أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دارين هانسن - ارواح في وجه العاصفة















المزيد.....

ارواح في وجه العاصفة


دارين هانسن

الحوار المتمدن-العدد: 5817 - 2018 / 3 / 16 - 22:17
المحور: الادب والفن
    


كل من أصادف يسال كيف كانت الأرض هناك. اقف أتأمل الروح التي تسال، انظر الى شغفهم بغرابة بحزن على ما يتصورون، الأرض ليست كما تتخيلون ولا باي شكل.. ليست بقعة خراب وليست قطعة من الجنة، الأرض هناك باردة! باردة جدا! حتى على جثث الموتى الذين لم يواروا التراب، باردة على امهاتهم الذين لا يجدون قطعة صغيرة من الهشاش لإشعال النار. الأرض هناك غريبة لا تعرف ابناءها، الأرض هناك التي لعبت بها عندما كنت طفلة وحتى بلغت سن النضوج مع رولا لا تعرفني، تعرف بانها احتضنت رولا وفي عمر مبكر للغاية، وتعرف الان بانها تحتضن جدي وبعمر كبير جدا، والشيء الوحيد الذي يدور في ذهني هو، كيف لجدي ان يدفن هنا، وجدتي تدفن في اعلى الجبل. اذهب بخطوات بطيئة الى خالي الذي يقف بين الضيوف. كلهم مندهشين وعيونهم تحلق حولي، لا اعرف ما السبب، اهي تلك الصورة التي احتلت شائعات القرية لفترة طويلة وليست بعيدة عن انني ارتدي صورة ترمز الى الإسلاميين، ام لانهم لم يروني منذ كنت صغيرة جدا ويافعة جدا وكنت حينها ازور جدتي التي كما قلت ترقد في اعلى الجبل منذ أربعة عشر عاما.
خالي التي غيرته الاحداث، الان يبدو عليه الضعف والحماقة والحزن أيضا، لم يكن كما عرفته طويل القامة قوي، طول قامته لم يتغير حتى بعد تلك السنين، لكن لون شعره والنظرة في عينيه تبعث الحزن والتشاؤم والامل، نعم الامل أيضا، حيث اشعر بالفخر بان الناس هنا حزينون أيضا على حبيبتي التي ماتت، بان الناس هنا ليسوا كما يصورهم الاعلام ولكن كما عرفتهم بسطاء طيبون ولكنهم حزينون الان وليس لاي شيء اخر، او نعم انهم فارغون من كل شيء الا من الكوابيس المقيتة في عتمة الليل، الا من الخوف على المرضى من غلاء الأسعار، الا من خوفهم على الرضع من الجفاف من الجوع، الناس هنا ليس كما اعرفهم والأرض هنا يابسة باردة جافة تحتضن رولا هذه المرة تحتها وليس فوقها كما اعتدنا في يوم ربيعي اخضر، الأرض غاضبة حمقاء اليوم، ورولا ترقد في ذاك الغضب وجدي الان نضعه هناك، أتأمل حولي واشعر بغرابة براحة كبيرة بالنسبة لرولا، اشعر بان تحت الأرض ادفآ من فوقها، اطمئن غروري بذاك الشعور وانسى بان جدي لن يرقد بجوار جدتي، خالي الكئيب الضعيف الان يقول لي بانه لم يتبق قبور بجانب جدتي، بان الأرض ارتوت ولا مجال لاتساعها، ببلاهة اساله لماذا لا يرقد جدي في قبر جدتي اذا، اضحك من نفسي على سؤالي اتخيل جدتي تصفعني بعنف على هذا السؤال فهي لم تحبه في الحياة فكيف لعظامه ان ترقد فوق عظامها...

انظر الى امي التي تقف في جانبي ولا اعرف من اين اتاني الضحك، كنت اضحك من قلبي واحاول ان الملم طرف الجاكيت كي يغطي فمي، ضحكت وصور الموتى الذين رايتهم من خلف الشاشة او الذين رايتهم بعدما سلموا الروح في بلاد الشتات تتناثر امام عيني، تقاطعني رولا بصورتها الضاحكة أيضا، لكانها نهضت من قبرها الذي يبعد عني متر واحد فقط وهي وحدها فقط من فهم لماذا اضحك او لكأنها تسخر مني لأني اضحك، لكهنا ضحكت معي وبصورة غريبة، مرة اراها كما اعرفها، واخري اراها كما صوروها لي بلا شعر، شعرها الأسود الطويل قد اختفى لكن الضحكة نفسها، اقترب اكثر الى قبرها لكنها تبتعد اكثر من قبرها، لم افهم ما يحدث هنا، لا اؤمن انا لكني شكرت قدرة أخرى جعلت امي تأخذني بأحضانها لتعيدني الي حيث نحن الى حيث سيرقد جدي بعيدا عن جدتي..
أتأمل وجوه الناس حولي، الأغلبية لم ارهم منذ ست سنوات، ست سنوات اسمع عن من فقدوا أولادهم وعمن كانوا في العزاء وعن النساء اللواتي اصبحن ارامل، انظر في وجوه بعض الأطفال الغرباء واسال ميمو من يكونون! وتجيبني بانهم الايتام الجدد في الحارة الميتة، رولا ترقص بثوب ابيض شفاف تنظر الي تدعوني الى الرقص وانا انظر الى قبرها متسائلة وانظر اليها مجددا لكنها تضحك ووجوه الارامل واليتامى والامهات المقطعات الاوصال تتكاثر حولي وامي تمسك بيدي سعيدة بوجودي حزينة على جدي لكنها فخورة بان ابنتها التي تناولت الشائعات المغرضة اخبار ارتدائها صورة الثورة هنا يعني انها ليست ثورجية او إسلامية، امي تودع ابيها وتستقبل وجعي.. اقصد ضحكني وطاقتي التي لم امتلكها منذ ست سنوات..
عادات الأديان الرجعية لم تترك مكان للنساء في صلاة الموتى لذلك نقف نحن النساء كالموتى على الطرف الاخر نودع بعض من ماسينا ونستقبل أخرى بغرابة اكثر.. نحيح يأتي من الطرف الجديد، الرجال رغم انشغالهم بالصلاة ينظرون وبأعينهم يعطوا أوامر للنساء اغاظتني كثيرا. كيف لرجل ان يعطيني أوامر وهو يقف هناك وينظر الي على اني لست بكامل الطهارة لأصلي على جدي، ردة فعلي لم تكن كردة فعل كل النساء، فجأة النساء يلتفتن بعضهن يقتربن اكثر الي مصدر الصوت ويحملون المنادي ليصبح فوق راسي صوت جارتنا التي فقدت ابنها الاول بالمرض حين كنت صغيرة، فقدت ابنها الثاني بالمرض حين كبرت وصرت سجينة، فقدت ابنها الثالث بالغضب حين صرت في ابعد مدينة، ابنها الاخير سقط في الحرب حين اتتهم على غرة أوامر بان ينقضوا على الارهابيين، بعض الاشاعات التي تلت موته كانت بان انقضاضهم كان على أبناء بلدهم المسالمون لكن الرصاص الاعمى أصاب قلب صغيرها ومات في مدينة باردة بعيدة، اقتربت اكثر واكثر وحولها النسوة وانا اجلس القرفصاء على حجر بجانب رولا، لا اعرف لكني اسالها بطريقة ما عن الاتي وارى وجه امرأة شاحبة ميتة تهرول في الحياة كأنها تعاتب جدي لماذا اخذ دورها، كأنها أتت لتؤنب جدي بانه لم ينتظر دوره لان الجرس تم قرعه من اجلها، وقفت على عجلة نظرت في وجهها، شاحب كالموت غاضب كالأمواج في عز العاصفة برئ كعيني ابنها غريب كوجودي هنا، نظرت اليها وتذكرت ذاك اليوم حين كنت في مطبخي في كوبنهاغن اتحدث مع امي على التلفون، كانوا يومها في جنازة لاحد الجيران الذي سقط في الحرب وبينما يدفنونه اتى خبر موت الولد الثالث فبدا امه بالضحك والزغردة. علي الهاتف اخبرت امي بان هذا ابعد من الخيال، كيف لها ان تزغرد وهي في الطين وكيف لكن ان تدفن الأبناء وكيف لي ان اسمع أصوات غريبة عبر الهاتف وتكون زغردتها، امي لكأنها نست بان ابيها سيرقد هنا للابد نظرت الى ضمتني وقالت اتذكرين حين كنا علي الهاتف معا حين اتى خبر احمد، هي امه تلك الثكلى المقهورة تسالني دائما عنك، اذهبي وسلمي عليها، ارتجفت بحثت عن رولا لم اجدها، بحثت عن الأرض كانت باردة نظرت الي امي هي جامدة ميت كالألواح الخشبية حول قبر جدي، بكيت ونظرت الى اختي الكبرى التي تذهب باتجاه تلك المرأة المجنونة الثكلى بكيت ونظرت الي رولا التي ظهرت فجأة امامي مرة أخرى ليست مبتسمة هذه المرة، امام جارتنا وقفت ضمتني وبدأت تضحك لم تتغيري انت الاصيلة، وانت لم تتغيري، وانا امسك بخصر اختي الكبيرة ابحث عن ملجا لروحي لا اريد لروحي الصغيرة ان تتبعثر هنا لا اريد للموت ان يعريني هنا فليست هذه الأرض الباردة التي تضم رولا بأحشائها ارضي وليست وقفة امي المرتجفة المهزوزة هنا هي وطني، الموت فقط ما يحيط بهذه البقعة الباردة والخيال ما يحيط بعقلي الذكريات الميتة الذكريات التي تعيش في يومياتي اليوم في المخيمات في لبنان ليست هذه البقعة بقعتي، هنا الموت يطير بأجنحة مختلفة بالوان غريبة، اختي سحبت يدي ضمتها بيدها ويدي الثانية تطوق جارتنا وتعزيها بفقدان نفسها، رولا عادت بصمت غريب الى قبرها، اشرت لها بإصبعي لم تستجب، ودعتها بنمنمة بعض الكلمات الغريبة التي لم يسمعا احد سوى امي التي تسالني ماذا قلت، وانا اكذب وبقلبي الوح لرولا الوداع باني لم اقل شيئا..



#دارين_هانسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تراوما من نوع اخر
- البحر و الصور الغامضة
- توضيح الفرق بين الإسلامي والمسلم يتطلب جهد جماعي
- حول مقال ( الحمرا لم تعد لبنانية)
- ممنوع
- عبرنا من هنا
- هل ننتظر قوة خارجية من الفضاء؟
- آعد التسجيل!
- حيرة واقع معفن
- كيف لي
- وطن افتراضي
- بين تلك الخيم ألاف الحكايا
- كاسك سورية من الحدود
- بحضور سرير ميت
- لا للعنف ضد المرأة
- هو الوطن
- سقط الإله
- حيث بائع القهوة بانتظارهن
- كاسك يا أيقونتي الجريحة
- موعد مع الجنون


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دارين هانسن - ارواح في وجه العاصفة