أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5















المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5827 - 2018 / 3 / 26 - 15:33
المحور: الادب والفن
    


" غداً نستقبلُ رمضان؛ وهوَ شهرٌ نمتنع فيه نهاراً عن الطعام والشراب والمجامعة "
قالتها " نفيسة " متنهدةً، كأنما أفضت برسالة من العالم الآخر. ثم أضافت في لهجة قاسية، حاولت ألا تكون متكلفة: " هذا آخر اتصال جسديّ بيننا، لحين حلول العيد. لا أريد دخول النار بسببك! ". كانا قد فرغا تواً من صولة جسدية جديدة، وشرعا بارتداء ملابسهما. أشعل لها سيجارة، وراحَ يرقبها وهيَ تنفث الدخان الرماديّ المُعبّق برائحة الكيف. ملامح وجهها الأسمر، مضاءة بوهج شمس الظهيرة، المنعكس على زجاج نافذة المقعد الخلفيّ للسيارة. حركة المركبات تهدأ في مثل هذه الساعة، مما يتيح للأذن التقاط أبسط أصوات الطبيعة. ما أنفكّ يراقبها عن قرب، فلاحظ أنفاسها تتلاحق، فيما عيناها تتسعان وهما على نظرة ثابتة: رجل شرطة، طويل نحيل، كان عندئذٍ يحوم بحذر حول السيارة مُحاولاً تمييز من بداخلها. في أثره، ظهرَ شرطيّ آخر أقصر قامة وعلى شيء من البدانة.
" ماذا عليّ أن أفعل مع هذا الكَاوري، يا سيّدي..؟ أأحرر له أيضاً ضبطاً بتعاطي الكيف وممارسة الرذيلة؟"، خاطبَ الشرطيّ من بدا أنه آمره. هذا الأخير، كان ذا رأسٍ كابوسيّ الملامح، شبيهٍ بثمرة يقطين " عيد الهالوين ". أدار بين العاشقَيْن، المضبوطين بالجرم المشهود، نظرةً متفحّصة فيها بعض الحَوَل. لم يعر التفاتاً لمرؤوسه، الذي كان يحمل دفتراً عريضاً، وإنما اتجه لمخاطبة المرأة بنبرة استنكار ووعيد: " مسلمة، وتفعلين المنكر مع رجل كَاوري في عشية شهر الصوم؟ ". عندما لم يسمع منها جواباً، عاد ليقول لها ساخراً: " مبارك عواشرك، يا امرأة الشريف! ". بطبيعة الحال، لم يفهم الشاب الأجنبيّ شيئاً مما يقال. ولكنه أدرك، في المقابل، أنّ أمراً مشئوماً على وشك الحدوث. وهوَ ذا الضابط، يلتفت نحوه بدَوره. طلبَ منه، بفرنسية فخمة، إبرازَ أوراقه. كان الرجل البدين يدقق في جواز السفر الأجنبيّ، آنَ أنسابَ خيالُ المرأة خفيفاً. تابعها عشيقها بنظرات مواربة، فيما كانت تقترب من الشرطيّ الآخر، الأدنى رتبة، لتهمس شيئاً في أذنه. بعد نحو عشرين دقيقة، أنجلى عن قلب الشاب الأجنبيّ الهمُّ مع ابتعاد مصدره. قالت له المرأة الجسورة، رداً على ما أبداه من دهشة حيال سهولة حلّ الإشكال المستطير: " في بلدنا، المال يحلُ أيّ مشكلة ". ثم أستطردت بنبرة ازدراء: " يا له من جشع، ذاك الشرطيّ الهزيل. لقد شاءَ أن يُمثّل عليّ دورَ المُهان، لما عرضتُ عليه ورقة العشرين درهماً. عزائي بمالي المسلوب، أنّ الآمرَ سينتزعه من الشرطيّ الطمّاع مع تقريعه بالطبع لقبوله رشوة! ". فيما بعد، شعَرَ الشابُ الأجنبيّ بتأنيب الضمير حينَ تناهى لعلمه ما دفعته عشيقته من ثمن ضافٍ لطيّ القضية.
ذلك الضابط، حين كان يعبثُ بصفحات جواز سفره، نبهه إلى أنّ إقامته في المغرب قد قاربت على الانتهاء. في ظهيرة يوم عطلته الأسبوعية، ذهبَ إلى مخدومه الرسام، المتحصن نهاراً في محترفه بعيداً عن كل ما يجدُّ خارجاً. وجده كالعادة مكتسٍ برداء العمل الأبيض اللون، المذكّر بهيئة الممرضين الكئيبة. كان الشابّ يُدرك ما يعانيه " مسيو جاك " من توتر وقلق، بسبب مسلك امرأته. فكّرَ في نفسه، مُشفقاً: " لقد نشفت نضارته وحيويته، فغدا كما المسلم الصائم ". لقد ذكّره إذاً بالعامة في درب " السوق الجديد "، المتعثرين قبيل غروب النهار بظلال بعضهم البعض والمتنفسين روائح أفواههم الكريهة. استمعَ الرجلُ إلى الشاب، دونَ أن يحوّل عينيه عن لوحته. ثم ألتفت نحوه، ليتفرس فيه ملياً مثلما يفعل عند دراسة ملامح موديل رجاليّ. قال له بهدوء: " ما كان عليك أن تتورط في مشكلة مع الشرطة، لأن ذلك كان من الممكن أن يكلفك فقدان إقامتك ". بهتَ الشابُ، وبقيَ لحظات لا يدري ما يُجيب به. فرقعَ الرسامُ أصابعَ يده اليمنى، المكدودة من مسك الريشة، ثم استرسل في الكلام: " لا تستغرب معرفتي بالأمر، طالما أنّ النساء لا يمكنهن حفظ سرّ من الأسرار. هيلين، هيَ مَن باحت لي بتفاصيل الحكاية. ربما كانت تحتَ تأثير الصوم، فاختلط عليها الخبرُ مع السر "
" مدام هيلين..! أتعني، أنها تصوم رمضان؟ "، تساءل وقد تفاقمت دهشته. أومأ المخدومُ برأسه، راسماً اُبتسامة ساخرة على فمه: " بلى، وإنها بدأت أيضاً تمارسُ طقسَ صلاةٍ غريبة، تُحاكي صلاة المسلمين. أعتقدُ أنها واقعة تحتَ تأثير نفيسة، التي صارت ملتصقة بها لا تكاد تفارقها طوال اليوم "
" لعلك تتحدث عن نوعٍ من السحر، الذي يُقال أنّ نساء المغاربة يتعاطينه للسيطرة على الرجال؟ "
" لا أدري، ما إذا كان الأمرُ يتعلق بسحر مزعوم. ولكنني في مقابل ذلك، أرى كيفَ أنّ امرأتي ترتدّ رويداً إلى براءة طفولتها "، قالها بنبرة غائمة ثم سرحَ بصره إلى الخارج عبرَ نافذة الحجرة العريضة. عادَ بعد وهلة صمت ليستأنف كلامه، مغيراً مجرى الحديث. أخبرَ الشاب أن عليه السفر قريباً إلى " ملقة " الإسبانية، حيث يملك هناك شاليهاً بالقرب من الشاطئ: " يمكنك إذا رغبتَ أن تقضي في المسكن بضعة أيام، وبعد ذلك بوسعك العودة إلى المغرب بالسفينة مع فيزا إقامة جديدة ". قبل العيد بحوالي عشرة أيام، حينما كان يُبحر خِلَل البرزخ الأزرق، الفاصل بين قارتين، ارتسمت في مخيلته صورة " نفيسة ". كانت قد أعلمته بموضوعٍ مخزٍ، قبيل سفره إلى اسبانيا. جرى ذلك لما واجهها في حجرة المحترف ظهراً، ليؤنبها على إفشاء سرّ حادثة السيارة. عندئذٍ، أطرقت برأسها مثبتة عينيها بين قدميها. ثم عادت لتحدق فيه طويلاً بقوة سحر عينيها، لدرجة أنه غضّ طرفه. وقالت له أخيراً: " مضت الأمور على خير، بخصوصك مع مسيو جاك.. وليسَ كذلك معي، على أيّ حال. فإنّ ضابط الشرطة لم يتركني بسلام، دونما أن ينال وطره مني. المأفون! لم يجد حرجاً في فعل ذلك، في عشية أول أيام الصوم. إنه يعرف رجلي، بسبب قضية قديمة. ولكنني أذعنت للمساومة من أجلك، لكي لا يتم إبعادك عن البلاد. من ناحية ثانية، يمكننا اعتبار الرجل ورقة جوكر في يدنا، نستطيع طرحها على مائدة المقامرة متى شئنا ".
أستعاد كلماتها، المفعمة بالمرارة والاستهتار في آنٍ واحد. شعرَ أنه أُبعدَ عنها دهراً، محروماً من متعة الاتصال بجسدها البهيّ، المُجرّب. هذا، على الرغم من أنه في اسبانيا لم يمتنع عن وصال بعض الغانيات لقاء المال. ثم آبَ إلى التفكير العمليّ، فاعتبرَ حادثة السيارة أول درسٍ حظيَ به من عشيقته نفسها.. درس ضروريّ، عن كيفية الخروج من المآزق بوساطة النقود والجنس.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 2
- الطريق إلى الغوطة
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 1
- المطعم
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 2


المزيد.....




- روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن ...
- من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5