أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3















المزيد.....

ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5811 - 2018 / 3 / 10 - 08:30
المحور: الادب والفن
    


ملابسات تعرّفه على مَن ستغدو لاحقاً عشيقةً سرية، كانت صدىً لما جدَّ على علاقته مع المُضيف والمتّسمة عموماً بالإرباك والريبة. " مسيو جاك "، كان مُحقاً في إظهار ضيقه بالشاب لدرجة التذمر أحياناً من إهماله وكسله، البالغين. هوَ أيضاً، من جانبه، كان يشعرُ بتلكم النقيصتين واللتين جعلتاه مقتنعاً أنه لا يستحق عطفَ مواطنه الرسام. كان الرجلُ يَصرف معظمَ ساعاتِ النهار في محترفه، الكائن على طرف الحديقة. ليبدأ من ثمّ العناية بأشجارها وأزهارها، مباشرةً إثر إفاقته من القيلولة. امرأة قاتمة البشرة، متوسطة العمر، كانت تأتي بين يوم وآخر من القرية للمساعدة في تدبير شؤون البيت. إذاك، يفرّ الشاب تجنباً لنظراتها الصارمة باتجاه البساتين الغنّاء، المترامية على مدّ النظر. أول مرة التقى بها، أدهشه ما صدر عنها من تمتمة وإشارات غير مفهومة، فاعتقدَ أنّ هذه هيَ صلاة المسلمين. حينئذٍ، قال له المضيف بنبرته الساخرة: " بل إنها تلعنك بوصفك من زبانية الجنّ، المتبطلين! ".
كلاهما، الرسام والشاعر الشاب، كان منطوٍ على نفسه كما القوقعة. ولعل ذلك كان القاسم المشترك الوحيد بينهما، ما لو صرفنا النظرَ عن شغفهما بالفن. " مسيو جاك " انتبه فجأة لهذه الخصلة الإيجابية، الوحيدة، لدى ضيفه الشاب وقررَ أن ينميها في اتجاه عمليّ. جديرٌ بالذكر، أنه كان يحتقر الشّعر، معتبراً إياه عبثاً ومضيعة للوقت. في أكثر من أمسية، جرى جدل بينهما حول الفن؛ الرسم والكلمة. الفنان الرسام، قرّب في إحدى تلك الأمسيات قدحَ الشراب من فمه المُكتسي، كما وجهه إجمالاً، بلحية خفيفة مهملة: " إذا كان الفنّ ـ بحَسَب غوته ـ هوَ مجرد وضع نبيذ جديد في قدح قديم، فتباً له من شاعرٍ شحيح الخيال! "، قالها بفرنسيته الريفية. أعادَ بحركة عفوية قدحه إلى مكانه على الطاولة، وكما لو أنه تطيّرَ من كلمة شاعر الألمان الأكبر. علّقَ الشابُ مُتسائلاً في حذر: " فمن يعجبكَ إذاً من الشعراء، طالما أنّ ذلك كان رأيك بغوته العظيم؟ "
" لا أحد، في حقيقة الحال "
" ولا حتى رامبو..؟ لقد أعادَ اعتبارَه، أصدقاؤك السرياليون، بدءاً من اكتشافهم لديوانه ‘ فصل في الجحيم ‘، ليعدّوه أبا الحداثة "
" ليذهبوا هم أيضاً إلى الجحيم! دَعني مما يقولونه في كلّ آونة، وكأنه أضحى ضَرباً من موضة. أريدك أن تجيبني، بمَ يفيد الشعر.. بل والنثر أيضاً؟ "، تساءل الرجل ثم بادرَ بنفسه إلى الجواب: " إنه لا يعدو عن كونه لغواً، مشاعرَ شخصية في أحسن الأحوال ". أحسّ الشاعرُ الشاب بشيء من الإهانة، فانقلب لونُ سحنته النضرة المورّدة إلى الشحوب. بدأت نبرته تهنّ مزيداً من الوهن، حينَ استأنفَ الدفاع عن فنّه: " ذلك تقريباً، كان رأيُ امرأتك فيما عرضته عليها من قصائدي. ولكن إذا لم يكن بوسعي الدفاع عما أكتبه، فإنّ هذا لا يمنعني من النظر إلى الشعر كرافعة ترقى بالإنسان إلى مصافي الآلهة.. "
" آه..! أنظروا كيفَ واتت هذه اللهجة الفخمة، صديقنا الوجوديّ الملحد؟ "، هتفَ المضيفُ مقاطعاً ومقهقهاً. وما عتمَ أن آبَ إلى الجدّ، ليقول: " الفنّ، كالحياة سواءً بسواء، هوَ العمل المثمر. الرسام، النحات، المعماري، المصوّر، الموسيقي، الملحن، الممثل، المخرج.. كلّ منهم يؤدي عملاً ذا مردود ماديّ، لأنه مفيد وخالد. فافتح أذنيك جيداً، لو أردتَ أن تحذوَ حذوهم، حتى ولو لم يكن لديك أيّ موهبة غير اللغو..! ".
فيما بعد، سيعهد إليه مواطنه الرسامُ ببيع لوحاته في مدينة الصويرة؛ ثمة أين يمتلك صالة عرض. لن يعمل الشاب في الغاليري، بل على الأرصفة تحت أعين السيّاح. إنها لوحات صغيرة الحجم ذات مواضيع فلكلورية، توافق أذواق أولئك الأوروبيين، مثلما أنّ أسعارها معقولة. " هيلين "، كان يروق لها أحياناً انتحال صفة بائع لوحات قرينها. فيما عدا ذلك، اعتادت (...) أن تقومَ بالبيع وكما لو أنه جزءٌ من خدمتها لديهما. كان للزوجين مزرعة في ضاحية الصويرة، المسماة " الغزوة ". هنالك، ألتقى الشاب مع تلك الخادمة وما لبثت أن انتهت إلى أن تكون عشيقته.

*
حينَ شَرَعَت " سوسن خانم " بطيّ مجلّد المخطوطة، هنالك على الشرفة، ومضَ في ذهنها خاطرٌ شبيهٌ باختراق شهاب لعتمة ليلة مُنجمة: " التشطيب فوق جُمل معينة، لا تهدفُ لمجرّد تصويب ما فيها من معلوماتٍ، بل إنها لحماية امرأة معيّنة، وعشيقها، من عار الفضيحة والتشهير ". أعادت فتحَ المجلّد، كي تتأكّد من حقيقة شكوكها. بلى، إنّ قلمَ " مسيو جاك " كان قدّ مرّ على اسمٍ مُعيّن ليطمسه بحبره الجاف، الأسود اللون: لم يكن ذلك سوى اسم " نفيسة "؛ المرأة الجشعة، التي لم تتورع عن بيع ابنتها الوحيدة لقاء حفنة وريقات مالية، ملونة ـ كشَعرها المنفوش سواءً بسواء، المصبوغ بمادة الحنّة الزهيدة الثمن.
تلك المرأة، تعيَّنَ على اسمها أن يُسبق بلقب الاحترام المحليّ، ليصبح " للّا نفيسة ". لم تسنح الفرصة للخانم بلقائها، عندَ ذهابها للضاحية بغيَة عقد صفقة تنازل " الشريفة " عن ابنتها. هذه الأخيرة، ستغدو فيما بعد هيَ المُشكل مجدداً بعيدَ مغادرة أبيها إلى موسكو. ظروف طارئة، أجبرت راعية الطفلة على التوجّه إلى جدّتها. شاءت " سوسن خانم " ـ ولاعتبارات معيّنة ـ أن يكونَ مديرُ مكتبها شاهداً فيما لو نجحت المساومة الجديدة. لقد قادَ سيارة الرانج روفر في ذلك المساء المُتأخر، الملسوع بريح باردة. " للّا نفيسة "، كانت باستقبالهما أمام باب منزلها، المحروس من جانبيه بجرّة فخارية كبيرة، يمتدّ منها إلى الأعلى نباتٌ متسلّق. عانقتها، مُرحبةً بشكل مُبالغ فيه. كيفَ لا، والسيّدة السورية ما ترين على التزامها بما تعهّدت به لابنتها بدعم الأسرة مالياً.
هيَ المرة الثانية، إذاً، الشاهد فيها المنزلُ زيارة السيّدة عالية المقام. فما لبثَ أن لاقاهم بدَوره، رواقُ الصالة المُبهر الإضاءة والمحاط من كلّ صوب بالأقواس والنقوش. أما نفائس المفروشات التقليدية، التي احتفى بها المكان مثلما عاينته الضيفة فيما مضى، فإنه كان قد اختفى تقريباً: " يبدو أنّ الأثاث والتحف أقل أهمية لديها من الحشيش والأفيون! "، فكّرت الخانم. كانت تستعيدُ عندئذٍ ما أعلمها به العجوز الفرنسيّ، في إحدى مكالماته الهاتفية، بعزم " للّا نفيسة " بيع المنزل والانتقال للسكنى بشقة صغيرة في المدينة. " ميمو "، الصبيّ شبه المعاق عقلياً، كان بين الفينة والفينة يطلّ برأسه ثم يختفي خوفاً من النظرات المُحذّرة لجدّته، المُفترَضة. سحنته الآسرة، كان مرسوماً عليها أثرُ بكاءٍ حديث العهد. وإنه هوَ، مَن جعلَ الخانم تتراجعُ عن نيتها تسليم " خَجيْ " إلى الجدّة: أشفقت الراعية، ولا شك، أن يكون مآلُ الطفلة إلى حال أخيها، المنهوشة براءته بين براثن هذه المرأة، القاسية القلب، والمُذكّرة هيئتها بساحرة حكايات الأطفال.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الخامس 1
- المطعم
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 2
- الهاوية
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 5


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السادس 3