أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها - سامي عبد العال - ماذا وراء التحرُش الجنسي ؟!!















المزيد.....

ماذا وراء التحرُش الجنسي ؟!!


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5809 - 2018 / 3 / 8 - 22:45
المحور: ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها
    


هناك فارق بين الفعل الجنسي والتحرش. الأول ( فعل خاص ) يتم بمسؤولية طرفيه تجاه بعضهما البعض. ويأخذ تجلياته العامة في شكل اقتران مقبولٍّ من نوعٍ ما. وقد تُبني عليه مشروعية الأدوار الاجتماعية أو يتحقق في صيغ تالية من الوجود معاً. ومن ثم َّتصبح العلاقة غير قابلة للمساءلة، لأنَّ الطرفين يتمتعان بالأهلية في تحديد ماهيتها. فالأساس الذي تقوم عليه العلاقة يتحرك هكذا عبر دائرتين تتسعان وتضيقان بحسب الصور المتبادلة في الواقع. ودوماً السياق الاجتماعي سيجد تبريراً مزدوجاً( الداخل– الخارج)، حيث لا يستطيع هدمه إلاَّ بموجب تلك العلاقة ومعانيها.

أما التحرش الجنسي، فهو انتهاك ذو طابع خارجي يستقر لدى محددات خاصة. بمعنى أنَّ المرأة تتحول إلى فريسة وضحية في المجال العام. ويلاحقها المتحرِّش على ذات المستوى، تاركاً آثار فعله سلباً حين يدمر خصوصيتها. أي أنَّ الفعل يأتي عنيفاً من الخارج إلى الداخل كنوع من الاقتحام غير المبرر. ثم يعدُّ فعلاً فاضحاً بمعايير اخلاقية على المستوى ذاته.

ذلك أنَّ الأنثى لها ارادة مستقلة ( أو هكذا يُفترض ) تجاه جسدها وكيانها. لكن نتيجة الأثر الاجتماعي، فإنَّ إيَّ استغلال لتلك الإرادة الحرة لا يترك للضحية سوى الافتضاح. وهو ما يدخلها في سياق آخر يخص سلطة النظام الاجتماعي وأدواته وأساليبه وخطاباته. ولم تعد الأنثى عندئذ ملكاً لنفسها ولا تدري ماذا ينتظرها من تبعات شديدة الوطأة. فلقد تحولت إلى عار يأخذ دلالاته من جميع الأفواه والأوصاف المشينة.

التحرش في حالات كثيرة يتم بسرية اعتماداً على اخافة الضحية من الافتضاح. ولهذا بمقدار ما يترسخ الخوف من الأمر يكون المجتمع غطاءً لمثل هذه الأفعال. وكأن المتحرِّش يحيل إرادة الأنثى إلى قوة غامضة هي المجتمع ذاته. حيث تراه الأنثى قوة عمياء لا تميز ولا تنصف المقهور، لدرجة أنها تخشى التشهير بما وقعَ دون جريرة تذكر. ويبدو المجتمع مسرحًاً لـ"عرض أكبر" أمام عيون غريبة دوماً. فالموضوع قابل للإضافة والزيادة في تفاصيله، وعادة لا يُخلي الناسُ ساحة الضحية من الآثار وكأنها هي الفاعل الأصلي!!

إنَّ مجتمعاتنا العربية – وهذه نكاية غريبة - تبرئ الفاعل عمداً رغم ما ارتكبه. إنَّه هروب خطابي واجتماعي من المسؤولية فيما يخص جريمة لا يجب أن تتم إلاَّ بإدانته. وكأن النظام الاجتماعي يعيد تدوير الحادثة لصالح مركزيته الذكورية. إذن هناك أكثر من فاعل لكل حادثة تحرش جنسي.

1- الذكر الموجود في المكان والزمان والذي يتحايل للنيل من ضحاياه.

2- الفاعل الاجتماعي الأكبر. وهو القامع الأصلي إذ يسمح للأول بالتحرش، وفوق ذلك يقف بجانبه مضيعاً كافة حقوق الأنثى.

3- صمت الناس الذي يقرر تأييد الفاعلين السابقين والدفع بهما على كاهل المرأة.

والقامع الأصلي يقوم بعملية متواطئة لإقناع الأنثى بالرضوخ للأمر الواقع من جهة ويعطي الذكر منفذا لتحقيق مآربه من جهة تالية. وليس هذا فحسب إنما ينقل الواقعة إلى سُبة تطالها في أي وقت حتى لو انتهت بالتخلص منها. فهناك بعض المجتمعات العربية التي تقتل الأنثى لغسل الشرف دون التحقق ولا التأكد من الحادثة. ويجري تزوير الارشيف الاجتماعي بتسجيل الجريمة ضد مجهول!!

وليس بعيدا هذا القول الشائع:" اللي إختشوا ماتوا". وهو ينقل أثراً حياتياً متعلقاً بالنساء نتيجة الخوف الاجتماعي. فلقد قيل إنَّ حماماً عمومياً شبت فيه النيران حيث كانت بعض النساء يتحممن بالداخل.. وعندما التهمت النيران كل شيء فضلن الموت احتراقاً على مغادرة الحمام عراياً لكيلا يراهن الناس على هذا الحال. فظل النظام الاجتماعي يضرب مثلاً بهذه الحادثة أمام من تتكشف أو تتعرى من النساء. حتى ولو ارتدت ملابس قصيرة أو سارت حاسرة الرأس بالشارع يعتبر النظام السابق الخوف موتاً أفضل لهن من الخروج بتلك الوضعية.

هكذا يمتص المجتمع افعال التحرش لجعلها أثراً يلاحق بها الضحايا ليلاً نهاراً. حيث تكون المناسبات طقوس للاحتفاء بالانكشاف الجنسي. مما يسبب آلاماً لا تتوقف للضحايا حد الرعب من تلك الدائرة المجنونة.

وبالنتيجة فإنَّ التحرش الجنسي لن يتم إلاَّ تحت عين المجتمع وبصره، أي بأمر المجتمع وشروطه. لأن كل تحرش من هذا القبيل يأتي وسط انكشاف المرأة كموضوع معروض ثقافياً، موضوع تم تعريته سلفاً والسخرية منه وكشفه كسلعة وغنيمة يتلهف الذكور للالتصاق بها وملاحقتها. بكلمات أخرى: إن التحرش لم يكن ليتم لولا أنَّ الأنثى موضوعٌ منتهك على نطاق أوسع. والتحرش من تلك الجهة جزء من ترسانة ممارسات وعادات ومفاهيم وأخيلة تجاه النساء.

هاهنا يدعونا الوضع جملة وتفصيلاً إلى اعادة النظر في ترتيب الفاعلين(الذكر- المجتمع- الناس). من الفاعل في عملية التحرش الجنسي؟ هل المسؤولية أكبر من أن توجد لدى حدود بعينها؟ لماذا ينكفئ الطرف الأضعف( المرأة) على نفسه؟ لماذا كانت النتائج النفسية والإنسانية مدمرة لها؟ ذلك لأن أثر المجتمع يتقدم على الفاعلين الآخرين( الذكر - الناس ). فالمركزية الذكورية هي تراتب اجتماعي يأخذ شكل العلاقات والصيغ العنيفة واقعياً. وإذا كان الذكر لا يكون ذكراً إلا بأنثى، فالمنطق يقول إنها الطرف الأدنى في علاقة قاهر ومقهور. ولكن بإشراف سيطرته الاجتماعية أولاً.

إلى الأمس القريب كانت عمليات الاغتصاب تنتهي بعقد قران المغتصبة على المغتصب بأريحية شبه رسمية وتحت اشراف سلطة الدولة. وعند اتمام الزواج الضروري سرعان ما يطلقها زوجها الغاصب في تمثيلية باهتة. وبالتالي فقد أخذ الضحية قرباناً لفعلته، ثم مارس حقاً لم يكن ليأخذه إلاَّ انتزاعاً واغتصاباً.... كيف ذلك؟ ولماذا يكافأ الجاني مرتين؟!

ولنلاحظ أن المغتصب يأخذ صيغة الفاعل سبع مرات:

أولاً: حين ارتكب جريمته عمداً مع سبق الاصرار والترصد.

ثانياً: عندما تزوج الضحية بإيعاز من المجتمع.

ثالثاً: حين هرب بالطلاق من تبعات الفعل.

رابعاً: بعدما صمت المجتمع مؤقتاً وأخفى آثار الجريمة.

خامساً: حين ترك الضحية لمصيرها الغامض.

سادساً: حين يكون هو السبب الغائب المؤلم في الذاكرة!!

سابعاً: عندما يكون مصدر اللعنات ونظرات الازدراء الموجهة إلى الضحية طوال العمر!!

المجتمع العربي يقمع المرأة بحكم تكوينه التاريخي والتراثي. حتى أن كل عملية تحرش تقع على هذا المستوى من العمق، هنالك بعيداً... قبل أنْ تكون هنا والآن. تقع وكأنَّها مدبرة بإحكام حتى أن الضحية لا تتمكن من الرد. ولذلك يتوقف التحرش عندما يتم تدمير تلك الآلة العنيفة من التواطؤ والقهر التي أسمها سلطة النظام الاجتماعي. وليست تلك الآلة بسيطة بالمعطى الأولي للفاعل مثلما قد يظن القارئ.

لأنَّ ألة معقدة وكلية كهذه تتخفى بكافة الحيل والخطابات والرأسمال الرمزي كي تنجز مهامها بمنأى عن أصحاب الشأن المباشرين. فالمرأة نفسها لا تصدق أن هناك من يتحرش بها سوى الرجل الفلاني صاحب الشكل والهيئة الفلانية. هي لا تدري أن تلك السلطة العامة تجيِّش جميع أساليب الهيمنة لربطها بحبال وثيرة تحت قبضة أي رجل ولو كان قاتلُها. وقد لا تعي بأن هناك أبعاداً أخرى للمسألة.

ولذلك عندما تقوم المرأة بنهر المتحرِّش بها ومقاضاته، فإنَّها في الحقيقة تقوم بعمل تاريخي جبار. إنها تبطل مفعول وآثار جريمة منذ مئات السنوات. وقد وصلت الجريمة إلى قمة المأساة بحيث أن المبررات التي قد تقبلها المرأة في حادثة تحرش أو أخرى هي من تبذلها وتقوم بها بنفسها. لا تنتظر أنْ يهرب الذكر، بل تهرب هي من ساحة الجريمة كأنها أصيبت بطلق ناري أو رأت شبحاً مخيفاً. إن الذكر ليس سوى مجتمع بكاملة يتحرك على قدمين ويرتدي الجلباب نفسه ويسخر منها كما سخر منها أسلافه!! وليس أدل على ذلك من أن يتشخص المجتمع بالمقلوب في هيئة ذكر اسمه صاحب العصمة!!

ينبغي تحرير النساء حقاً من أي قهر ولو كان خفياً قبل الحديث عن أي تحرش جنسي. لا يكفي التحدث في عيدها عن جوانبه بل لا مناص من تحطيم القيود التي تروح وتغدو بها عن طيب خاطر عادة. ففيما تعتقد الأنثى أنها في الموقع الصحيح توجد أغلظ القيود. وإذا كانت معظم النيران من مستصغر الشرر، فضياع المرأة نفسها مرهون بأدنى الحقوق: حق الحرية. لأن ضياع الأخير يكرس عمليات التحرش ونتائجها ويزج بها ضمن جملة الفاعلين(المتآمرين)!!



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهرْش الديني: في حساسية الاعتقاد!!
- فلاَّحٌ في حقلِّ الديمقراطية
- أنطولوجيا الحب: هل نحتفل بالسر؟!
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (6)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (5)
- دولةُ المتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (4)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (3)
- دولةُ المُتملِّق: تفكيك العقل الاحتيالي (2)
- دولةُ المُتملِّق: في العقل الاحتيالي (1)
- لعنة التاريخ: ترقيع بكارة الثورات!!
- احتمالات الربيع الفارسي
- دولةٌ تحارب الإرهابَ
- الربيع بالحروف الفارسية
- الإرهاب يهنئنا بالعام الجديد!!
- فوضى الدولة النهارية
- أسطورة الدولة الليلية
- الدَّولةُ المَرِحَةُ
- دولةُ الحَيَوان
- الدولة البهلوانيَّة: المثقف والإعلامي
- الدولةُ المُزدوجة: الإرهابي والفقيه


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2018 - أسباب وخلفيات ظاهرة التحرش الجنسي، وسبل مواجهتها - سامي عبد العال - ماذا وراء التحرُش الجنسي ؟!!