أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ناجح شاهين - من هو المثقف، وما هو دوره؟















المزيد.....

من هو المثقف، وما هو دوره؟


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 5826 - 2018 / 3 / 25 - 13:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من هو المثقف وما هو دوره؟
ناجح شاهين
نحاول هنا أن نقول على نحو مبسط من هو المثقف، وما هو وضعه ودوره، بما يسمح باستيعاب هذا المصطلح المراوغ، أو على الأقل بما يفتح المجال لفهم محدد بسيط لهذا المفهوم. لذلك سنلجأ إلى الوضوح التام في عرض الفكرة.
المثقف هو الإنسان المنفتح على ما هو غير ذاته. إنه شخص يهتم ويتابع أموراً وقضايا ليسست في صلب حياته الشخصية أو الأسرية المباشرة. باختصار هو شخص يتجاوز صحته وصحة أسرته وحاجاته وعمله...الخ لينطلق باتجاه المجتمعي/العام، فينخرط في قضايا السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم والدين والطائفة والعشيرة، والمواصلات ونظافة البيئة،...الخ وقد يصل ذلك "التورط" في الهم العام حد الاشتباك الكامل الذي يرقى إلى التضحية بالنفس مثلما فعل الشهيد باسل الأعرج أو مثلما فعل الأسطورة الكونية أرنستو تشي جيفارا.
بالطبع يمكن أن يتم الخلط بين المثقف والمتعلم، ولكن التعريف أعلاه يسهل تماماً التمييز بينهما: إن طبيباً لامعاً وناجحاً في عمله أو عالم فيزياء نظرية أو سائق شاحنة لا يكون مثقفاً مهما أتقن عمله، لأن شرط الثقافة هو أن ينطلق خارج ذاته ليمارس شأناً مجتمعياً. ولا بد أن الراحل ستيفن هوكنج مثقف من طراز رفيع، كيف لا، وقد خرج من ضيق الفيزياء إلى رحابة العلوم المختلفة، وناقش قضايا دينية شائكة، وصولاً إلى الانحياز السياسي الواعي في الساحات المختلفة بما فيها الساحة الفلسطينية التي تبنى فيها موقفاً صلباً في مواجهة إغراءات الصهيونية، ورفض "التطبيع" بالمشاركة في المؤتمرات "العلمية" التي كانت تقام في الدولة العبرية.
من ناحية أخرى يسقط في الذهن أحياناً أن معرفة المرء بالفنون "الراقية" مثل الفن التشكيلي أو الموسيقى الكلاسيكية أو حتى الشعر أو الرواية هي علامات أساس في الثقافة. بل يتوهم البعض أن تحدث لغة أجنبية مثل الإنجليزية يعني أنك مثقف. ولكن تعريفنا أعلاه لا يقيم وزناً كبيراً لذلك كله. وعلى الرغم من أن الشعر والرواية والمسرح هي وسائط تغني ثقافة المرء دون شك، إلا أنها لا تكفي بذاتها لإعطاء صفة المثقف التي تتطلب في رأينا الدراية والاهتمام والتورط في شؤون المجتمع/الجماعة/الأمة التي ذكرناها أعلاه.
لقد كان سارتر مثقفاً ملتزماً على سبيل المثال، ليس لأنه كان فيلسوفاً أو روائياً، ولكن لأنه تدخل في الشؤون السياسية المحلية والعالمية على السواء، وأخذ مواقف واضحة دافع عنها واعتقل أحياناً بسببها. بل إنه حرم على الأرجح من جائزة نوبل في الخمسينيات بسبب مواقفه السياسية، وعندما منحت له في وقت متأخر رفضها مبيناً أن لجنة نوبل إنما منحته إياها بعد أن فقدت أية أهمية تذكر.
بالطبع لا يكفي أن يتورط المرء في الشؤون "العامة" حتى يصبح مثقفاً، إذ لا بد من أن يكون لديه المعرفة والدراية والرؤية النظرية التي تجعل لآرائه قيمة "التنوير" ونقد الأوهام والأيديولوجيا. وعندما ينحاز المثقف للحق والعدل والخير والتقدم نعده مثقفاً ثورياً، أما خلاف ذلك فإنه "كلب حراسة" هنا أو هناك على حد تعبير الفيلسوف/المثقف سارتر.
المثقف يقع في ازمة عميقة عندما يخرج من دائرة التأثير المجتمعي عن طريق العزل والمحاصرة. وهنا يمكن له أن ينزلق إلى البحث عن الوظيفة، ويضع "دوره" في خدمة من يستطيع أن يدفع له ثمن حياة الرفاه التي يعتقد أنه يستحقها بحكم امتيازه المعرفي الكبير الذي يشمل طيفاً واسعاً من قضايا الدولة والمجتمع والأمة. وهنا قد ينحاز المثقف إلى الظلم أو الى الاستعمار أو يكتفي بالصمت والتجاهل متظاهراً بأنه لا يمتلك الوقت للقضايا العامة بسبب انشغاله بدور اكبر أهمية هو دور المبدع. وهذه لعبة قديمة/جديدة يتقنها الفنانون والشعراء الذين يتذرعون بأن الابداع لا يترك لهم الوقت للسياسة على الرغم من أن معظمهم يقضون الساعات الطوال في الحانات والملاهي والأنشطة الزائفة التي تلبس لبوس الابداع.
وإذا فقد المثقف الشجاعة فإنه يغدو بلا قيمة، أو أن قيمته تنحدر على نحو خطير يقوض دوره الناقد الفاضح للزيف الايديولوجي. ولكن الشجاعة ذاتها تغدو ملتبسة في بعض الأحيان. ولكي نوضح ذلك بشكل بسيط نقول إن المثقف الذي ينتقد سوريا منذ بعض الوقت ليس شجاعاً حتى لو كان نقده "صحيحا" من الناحية المعرفية: إن نقد سوريا لا يكلف المرء شيئاً، بل إنه يجلب له المنافع والدعاية والهبات المالية وربما وظيفة مجزية في مركز بحثي او مجلة هنا أو هناك. أما المثقف الذي ينتقد الخليج والصهيونية والاستعمار العالمي فإنه شجاع حتى لو كان نقده "خاطئاً" من النواحي المعرفية، فهذا النقد يكلف صاحبه الجوع وفقدان الامتيازات على أقل تقدير. وقد يكلف بالطبع أكثر من ذلك.
بقي أن نشير إلى معضلة أخيرة تميز مثقف عصرنا الراهن: إن أدوات الانتشار والترويج والتواصل في جلها يمسك بها قطاع الرأس مال المالي والبترودولار في المستوى الكوني، وعندما يستضيف هؤلاء مثقفاً ما فإنهم يطلبون منه أن يقول رأيه في الموضوع كذا في ثلاثين ثانية، بالطبع هذا يشوه الصورة وينتقصها في أهون الأحوال، ولكن المثقف مضطر أن يقبل بدعوة القناة التي تستضيفه كي لا يبقى خاملاً لا دور له ولا أثر. بالطبع هناك خبراء تقدم لهم مساحات هائلة من الزمن المتلفز لكي يتبسطوا في طرح رؤاهم التي تجسد مصلحة الدولة أو الطبقة المسيطرة...الخ. وهؤلاء الخبراء بالطبع يقضون وقتاً طويلاً على الشاشات لا يسمح لنا بتخيل أنهم يجدون اي وقت للقراءة أو الكتابة أو التفكير. لذلك فإن أقصى ما يفعلونه هو قول ما يقولونه دائماً بأشكال متعددة. ربما يجدر بنا أن نتذكر الوقت الذي كان يقضيه المفكر "العربي" عزمي بشارة على الشاشات المختلفة قبل أن "يعتزل" في سياق الازمة القطرية/الخليجية الأخيرة. وينطبق الأمر ذاته على خبراء الميادين الذين يسهرون كل ليلة بضع ساعات على شاشتها. إننا نعيش في زمن هؤلاء الخبراء، وهو نفسه الزمن الذي اشترى فيه برنار هنري ليفي جريدة "ليبراسيون"، وحولها إلى ناطق رسمي باسمه وباسم الصهيونية العالمية. أين يجد المثقف الثوري منبراً حراً يقدر على استيعابه؟ إنه أحد القابضين على الجمر في هذا الزمن الذي يشتد راداءة يوماً بعد يوم.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرح بلدية رام الله، مسرح بلدية فيلادلفيا
- الفياغرا/نلسون مانديلا وحدود المقاومة السلمية
- الإمارات وتفكيك شيفرة حزب الله
- المجرم المتوحش بشار الأسد!
- ترامب ومحمد يستحثان خطى التاريخ
- هل قدر المثقف أن يخون؟
- المدرسة بين ايديولوجيا التكنولوجيا وواقع القمع والتلفين
- ماسح حمامات عوفر
- الديمقراطية في زمن السيسي
- مايك بنس والحاح سؤال المواجهة
- الديمقراطية العراقية وأوهام الديمقراطية
- حلايب والقدس وهموم الدولة القطرية
- المرأة/الشعوب المقهورة وممارسة العنف
- تهافت الخطاب الفني والإعلامي
- إيران في مرمى المخابرات الأمريكية
- الجامعة الأردنية: سباق نحو القاع؟
- ضد معلمي الوكالة
- سلامة كيلة و -مناضلو الامبريالية الأشداء-
- في ذكرى القرار 2334
- عهد التميمي والدعاية للاحتلال


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ناجح شاهين - من هو المثقف، وما هو دوره؟