أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أنس نادر - الاستبداد والمنعَكس القهري للتدين في رحلة البحث عن الهوية















المزيد.....

الاستبداد والمنعَكس القهري للتدين في رحلة البحث عن الهوية


أنس نادر
(Anas Nader)


الحوار المتمدن-العدد: 5811 - 2018 / 3 / 10 - 22:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لا شك أن الاستبداد من أخطر الآفات الثقافية التي تصيب الانظمة السياسية والمجتمعات, لما فيه من تقزيم لمفهوم الدولة وشخصنة قوامها السياسي والاقتصادي والفكري, وتكريس التاريخ الثقافي للمجتمع في خدمة الفرد للاستئثار بالسلطة ما يؤدي إلى تشوهات اجتماعية وسياسية وإنسانية عميقة, فالنظام المستبد يقوم ويستند على استنساخ قضية جادة ذات موروث ثقافي وتاريخي يستنتجها من نسيج وثقافة وتاريخ الشعب وذاكرته الجمعية لترسيخ نضاله الوهمي وليصنع منها قضية ذات شعارات وطنية ممانعة ورنانة تمثل ثقافة الشعوب بالإنتماء لها من ناحية, وثقافة الأنظمة في إستغلالها من ناحية أخرى, وغالبا ما تكون هذه القضية تستند على أساس عقائدي روحي أو ديني لانها تمس بشكل مباشر العقائد الراسخة للشعوب التي قد تكون مهيئة اجتماعيا وسياسيا لنظام استبدادي محتمل بفعل أزمات تاريخية وثقافية عميقة, وبذلك يكسب النظام الاستبدادي شرعيته من الموروث الثقافي للشعب تحت سطوة المقدس, ويصنع منها الذريعة العُلوية والفوقية التي لا تقبل النقاش والمساومة والتي تهون من أجلها كل القضايا والأفكار وتستحق التضحية المطلقة بكل المقومات الحقيقية التي تبنى عليها الأوطان من حرية وكرامة العيش وعدالة اجتماعية ومساواة, وبذلك ينشئ موروث ثقافي سياسي بديل يرسخ رموز النظام المستبد ويمثله برموز الوطن الحامي لتلك المبادئ والشعارات الفوقية, ويصبح مقدار الوطنية هو بقدر الانتماء لهذا لنظام كبديل سياسي وواقعي يمثل الموروث العقائدي للمجتمع.
إذا أن العباءة القومية للأنظمة الاستبدادية والايدولوجية السياسية التي يقوم عليها هي مستخلصة اساسا من الموروث الثقافي للمجتمع, كالرفض التاريخي للكيان الصهيوني, والتعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية, والنفور من الثقافة الغربية جراء التاريخ الاستعماري القريب لشعوب المنطقة, والدونية الثقافية تجاه العالم بسبب غياب الانتاج المعرفي لقرون جراء الازمة التاريخية والفراغ الحضاري المؤثر والمُصدِّر لثقافته منذ أفول الحضارة الاسلامية الذي يعود لأكثر من ألف عام.
وعلى الرغم من الغِلالات الوجدانية والدينية التي يكسي بها النظام الاستبدادي عوارته, فإنه بنفس الوقت يمارس أشد أنواع القمع الديني والفئوي لضمان استكانة المجتمع ولإصطفاء الفئة المنتفعة والنخبة التي تدعم بقائه, وهذا ما يعزل المجتمع معرفيا ويقطّع أوصال انتمائه للدولة ويقوده لجمود عقائدي وفكري يقتات على مآثر الأسلاف, وذو قوة ارتدادية عميقة تبقى ضامرة في الأعماق ومهيئة لتستفيق بقوة مع ظهور أولى التصدعات بسبب فساد الدولة المؤسساتي والمعرفي لسنوات طويلة بفعل الاستبداد. وهذا ما حصل في الكثير من الدول بعد انهيار الأنظمية النفعية المسيطرة بفعل الثورات الشعبية سواء كانت استعمارية أو وطنية, وشبيها جدا بما حصل بالثورة السورية.
فنتيجة العنف الطائفي الذي مارسه النظام وثقافة الكراهية التي غرسها في روح نظامه وجسّدها في واقع قمعي فاق التصور على أرواح وأجساد وحتى جثامين أبناء الشعب السوري, قاد هذا إلى شعور جمعي بإضطهاد روحي عاد بالذاكرة إلى بدايات نشوء الحضارة الإسلامية والمعاناة من القمع والإضطهاد لقصة النشوء في الثقافة الإسلامية, ما شكّل طابع ديني إرتدادي من الثقافة الإجتماعية للتاريخ الديني وأصبح سمة واضحة من سمات الثورة وهوية ثقافية بديلة عن الهوية الوطنية المهلهلة القوام والمتراخية الانتماء جراء سنوات طويلة من القمع الاستبداد وهدر مقدرات الدولة في سبيل الاستئثار بالسلطة. إذا فالارتداد للهوية الدينية هو مُنعَكس نتيجة ازمة فكرية قهرية سببها غياب هوية ثقافية حقيقية بديلة عن الزيف الايديولوجي الذي افتعله النظام, وللاسف لم تستطع الثورة افراز هوية ثقافية بديلة نتيجة الفساد الثقافي لسنوات طويلة في كنف النظام وانقسام المثقفين ما بين السلطة والثورة ما افقدها مصداقية للتعاطي مع الجموع الثائرة على المستوى الجمعي, وبالتالي عجزها عن إفرز ثقافي بديل رغم كل ما حملته الجماهير الثائرة من أجدر ادبيات وكلاسكيات الحراك الثوري امام اعتى الانظمة القمعية المعاصرة, ولم يتبقى سوى الارث التاريخي التليد كبديل ثقافي وحيد في الذاكرة الجمعية يمكن ان يُعتد به كبديل ثوري وفكري مؤثر ضد النظام الاستبدادي القائم, وهذا ما سهل مهمة النظام والمستثمرين السياسيين والمصالح الدولية في التأسيس لحركات متطرفة نتيجة العنف والاستثمار السياسي مما ادى الى عجز الحراك الثوري الذي سطّر في بداياته أجمل وأعظم الملاحم الثورية وأشجع التحديات والمواجهات على كل المستويات في مواجهة أكثر العقليات الاستبدادية جمودا وتطرفا وفسادا.
إن المنعكس القهري للثقافة الدينية لم يقتصر على الواقع العنفي والعسكري, فالاساس الثقافي والاجتماعي له كان طاغيا كهوية ثقافية للمهجرين السوريين في شتاتهم بأصقاع الارض والدول الغربية التي لجأوا اليها, أمام تحديات الاندماج بالمجتمعات الجديدة ذات الانظمة الاقتصادية والاجتماعية المتماسكة, وتعدد الاعراق وتباين الثقافات الدينية والاجتماعية والهوى الحضارية الكبيرة, ما جعل من الارتداد لمظاهر التدين هو الملاذ الروحي والفكري الوحيد القادر على الترفّع عن الفروقات الثقافية والحضارية الواضحة, وتجاوز اخفاقات الواقع العلمية والمادية والسلوكية.
إن ضياع الهوية الثقافية بوصفها الموروث الجمعي الجديد لحالة الجمهرة الشعبية وافراز معنوي للحراك الثوري من أهم الأزمات التي عانت منها الثورة السورية بفعل الاستبداد والأزمة التاريخية التي تعاني منها المنطقة, فكانت السبب الأساسي لعدم قدرة الحراك الثوري بالحفاظ على قيمَه, ما حدا بها من ثورة سلمية شارك بها كافة شرائح المجتمع السوري, ورُفعت خلالها شعارات ومطالب حقوقية ومدنية وحملت ثقافة بديلة عن ثقافة الترهيب والاقصاء والعنف في بداياتها, إلى انهيار كافة الموانع والتحصينات المجتمعية للحؤول دون الوقوع في المسار العنفي التي اراده النظام والمنتفعين من أزمات الشعوب, فالبديل الثقافي من أهم التحديات أيضا أمام المؤسسات الثورية لملئ الهوى الثقافية بثقافة بديلة ترسخ الأساس الانساني والحضاري التي ثارت الشعوب من أجله, وتفعيل القيم الأخلاقية والوطنية, وغسل الصدأ والأوحال والآلام الغليظة نتيجة الانهيارات الفكرية والانسانية على كل المستويات الذي شهده المجتمع السوري في معاناته.
إن الظلم والتشرد والقتل والتدمير والتهجير الذي أصاب الشعب السوري وغياب التدخل الدولي والأممي الجاد لتخفيف ألامه ورفع هذا الحيف المذل للمجتمع الإنساني كاملا, أفقد السوريين أدنى الآمال المعلقة على المجتمع الدولي بمساندته في قضيته إنسانيا أو أخلاقيا, فهذه السقطة الأخلاقية للمجتمع الدولي كان لها صدى مؤثر وعميق في مصداقية المجتمع الغربي وحقيقة الشعارات التي يقتدي بها لصون حرية وكرامة الإنسان, وكان لهذا الشأن الكبير في ذاكرة السوريين سواء المعذبين في الداخل أو المهجريين في أصقاع هذا العالم. لذلك ان ما ندعوه بالمُنعكس أو الارتداد القهري للتدين كان أيضا مدعوما بحقيقة اللاإنتماء التي أظهره العالم المتحضر لآلام ومعاناة الشعوب فضلا عن العامل الثقافي الذي يخص تاريخ السوريين الثقافي والسياسي. فالنظام العالمي المصلحي الذي تعامل مع إحدى أكبر وأقسى الأزمات الإنسانية في العصر الحديث بكل هذه السلبية والحياد اللاأخلاقي يتحمل قدرا كبيرا من تشوه مفاهيم وسلوكيات المجتمعات التي لجأت اليه, والذي بدأ يشتكي من تأثيرها على ثقافة بلاده.
لا بد أن يكون هذا التحول الكبير بمعتقد شريحة كبيرة من المجتمع وبما يخص أكثر المعتقدات حساسية كالتدين والمعتقدات العقائدية والفكرية ظاهرة تسترعي الإنتباه وتستحق التفكير والتمعن, فإن الذاكرة الجمعية للمجتمعات لا تهتز وتتغير بهذه الصورة الواضحة الا اذا واجهت اخفاقات نفسية ووجدانية عميقة أثرت بالمجتمع على المستوى الانتمائي والوجودي.
فإن كان كانت كل هذه المأساة والتصدعات الوجدانية العميقة في ذاكرة شعب كامل لم تستطيع أن تغير كلمة واحدة في عقلية المستبد, فما الذي على الشعوب أن تدفعه لتغير مصيرها وتبني مستقبلها في ظل هذا النظام العالمي الذي لا يرحم.



#أنس_نادر (هاشتاغ)       Anas_Nader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أنس نادر - الاستبداد والمنعَكس القهري للتدين في رحلة البحث عن الهوية