرسائل كلها تصب في باب تقوية التنظيم وتحصينه وكذا دفعه إلى ارتكاب عمليات جهادية كبيرة يعلن من خلالها التنظيم بداية الحرب على المجتمع والدولة. وما يلفت الانتباه هو أن الرسائل كلها شفوية وهو ما يعتبر متماشيا مع الفضاء الذي تتحرك فيه أحداث الرواية وأعني فضاء القرية وكذا فضاء الهامش المديني الذي لا يختلف عن القرية كثيرا. تتساوق المكونات الشعرية للرواية كي تسبر أغوار العلاقة المعقدة بين الأماكن والفضاءات وكل ذلك في لغة وصفية واقعية تغوص في الخلفية الاجتماعية لكل أفراد الخلية. فالقرية مثلا تصبح الملاذ الآمن لأمير الخلية بعد أن يرتب كل شيء مع أعضاء خليته تاركا لهم اختيار التوقيت المناسب للقيام بالضربة الأولى التي اختاروا لها هدفا دقيقا هو مبنى غير مصرح به للمخابرات بعد أن تلقى حسان الأموال بشكل مباشر من أبي رافع، تاجر آثار وعضو في الجماعة الأم في بلادستان إضافة إلى نشاطات تجارية له في أكثر من بلد.
قبل حدوث الانفجار بأيام عديدة يعود محمد نجيب إلى قريته وينسج علاقات اجتماعية مع كافة أفرادها وخصوصا مع شيخها الذي أضحى يكن لمحمد نجيب محبة واحتراما كبيرين بعد أن ساهم من ماله في القيام بأعمال خيرية. وحين يحصل الانفجار يكون محمد نجيب وسط أهل القرية فلا يشك أحد في ارتباطه بالعملية رغم أن شكوك الدرك حامت حول قرية قريبة من القبيبة لوجودها على الحدود. بعد العملية يتم استجواب سالم ولكن البوليس يخلي سبيله لعدم وجود علاقة مباشرة له مع الأحداث. ولأن حسان يريد أن يرفع من أسهمه في مجال الإرهاب بالقيام بعمليات متتالية قبل اللقاء المرتقب بينه وبين بعض رؤوسها، فإن حسان يأمر همام بالقيام بعملية أخرى والهدف هذه المرة هو سوق تجاري ضاج بالمتسوقين. وحين تتم العملية، تنبت بذور الفرقة بين حسان وسالم الذي لا يوافق على إزهاق الأرواح "بغير حق" (ص. 382) كما قال. وانطلاقا من تلك اللحظة يتغير تفكير سالم ليعيد النظر في هذا الرجل الذي صنعه بنفسه و"لعن اليوم الذي استماله فيه إلى الجهاد" حتى سمى حسانا "مجرما" (ص. 385) ويبدأ العد العكسي لانفراط الخلية حين يقرر حسان القيام بعملية ثالثة تستهدف هذه المرة أحد الشيوخ السلفيين، الشيخ الرفاعي، الذي شجب عمليات جهادية سابقة واعتبرها إرهاباً صُراحاً. يتقرر قتل الشيخ الرفاعي وسط المسجد خلال صلاة الجمعة، لكن سالم الذي تفطن إلى نية أمير الخلية بعث إنذاراً للشيخ الرفاعي رغم كرهه الشديد له وبذلك فشلت العملية إذ قبض البوليس على الانتحاري الذي هيأه همام للعملية واعترف بكل شيء رغم محاولة قتله من طرف أحد أعضاء الخلية بعد أن فشل في مهمته. وخوفا من انكشاف أمره يأمر حسان عبد الباسط باغتيال همام وسالم بعد ذلك كي لا يترك أثراً يوصل البوليس إليه، ولكن الأقدار (الروائية) تشاء أن يصطدم عبد الباسط بشاحنة لحظة هروبه بعد التنفيذ فيقبض عليه بعض الشباب.
من الأسئلة التي تراود القارئ بعد الفراغ من قراءة هذه الرواية هو هذا السؤال القديم الجديد: هل يمكن إنتاج الجمال عن طريق محاكاة القبح؛ والقبح في هذا المقام هو تصوير عالم الإرهابيين والقتلة كما لو كانوا أناساً بسيطين لهم رغباتهم البسيطة وأفكارهم حتى لو كانت أفكاراً مدمرة؛ إن الرواية إذ تُدخل القراءَ وسط عالم الإرهابيين وصفاً وتحليلا تسبغ عليهم نوعاً من الإنسانية ولا بد وأن يثير ذلك في مخيلة القراء أو في مخيلة بعضهم على الأقل نوعاً من التعاطف مع شخصية من الشخوص والتماهي معها حتى، خصوصاً إن كانوا من نوع القراء الذين لا يرون من الرواية إلا الظاهر. وإن كانت نهاية الرواية بموت بعض الإرهابيين وموت آخرين على يد إخوانهم في الإرهاب تحاول أن تعيد العالم إلى سابق توازنه، فإنها لا تفعل ذلك كلية لأنها تترك مجالا واسعاً للتمثل الخاطئ؛ فشخصية سالم مثلا تبدو كما لو كانت شخصية ذات أخلاق عالية ومبادئ سامية وقد يسبغ عليها موتها في الأخير نوعاً من التبجيل في أعين قراء لا ينظرون إلى الصورة في كليّتها. تبقى الرواية مع ذلك محاولة جادة للدخول إلى عقول الإرهابيين بعد أن كانت رواية الحركة (2012) قد اقتربت من شخوص حاولت الصدع بما تمور به مخيلتها وأحلامها وانكساراتها في ما عرف بحركة عشرين فبراير في المغرب وسراديب النهايات (2014) التي حاولت الاقتراب من عالم القرية في تعالقاتها مع فضاءات أخرى ضمن حزمة من العلاقات الاجتماعية المبنية على الطمع والجشع والنهايات الحتمية والأخرى المفتوحة.

خالد العارف، المغرب



#خالد_العارف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكائن المعطوب: ملاحظات أولية بخصوص رواية المغاربة
- دبدو: بين أنوار منير وهزيمته


المزيد.....




- بيسكوف: نرفض أي مفاوضات مشروطة لحل أزمة أوكرانيا
- في حرب غزة .. كلا الطرفين خاسر - التايمز
- ارتفاع حصيلة ضحايا هجوم -كروكوس- الإرهابي إلى 144
- عالم فلك: مذنب قد تكون به براكين جليدية يتجه نحو الأرض بعد 7 ...
- خبراء البرلمان الألماني: -الناتو- لن يتدخل لحماية قوات فرنسا ...
- وكالة ناسا تعد خريطة تظهر مسار الكسوف الشمسي الكلي في 8 أبري ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 795 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 17 ...
- الأمن الروسي يصطحب الإرهابي فريد شمس الدين إلى شقة سكنها قبل ...
- بروفيسورة هولندية تنظم -وقفة صيام من أجل غزة-
- الخارجية السورية: تزامن العدوان الإسرائيلي وهجوم الإرهابيين ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - خالد العارف - الموت الآتي من هناك