أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامر أبوالقاسم - مهام منظومة التربية والتكوين وتحديات التعبئة والإدماج الاجتماعي















المزيد.....


مهام منظومة التربية والتكوين وتحديات التعبئة والإدماج الاجتماعي


سامر أبوالقاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1484 - 2006 / 3 / 9 - 09:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن العناية والاهتمام بالأجيال المغربية الناشئة، والتفكير في تزويدها بأكبر ما يمكن من معالم ومعطيات عن حياة العصر، بواسطة العملية التربوية، يأتيان ولا شك في إطار استهداف تحقيق الغاية الاجتماعية القصوى، المتمثلة في تجاوز آفة تخلفنا والانتقال إلى مجتمع يحيى في القرن الواحد والعشرين.
وهذه العملية التربوية لا يمكن ـ بأي حال ـ بناؤها إلا على ضوء فهم معين للناشئة والمحيط والواقع الذي تحيى فيه، وعلى أساس فهم طبيعة وشكل المهارات العلمية والفكرية والانفعالية والاجتماعية للعصر، وكذا فهم طرق وكيفيات تحفيزها، والتمكن من تقدير ما تم تحصيله وتعلمه ضوء ذلك.
 فكيف إذن، يمكننا أن نوجه ناشئتنا المغربية بناء على ما يتميز به أفرادها وجماعاتها من محركات ومنشطات سلوكية محددة في الزمان والمكان؟
 وكيف بإمكاننا أن نكشف ما لدى هؤلاء الأفراد والجماعات من استعدادات وميول؟
 وما هي سبل تمكننا من إكسابهم اتجاهات وقيم مطلوبة وفق حاجات العصر؟
ما لا مفر لنا منه في الظرف الحالي، حسب منطق التطور، هو العمل على إقامة العملية التربوية التعليمية على نهج علمي سليم وقويم، للتعبير العملي على مدى حصول الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق أهدافنا المرتبطة بالمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، وكذا للمشاركة في صياغة شروط العيش في العصر الحالي.
وبناء عليه، فالدور المفترض الذي تقوم به المدرسة على مستوى النمو التربوي للأجيال داخل أي مجتمع هو دور مركزي وريادي في نفس الوقت، وهذه المهمة الصعبة والشاقة لا يمكن الاضطلاع بها إلا على ضوء ما يحدده المجتمع نفسه من فلسفة وطريقة لممارسة المدرسة مهامها ووظائفها كاملة في هذا المجال. ومن هذا المنطلق يمكننا طرح التساؤلات التالية:
 ما هي محددات عملية النمو التربوي التي يرتئيها المجتمع المغربي كأسس ومنطلقات لممارسة المدرسة لمهامها ووظائفها في الوقت الحالي؟
 وكيف يمكننا أن نوفق بين الناشئة المغربية بخصائصها ومميزاتها، كمادة حية تعمل عليها ولها المدرسة المغربية، وبين ما يريده المجتمع المغربي أن تشب عليه هذه الناشئة؟
 وما هي إمكانات وإمكانيات جعل المدرسة تشكل تلك الصورة للمجتمع المثالي الذي يمكن أن يحقق للنشء مطالبه، وفي ذات الوقت يعمل على المساهمة في تحقيق أهداف المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي برمته؟
 وما هي طبيعة وشكل الشروط التي ينبغي مراعاتها لتنظيم العملية التربوية داخل المدرسة المغربية للتمكن من إكساب النشء مجموعة كبيرة من المهارات السلوكية والعادات الانفعالية والفكرية والاتجاهات؟
 وكيف يمكن للمدرسة المغربية أن تكون عاملة على مراعاة ما يمكن أن يكون عليه أفراد وجماعات الناشئة المغربية من فروقات فيما بينهم، سواء على مستوى العوامل البيئية أو الاستعدادات والرغبات والميول الفردية والفئوية؟
نطرح هذه الأسئلة الجوهرية والهامة على منظومتنا التربوية بعد مرور خمس سنوات على الإعلان الرسمي عن الدخول في عشرية إصلاح المنظومة التربوية/التعليمية المغربية، وبعد عقد وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي ـ بمشاركة فاعلة لمختلف المتدخلين والمشاركين والمساهمين الثقافيين والاقتصاديين والاجتماعيين ـ المنتدى الوطني للإصلاح، تحت شعار: المكتسبات والأفق، وذلك أيام 20 ـ 21 ـ 22 يوليوز 2005 بالرباط، في إطار تقييم وتقويم مسار الإصلاح الذي تعرفه هذه المنظومة، مع تحديد معالم الأفق التربوي التعليمي المنشود.
ومعلوم أن هذا الاهتمام بالمنظومة التربوية التعليمية المغربية، منذ سنة 1999، وهذه الرغبة في إصلاحها، يأتيان بناء على ما عرفته هذه المنظومة في السابق من "انزلاقات" خطيرة على مستوى تحديد الأسس والمنطلقات التي يتوجب بناء التصور التربوي المجتمعي على أساسها، وعلى مستوى تحديد الأهداف التربوية للمدرسة المغربية، وعلى مستوى التدقيق في صيغ وأشكال وطرق الربط بين المدرسة من ناحية وبين تحقيق أهداف المجتمع التنموية من ناحية أخرى، وعلى مستوى تنظيم العملية التربوية داخل فضاءات المدرسة المغربية، وكذا على مستوى قدرة المدرسة بشكل عام على استيعاب مختلف الفوروقات الاجتماعية والنفسية للأجيال الصاعدة، وهي "انزلاقات" أدت إلى ضرب مقومات ومرتكزات المدرسة الوطنية كخدمة عمومية مفتوحة ومتوفرة لجميع المغاربة.
وإذا كان المنتدى قد شكل في رأي مختلف المشاركين مجالا للنقاش المفتوح والصريح، وإطارا للإنصات المتبادل بين جميع الفاعلين والمساهمين، فإنه في نفس الوقت اعتبر محطة للتفكير الجماعي والتأمل في حاضر ومستقبل المنظومة التربوية/التعليمية، من خلال الوقوف على ما تم إنجازه حتى اليوم بمنظور إصلاحي، مؤطر بالرؤية التي عمل الميثاق الوطني للتربية والتكوين على ترجمة الأسس والمنطلقات التي حددها أصحاب القرار السياسي ـ وضمنهم السلطات التربوية التعليمية العليا ـ في هذا الشأن، وكذا من خلال الرصد لأهم المعيقات التي عرفتها سيرورة هذا الإصلاح طيلة الخمس سنوات الفارطة، علما بأن سقف وأفق أشغال المنتدى تحدد بالأساس في عملية استشراف آفاق هذه المنظومة التربوية التعليمية، بناء على ما تم استخلاصه من نتائج خلال الثلاثة أيام من عمر المنتدى الوطني للإصلاح.
فعلى المستوى المنهجي، عملت اللجنة العلمية للمنتدى، بالتشاور مع مختلف الأطراف المعنية، على المزاوجة بين العمل في إطار جلستين عامتين، وبين الاشتغال داخل الورشات الثمانية التي تخللتهما، والتي كانت معنية بتقييم وتقويم مسار الإصلاح على المستويات التالية: الحكامة وتدبير المنظومة، والإصلاح البيداغوجي بالتعليم الأساسي والثانوي، والإصلاح البيداغوجي بالتعليم العالي، والحياة المدرسية والجامعية، والبحث العلمي والتربوي، واستراتيجية استكمال الإصلاح، والموارد البشرية والإصلاح، ومحاربة الأمية والتربية غير النظامية.
وهي بذلك تكون قد مثلت مختلف الجوانب الجزئية التفصيلية المثيرة لاهتمام جميع المتدخلين في المنظومة التربوية/التعليمية، وشكلت إطارا لتبادل وجهات النظر المختلفة، عبر عكسها للنقاشات الحادة والجادة في إطار من التلاقح، وفي جو يطبعه الوعي بالمزيد من التدقيق في الطروحات والمواقف، التي لا ينبغي إخضاعها لمنطق المزايدات السياسية، بسبب الحساسية المفرطة التي يتميز بها مجال التربية والتعليم، وكذلك بسبب الأهمية القصوى لهذا المجال بالنسبة لكل المغاربة على حد سواء.
وإذا كان الاهتمام والنقاش والتداول قد انصب على المستويات الإجرائية والعملية والميدانية للإصلاح، فإن المنظور السياسي العام وأسس ومنطلقات الإصلاح ذاته بقيت خارج نطاق هذا التداول، ويمكن أن يعزى ذلك إلى سببين؛ يتمثل الأول في اتفاق البعض كليا مع أسس ومنطلقات التصور الذي بني على أساسه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في حين يتجسد الثاني في انتظار استكمال الإصلاح واستنفاذه للوقت المحدد له سلفا، والمتمثل في عشر سنوات.
لكن بالرغم من الاختلاف في المواقع والمواقف، فالنقطة الإيجابية المسجلة في هذا المنتدى الوطني هو مشاركة الجميع في تقييم الحصيلة الجزئية والمساهمة في تقويمها، مع الاحتفاظ بالموقف العام إلى حين استكمال المهام والوقوف على النتائج النهائية، وهو تعبير عن بلوغ مرحلة النضج الكبير للفاعلين المغاربة والوعي الثاقب بخطورة المزايدة في ميدان التربية والتعليم.
أما على مستوى المضامين، فيمكن القول: إن جل المتدخلين والشركاء والمساهمين، على اختلاف انتماءاتهم ومواقفهم من الإصلاح ذاته، تمكنوا من تأطير أشغال المنتدى الوطني بأسئلة ومعطيات ومواقف تعكس فعلا الانشغال اليومي والعميق بالواقع التربوي التعليمي الملتبس على مستوياته الإجرائية والعملية والميدانية، في ارتباطه بمتطلبات وإكراهات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يعرفه المجتمع المغربي، كما أسلفنا الذكر، كما تمكنوا من التعبير عن الحس الوطني تجاه قضية مجتمعية أساسية ومركزية، ومن المساهمة في تجاوز المنطق الذاتي المنغلق على نفسه، في سياق استشراف مستقبل كل القضايا المجتمعية والوطنية المشتركة.
إلا أن الملفت للانتباه حقا، هو عدم حضور الأحزاب السياسية لافتتاح أشغال هذا المنتدى الوطني الهام، عبر تمثيلية قيادية وازنة، الشيء الذي يطرح أكثر من سؤال حول الدعم السياسي لهذا الورش المفتوح من طرف الجهاز الحكومي الممثل في السلطات التعليمية العليا، والمستأثر باهتمام كل الفاعلين والمتدخلين والمساهمين والمعنيين بإصلاح المنظومة التربوية/التعليمية.
 فهل يمكن اعتبار ذلك محددا بشكل كبير لاكتفاء خطاب العرش الأخير بالإعلان فقط عن تشكيل المؤسسة الدستورية الممثلة في المجلس الأعلى للتعليم؟
 وهل يمكن قراءة مثل هذا الغياب على ضوء ما تعرفه الساحة السياسية المغربية من اختزال الفاعلية السياسية في الحضور لتشكيل اللجان والمجالس والتسابق على احتلال مواقع الامتياز داخلها، دون الارتقاء إلى مستوى المشاركة الفاعلة في أشغال الملتقيات والمنتديات ذات الطابع العلمي والعملي في تدارس الإشكالات والقضايا المجتمعية العالقة؟
وإذا كان هذا هو حال "الفاعلين" السياسيين، فإن البعض قد تمكن فعلا من تجاوز صيغ الاكتفاء بالإعلان عن التشبث بالمبادئ والمواقف، وأساليب التعبير عن التمسك بالشعارات العامة والفضفاضة، والانتقال إلى مستوى المشاركة في المنتدى بأوراق موازية للمشاريع المقدمة من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، وهو ما يمكن اعتباره تحولا إيجابيا في طريقة عمل وأداء هؤلاء الفاعلين الاجتماعيين. والمؤمل هو تعميق هذا الخيار وترسيخه، وتجاوز أساليب الاكتفاء بالتركيز على الجوانب المادية والمطلبية من جهة، والخروج من دائرة استهداف الحصول على المقاعد من جهة أخرى، بالرغم من أولوية كل ذلك وأهميته في جدول أعمال مثل هذه الإطارات التمثيلية.
وإذا كان أداء بعض الفاعلين الاجتماعيين قد بدأ يشق طريقه نحو نوع من النضج والتعبير عن الإحساس بالمسئولية المشتركة بين مختلف مواقع الفعل، فالمطلوب من الجميع، وعلى الأخص الفاعلين الاقتصاديين الاهتداء إلى نفس طريقة وأسلوب العمل، حتى نتمكن من ربح رهان التحديات التربوية والتكوينية في أفق تحقيق التنمية الشاملة المتوخاة.
إن رهان التربية والتكوين بمغرب اليوم هو رهان التعبير القوي عن الانضباط للإرادة المجتمعية العامة، ورهان الإنتاجية والتدبير العقلاني، ورهان رد الاعتبار للمدرسة العمومية وطاقمها الإداري والتربوي. وهذه الرهانات لا يمكن مقاربتها إلا عبر مدخل التهييء القبلي والتعبئة الوطنية الاستثنائية الشاملة لاستنهاض المجتمع ـ بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية والثقافية وما تخزنه من طاقات بشرية ومادية ـ وجعله في قلب الاهتمام بإصلاح المنظومة التربوية/التعليمية، وفي صلب التعبير عن المشاركة والمساهمة الجدية والفاعلة فيما تتطلبه عملية النهوض بهذا المجال المجتمعي الحيوي.
ومن هذه المنطلقات، وترسيخا وإشاعة لثقافة النقد البناء الذي ينبغي أن يسود العلاقات التي تربط مختلف الفاعلين ببعضهم، لابد من التأكيد على أنه بالرغم من تعبير الجهات الرسمية، من مختلف مواقعها، عن الاهتمام بقطاع التربية والتكوين، وبالرغم من المجهودات المبذولة في هذه السنوات الأخيرة، وبالرغم من المهام المنجزة والمكتسبات المحصل عليها لحد الساعة، فإن النتائج الإصلاحية لا تزال بعيدة عن الانتظارات المجتمعية المأمولة، التي تؤطرها مجموع الأسئلة التي أوردناها في بداية هذا المقال، كما لا تزال بعيدة عن مهمة تكوين إنسان الغد المرتبط بوطنه والمستعد للمشاركة الفعالة في تنميته وتطويره، طالما لم يدخل الإصلاح بعد عقلية المعنيين المباشرين ـ أي المكونات الأساسية للعملية التعليمية/التعلمية ـ ومن خلالهم أسوار المؤسسات التعليمية، بمختلف أسلاكها.
فمنظومتنا التربوية ينبغي لها، بلغة الإرادة المجتمعية العامة، أن تكون منخرطة في قلب العصر الذي تعيشه بمعطياته العامة وجزئياته التفصيلية، وأولى أولويات هذه الإرادة هي أن يكون الغرض محددا في السعي إلى إسعاد الإنسان ذاته، وتركيز جهود كل الأجهزة الرسمية والشعبية لتيسير شروط أفضل لعيشه، بمعنى آخر؛ ينبغي أن تتحدد غاية منظومتنا التربوية التعليمية في توفير سبل تحقيق ظروف أفضل لأبنائنا، بما يجعلهم مؤهلين للقيام بمهامهم ووظائفهم في سياق الرغبة المجتمعية التواقة إلى إحداث تغير اجتماعي عميق يمكننا من الانخراط في عصر القرن الواحد والعشرين، ولن تتحقق هذه الغاية إلا بالعمل على الإذابة التدريجية للفوارق بين مختلف الفئات والشرائح في مجتمعنا، والاعتناء بالثروة العقلية الكامنة في أبنائنا، والاهتمام بتنشئة الأجيال الصاعدة، عبر جعل التعليم إلزاميا وإجباريا؛ فهو حق لكل فرد ـ مواطن ـ ومن الواجب على الدولة أن ترعى هذا الحق وتكفل للجميع تلقي الحظ والنصيب من هذا التعليم، وتتيح الفرص بشكل متكافئ لكل مواطنيها الصغار.
فالمؤسسة التعليمية، على الرغم من المجهود المبذول على مستوى تغيير مناهج وبرامج المواد التعليمية، إن على المستوى المنهجي أو البيداغوجي أو التقني والفني، لا زالت في منأى عن الدخول في أجرأة مستويات التفعيل العملي والميداني لاستهداف الغايات الأساسية الكبرى؛ من مثل: ترسيخ قيم المواطنة الحرة، وتنمية روح المسئولية، ودعم التنمية الثقافية، والعمل في سياق البناء الديمقراطي. كما أنها ـ المؤسسة التعليمية ـ لا زالت غير ملامسة لغايات ضمان التماسك الاجتماعي وصيانة الهوية الوطنية المتعددة الأبعاد، وبصيغة أخرى يمكن القول بأن المؤسسة التعليمية لا زالت على حالها، وغير مواكبة للاهتمام الذي يوليه لها المجتمع المغربي بمنظور إصلاحي.
فكل العمليات التربوية التي تقوم بها المدرسة المغربية، وبالأساس النتائج المحصل عليها في نهاية المطاف، هي المحددة والمترجمة لدرجات الاهتمام الذي توليه الدولة للناشئة المغربية كثروة بشرية، وهي الكاشفة لمدى حرص الدولة على الحفاظ على الناشئة وتمكينها من كل فرص النمو، حتى يستطيع المجتمع جني ثمار العقول حينما تنضج وتنتج، وتلك العمليات ونتائجها هي التي تعمل كذلك على تركيز كل خدمات المجتمع في اتجاه العمل على تنمية الثروة البشرية فيه.
وإذا كانت مهمة المدرسة تكمن أساسا في التأثير الإيجابي والمباشر في سلوك الأفراد تأثيرا معقلنا ومنظما، وفق ما يحدده لها المجتمع عبر السلطات التعليمية العليا، وإذا كانت وظيفة المدرسة تنصب بشكل رئيسي على سلوك الناشئة برمتها، وإذا كان مجهودها يقاس بمدى تحقيقها لمهمتها ووظيفتها؛ أي بمدى التغير الذي تنجح في تحقيقه في سلوك أبنائها، فإن كل ذلك، حسب واقع ومعطيات النتائج المحصل عليها في نظامنا التربوي اليوم، يجعلنا نجزم بأن المدرسة المغربية لا زالت لحد الساعة غير قادرة على تفجير كل الطاقات الفردية الممكنة وتحقيق الاندماج المجتمعي الضروري لكل تنمية شاملة، كما لا زالت بعيدة عن ممارسة التأثير المعقلن والمنظم في سلوك الناشئة لإكسابهم مقومات وخصائص التنشئة الاجتماعية المتوخاة.
هذا هو مربط الفرس. بمعنى آخر؛ هنا تكمن مهمة مختلف الأطراف المعنية بإصلاح المنظومة التربوية/التعليمية المغربية. وعلى الجميع أن يتعبأ ويقترح ويعمل على أساس بلوغ هذه الغايات المجتمعية الملحة، المتمثلة في إكساب الأفراد والجماعات المهارات والعادات التحصيلية والفكرية والاتجاهات التي تساهم في عملية التنشئة الاجتماعية.
وأخيرا، بالرغم مما يمكن أن يقال عن أهمية ومحورية الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الدولة في مثل هذا المجال، وبالرغم من المسئولية الملقاة على عاتق الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين تجاه مثل هذه القضايا، يمكننا أن نهمس في آذان مثقفينا وإطاراتنا الثقافية بضرورة العمل على إبداع طرق وكيفيات ووسائل جديدة، للمشاركة الفاعلة في تنشيط فضاءات المدرسة العمومية والنهوض بها وبحياة كل من التلميذ والطالب، والاشتغال على قاعدة ترسيخ القيم والمبادئ المحصنة للهوية الوطنية، لمواجهة واقع التنصل من ثقافة الالتزام والمسئولية، ولتربية الأجيال على التشبث بقيم المواطنة والوطنية، بالشكل الذي يجعل المدرسة العمومية مساهمة في بلورة وتطوير التواصل المنتج مع محيطها الخارجي.
ونحن إذ نركز على هذا النوع من الهمس، لا نعتبر ذلك من قبيل العمل التطوعي أو الترف الثقافي والفكري، كما قد يعتقد البعض، بل إنه أكثر ارتباطا بثقافة الواجب، الذي يحتم على المثقفين وإطاراتهم الانخراط، إلى جانب مختلف المتدخلين، في سيرورة تغيير واقعنا التربوي/التعليمي، بحكم ما يتوفرون عليه من قدرات وكفاءات قابلة للاستثمار في هذا المجال.
كما على وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي أن تولي عامل التحفيز المادي والمعنوي كامل الاهتمام، خاصة بالنسبة للأطر العاملة في مجالات التنشيط المدرسي والمؤسساتي بشكل عام، وأقل ما يمكن العمل به في أسرع وقت هو احتساب ذلك وإدخاله في ملفات أطرها المهنية، وأخذه بعين الاعتبار في أية عملية ارتقائية مهنية، حتى يوضع حد لنظام الأقدمية من جهة، ويتم القطع مع كل أشكال الزبونية والمحسوبية والقرابة وما إلى ذلك. وهذا الأسلوب في التعاطي مع الأطر التربوية والإدارية يدخل هو الآخر في إطار الواجب الوطني الذي تمليه ضرورة تغيير عقلية الأجهزة القائمة على تدبير وتسيير المنظومة التربوية/التعليمية وعنصرها البشري. ويمكن الحديث عن أشكال وطرق أخرى لتحفيز الإطارات الجمعوية النشيطة المساهمة في إعادة الحياة للمؤسسة التربوية وتنشيطها.
وبناء عليه، يمكن الجزم بأن إصلاح المنظومة التربوية/التعليمية مرتبط بالإقرار والضمان والإعمال للمبادئ والمنطلقات الموجهة للاختيارات الكبرى في مجال التربية والتعليم بالمغرب، وعلى رأسها مجانية التعليم وعموميته لضمان المواطنة للجميع، ولرد الاعتبار للتربية والتكوين كاستثمار ضروري لإنجاز النقلة النوعية المتوخاة، المتمثلة في تحقيق شروط التنمية الشاملة. كما أنه أشد ارتباطا بالفرد ذاته، من حيث الميول والرغبات والعادات والاتجاهات، والاستعدادات والقدرات والمهارات والخبرات ... من جهة، وبالمحيط الاجتماعي الذي ينمو فيه الفرد، بما يحتويه من طبيعة الجماعة والضغوط والجهود السائدة فيه، والتماسك أو التفكك الذي تعرفه الجماعة ذاتها، وروحها المعنوية وقوتها، وعواملها المساعدة أو المحبطة ... من جهة أخرى.
إن تماسك مجتمعنا المغربي متوقف بالأساس على طبيعة وشكل عملية التنشئة الاجتماعية الخاصة بنا كمغاربة، وكمساهمين في تحديد معالم وخصائص وأهداف نظامنا التربوي. فإلى أي حد تسهم المدرسة المغربية في عمليات تعديل السلوك الإنساني، انطلاقا من الربط الذي يتوجب أن يكون قائما بين النشاط التربوي من ناحية والتركيز على السلوك من ناحية أخرى؟



#سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقعية السياسية وواقع الممارسات الحزبية
- أي دور للدين في سياق التطور التنموي والديموقراطي الشامل؟
- هل العلمانية تعبير عن تحول دخيل منحرف ؟
- التيار السياسي الديني وإشكالية الجنوح إلى الإرهاب
- الديمقراطية بين:واقع التدين المصلحي ومطلب التغيير المجتمعي
- الفهم الساذج للهوية معيق للبناء المجتمعي وتحديثه
- حين تتحجر الأفكار أو تتطرف أو تحلق في الغيب
- تغيير المناهج التعليمية
- إصلاح التعليم الديني جزء من
- الجابري وإشكالية الفصل والوصل بين الدين والسياسة
- الحقل التربوي وإكراهات واقع التدين ومتطلبات إرادة التحديث
- القوى الديمقراطية بين واقع التدين ومطلب التغيير الاجتماعي
- الأحزاب السياسية وضرورة توفير مناخ المصالحة بين الفرد والمجت ...
- حين تتحجر الأفكار


المزيد.....




- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامر أبوالقاسم - مهام منظومة التربية والتكوين وتحديات التعبئة والإدماج الاجتماعي