أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسني إبراهيم عبد العظيم - مائتا عام على ميلاد كارل ماركس: نظرة عامة على مشروعه الفكري















المزيد.....

مائتا عام على ميلاد كارل ماركس: نظرة عامة على مشروعه الفكري


حسني إبراهيم عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 5828 - 2018 / 3 / 27 - 01:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعد كارل ماركس (1818 ـ1883) واحداً من أبرز المفكرين إثارة للجدل, وبالرغم من مرور أكثر من قرن وثلث القرن على وفاته, إلا أن فكره لا يزال يشغل حيزاً ضخماً من اهتمام الباحثين والمفكرين فى كل التخصصات, ولا يكاد يخلو كتاب فى النظرية السوسيولوجية من الاهتمام بنظرية ماركس وأبعادها المختلفة.

1ـ من هو كارل ماركس؟

ولد كارل ماركس في مدينة "ترييف" Trieve الألمانية فى عام 1818 لأسرة يهودية, وكان واحداً من سبعة أخوة, وكان والده محامياً متأثراً بعصر التنوير, فترك تأثيراً كبيراً على ابنه, حيث نشّأه على الحرية وحب المعرفة, التحق ماركس بجامعتي بون وبرلين, ودرس الفلسفة والقانون والتاريخ, وتأثر بفلسفة هيجل كثيراً, في عام 1841 حصل علي الدكتوراه فى الفلسفة الطبيعة اليونانية, وقد كان ماركس شخصا ثورياً متمرداً, حيث انضم لعدة منظمات شبابية يسارية. (عبد الباسط عبد المعطي 1981: 97-98)
عمل بالصحافة, وتنقل فى أوربا بين فرنسا وبلجيكا وبريطانيا, نتيجة المضايقات التى كان يتعرض لها من القادة السياسيين بسبب مقالاته السياسية الناقدة والثورية, كان من أهم الأحداث فى حياته لقاءه مع رفيق فكرة المفكر الإنجليزي "فردريك إنجليز" الذي شاركه فى العديد من المؤلفات التى أبرزت اتجاهات الفكري العام.

شارك فى الأنشطة السياسية والفكرية, فاتصل بالعديد من المنظمات العملية والاشتراكية, منها الرابطة الشيوعية the communist League التي كلفته بكتابة وثيقة نشرح أهدافها ومبادئها, وهي التى عرفت "بالبيان الشيوعي" the communist Manifesto وكانت أول جملة فى هذا البيان "إن تاريخ كل المجتمعات هو تاريخ الصراع الطبقي"ومن ذلك فى عام 1848, وفيما بعد أصبح ماركس رئيساً للجمعية الدولية العمالية التى تكونت عام 1863, وهي اتحاد دولي للعمال يهدف إلي وضع نهاية للنظام الرأسمالي, واستبداله بنظام آخر يقوم علي فكرة الملكية الجمعية للثروة, وقد توفي ماركس في لندن عام 1883.

كتب ماركس عددا كبيرا من المؤلفات, ما بين كتب ومقالات ودراسات, من أهمها: البيان الشيوعي , رأس المال, نقد الاقتصاد السياسي, فقر الفلسفة, الأيديولوجيا الألمانية.

2ـ الواقع الاجتماعي والفكري الذي عاصره ماركس:

عاش ماركس خلال القرن التاسع عشر, وقد تأثر مثل غيره من مفكري هذه الحقبة بالأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية التى شهدتها القارة الأوربية, بداية من عصر التنوير الذي بلغ أوج نضجة فى القرن الثامن عشر, وما نتج عنه من تأثيرات علي المجتمع الأوربي, كانهيار سلطة الكنيسة الكاثوليكية, وتراجع النظام الديني المرتبط بها, وانهيار النظام الإقطاعي, ونمو التفكير العلمي, وإعلاء سلطة العقل, ومروراً بالثورة الصناعية في إنجلترا التى امتد أثرها إلي كافة الأقطار الأوربية, وما خلفته من اثار متعددة علي البناء الطبقي فى المجتمع الأوربي, وانتهاءً بالثورة الفرنسية 1789, وما أثارته من قيم جديدة, كالحرية والإخاء والمساواة, وتجسيد حقوق الإنسان وبروزها , فكل هذه الأحداث شكلت مناخاً فكرياً ترك بصماته علي مفكري أوربا في تلك الفترة, ومنهم ماركس.
وبالإضافة إلي ذلك, فقد تأثر ماركس بالواقع الفكري في ألمانيا, وبوجه خاص الفلسفة المثالية عند هيجل وفيورباخ وكانط, إذ بني مشروعه الفكري بعد قراءة واعية لهم, حيث جاءت إسهاماته بعد حوار فكري نقدي للفلسفة المثالية الألمانية.

والواقع أن ماركس قد إنحاز بقوة إلي الطبقة العاملة, وسخر نفسه للدفاع عنها, وقدم نقداً مريراً للنظام الرأسمالي, ودعي إلي الثورة عليه, والإطاحة به, وإحلال النظام الاشتراكي مكانه, ومن ناحية أخري, يري بعض علماء الاجتماع أن علم الاجتماع الغربي بأسره, قد نشأ تحت تأثير ماركس, وفي مواجهته ونقده, ويذهب عالم الاجتماع الأمريكي "زايتلن" Zeitlin إلي حد اعتبار أعمال فيبر ،وباريتو، وموسكا، وميتشلز، ودور كايم، ومانهايم، حواراً مع شبح كارل ماركس Debate with the ghost of Marx.

3ـ أهم القضايا النظرية التى طرحها ماركس:

ينقسم المشروع النظرية لكارل ماركس إلى جانبين أساسيين , مترابطين, ومتكاملين:

أـ المادية الجدلية Dialectical Materialism
ب ـ المادية التاريخية Historical Materialism

وسوف نشرح كلا منهما بصورة موجزة:

أولاً: المادية الجدلية:

تمثل المادية الجدلية المكون الفلسفي للنظرية الماركسية, فهي الرؤية الفلسفية التى تنبثق عنها جميع قضايا النظرية وتتلخص هذه الرؤية في اعتبار العالم: "كلا مكوناً من مادة متحركة حركة تصاعدية تؤدي إلى حدوث تغيرات متتالية".

وتتسم المادية الجدلية من جهة أنها (مادية) بالاعتقاد بأن العالم مادة متطورة لا إرادة إلهية فيها, وأن العالم المادي موجود سواء أشعرنا به أم لم نشعر, وأن الوعي والحس ما هما إلا نتيجتان للمادة, فالوجود المادي سابق علي الوعي.

أما كونها جدلية فيعني النظر إلي العالم باعتباره كلا مترابطاً, في حركة دائمة وتطور مستمر, وتنبع الحركة والتطور من التناقضات الكامنة في جميع أجزائه, تؤدي هذه التناقضات إلي صراع بين القديم والجديد, صراع ينتهي بالانتصار الحتمي للجديد, ويري ماركس أن التناقض هو جوهر الأشياء, ومن ثم فهو شامل ومطلق, وتوجد التناقضات كأساس للتغير فى كل العمليات والأشياء.

والجدل, كما فى الأصل اليونانية هو طريقة فى المناقشة المنطقية, تعني فن تقصي الحقائق من خلال الحوار الذي يجري بين أطراف متعارضه, وكشف التناقضات التى تتضمنها حجج كل طرف, غير أن الجدل كمنهج فلسفي تطور على يدي هيجل, وطبقه علي عالم الأفكار, أما ماركس فقد استخدمها في عالم المادة, حيث اعتبر أن التناقض قائم في كل الأشياء, وبالتالي فإن الجدلية تعني عملية تطور تتم من خلال ظهور المتناقضات, وما يجري بينها من صراع.

ثانياً: المادية التاريخية:

المادية التاريخية هي علم الاجتماع الماركسي, فهي تطبيق مبادئ المادية الجدلية على تطور المجتمع الإنساني, ويعتبرها ماركس نظرية علمية للتطور الاجتماعي, ومنهجاً للتغير الثوري فى المجتمع.

وعلي حين يرى (هيجل) أن الفكر أو الوعي هو الذي يحرك تطور التاريخ الإنساني, فإن ماركس يري أن العوامل الاقتصادية هي القوي الحقيقة المحرّكة للتطور، وعلي ذلك سمي تفسيره بالتفسير المادي أو الاقتصادي للتاريخ، بمعني أن الشئون الاجتماعية والسياسية والفكرية للإنسان تتأثر بظروف الإنتاج وعلاقات الإنتاج القائمة فى المجتمع, فمن خلال النظام الاقتصادي (نمط الإنتاج) يمكن تفسير التاريخ السياسي والثقافي للمجتمع الإنساني.

ويمكن عرض أهم القضايا المطروحة فى المادية التاريخية بصورة موجزة فيما يلي:

أولا: يمثل الإنسان نقطة البدء فى التحليل الماركسي:

فقد رأى ماركس أن الإنسان متطور دائماً, وأن قدراته الكامنة والممكنة غير محدودة, ويمكنه أن يحقق أعلى صورة من الإتقان فى الفكر والعمل والإبداع, وهو خالق لظروفه ومتأثر بها في ذات الوقت، كما يري ضرورة التفرقة بين الحالة الراهنة الصعبة للإنسان, وبين ما يمكن أن يكون عليه إذا تغيرت الظروف التى يعيش فيها.

ثانيا: المجتمـع ليس مجـرد تجمع آلي للأفراد وإنما هو وحدة اجتماعية ـ اقتصادية مترابطة

يعتقد ماركس أن المجتمـع ليس مجـرد تجمع آلي للأفراد لا روابط بينهم, وإنما هو وحدة كلية اجتماعية ـ اقتصادية مترابطة فى حركة مستمرة, وتغير دائم, يحتل فيه نشاط الإنسان بأخيه الإنسان المقام الأول, وقد طرحت الماركسية مفهوماً يعبر عن هذه الرؤية, وهو "التكوين الاجتماعي ـ الاقتصادي Socio – Economic Formation الذي يعني نموذجاً تاريخياً للمجتمع, يقوم على أساس أسلوب إنتاجي معين, ويظهر كمرحلة في تطور المجتمع الإنساني.

يتشكل التكوين الاجتماعي ـ الاقتصادي من جانبين مترابطين:

ـ الأول: يسمي الأساس Base أو البناء التحتي Infrastructure ويقصد به كل العناصر المادية والاقتصادية المرتبطة بعملية الإنتاج, ويتكون ذلك الأساس من عنصرين:

أ ـ قوي الإنتاج Production forces ويقصد بها الإنسان العامل ووسائل الإنتاج كالأرض والمناجم والغابات والمواد الخام, والآلات والأدوات اللازمة للإنتاج.

ب ـ علاقات الإنتاج P.relations وهي العلاقات الاجتماعية التى تنشـأ بين الأفراد أثناء عملية الإنتاج, لأن الإنسـان لا يمكن أن يحيـا بمفرده, وبالتالي لا يستطيع أن ينتـج بمفرده, وتعتمد علاقات الإنتاج على عنصرين أساسيين , وهما ملكية وسائل الإنتاج,وتقسيم العمل وتنظيمه, فالذين يملكون وسائل الإنتاج, يتحكمون في توزيع أرباحه, رغم أنهم لا يسهمون بشكل مباشر فى الإنتاج, أما الذين لا يملكونها فيظلون خاضعين, ولا يحصلون إلا علي قدر ضئيل من الأرباح, وينتج عن ذلك وجود تناقضـات بين طبـقة المُلّاك (وسماهم الطبقة البورجوازية) والطبقة العاملة (وسماهم طبقة البروليتاريا).

ـ الثاني: يسمي البناء الفوقي super structure وهو مجمل العناصر الأخري للمجتمع ـ غير الاقتصادية ـ ويتضمن البناء السياسي, والتشريعي والفلسفي والأخلاقي والجمالي والديني , وما يترتب علي ذلك من مؤسسات وعلاقات وهناك علاقة جدلية بين البناء الفوقي والبناء التحتي, فكل منهما يؤثر فى الآخر ويتأثر به, ويتحدد وضع المجتمع في الواقع والتاريخ وفقاً لهذه العلاقة.

ثالثا: الصراع الطبقي:

يمثل الصـراع conflict بعـداً هـاماً فى الماديـة التاريخيـة, إذ يري ماركس أن الصراع الطبقي هو قانون التطـور التاريخي, وهو القانون الذي يثبت أن جميع أنواع الصـراع فى مجالات السـياسة أو الدين أو الفلسفة أو أى ميدان آخر ما هي إلا تعبير صـادق عن الصـراع الذي ينشأ بين الطبقات, ويصبح تاريخ المجتمع الإنساني هو تاريخ الصراع الطبقي: بين الحر والعبد, وبين النبلاء والعامة, وبين الإقطاعي والفلاح الأجير, وبين صاحب العمل والعمال, فلم يتوقف النزاع بين الطرفين, فكان يظهر تارة بصورة مباشرة, ويظهر تارة أخري في شكل غير مباشر.

ولقد قرر ماركس أن الطبقات قد ظهرت إلى الوجود عندما تطور تقسيم العمل وتطـور الإنتاج، بحيث أصـبح من الممكــن لبعض الناس أن يتملكوا فائض عمل غيرهم, وبالتالي استطاعوا أن يحققوا تراكماً من هذا الفائض، مكّنهم من أن يدخلوا فى علاقات استغلالية مع جماهير المنتجين, وهكذا أصبح من الممكن أن تسيطر طبقة من الناس علي طبقة أخري.

وهكذا فإن أسـاس تقسيم المجتمعات إلي طبقات هو ملكيــة أو عدم ملكية وسائل الإنتاج, وبالتالي كيفية حصولها على الدخل وحجم ذلك الدخل, وطـالما توجد ملكية خاصة في وسائل الإنتاج, وطالما ينقسم الناس فى المجتمع إلي من يملكون هذه الوسائل, ومن لا يملكون سوى جهدهم يبيعونه لمالكي وسائل الإنتاج الذين يستغلونهم، فسيظل هناك دائماً عداء بين هذه الطبقات, وسيظل هناك صراع بينهم, وقد شهدت المجتمعات البشـرية لقرون عديدة هذا الاستغلال للطبقات العاملة سواء ً أكانت هذه الطبقات من العبيد أو الفلاحين أو العمال الصناعيين من جانب الطبقات الحاكمة, وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تقوم هذه الطبقات المستغلة بالثورة علي القمع وعلي الظلم الواقع عليها وأن تسعي للحصول علي حقوقها.

ويري ماركس أن المراحل التاريخية الأسـاسـية التى مـر بها المجتمع الإنساني كانت نتيجة الصراع بين الطبقات, المرتبط بالتناقض بين قوي الإنتاج وعلاقات الإنتاج, مما أدي إلي حدوث ثورات متتالية من الطبقات المستضعفة, وتتمثل هذه المراحل في ست:

1ـ المرحلة الشيوعية البدائية. 2ـ المرحلة العبودية
3ـ المرحلة الإقطاعية. 4ـ المرحلة الرأسمالية
5ـ المرحلة الاشتراكية. 6ـ المرحلة الشيوعية

رابعا:الاغتراب:

يمثل الاغتراب Alienation واحداً من الموضوعات الأساسية التى عالجها ماركس, فهو يلعب دوراً محورياً في مشروعه النظري, فقدم تحليلاً عميقاً لأبعاده المختلفة كما تجلت في إطار النظام الرأسمالي الذي عاصره ماركس..

يقصد بالاغتراب بشكل عام ان يصبح الإنسـان غربياً عن جانب أو أكثر من جوانب واقعة المعاش, وفي كتاباته عن الاغتراب تأثر ماركس بأفكار كل من هيجل وفيورباخ, إذا قام يتحويل رؤاهما من الجانب الفكري إلي الواقـع الاقتصادي ـ الاجتماعي, حيث رفض ماركس تناول الاغتراب كظاهرة فلسفية ـ سيكولوجية.

ويري ماركس أن النظـام الرأسـمالي هو الذي يخلق الاغـتراب لدي العامل, ذلك لأنه يحول طاقة الإنسان علي العمل إلي سلعة تباع وتُشـتري, بل إن قوة العمل هذه تصبح أكـثر رخصـاً كلما أنتج العامل أكثر, فقيمة الإنسان تتدهور كلما زادت قيمة الأشياء التى ينتجها.

ويأخذ الاغتراب عدة صور منها: تحول علاقة الإنسان بالعالم من علاقة ذات طابع إنساني إلي علاقة ذات طابع حيواني, بمعني أن يتحول الإنسان إلي "حيوان عامل " يتعرض لأقسى درجات الاستغلال من جانب الآخرين, وهم مالكي وسائل الإنتاج, ومن هذه الصـور أيضاً إحساس العامل بالاغـتراب داخل العمل, حيث لا يقـدم العمل أيه إشباعات جـوهرية تجعل من الممكن للعامل أن يطور، أو ينمي قدراته العقلية والفيزيقية بحرية مادام العمل مفروضاً بواسطة الظروف الخارجية القاهرة فقط, ولذلك فإن (البشر يفرون من العمل مثلما يفرون من الطاعون).

خامسا: الماركسية والدين:

أثار موقف الماركسية من الدين جدلاً واسعاً بين مؤيديها ومعارضيها, خاصـة في دول العالم الثالث, فبعض المدافعين عنها يرون أن موقف ماركس من الدين كان متجهاً أسـاساً إلي الاسـتغلال السيئ للدين من جانب الرأسـماليين لإخضـاع الطبقة العاملة, في حين يعتقد أغلب الباحثين أنها فلسـفة ضد الدين بمعناه الإلهي.

وفي كل الأحوال, فقد نظـر ماركس إلي الدين باعتبـاره جزءاً من البنـاء الفوقي للمجتمع الذي يتأثر بصـورة آلية بتغير الأسـاس الاقتصـادي الذي يمثل البناء التحتي, ويعني ذلك أن الدين بمثابة متغير تابع لكل المؤثرات التى تطرأ على البناء الاقتصادي, وهذه النظرة تطرح عن الدين سـمته الإلهية المقدسة.

ومن ناحية أخري, يري ماركـس أن الدين (يتخلق) نتيجـة عمليـة الاغتراب التى سبقت الإشارة إليها, فقد اعتقد أن الاغتراب يخلق بعض الظـواهر أو النظم الاجتماعية التى ليسـت لها أي جـذور موضـوعية, ويقدم الدين مثالاً على ذلك, فالإنسان من وجهة نظـر ماركس هو الذي يخلق الدين, وليست القوي الدينية هي التى تخلق الإنسان فالدين فى الحقيقة ليس إلا وعي الإنسان بذاته, طالما أنه لم يكتشـف ذاته بعد, أو أنه اكتشفها وافتقـدها ثانية, ذلك لأن الإنسـان ليـس كائناً مجرداً, يسكن خارج العالم, وإنما الإنسان هو العالم الإنسـاني وهو الدولــة والمجتمـع, ومن ثم يصبـح الدين هو التحـقق المثالي لكينونة الإنسان, مادامت هذه الكينونة البشرية لا تمتلك وجوداً واقعياً, وبذلك تصـبح المعانـاة الدينية تعبيراً عن المعاناة الواقعية أو احتجاج على هذه المعانـاة, بذلك يصبـح الدين هو رمـز المخـلوق المقـهور, أو هو عاطفة العالم الذي لا قلب له , أو روح الظروف التى لا روح لها, إنه أفيون الشعوب.

ويمكن أن نستخلص من ذلك أن الماركسـية تعد فلسـفية إلحادية, لا تؤمـن بوجـود الله, فهي لا تؤمـن إلا بما هـو مـادي ومحسـوس, والديـن في جوهره إيمان بالغيب, وقد اتضح ذلك بوضوح عندما قامت الثورة البلشفية فى الاتحاد السوفيتي السابق، وانتقلت تأثيراتها إلى دول أوربا الشرقية, قامت بإلغاء المؤسسات الدينية, واضطهدت كل المتدينين, وأغلقت دور العبادة للمسـلمين والمسيحيين.

4ـ ملاحظات نقدية علي آراء ماركس:

أ ـ المبالغة فى تقدير أهمية الجانب الاقتصادي, باعتباره العامل الموجه والأكثر تاثيراً في حركة التاريخ الإنساني, والتغاضي عن عوامل أخري كثيرة مؤثرة في هذا السياق كالعوامل الاجتماعية والفكريـة وغيرهما.
ب ـ القول بأسبقية المادة علي الفكر, وبالتالي أسبقية الوجـود علي الوعي, قـول غير دقيـق, فالواقـع أن هنـاك علاقـة متبادلة وجدليـة بين الوجـود والوعي, كما أن اعتراف الماركسـيين بوجود الفـكر أو الوعي الذي يتضمن آراء الإنسان ومعتقداته وعواطفه وانفعالاته يتضمن اعترافاً بوجود عناصر غير مادية.
ج ـ الازدواجية داخل الأشياء لا تعني التناقض, ولكنها قد تعني التكامل والانسـجام, لا الصـراع والخصـ ام، فالذكر مكمل للأنثى, والسالب يتمم الموجب ليحقق المغناطيس وظيفته, والليل والنهار لا يتصارعان, بل يكمل كل منهما الآخر.
د ـ أثبتت التجارب التاريخية أن الدين لعب دوراً مؤثـراً في حيـاة الشـعوب, وفي العلاقات بين الناس, ومن ضمنهاعلاقات الإنتاج, فالإسلام كدين وكنظام فكري ـ أحدث تغيراً شاملاً, بلغت تأثيراته مناطق واسعة في آسيا وأفريقيا وأوربا، كما أسهمت البروتستانتية في نشأة النظام الرأسمالي.
هـ تعرضت القوانين الجدلية الماركسية لانتقادات عديدة, حيث تمت صياغتها بناءً على أمثلة انتقائية تعسفية, وهناك شـواهد تاريخية وعلمية تناقض هذه القوانين.
و ـ سـقطت العديد من النبؤات الماركسـية ولم تتحقق كما تخيلها ماركس, فقد تنبأ بحدوث الثورة في بلد صناعي متقدم كانجلترا أو ألمانيا أو فرنسا, ولكنها حدثت في بلاد زراعيـة متخلفة في ذلك الوقت وهي الاتحاد السوفيتي والصين, كما أن المجتمع الشيوعي المتكامل الذي تنبأ به لم يحدث, وانهارت النظم الاشتراكية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1990، وعادت الاشتراكية إلى النظام الرأسمالي مرة أخري.



#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطور الوعي الإنساني بالألم من الميثولوجيا إلى السوسيولوجيا 4 ...
- تطور الوعي الإنساني بالألم من الميثولوجيا إلى السوسيولوجيا 4 ...
- تطور الوعي الإنساني بالألم من الميثولوجيا إلى السوسيولوجيا 4 ...
- تطور الوعي الإنساني بالألم من الميثولوجيا إلى السوسيولوجيا 4 ...
- الفكر الاجتماعي في الإسلام 2/2
- بعض جوانب الفكر الاجتماعي في الإسلام 2/1
- ملامح الفكر الاجتماعي في الديانة المسيحية
- الفكر الاجتماعي في الحضارة الرومانية 2/2
- الفكر الاجتماعي في الحضارة الرومانية 2/1
- الشيخوخة النشطة: رؤية أنثروبولوجية 2/2
- الشيخوخة النشطة: رؤية أنثروبولوجية 2/1
- ختان الإناث: رؤية سوسيولوجية موجزة
- الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية 4/4
- الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية 4/3
- الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية 4/2
- الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية 4/1
- رحيل فاطمة المرنيسي: الآن سكتت شهرزاد السوسيولوجيا العربية
- ماكس فيبر: الأخلاق البروتستناتية وروح الرأسمالية
- الفكر الاجتماعي في الحضارات الشرقية القديمة 2/2
- الفكر الاجتماعي في الحضارات الشرقية القديمة 1/2


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسني إبراهيم عبد العظيم - مائتا عام على ميلاد كارل ماركس: نظرة عامة على مشروعه الفكري