أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح -5-














المزيد.....

سجن الرّوح -5-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5827 - 2018 / 3 / 26 - 13:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


البعض يسجن، والبعض يعيش.
البعض يخرج إلى العالم في سنّ الشّباب، والبعض يذهب إلى السّجن.
عندما يصعد من عاش، ويخرج السّجين من السّجن. يصّفق السّجين لصاحب المجد مع أنه سجن لأنّه لم يصفّق لصاحب مجد آخر.
عندما تخرج من السّجن مكسوراً . قد لا تجد من يقف في صفّك حتى رفاق دربك، ومن يتجرّأ على تقديم التعاطف لك قد يكون بطلاً.
لا أحد يعرف مأساة السّجن، ولا أحد يعلم المرّار الذي يتعرّض له من هم في دائرة السّجين.
أتحدّث عن سوريا التي سجنت بعض أبنائها في سجون حقيقيّة، أو سجنت أرواحهم. قد يكون السّجنان مختلفان، ومتشابهان.
لا أستطيع أن أشيد، ولا أستطيع أن أذمّ كلّ هؤلاء الذّين تلقّوا الدّعم من الأنظمة، وأصبحوا ملهمين لنا اليوم!
إنّني في حالة حيرة كبيرة. هل ألوم من كان يشعر أنّه لا يستطيع الإعلان عن نفسه، وتلبية بعض طموحه إلا بدفع المال، أو التّعامل مع الأجهزة الأمنيّة؟
جزء منّي لا يلومه، فهو في النّهاية لم يعمل في السّياسة. بل تحدّث عن الحبّ والحياة والحرّية، وردّدنا أحاديثه مثل الببغاوات باعتباره شاعر ثائر، أو مفكّر فذ، وكان هو نسخة الدكتاتور التي نستطيع أن نعبدها بطريقة أسهل فنصفه بالثوري، ونضمّه إلى نوادينا الذّاتية، ونقيم حلقات الذّكر له، والبعض كان يرغب أن ينفتح على الحياة، ولا وسيلة إلا هذه، ومن خلال علاقاته حقق أحلامه وعرف الغرب والشرق.
لا ألومه لأنّه سعى من أجل نفسه، وعائلته، وعند أوّل طلقة كان في اسطنبول ونيويورك وباريس إما مدرّساً في جامعاتما، أو فناناً يحصد الجوائز، فهو قد اختبر الغرب، ويعرف كيف يتعامل معه.
هل ألوم السّجين الذي قضى أجمل أيّام حياته في السّجن، وشرب السّم الزّعاف بينما من ينتمي لحزبه في أعلى المناصب في الجامعة؟
لا. لا أستطيع لوم سجين كان يحتاج لرعاية المجتمع كونه مراهقاً فأودعه السّجن.
بالنسبة لي، وبعد الزواج بيوم واحد اعتبرت أن جزءاً من شخصي الحرّ قد سجن إلى الأبد، بينما كان الباقي منّي سجيناً بالأصل. لماذا؟
اللعبة الاجتماعية أكبر منّي، و لم أعرف دروس الحياة. آمنت بقيم وهمية، ورغم أنني كنت أدعو لحرّية المرأة .كان العيب يقيّد كل خطوة من خطواتي. تناقض كبير بين ما أحبّ أن أكون، وحقيقة ما أكون، وفي حسابات خاصة يكون قراري النهائي، وهذا القرار قد يكون سجنني، لكنّه ربما فتح الباب أمام عقل أولادي ليكسروا الدّائرة.
في فترة النّضال الذّهبية حيث كان الجميع يحارب نزار قباني. كنت أقرأ له، وكنت أقرأ لمحمود درويش، وأستمع إلى أغاني فرقة الطريق العراقية بينما يغنّون هلا هلا هيا. نطوي الفلا . طيا. نسعى لسورية، وقد حضرت إحدى الحفلات في السّينما. هي فرقة كاملة بتنظيمها وإعدادها، وإمكاناتها، وقد سألت نفسي يومها: كيف تمكنوا من بناء فرقة. أمّا أن يسعوا لسورية، ويكون نشاطهم داخلها مسموح بينما" بعض" الشيوعيين يسجن، هذا مالم أفهمه. كما أنّني لم أفهم كيف يقول مظفّر النّواب أمام الحشد من الأمن والبعث أولاد القحبة- مع اعتراضي على التعبير السّوقي- ويضحكون له. هناك سرّ لا أفهمه. أنا أيضاً كاتبة، وأول من كتب في مجلة صوت المرأة التي يقال أنها لرابطة النساء السّوريات لحماية الطفولة والأمومة ، والتي كتبت فيها الكثير، وبعض الأعداد كان أغلبها لي، لكنّها غير مذيّلة بتوقيعي، وعندما سألت عن السبب قالوا أنّنا لا نمجدّ الأفراد. نحن نقدم فكرنا دون أسماء، لكنهم مجدوا على سبيل المثال أيمن أبو شعر، وأقاموا له ندوات شعرية، وأرسلوه في منحة.
على مدى الأعوام الكثيرة قبل أن أترك الحزب كنت أشعر بنفسي سجينة هذا التناقض، فكيف يمكنني القول لا. لا للحزب، لا للمجتمع، لا للنّظام، ولا للأشخاص.
عندما كنت أذهب من القامشلي إلى دمشق لحضور اجتماع. كانت القيادة للنخبة. يعرفون كيف يلبسون. بيوتهم فاخرة، يتعاملون معنا بلطف من أعلى السّلم. كان داخلي يصرخ ضدّهم، وخارجي يبحث عن مكان يجمع أجزائي المبعثرة. عن منبر للكتابة، أو لإظهار ما لديّ من كفاءة في موهبة ربما خلقت فيها.
وصلت إلى قناعة، فعرّفت الشّعب يومها: هو أنا وبعض الناس الذين يمتلكون أشياء جميلة، ولا يسمح لهم بإظهارها، والسبب هو الأحزاب المتشابهة في كل شيء، مع أن أحدهم يرفع شعار القومية، والآخر الأممية. لكن القيادات لديها أميّة بدرجة كبيرة، ولدى القيادات الشّابة -التي اختارها من تسلّط على أي حزب-طموحات في الوصول إلى الغرب الشرقي أو الغربي، وهؤلاء مع أولئك لا يسمحون لأيّة موهبّة بالظهور.
يحزنني اليوم أن أرى سجناء الرّأي يصفّقون لكاتب أو فنّان سجنهم وبقي حرّاً، وهو أمر عميق ربما لا يفهمه إلا من عاشه، فمن أخذ مكانك هو الذي سجنك مثل الدكتاتور تماماً. سورية سجنت روحي منذ الطّفولة، وكان السّجن الأوّل في طفولتي حيث مدرسة النّاصرية الدكتاتورية التي أرعبتني، وجعلتني أنطوي على ذاتي، وعندما نتحدث عن الدكتاتورية فهذا لا يعني أننا نتحدّث عن شخص معين هو عبد النّاصر. بل عن نمط حياة كامل. بدءاً من العائلة، وانتهاء بالحياة الزّوجية، ومن وجهة نظري لم يكن في سورية يوماً حريّة-على الأقل بالنسبة للمرأة- حيث كان الإقطاع، وكانت أخلاق المجتمع تنسجم مع أخلاقه. ثم عبد الناصر، ثم البعث، فالجبهة الوطنية، وما تلاه من تنظيمات.
أفكّر أحياناً أن أكتب بحثاً حول بروز الأدباء والفنانين في الوطن العربي بشكل عام، وفي سورية بشكل خاص، والمحسوبية التي قدّمتهم كأشخاص أعلى منّا، لكن إن أردت أن أكتب بحثاً حقيقياً لا يجوز الاستشهاد به من الذّاكرة. يحتاج لمصادر، وموارد مالية، وأنا لا أملكهما حاليّاً، وأتمنى من بعض من سجنت سورية روحهم مثلي، وخرجوا من السّجن، ولديهم الكفاءة أن يقوموا بهذا العمل الضّروري لإلقاء الضّوء على عمق الاستبداد في نفوسنا، وسوف أبقى سجينة الرّوح إلى حين أكتب أنا، أو يكتب غيري هذا العمل موثّقاً كي يكون له مصداقية تاريخية .
سوريّة سجنت روحي، ولا زلت أقبع في زاوية السّجن . . . .



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماريا فرن
- حول وسائل التّواصل
- سجن الرّوح -4-
- حول فضيحة كامبريدج أناليتيكا
- سجن الرّوح-3-
- سجن الرّوح-2-
- سجن الرّوح-1-
- طريق العودة
- بمناسبة عيد المعلم العربي
- هل غيّر الغرب فكر المرأة السّورية؟
- قصة حقيقية عن العبودية
- سيرجي سكريبتال مرة أخرى
- رد على وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون حول حادث تسمم ال ...
- الفقر يخلق الظّلم
- من أمام المقبرة
- تحرّر المرأة مرهون بالسّلام
- يوم الإنسان السّوري بدلاً من يوم المرأة
- الجنس الثالث
- اضحك، فليس في الضحك عار
- تماهى مع النّظام، واشتم العرب السّنة


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح -5-