أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد السلام انويكًة - تازة: حصن البستيون..في زمن القانون..؟؟















المزيد.....

تازة: حصن البستيون..في زمن القانون..؟؟


عبد السلام انويكًة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 5819 - 2018 / 3 / 18 - 23:17
المحور: حقوق الانسان
    


في علاقةٍ بمَعْلَمٍ أثري شاهدٍ شامخٍ شهيرٍ في مدينة تازة المغربية ب"البستيون"، حصْن مَعْلَم يوجد على ما يوجد عليه من هجمة اسمنتٍ غير مسبوقة، ووضعٍ مثير لسؤال وحيرة وعجب وجنون وحديث واسع لرأي عام متتبعٍ، يخص ما يهدد واحدة من أعظم تحفِ دفاعٍ عمرانيٍ عتيقٍ تحتويه المدينة منذ قرون، معلمة تبدو من بعيد شامخة منتصبة بلونها وشكلها وحجمها لكل عابر متأمل إن من شرق البلاد أو غربها. معلمة مهددة ببناءٍ لخزان مياهٍ ضخمٍ ملامس، ما قد يكون بعواقب وخيمة على أركان وتوازن تحفة أثرية متفردة إن في قريب وقتٍ أو لاحقِ زمَان.
في علاقة بمَعْلَمٍ عتيقٍ يدخل ضمن خريطة وفسيفساء مباني المغرب الأثرية، لن أتحدث عن تجليات مَهمةٍ دفاعيةٍ ارتبطت بتازة تاريخيا لعوامل متداخلة، فقط الى أنه أثناء فترة حكم الدولة السعدية مع بداية العصر الحديث، وعلى إثر أطماع تركية في البلاد كانت قائمة انطلاقا من الجزائر، ما تطور الى احتلال اجزاء من شرقها آنذاك في اطار توسيع النفوذ بالشمال الافريقي ضمن صراع استعماري امبراطوري في حوض المتوسط الغربي. وبحكم موقع تازة المتحكم في ممر شهير باسمها، فقد أنيطت بها مهمة الحد من هذه الأطماع التي كانت تهدد أمنَ البلاد واستقرارها. وعليه، تم تشييد حصن دفاعي منيع على واجهتها الجنوبية الشرقية، عُرِف ولا يزال ب" البستيون" حصن معلمة شاهدة على وقائع تاريخية وتفاعلات، وعلى أهمية ما كانت عليه المدينة من أدوار حمائية وأمنية في مغرب العصر الحديث.
و"بستيون" تازة هذا معلمة شامخة لصيقة بوجدان ساكنة مدينة وبهويتها وذاكرتها، تم تشييدها زمن السعديين في مكان يطل على منخفض واسع وممتد لجهة الشرق وفق انتقاء مجالي دقيق، من أجل أدوار أساسية لهذا الحصن بخلفيات تذكرها مصادر تاريخية عدة. بناية دفاعية بشكل مربع وارتفاع يصل 20 متر وبطول في جوانبها يبلغ 26 متر، برج منيع بباب يفتح على واجهته الغربية وغرف كانت مخصصة لاطلاق نيران المدافع، اضافة لمخازن كانت تخص مؤونة الجند وعتادهم وحاجياتهم من الماء. و "البستيون" هذا الذي كان يحتوي على خط مدفعي غير مغطى محاط ببرجين صغيرين، يعد بحق إرثا عمرانيا دفاعيا متفرداً من أهم منشآت المدينة التاريخية، ونموذجا يعكس ما شهدته العمارة الدفاعية المغربية على عهد السعديين زمن العصر الحديث. ولعل تحصينات تازة التي لم يكن باستطاعتها ايقاف توغل الجيوش التركية ذات التجهيز الجيد بالمدفعية على مستوى شرق البلاد آنذاك، هو ما دفع السلطان احمد المنصور السعدي لتشييد حصن أكثر قوة وحداثة واستيعاباً لمدافع عدة توزعت على خطوط أمامية، في مكان تم انتقاءه بدقة جعل "البستيون" بوضع منيع مساعد على القصف وفي حماية منه.
وبما أن هذه المعلمة التاريخية الشاهدة على تجليات تاريخ المدينة الدفاعي، هي بمثابة فضاء أثري يجمع كل مواصفات مركب ثقافي مفتوح في الهواء الطلق قيمة استتيقية هامة ومتفردة. ووعياً بما تفتقر له المدينة من فضاءات ثقافية مفتوحة ومؤثثة بما هو أثري مادي داعم للعروض، ووعيا برهان وحلم تازة الثقافي السياحي في التنمية المحلية، وتنفيذاً لرسالة ملكية تخص امكانية وضع هذا الحصن السعدي "البستيون"، تحت تصرف اللجنة المغربية للتاريخ العسكري، التي ستقوم بترميمه وتخصيص اعتمادات لازمة لصيانته حفاظا على طابعه التاريخي وتاهيله كفضاء ثقافي وسياحي. وتطبيقا لظهير شريف محدث للَّجنة المغربية للتاريخ العسكري رقم 1.99.266 والصادر في 3 ماي 2000، انعقد قبل أكثر من عقد من الزمن اجتماع موسع بمقر عمالة تازة، حضرته هذه اللجنة المحدثة والحامية العسكرية بتازة والمندوبية الاقليمية للثقافة والجماعة الحضرية للمدينة، وكان محور اللقاء هو تمحيص مسألة تفويت هذا الحصن للجنة المغربية للتاريخ العسكري.
وفي دورة جماعية عادية صيف 2004، ودعماً منه لرهان وأفق انعاش ما هو سياحي وثقافي واعادة تاهيل هذه المعلمة الاثرية ذات القيمة الرفيعة. صادق مجلس جماعة تازة على تقسيم الرسم العقاري عدد (10892- ف) الى رسمين، وتخصيص جزء من هذا الرسم لحصن "البستيون" مساحته 689 م2 ، ونقل ملكيته للَّجنة المغربية للتاريخ العسكري، ووضعه رهن تصرفها مع تولي هذه اللجنة عمل صيانة الحصن واستغلاله لأهداف ثقافية وسياحية أساساً. إلا انه ومنذ ابرام الاتفاق وتحقيق تفويت هذه المعلمة الأثرية، لا يزال حال "بستيون" تازة على ما كان عليه منذ قرون. فلا عمل تاهيل ولا مبادرة ترميم ولا شيء يثبت أن هذا الفضاء يوجد على ايقاع تدبير واهتمام جديد. كل ما هناك إهمال لايزال يطاله مع محيطه بأكمله، وباب حديدي تم وضعه لعزله نهائيا عن كل زائر وباحث ومهتم .. وهنا سؤال الجدوى من مبادرات بقدر ما هي بدون اجراءات داعمة للتنمية المحلية، بقدر ما زادت من تعميق تعثر وتأخر حاصل في التنمية المحلية.
الآن بعد كل هذه الأحلام وبعد أربعة عشرة سنة بالتمام والكمال عن حدث تفويت هذه المعلمة الأثرية السعدية بتازة للَّجنة المغربية للتاريخ العسكري، حصن "البستيون" هذه التحفة شكلا موقعاً وذاكرة توجد وجها لوجه أمام ضرر مهددٍ لأركانها ومكوناتها بسبب بناء ملامس خاص بتجميع المياه هو في طور الانجاز، وهذا البناء الذي شُرع فيه حديثاً أثار الرأي العام المحلي وجعله يتساءل حول قانونيته وتوفره على ترخيص من قبل جهات مسؤولة منها الثقافة والتعمير والجماعة المحلية، وحول احترامه لقوانين ومساطر التعمير الجاري بها العمل عندما يتعلق الأمر ببناء في مواقع ذات طبيعة أثرية وأركيولوجية. عِلما أن مبنى "البستيون" الأثري هذا مصنف وفق ظهائر ومراسيم منذ فترة الحماية، بل هو من المعالم الأساسية التي ارتكز عليه الملف الذي تم تقديمه من أجل تصنيف تازة في شقها العتيق كتراث وطني، وهو الملف الذي قطع اشواطاً هامة بتشارك وتعاون وجهود عدد من الفاعلين والشركاء والمعنيين عن مصالح وهيئات ومؤسسات ادارية ووزارية محلياً جهوياً ومركزياً. هذا فضلا عما تحتويه التوجيهات والخطب الملكية السامية حول أهمية حماية التراث والمعالم الأثرية والتحف الوطنية، لِما تعكسه وتحتويه هذه المعالم من هوية ورمزية مغربية وذاكرة أصيلة جماعية.
وقد ارتأت في الختم إثارة أمرين أساسيين، أولاً ما ورد حول "بستيون" تازة الشهير من قِبل مؤرخين معاصرين لحدث التشييد، ومنهم أبي فارس عبد العزيز الفشتالي صاحب "مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرف" النسخة الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية. وكان قد أشار فيه مؤلفه هذا لِما ميز أعمال السلطان احمد المنصور الذهبي في العمارة الدفاعية، من ضخامة وفخامة ومناعة وحصانة. ولِما افتتح به بداية حكمه من تشييد لحصون قل نضيرها في البلاد، ولِما أحيط به هذا البناء الدفاعي من خيرة أهل المعرفة بالتشييد من عرب وعجم، مؤكداً أن "بستيون" تازة كان بعناية وشكل وفخامة ومناعة نفسها. وثانياً كون السلطات الفرنسية أثناء فترة الحماية على البلاد، عندما أقدمت على بناء معسكر لها بجوار هذا الحصن وهو معسكر شهير محلياً ب"لاكروا"، تركت مسافة حوالي خمسين متراً بين هاذين المكونين، في احترام تام لقيمته التراثية والتاريخية ولمساطر عمل التعمير في أماكن ذات طبيعة أثرية، عِلماً أن حصن "البستيون" هو بموقع غير بعيد عن كيفان بلغماري التي شهدت أولى الدراسات والأبحاث الأركيولوجية خلال فترة الحماية، والتي انتهت الى حقائق علمية هامة تخص تاريخ المنطقة والمغرب القديم، على إثر ما تم العثور عليه من أدلة ورسوم وبقايا مواد وعظام تعود لفترة ما قبل التاريخ، لدرجة الحديث عن قرية انيوليتيكية في المكان.
قليل فقط من كثير متشعب يخص حصن تازة "البستيون"، وهو يئن تحت رحمة ربه ويستغيث لِما هو عليه من هجمة وتبخيس في تحدِّ لقوانين تعمير جاري بها العمل، ما قد يكون بأثر وخيم وطمسٍ لمَعْلمٍ شاهدٍ على عظمةِ تاريخ مدينةٍ وجبلٍ وسَلفٍ وأجيالٍ ووطنٍ، إن لم يتم إنقاد ما يمكن إنقاذه قبل فوات أوانٍ، ويطوي كل شيءٍ زمن ونِسيانْ وتذوب ذاكرة جَمعٍ وإنسانْ.
عبد السلام انويكًة.. باحث



#عبد_السلام_انويكًة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منسقية النسيج الجمعوي التازي
- المجال المغربي ورهان سياحة مياه الاستشفاء
- أكنول بين رحابِ تاريخِ فخرٍ وعِزْ.. وأفقِ رهانِ شجَرةِ لَوْز ...
- تازة: بين سؤال البحث العلمي والأرشيف المحلي ورهان التنمية
- بعض.. من شائك تاريخ المغرب
- بعض من غير المألوف في تاريخ المغرب
- المجال المغربي... والبحث التاريخي الجهوي الجامعي
- في إغناء الفكر الإنساني.. بين ابن خلدون ومكيافيلي.
- ابن خلدون.. بين هيبة جرأةٍ علميةٍ.. وتحْليلِ عَالِمٍ
- المغرب الدبلوماسي.. وأمريكا اللاتينية..
- تازة في جيولوجيا المغرب..الزمان..المكان..الموقع..والكونية (. ...
- تازة: النسيج الجمعوي والفعل الثقافي الشبابي الدولي
- تازة على عهد الحماية وملحمة ابن عبد الكريم الخطابي بالمغرب
- تازة...في ذاكرة حرب الريف بالمغرب ؟؟
- اذاعة فاس.. بين عبق مدينة وذاكرة وطن...
- تازة: الأطباء في موعد علمي ربيعي حول الخطأ الطبي.
- المشترك التاريخي الدبلوماسي بين المغرب وأمريكا الجنوبية
- المغربي التازي إدريس دلاس ورقم قياسي جديد في كتاب كًينز.
- في التأليف حول العلاقات المغربية الأمريكية...
- حول الكتابة في حقل تاريخ المغرب العسكري المعاصر


المزيد.....




- -الأونروا- تعلن عن استشهاد 13750 طفلا في العدوان الصهيوني عل ...
- اليابان تعلن اعتزامها استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئي ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات
- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد السلام انويكًة - تازة: حصن البستيون..في زمن القانون..؟؟