أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آصف ملحم - عندما تنتصر البلادة السياسية؟!















المزيد.....

عندما تنتصر البلادة السياسية؟!


آصف ملحم
باحث وكاتب

(Assef Molhem)


الحوار المتمدن-العدد: 5808 - 2018 / 3 / 7 - 11:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكتنف السلوك السياسي الأمريكي، في السنة الأولى من حكم ترامب، لا حيلةٌ ولا غيلةٌ، بل جاء واضحاً بيّناً كوضوح الشمس في رابعة النهار، وهذا بحد ذاته مدعاةٌ للتأمل والدراسة والبحث في خلفيات ودلالات هذا الازدراء الأمريكي لباقي دول العالم.
وسنبدأ تحليلنا من القارة الأوروبية نفسها، أقرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فرضت الأخيرة، في آب الماضي، حزمة من العقوبات ضد روسيا أدّت إلى إثارة عدة ردّات فعل مستنكرة من المسؤولين الأوربيين. إذ أنّ الشركات الأوروبية العاملة في مشروع أنبوب نقل الغاز الروسي (السيل الشمالي-2) ستقع في مشاكل قانونية ومالية بسبب هذه العقوبات، إضافةً إلى خلق حالة من الفوضى في العلاقات التجارية بين روسيا وأوروبا. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة اقترحت شراء الغاز الأمريكي المسال، بدلاً من الغاز الطبيعي الروسي، إلا أنّ البنية التحتية في أوروبا غير جاهزة لاستقبال الكمية اللازمة، كما أن إنتاج الولايات المتحدة لا يكفي لسد الاحتياجات الأوروبية، هذا إضافةً إلى سعره المرتفع مقارنة بالغاز الروسي.
أما الأزمة السورية، فلقد أدّت إلى نتائج سلبية على حليفي واشنطن الرئيسيين في المنطقة، تركيا وإسرائيل. فبعد عدة سنوات من الحرب اضطرّت الولايات المتحدة الأمريكية إلى السير خلف الاستراتيجية الروسية في اتفاق مناطق خفض التصعيد، حتى أنّ المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم استغربوا السلوك الأمريكي، إذ عجّت الصحافة الإسرائيلية بالمناقشات المتعلقة بترك سوريا لـ (الروس والإيرانيين). إضافةً إلى ذلك، فلقد شهدت موسكو وواشنطن نشاطاً دبلوماسياً إسرائيلياً مكثفاً، حول ما تم تسميته بـ (الوجود الإيراني) في سورية؛ وعلى الرغم من (التفهم) الأمريكي للمخاوف الإسرائيلية، فمن الواضح أن الولايات المتحدة عاجزة عن فعل أي شيئ أمام هذا الواقع الجديد. أما تركيا، فلقد وجدت نفسها أمام مشكلة كبيرة، تتمثل بإمكانية انتقال عدوى الانفصال إلى أكراد تركيا، خاصةً بعد إجراء الاستفتاء حول انفصال الإقليم عن العراق في أيلول الماضي. وبالرغم من الفشل الأمريكي بإنشاء دولة كردية في كردستان العراق، فإن محاولاتها مستمرة عبر البوابة السورية، مما دفع تركيا مؤخراً إلى الهجوم على مدينة عفرين السورية بهدف القضاء على الجماعات المسلحة الكردية المدعومة من واشنطن.
وفي سياق الأزمة السورية، توالت الدلائل والشواهد، على لسان العديد من المسؤولين في روسيا وتركيا وسوريا ولبنان، على تورط واشنطن في دعم الجماعات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى سقوط هذا القناع المزيف في حربها ضد الإرهاب، وهي التي غزت ودمرت دولاً كاملة بناءً على هذه الحجج.
أما في الملف النووي الإيراني، فعلى الرغم من تعالي حدة التصريحات الأمريكية والإسرائيلية حول إمكانية إلغاء الاتفاق النووي، إلا أن تناقض هذه التصريحات يوحي بأن الموضوع لا يعدو كونه ضجة إعلامية، وتهدف هذه الضجة إلى ابتزاز إيران واستفزازها لا أكثر، فالاتفاق لا يقتصر على الولايات المتحدة لوحدها، بل هناك دول أخرى لا تنظر بنفس المنظار الأمريكي.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة استطاعت تحشيد بعض الدول العربية، بقيادة السعودية، ضد إيران ومحور المقاومة، الأمر الذي قاد إلى احتجاز الرئيس الحريري والضغط على مجلس جامعة الدول العربية لاستصدار بيان، يصف المقاومة اللبنانية، المتمثلة بحزب الله بالإرهابية؛ إلا أن بعض الدول العربية استشعرت حجم الأخطار المنتظرة إذا انزلقت دول المنطقة وراء الاندفاعة السعودية غير محسوبة العواقب. ولقد عبر الرئيس المصري في أكثر من مناسبة عن رفضه للحرب ضد حزب الله أو إيران، وأشارت بعض المصادر الصحفية إلى قلق الكويت والأردن مما تقوم به السعودية، كما أعلن الرئيس السوداني مؤخراً رفض بلاده إعلان حرب عربية ضد إيران. لقد لقي بيان الجامعة العربية عاصفة من الاستنكار الرسمي والشعبي وعلى جميع المستويات.
أما الملف الكوري الشمالي، والذي طغت أحداثه على الساحة في الآونة الأخيرة، فإن العجز الأمريكي فيه يبدو واضحاً، خاصةً بعد دعوة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، الصين وروسيا إلى اتخاذ إجراءات ضد كوريا الشمالة، بعد تكرار إطلاق الأخيرة للصواريخ البالستية.
وفي كانون أول الماضي عمدت إدارة ترامب إلى اتخاذ قرار بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، الأمر الذي أدّى إلى استفزاز مشاعر المسلمين والمسيحيين في طول العالم وعرضه، وخرجت المظاهرات المنددة والمستنكرة له في كل مكان. ورغم ذلك، استمرت الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، بطلب النصر بالجور؛ فلم تكتفِ واشنطن بإشهار الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الذي اقترحته مصر حول القدس، بل إنها عمدت إلى تهديد الدول التي ستصوّت لصالح مشروع القرار المقدّم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن لا بد من الإشارة إلى أنه لم يكن لتتجرأ الولايات المتحدة على مثل هذا السلوك، لولا تخاذل الأنظمة العربية الرسمية، فبالرغم من أن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية عادلة تمنح المجد والعزة للمدافعين عنها، إلا أن بعض العرب يجهد في تحويل حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم إلى ورقة للتداول في سوق الأوراق السياسية.
ولم تكد تمضي سوى بضعة أيام على قرار ترامب المشؤوم بشأن القدس، حتى جاءت الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي لتستكمل استفزاز بقية دول العالم، وتحديداً الصين وروسيا، حيث تم وصفهما بأنهما "تدمران الأمن والازدهار الأمريكيين".
على الجناح الصيني، لم يتأخر الرد كثيراً على الوثيقة الأمريكية، وجاء شديداً وحازماً، حيث دعا الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية واشنطن إلى (التخلي عن عقلية الحرب الباردة).
أما على الجبهة الروسية، حيث يبدو بوضوح أن الخطوات العملية لتنفيذ هذه الوثيقة بدأت بالفعل؛ إذ تتسارع وتيرة إنشاء البنية التحتية للدرع الصاروخية بشكل كبير في أوروبا الشرقية. ولقد وصف الرئيس الروسي بوتين، في اجتماع المجلس الموسع لوزارة الدفاع الروسية، في 22 كانون أول 2017، هذه البنية التحتية بـ "الهجومية"، فمنصات الدرع الصاروخية نفسها هي منصات متعددة الأغراض، وهذا يعني أنه يمكن استخدامها لإطلاق الصواريخ المجنحة ذات المدى المتوسط، الذي يصل إلى 2500 كيلومتراً. أما الرد الأقوى فكان بإعلان الرئيس بوتين في الاجتماع الفيدرالي، الذي انعقد في الأول من آذار الجاري، عن أسلحة متطورة جداً، تبدو أمامها الدرع الصاروخية الأمريكية عديمة الفائدة.
المفارقة المثيرة في المؤشرات والقرائن آنفة الذكر، هي أن واشنطن تضع نفسها في مواجهة مع أكثر من نصف العالم؛ في جبهة ممتدة من أوروبا حتى اليمن، مروراً بأوكرانيا والشرق الأوسط، ووصولاً إلى شبه الجزيرة الكورية. وواشنطن تبدو وحيدةً ومنعزلةً في جميع هذه الملفات؛ فالسير في تنفيذ سياساتها المعلنة سيُواجهه العديد من الصعوبات والمعوقات، يجعل تحقيقها ضرباً من ضروب المستحيل، في المدى القريب والمتوسط على أقل تقدير؛ إذ أن كلفة وتبعات هذه (المواجهات الجديدة) عالية للغاية! إذاً أين تكمن مشكلة أو مشاكل الولايات المتحدة الأمريكية؟!
لا مندوحة لنا، لفهم بعض الجوانب المتعلقة بالسياسة الأمريكية وآليات اتخاذ القرار في مؤسساتها المختلفة، من توضيح نقطة هامة، وهي أنّ لكل شيئٍ أو مفهومٍ أو قضيةٍ ماهيتان، خارجية وذهنية، فالخارجية هي الواقع كما هو، والذهنية ما يرتسم في أذهان الناس عن هذا الواقع، وهذا من القوانين المعرفية الصامدة والتي لا يشكُّ بصحتها ذو نسمة. وبغية الابتعاد عن الحزلقات الفلسفية، فمن المفيد تسمية الماهية الذهنية بالنموذج الإعلامي Information model، وهو بالتالي الصورة التي يتم رسمها للواقع، سواءً أكان معركة أو صراع أو دولة أو مجتمع، من قبل أي مراقب؛ و لا تتطابق، في الحقيقة، الصورة مع الواقع مهما بلغت براعة و نزاهة المراقبين. وبالرغم من أن النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية تدرك هذه النقطة جيداً، إلا أنهم، على ما يبدو، قد بالغوا بالعبث في النموذج الإعلامي المرسوم، متجاهلين النماذج الإعلامية الأخرى التي يقدمها الخصوم على الجبهة الأخرى، إلى درجة أصبحت فيها خططهم المرسومة منفصلة عن الواقع تماماً، لذلك نرى أن الخيبات، الواحدة تلو الأخرى، تلاحق سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في كل مكان من العالم.
فلقد فات الولايات المتحدة الأمريكية أن شعوب منطقة الشرق الأوسط، في نصف القرن الماضي، مرت بأهاويل كبيرة واستحقاقات سياسية صعبة ومعقدة، أُريدَ لها أن تكون آلامَ مخاضِ ولادةِ شرق-أوسطٍ جديدٍ، خاضعٍ للرغبات الأمريكية والإسرائيلية، فكان المولود جبهةً للمقاومة تمتد على طول العالم العربي، ولقد حظيت جبهة المقاومة هذه بالتفاف شعبي كبير، خاصة بعد معاركها المشرِّفة ضد التنظيمات الإرهابية في سورية ولبنان.
لقد سقط من حسابات واشنطن انكشاف وجهها الحقيقي أمام دول العالم، خاصة في حروبها التي أشعلتها أو حلولها المقترحة للصراعات المشتعلة، إضافةً إلى استثمارها الجماعات الإرهابية لتحقيق مصالحها الجيوسياسية، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة بدورها في السياسة الدولية، من قبل الخصوم والحلفاء على حدٍ سواء.
على هذه الخلفية، تعكس الإخفاقات المتتالية للسياسات الأمريكية درجةً متقدمة من العقم في الآليات السياسية القديمة، القائمة على تحقيق نوع من التناغم بين الملفات الداخلية والخارجية.
لذلك نرى بأن المقاربات الروسية في حل الأزمات السياسية الأقليمية بدأت تحظى بثقةِ العديد من دول العالم، وخاصة الدول العربية، لذلك رأينا في الأشهر الماضية نشاطاً دبلوماسياً كثيفاً باتجاه موسكو، تمثّل بزيارة العديد من المسؤولين العرب إليها، وتوقيع الكثير من اتفاقات التعاون المشترك، الاقتصادية والعسكرية أيضاً. ولقد لقيت هذه العودة الروسية ترحيباً كبيراً من قبل العديد من الدول، إذا يدرك القادة السياسيين في العالم أن اللامبالاة ستصبح خطأً استراتيجياً كبيراً عند وصول البلادة إلى دفة الحكم في دولة عظمى.
من هنا، فإن الحكمة تقتضي بأن تقوم الولايات المتحدة بإجراء مراجعة شاملة لطرقها وأدواتها في إدارة ملفات العالم، فقد تساعد هذه المراجعة في حل الكثير من المشاكل العالقة، فالعاقل يلجأ إلى قوة المنطق، أما الجاهل فيبقى أسيراً لمنطق القوة.



#آصف_ملحم (هاشتاغ)       Assef_Molhem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آصف ملحم - عندما تنتصر البلادة السياسية؟!