أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير الخويلدي - شمس الفلسفة التحليلية مرئية بالنظارات الفنومينولوجية















المزيد.....

شمس الفلسفة التحليلية مرئية بالنظارات الفنومينولوجية


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 5811 - 2018 / 3 / 10 - 20:19
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


" يتشارك الناس على الأقل في الأدوات اللغوية وكل الوسائل الاتصالية المرتبط باللغة"1

لعل وضع الشخصية المفهومية الذي يتقمصها بول ريكور في مواجهة العالم الجديد الذي تنتمي إليه الفلسفة التحليلية هو رحلة استكشافية غريبة الأطوار تكاد تكون مغامرة على أنماط متعددة ومختلفة، ربما قد تكون مماثلة لرحلة كريستوف كولومبس الأولى وتشبه إلى حد كبير وضع شخصيات مفهومية أخرى في مواجهة عوالم غريبة وعجيبة أخرى مثل حنبعل وروما والأسكندر الكبير والشرق وأفلاطون والبحر المتوسط وابن رشد والعالم اللاّتيني وتنقل ابن خلدون بين شمال إفريقيا ومصر والمشرق العربي وكذلك قدوم هوبز إلى باريس وحملة نابليون على مصر والشام وتونس وتفكيره في غزو الصين ووقوفه أمام سورها العظيم عاجزا، وأيضا مجهودات هيجل أو نيتشه وهيدجر في استعادة الثقافة الإغريقية، وسفر الأسكندر كوجيف بالرغبة من أجل الاعتراف نحو الغرب أو تصدير دي توكفيل قيم الثورة الفرنسية إلى أمريكا، ولقد وقع إعادة تصوير بنفس المنوال خروج حنة أرندت من ألمانيا الاضطراري وفرار ولتر ينيامين من الضغط الشمولي وتأثير فوكو ودريدا وغادامير بدرس رورتي الفلسفي في الجامعة الأمريكية، وهي كلها رحلات معرفية مشوقة تندرج في الظاهر في أدب الرحلات العلمية وتقليد السفر المعرفي ولكنها في الباطن محاولة إجراء مقارنة مع ما لا يمكن مقارنته وذلك للتباعد بينهما ولوجود سوء تفاهم تاريخي والسعي إلى فتح ماهو مغلق وطرق الأبواب الموصدة ومخاطبة العقول في شكلها اللغوي المغاير.
ربما تكون العلاقة الإشكالية التي تبدو بين ريكور والفضاء الأنجلوساكسوني راجعة إلى التوتر التاريخي الموروث بين فرنسا وانجلترا وبين الكاثوليك والبروتستانت وبين الاتجاه العقلاني والاتجاه التجريبي وتنازع المشروعية المعرفية بين النزعة الوضعية العلموية والنزعة الوجودية الذاتية إلا أن الفيلسوف الباريسي لم يذهب إلى أمريكا غازيا ولا مبشرا وإنما حاملا معه فانوسه وسط الضياء ممسكا في سفره الفلسفي حقيبة تتضمن مكتبة من العلوم والآداب والفنون القارية ومسلحا بمناهج ومقاربات قوية ومتطلعا إلى الإفادة والاستفادة والى التدريس والتعليم والى التعلم والتحاور وباحثا عن فهم معمق للأنا من منظور الأخر والتفاهم معه بالإصغاء والإنصات والترجمة والتكلم بلغته والانفتاح على الكلام المتداول في الساحات العلمية والفضاءات العامة وتفقد الذات الحضارية الغربية في توسعها في المحيط الأطلنتيكي.
فهل كان نية ريكور منصبة على دراسة الفلسفة في نسختها التحليلية من أجل فتح مغاليقها وفهم أسرارها واستكمال ما ينقص مشروعه الفلسفي في حقولها اللغوية وسجلاتها الثقافية ومداراتها القيمية والحقوقية؟
في الظاهر يبدو ريكور الفيلسوف الذي ينتمي إلى الفلسفة القارية وتيارها التأملي المثالي الرسمي بفرعيه الفرنسي والألماني الذي يهتم بدارسة الفكر والذات والعالم بعيدا كل البعد عن الفلسفة التحليلية ذات المنبت الأنغلوساكسوني والانتشار الأمريكي والتي ركزت بحوثها حول اللغة والذهن والتجربة والواقع والفعل.
غير أن الرجوع للسيرة الذاتية لعميد كلية نانتير أحد ضواحي العاصمة باريس ندرك أهمية المنعرج الذي حدث لفكره الفلسفي لما قرر مغادرة فرنسا والانتقال إلى العالم الحر من أجل تدريس الفلسفة في جامعة شيكاغو والتفاعل التوليدي مع الفلسفة التحليلية في مختلف مدارسها ونظرياتها حول الخطاب والمعنى.
اللافت للنظر أن اللقاء بين ريكور والفلسفة التحليلية كان قبل ذلك ومنذ الفترة الأولى من بداية تشكل وعيه الفلسفي كانت تحدوه عزيمة كبيرة للاستفادة من ابتكارات فلاسفة التحليل والبراغماتية والوضعية الجديدة. فهل كان اللقاء بين ريكور والفلسفة التحليلية اضطراريا واستكشافيا أم تجربة تفاعلية ومغامرة معرفية مثمرة غيرت بطريقة لافتة المسارات المعرفية والورشات الفكرية التي دشنها منذ بداية المرحلة القارية؟
إذا كان بول ريكور يعد استمرارا للفلسفة الفنومينولوجية التي بدأها على نحو جديد هوسرل في كتابه الذي ترجمه مع صديقه دوفرين في سجون النازية أفكار وعمل أيضا على تطوير الفلسفة التأويلية التي تقاسمها مع هانز جورج غادامير صاحب كتاب الحقيقة والمنهج واستخلص منها نظرية في الحق والسلطة والفعل فإن الفلسفة التحليلية قد شهدت ميلاد تيارات قريبة من روافد الفلسفة العلمية والنظرية البراغماتية والمنهج التجريبي واتخذت صبغة منطقية وتفرعت إلى اختصاصات تهتم بفلسفة الذهن ونظرية المعرفة وتمارس التحليل المنطقي للخطاب العلمي وتطبق النقد والتفكيك وفق المناهج ما بعد البنيوية والفكر ما بعد الحديث.
قد تكون فلسفة اللغة هي المحور المشترك الذي تتقاطع فيه الفلسفة الريكورية مع الفلسفة التحليلية ولكن إظهار القيمة المضافة للسرد والاستعارة الحية والمخيال والحقيقة الشعرية وفلسفة الدين كفيل بأن يؤكد هذا التأثير والتأثر الذي حصل بين الفيلسوف الباريسي وفلاسفة التحليل عند المرور من النص إلى الفعل.
الهجرة التي قام بها ريكور إلى أمريكا امتدت من 1970الى1985 وجاءت بعد عقد الستينات الذهبي الذي واجه فيه أقطاب الظنة وتحاور بالخصوص مع فرويد ونيتشه وماركس وحاول عبور التحليل النفسي والأثنولوجيا وتخاصم مع بنيوية لاكان وألتوسير وغريماس وحاول تطعيم الفنومينولوجيا بالهرمينوطيقا وزرع الفنومينولوجيا في الهرمينوطيقا وانتهي إلى خلع هالة الأسطرة عن الكاثولوكية والبروتستانتية وتدشين الهرمينوطيقا التوراتية ضمن الأفق الشعري. لقد دفع خيار نانتير وملحة الطلاب سنة 1968 ريكور إلى السير على الحافة ورسم الحدود وعبور القارة الى العالم الجديد بدعوة من بول تليش صديق مارسيا ألياد لكي يخلفه في التدريس وليدشن ريكور مرحلة مغايرة من التدريس الممتع في أمريكا حيث وقّع مفهوم الهوية السردية وطمح إلى الإفلات من قبضة هيجل وتمكن من عبور الشر المطلق وكتب ثلاثية الزمن والسرد وحقق الاعتراف بوصفه الفيلسوف الأبرز في فرنسا سنة 1988 وجعل من فكره جسر عبور بين ثقافات متعددة وأحدث المنعطف البراغماتي والتأويلي للعلوم الإنسانية وسلك الطريق الطويل للأنطولوجيا والمسلك القصير بين الذات ونفسها بالمرور عبر الغير والغريب ضمن قيمتي العدالة والصداقة وأكد على أهمية حضور الفيلسوف في المدينة وطور قارة التاريخ وفق مقاربة تستدعي ثنائية الذاكرة والنسيان من خلال عمل الحداد وشريعة المصالحة والغفران عن طريق معالجة الجراحات التي أصيبت بها الهويات الجمعية وتبني أخلاقيات تطبيقية تنتشل معنى الحياة وتمنح الكرامة البشرية التقدير.
لم يخصص بول ريكور مؤلفا مستقلا تناول فيه بالدرس الفلسفة التحليلية بشكل مستقل وعميق ولا يوجد حضور لافت للفلسفة الريكورية على المستوى العنونة والفصول في مؤلفات الفلسفة التحليلية الرئيسية. لكن في سنوات 1974 قام ريكور ببحث حول سيمونيطيقا الفعل يمثل نقطة التقاء بارزة، بعد كتب سجال التآويل وفي التأويل : مقالة حول فرويد والذي ترجم بعنوان فرويد والفلسفة، والاستعارة الحية الذي ترجم إلى الانغليزية بصورة مغايرة حكم الاستعارة ، مع مواضيع الفلسفة التحليلية حول الفعل والكلام العادي، وبعد ذلك تزايد حجم الحضور لهذا الفكر الفلسفي الرائد في المتن الريكوري وخاصة في كتاب الزمن والسرد وفي من النص إلى الفعل وفي عين الذات غيرا وفي الايديولوجيا واليوتوبيا. وفي المقابل نجد في العديد من الكتب التي تخصصت للفلسفة التحليلية قد تطرقت في فصول عديدة للفنومينولوجيا والقصدية.
" يكون فعل الفهم أقل تاريخية وأكثر منطقية...ومقابل هذا الانقلاب من التاريخية الى المنطقية في التفسير العام للتعبيرات الثقافية قد نشير الى حركة مشابهة في حقل النقد الأدبي في كل من أمريكا وأروبا."2 لكن ماهي الاستفادة التي حصلت لكل من الفلسفة التحليلية والمدونة الريكورية من التقاطع المتنافر بينهما؟
الهوامش:
1- ريكور (بول)، محاضرات في الايديولوجيا واليوتوبيا، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة 2002،ص354.

2-ريكور (بول) ، نظرية التأويل ، الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد الغانمي، المركز الثقافي الغربي، طبعة 2003، ص143
المصادر:
ريكور (بول)، محاضرات في الايديولوجيا واليوتوبيا، ترجمة فلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة 2002،
ريكور (بول) ، نظرية التأويل ، الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد الغانمي، المركز الثقافي الغربي، طبعة 2003،



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسباب ظهور السلوكيات اللاإنسانية في الإنسان
- الفلسفة تنتصر لأنوار العلم ضد ظلام الجهل
- الفلسفة السياسية على نحو مختلف
- شروط الانعطاف المعرفي من الحس المشترك إلى الفهم السليم
- بماذا تطالب الفئات الاجتماعية المنتفضة؟
- مهنة الفيلسوف بين التعالي والمحايثة
- عواصف سنة 2017 ومنعطفاتها
- أغراض سياسة السرد
- النقد الفلسفي للتراث عند طيب تيزيني
- الفكر بما يعود الى ذاته
- الحقوق الفلسطينية في القدس في يوم الإعلان العالمي لحقوق الإن ...
- التعليم التكويني والتدريس التربوي
- التوجه نحو عقلنة المجالات غير العقلانية
- من أجل حياة إنسانية خالية من ذل العبودية
- ما جدوى الإطلالة على الحكمة المشرقية في الاحتفال العالمي بال ...
- الالتزام التاريخي للفلسفة السياسية
- أصوات فكرية عريقة عن تربية فلسفية جديدة
- أطياف ثورة 1917 واستذكار زمانية الوجود السوفياتي
- تزايد هجرة الشباب في ظل تعثر الحل التنموي
- عبور ثورة تشي جيفارا نحو الأممية


المزيد.....




- كينيا: إعلان الحداد بعد وفاة قائد الجيش وتسعة من كبار الضباط ...
- حملة شعبية لدعم غزة في زليتن الليبية
- بولندا ترفض تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي -باتريوت-
- إصابة أبو جبل بقطع في الرباط الصليبي
- كيم يعاقب كوريا الجنوبية بأضواء الشوارع والنشيد الوطني
- جريمة قتل بطقوس غريبة تكررت في جميع أنحاء أوروبا لأكثر من 20 ...
- العراق يوقّع مذكرات تفاهم مع شركات أميركية في مجال الكهرباء ...
- اتفاق عراقي إماراتي على إدارة ميناء الفاو بشكل مشترك
- أيمك.. ممر الشرق الأوسط الجديد
- ابتعاد الناخبين الأميركيين عن التصويت.. لماذا؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير الخويلدي - شمس الفلسفة التحليلية مرئية بالنظارات الفنومينولوجية