أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حسن ناجي - عن العنيد... ميخائيل هرمز -صباح الألقوشي-















المزيد.....

عن العنيد... ميخائيل هرمز -صباح الألقوشي-


حسن ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 5813 - 2018 / 3 / 12 - 14:15
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


بعد سنتين في زنازين الاعدام... يخرج ليخاطر بحياته من اجل الحزب
عن العنيد... ميخائيل هرمز "صباح الألقوشي"
خلال سنوات النضال السري الطويلة في بغداد ضد النظام المقبور، كنت شاهدا على مآثر وبطولات مناضلين شيوعيين استبسلوا في تحدي أجهزة أمن النظام وحزبه، وقاوموا اضطهاد شعبنا بشجاعة فائقة وبطولة حقيقية، بعضهم استشهد وضحى بحياته فداءً لشعبه ووطنه، وبعضهم قضى زهرة شبابه في السجون والمعتقلات الفاشية، وبعض آخر نجى بالصدفة وبضربات الحظ. الرفيق "ميخائيل هرمز" أو "صباح الألقوشي" كما كنا نسميه، واحد من هؤلاء الناجين.
قدم الى بغداد من بلدته "ألقوش" بداية سبعينات القرن الماضي، حين عرفته آنذاك كان عامل كهرباء وطالب دراسة مسائية في ثانوية مسائية بشارع السعدون، تعارفنا خلال العمل الحزبي في تنظيمات ثانويات بغداد. كان اسمه الحزبي "عنيد"، اسم على مسمى، ومن الرفاق المتميزين، حزبيا واجتماعيا، انسان متزن ورفيق صلب وشجاع ونموذج للمناضل الشيوعي، وقبل حياته ونضاله في بغداد كانت له تجربة في العمل الأنصاري مع القائد الشيوعي توما توماس. في خضم العمل التنظيمي والجماهيري لسنوات السبعينات تشكلت بيننا ثقة شخصية راسخة وصداقة رفاقية متينة.
أيام الهجمة الفاشية على الحزب منذ نهاية السبعينات اعتقل صباح مع ثلاثة من رفاقه، وبعد حفلات التعذيب والتحقيق اقتيدوا الى "محكمة الثورة" الصورية بتهمة بناء تنظيم داخل الجيش، وصدر حكم الاعدام بحق الاربعة. وفي زنازين المحكومين بالإعدام قضى صباح سنتين ينتظر دوره في تنفيذ الحكم به، في الصباحات التي كان جلاوزة البعث يأتون فيها، حاملين قائمة بأسماء من سيقادون الى المشانق، كان صباح يتوقع اقتياده الى المشنقة في كل مرة، مرتان في الاسبوع أو أربع مرات وأكثر. رفاقه الثلاثة في ذات القضية والحكم جاء دورهم، اقتيدوا وأعدموا متفرقين في تلك الصباحات الظالمة، وظل هو الأخير، ينتظر اللحظة التي ينطقون فيها اسمه وينفذوا فيه الحكم. لكنهم حين قدموا واقتادوه لم يأخذوه الى المشنقة، بل الى ضباط الأمن الذين أبلغوه بشموله، مع آخرين، بعفو رئاسي مفاجئ أصدره الدكتاتور في لحظة كان فيها مزاجه يخالف المألوف عنده. أطلق سراحه وجرى تجنيده في الوحدات المقاتلة للجيش المحارب مع إيران، وتزوّج، وبدأ حياة جديدة.
شتاء 1982 – 1983 وفي بغداد، عرفت ان صباح مطلق السراح وجندي في الجبهات بعد نجاته من حكم الإعدام. فرحت بنجاته وقررت ان أزوره، كصديق ورفيق، كنت على ثقة مطلقة بأمانة صباح واخلاصه ونقاوته، مثله لا يخون أبدا، ذهبنا الى بيته في الكرادة، وكان لقاء يخفق له القلب، جلس يحدثنا بقصة اعتقاله مع رفاقه الذين استشهدوا، وكيف قضى سنتين ينتظر دوره الى المشنقة، وعن ليالي العذاب الطويلة في زنزانات المحكومين بالإعدام، كان يبتسم بمرارة وهو يتذكر كيف ان بعض المحكومين يقضي الليل في الغناء بصوت عال، غناء الجنوب الحزين، حدثنا عن الصباحات التي كان ينتظر فيها مناداته ليقاد الى المشنقة، الصباحات التي شهدت هتافات الذاهبين الى المشنقة بكبرياء وعزة نفس وشموخ، كان يهز رأسه ألما لهم ويفتح عينيه اعجابا ببطولتهم، ومتحسرا على خسارتهم.
حين انتهى من اخبارنا بقصته، سألني عن الحزب وعن رفاقه وعنا، أخبرته بما يلزم عن الحزب وسياسته ونضاله في الجبال والمدن، وحين عرف بأني التحقت بالأنصار وعدت لبغداد لمواصلة النضال، انتعشت روحه. بعد اصغاء طويل بلغني بموقفه الذي أثار أشجاني، أخبرني بأن كل ما جرى له لم ولن يؤثر على قناعاته النضالية واستعداده العملي، لم تهتز له شعرة من رأسه، وانه يضع نفسه تحت تصرف الحزب، وان لديه كامل الاستعداد لمواصلة النضال في صفوف الحزب وتنفيذ أي مهمة يكلف بها، كان يتحدث بحماس وبيقين راسخ عن ضرورة مواصلة النضال ضد الفاشية القائمة والدفاع عن حياة الشعب والوطن بأي ثمن، طالبني بـ "طريق الشعب" وبيانات الحزب ومنشوراته وايصالها له بانتظام، كان فرحا وسعيدا بعودة صلته بالحزب، وعن طريق رفاق يعرفهم جيدا.
تأثرت عميقا بموقفه، هذا الرجل خرج من زنازين الاعدام تواً، تزوج تواً، نجى من موت محتوم وبدأ حياة جديدة تواً، ويريد مواصلة النضال ضد دكتاتورية البعث البشعة، ويعرض نفسه من جديد لما اختبره وعاشه من عذاب اسطوري... أي مناضل "عنيد" وصلب أمامي وأي رفيق نضال أرى. أخبرته بأن الحزب لا يريد منه الآن مواصلة نشاطه، وان يعتبر نشاطه الحزبي مجمدا الى حين، حرصا على حياته، ولن نوصل له جريدة الحزب ومنشوراته، وعليه أن يواصل حياته الراهنة ويحافظ عليها وعلى حريته، وألا ينسى بأن جلاوزة الأمن يتابعوه ويراقبون كل نشاطه. قلت له لا نريد منك الآن الا شيء واحد، ان احتجنا يوما ما الى ايصال رفيق الى الأنصار عن طريق "القوش" هل تستطيع تنفيذ المهمة، رد بكل يقين بأنه يستطيع ومستعد، "أسهل منها ماكو" حسب تعبيره المبتسم، وأعرف جيدا ان صباح حين يقول شيئا يفعله.
كنت أتابع وضعه من خلال الرفاق والأصدقاء والتقيت به أكثر من مرة، لقاءات متباعدة وبمنتهى الحذر والصيانة، حتى جاءني ظرف حرج فرض علي قرار الانسحاب الى مقراتنا في كردستان. فبعد أحداث بشتاشان انقطعت صلتي بالمركز في مقراتنا ببشتاشان، ولم أنجح في تدبير صلة آمنة بديلة. وأيضا في شهر تشرين الثاني جرى سحب مواليد 1947 الى خدمة الاحتياط في الجيش، وكانت وثائقي الشخصية المزورة بمهارة مثبت فيها أني من هذه المواليد، على ما أذكر كان أمام الذين استدعوا عشرة أيام لمراجعة دوائر تجنيدهم وخلاف ذلك يحاسبون كهاربين من العسكرية، ولم يكن بإمكاني في تلك الظروف البالغة الصعوبة تدبير وثائق جديدة فورا، هذا يعني أني سأكون مكشوفا لمفارز وسيطرات الانضباط العسكري والجيش الشعبي والامن والشرطة والمنظمات الحزبية، التي نادرا ما يمر يوم دون التعرض لمساءلتها، لكثرتها.
جئنا لصباح في ليلة تشرينية من عام 83، ومن حسن الحظ كان يقضي اجازته الدورية من وحدته في جبهات الحرب، أخبرته بقراري وطلبت منه أن يساعدني بالذهاب الى مقراتنا الانصارية عبر "ألقوش". قال انه سيحاول تدبير الأمر في هذه الليلة، طلب مني البقاء معه لنذهب الى بيت شقيقته، حيث يمكنه الاستعانة بابن شقيقته، الذي كان يخدم العسكرية في الموصل، ولم يكن بيتهم بعيدا عن بيت صباح، ذهبنا مشيا اليه، وهناك كانت ضربة الحظ الثانية لي، فابن شقيقته "حربي" كان قادما في ذلك اليوم تحديدا بمأمورية بريد الى بغداد وعليه أن يعود في اليوم التالي الى الموصل، وكان "حربي" مراسلا لأحد الضباط الكبار هناك. انفرد صباح بابن شقيقته ليتفاهم معه، عاد الي بعدها مبتسما وليبلغني:
- الليلة سنذهب الى القوش.
- ولماذا تأتي انت يا صباح... كنت خائفا من تعريضه للمخاطر.
- "انت ماعليك... هذا شغلي"... كلفتني بمهمة وانا سأنفذها، لن اطمئن حتى تصل آمنا.
حاولت معه دون جدوى، وصباح لمن يعرفه يتصرف كثوري محترف، ما كان امامي الا ان أقبل بقراراته واجراءاته، وبثقة مطلقة.
لم أتوقع ان الأمر سيجري بهذه السرعة، ولم أكن أعرف حربي، تعرفت عليه في تلك الليلة، كان في ملابسه العسكرية. شاب انيق بقوام رياضي ممشوق، يتصرف بثقة كبيرة بنفسه، وهو لم يعرف عني سوى أنى كادر حزبي موثوق منه ويجب ان التحق بالأنصار. وفهمت انه اتفق مع صباح على تنفيذ المهمة فورا دون ابطاء، وان أبقى عندهم لنذهب سوية آخر الليل الى الموصل. "إن كنت اريد الوصول الى الأنصار فالآن وليس في يوم آخر"، شعرت حينها ان الاتفاق بينهما على التنفيذ فورا دون تأجيل فيه من الفطنة والنباهة الكثير، وهذا ذكاء المجربين الذي احترمته اقصى الاحترام، فإجراءات الصيانة ليست معيبة ابدا في ظروف العمل السري.
بقيت في بيتهم، كان لحربي سيارة فيات حليبية اللون على ما أذكر، صعدنا فيها وانطلقنا بعد الواحدة ليلا، بعد أن قرر صباح مرافقتنا بإصرار المحترف. كان طريق الموصل في الليل موحشا، السيارات قليلة، وحربي انطلق بالسيارة في سرعة قصوى، ينهب الأرض نهبا، وسط ضحكات صباح وتعليقاته، وكان جالسا في الأمام قرب حربي، الذي اختصر بسرعته الوقت اللازم للوصول الى الموصل، فبحدود الرابعة والنصف قبيل الفجر وصلنا المدينة، ودون توقف وصلنا القوش ودخلناها. ذهبا الى بيت يعرفون من فيه، ليستطلعا ويسألا، دخلناه وخرجنا منه وأنا صامت، كنت سلمت أمري وقيادي لصباح وحربي مطمئنا. لم نبق في القوش الا قليلا، خرجنا بالسيارة منها نحو هدف لا أعرفه، لم أكن أعرف خارطة الطريق والى أين سنذهب بالتحديد، ولم أسأل كثيرا، ولم أكن أعرف الكثير عن جغرافية المنطقة، فهذه أول مرة أصل فيها لألقوش، ولا أدري الى أين ينبغي الذهاب، كل ما كنت أعرفه أنى بأيدي امينة.
من القوش ذهبنا الى منطقة الشيخان ودخلنا مركز ناحية "أتروش"، وفي السيطرات الأمنية والعسكرية على الطرق وتلك التي في مداخل ومخارج البلدات، كان حربي هو الذي يتصرف ويتفاهم، هكذا أبلغني صباح. وحربي كان ماهرا بامتياز، ومعه وثائق شخصية مطمئنة جدا، باعتباره مرافقا او مراسلا لضابط كبير في المنطقة. في "أتروش"، أخذنا حربي الى مقر منظمة حزب البعث، أوقف السيارة على الباب ودخل وحده إليهم، معتدل القامة وبخطى واثقة كأنه مسؤول، التفت صباح الي ضاحكا ليطمئنني ويقول لي ما معناه "اطمئن حربي يعرف ماذا يفعل"، بعد أن لمح علامات الاستغراب على وجهي. عاد الينا حربي مبتسما، ابتسامة النجاح، وبيده ورقة، وانطلق بالسيارة. قال لنا ضاحكا انه قابل "الرفيق" مسؤول الفرقة الحزبية والمنظمة، على ما أذكر كان اسمه "ابو يعرب" او "ابو عروبة"، وأخبره بانه مكلف من آمره الضابط فلان الفلاني بشراء زيتون، من قرى آثورية كانت تقع في مناطق سيطرة السلطة فيها ضعيفة، بسبب نشاط البيشمركة في تلك المناطق، تشتهر بجودة زيتونها. المسؤول البعثي لم يكتف بإعطاء حربي الموافقة، بل وجدها فرصة ليكلفه بتبليغ مسؤولي السيطرات، التي سنمر عليها، بوجود اجتماع طارئ في مقر الفرقة في ذلك اليوم وعليهم حضوره، وسلمه تبليغ حزبي رسمي ومختوم بذلك، وضعه حربي امامه باعتباره ضمانة مرورنا آمنين.
وانطلقنا بالسيارة من أتروش في الطرق الجبلية باتجاه القرى الآثورية، حين كنا نصل الى سيطرة عسكرية وامنية، كان حربي يوقف السيارة قبل أن يوقفوه ويبدأ بالكلام قبل أن يسألوه، ودون ان ينزل من السيارة، وبطريقة توحي بأنه من رجال السلطة ومكلف بأمر ما، يسأل عن المسؤول في السيطرة ليبلغه "أن الرفيق ابو عروبة "أو يعرب"، يقول كذا وكذا ويسلمه التبليغ الحزبي ليقرأه. وإذا حدث وسأل المسؤول في السيطرة عن وجهتنا، يرد عليه حربي بطريقته التي لا تثير أي شك، بأنه مكلف بتبليغ مسؤولي السيطرات بموعد الاجتماع وايضا بشراء زيتون لآمره، "والجماعة معي"، يقصدنا صباح وأنا.
في آخر سيطرة كان الأمر مختلفا، فالمسؤول ومن معه لم يكتفوا، وجرى التحقق من وجهتنا، والتدقيق في وثائقنا الشخصية، حين تمعن المسؤول في وجهي سأل ان كنت مصريا، أجبته ضحكا باني عراقي وسألتحق بعد بضعة ايام بالخدمة العسكرية، نظر في وثائقي ليتأكد قبل اعادتها، بعد اسئلة تكشف تردده في الموافقة على مرورنا. قال لنا ان هذه آخر سيطرة عسكرية، واننا سنذهب الى "المنطقة الحرام" وهذا فيه خطورة علينا، حربي الذي تفاهم معه بطريقته، قال له اني صديق ارافقهما، وانه يعرف المنطقة جيدا وله فيها معارف، واننا ذاهبون لشراء زيتون وعرق محلي من قرى مسيحية ليست بعيدة. وبعد أخذ ورد بين حربي ورجال السيطرة، سمحوا لنا بالمرور على المسؤولية الشخصية لحربي الذي وثقوا فيه تماما.
نفذنا، بعد أخذ ورد، من السيطرة الأخيرة، وبعد حين وصلنا القرية التي هي هدفنا. وان لم تخني الذاكرة، كانت القرية التي قصدناها هي واحدة من قريتي "آز و خورماش" المتجاورتين وهما مشهورتان بالزيتون... ان لم اكن مخطئا، فقد مضى على هذا زمن طويل.
طرقا باب بيت خرج اهله ليستقبلوا صباح وحربي بحرارة، كانوا أقاربهما، وكان بين الموجودين في البيت "بحري" الشقيق الأصغر لحربي، هاربا من العسكرية ومختفي في القرية التي يختفي معه فيها العديد من الشباب الرافضين للحرب والخدمة العسكرية.
وعلى ما أذكر لم تكن الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحا، تناولنا فطورنا، وأخبرني صباح ان الأنصار قريبون من هنا، ويأتون عادة اليها، وانهم سيتركونني بعهدة العائلة التي كنا ببيتها وبالاعتماد على بحري، الذي كان شابا صغير السن، وتحدث معه صباح ليوصيه خيرا بي، وأني سأبقى مع الهاربين من العسكرية لحين مجيء مفرزة من الأنصار التحق بهم.
عاد صباح وحربي سريعا، لم يطيلا البقاء، وبقيت انا في القرية مع بحري والعائلة التي كان اغلبها نساء كبيرات في السن. وكان علينا، أنا وبحري والشباب الهاربون من العسكرية ان نذهب لنقضي النهار في كهوف "شكفتات" في سفح الجبل، ونرجع ليلا لنبيت في بيوت القرية.
بقيت في القرية مع الشباب الرافضين للحرب، في الكهف الذي يقضون فيه نهارهم، يرافقني بحري، وكان مسلحا ببندقية كلاشنكوف و كان على صلة بالأنصار الشيوعيين، وبدأت أعرف من بحري مدى بعد الأنصار عنا، وأسماء مسؤوليهم، لعلي أعرف أحدهم، وكانت المفاجأة أني أعرف اغلب قادة الفوج الأول في وادي مراني، الشهيد ابو نصير آمر الفوج وابو أمجد مستشاره السياسي وملازم هشام، حين ذكرت له انهم يعرفوني وأعرفهم، قال لي بحري "اذن لماذا تنتظر هنا، لنذهب إليهم غدا من الصباح وستصل الى مقر الفوج قبل المساء"، في صباح اليوم التالي خرجنا، بحري وأنا، مبكرين سيرا على الأقدام نحو وادي مراني، وأول المساء كنت في قرية "آطوش" في مدخل الوادي حيث عوائل رفاقنا ومنها الى مقر الفوج، حيث الرفاق.
منذ خرجنا من بغداد كنت قلقا جدا على صباح بالتحديد، وخائفا عليه، فالرجل نجى من حكم بالإعدام بالصدفة، وان حدث مكروه لن ينجو هذه المرة. وزادت مخاوفي عليه حين خرجنا من القوش، وطيلة الطريق الجبلي كنت أخشى ان يحصل أمر ما ونقع بيد رجال السلطة، لكن صباح لم يكن مهتما، كان واثقا مما يفعله، غير متردد، وواثقا بمهارة حربي وتدابيره. ولم يهدأ لي بال الا حين عرفت أنهما عادا سالمان الى القوش أو الموصل.
هكذا كانت تلك الرحلة، وهكذا خاطر هذا الرفيق بحياته، وهو الذي عاد تواً للحياة من حكم بالإعدام، وخاطر بحياة ابن شقيقته، الشاب اللامع حربي... خرجنا من بغداد في الواحدة ليلا وفي الصباح كنت حيث يكون الأنصار.
أشهد أنى طيلة حياتي، نادرا ما صادفني رجال بشجاعة وجسارة صباح وحربي وحسن تدبيرهما.
بعد سقوط النظام التقيت بصباح ببغداد أكثر من مرة، كان مشغولا بعمله وبتدبير معيشة عائلته، يسكن في حي الآثوريين في الدورة، ان لم تخطئ الذاكرة، ويقدم ما يمكنه من خدمات للحزب، بينها الاستفادة من النادي الآثوري ببغداد لإقامة فعاليات حزبية جماهيرية، وكان صباح في هيئته الادارية.
وحين تدهورت الأوضاع الأمنية ببغداد، ارهاب وطائفية وميليشيات وجرائم تصفية المسيحيين، عرفت ان صباح أخذ عائلته الى القوش، أو مناطق قريبة عليها في كردستان، وهناك وجد عملا انشغل به. وللأسف لم التق به منذ غادر بغداد، ولا أدري أين صباح الآن بالتحديد... لكن صباح يحيا في ذاكرتي وضميري أبدا، فقد أنقذوني، هو وأبنا شقيقته حربي وبحري شخصيا، من ظرف قاس كاد يودي بي.
تحية من قلبي للشيوعي العنيد "ميخائيل هرمز" أينما كان... نعم المناضل ونعم الرفيق والصديق.
ملاحظة هامشية: ربما أكون خلطت بين اسمي "حربي" و"بحري" وأيهما اسم الكبير أو الأصغر منهما، لتقاربهما لفظا وتشابه الحروف.... محبتي لهما.
حسن ناجي "أبو ذر"



#حسن_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -لا أوثان في الحزب الشيوعي، فلتفتح الأفواه-
- كاظم فرهود في ذكرياته... هكذا كان قادة النضال الشيوعي


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حسن ناجي - عن العنيد... ميخائيل هرمز -صباح الألقوشي-