أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أحموم - العالم الخطير!















المزيد.....

العالم الخطير!


محمد أحموم

الحوار المتمدن-العدد: 5806 - 2018 / 3 / 5 - 17:58
المحور: الادب والفن
    


العالم الخطير!
قصة قصيرة

رسالة للعدم من الجنوب..

بمنزل مغروس فوق هضبة مرتفعة عن سطح المدينة، يخيل لي ويشخص أمام عيوني كل مرة حين أرتاد سطحه،منظر مدينة على شكل كتلة من المباني السكنية المكدسة في بقعة صغيرة تتقاسمها ضفتي نهر بالصحراء أو بالآحرى بوابة الصحراء..

شكل وجغرافيا توزع منازلها يشعرك كأن حنيناأوخوفا غريبا هو من جعلها تبنى بهذا الشكل وتقترب ويحتضن بعضها البعض بهذا المنظر المكدس الفوضاوي..

مدينة منغرزة بين هضبتين، يفصل بينهما نهر بن خليل،مدينة جعلتها الجغرافيا والسياسة والتاريخ والإنسان أشبه ما يكون بسجن يقتل الآمل ويلتهمه بشراهة كل يوم ودقيقة وثانية على شاكلة أفول غريب، بعيون وملامح الأطفال السمراء، والنسوة، العجائز منهن والتي لا زالت بسمتهن تتلبسها الفتوة وتتزين بالملحاف..

أرض كم سأكون مفتخرا ومحتفيا بذاتي لأبي، إن إستطعت أن أغرس في مكان ما من أزقتها وشعابها وردة أمل قبل أن أرحل عنها،مدينة سجن تتكدس في جوفها المائل المقعر بيوت سكنية ومحلات لبيع السلع المهربة، كما بالسجون الحقيقية داخل أسوارها وسكانها وحرسها ومجرميها وأبوابها الفولاذية العملاقة،خوف أو حنين يكسوا المنازل في زخرفتها وتجمعها، خوف وحنين قد يكون من ماضي أو مستقبل على ما يبدو،إحساس أجهل لم يحضر بعقلي حين أتأملها كل مرة!

بمنزل نافذته من زجاج قد تحدق منه خارجا و بالعالم الخارجي من دون أن يتحسسك من قد تخضعه للمراقبة اللصيقة،بعيون طبيب مراقب من وراء زجاج مختبره بنظاراته ونظراته الجامدة المسلوبة الإحساس ،التي تركز بشكل رهيب على تفاصيل سلوك وكل حركة مهما خفتت وخفت لفأر تجربته، بلا مشاعر تذكر وفي سكون وجمود تام و حركة عيون تلاحظ بشكل ثاقب كما ترقب الحدائة فريستها فوق علو شاهق..

أرمق وأراقب مفعما بالغضب،طفلا أيقظني كما عادته السيئة كل يوم ،بضجيج ودوي عجلات دراجته، ثلاثية العجلات، المصنوعة من البلاستيك الصلب الأسود التي تخيل كذبابة تنشر الرعب وشهقات المدفع بأذني بصوت عجلاتها،دراجة أطفال صغار يبدو أنه ورثها من أخت تصغره أو أنها كانت له حين لازال صغيرا ورافقت لعبه حتى بكبره لأنه لم يجد غيرها،كما أغلبنا الذي ورث المآسي والآلام فقط من هذا الوطن،ورثنا قصاصات الطاعون والمجاعة وبوحمارة والإستعمار وبعده الإستحمار والظلم والقساوة ولم نرث لا عالم ديزني ولا لعب الأطفال بشعرهم الحريري في جمال الحقول ومشاهد الطبيعة الرومانسية، ولدما بلا حق يذكر، سوى الحق في عيش المأساة بلهفة تزداد يوما بعد يوم..

لم نرث سوى الهامش والصراخ من جدامه وقذارته وحثالته وظلمه ورعبه وقتلته ومجرميه الخطيرين جدا، الذين لا زال أغلبهم يقضي عقوبات سجنية متفاوتة السنوات والأعمار،كأننا أطفال جاءوا لهذا العالم من عالم الجحيم والشياطين المخيفة بسلاسلها وعصيها الغليظة المشوكة بإبر من فولاذ كانت تعذب بها كائنات ما في عالم آخر وجاءت لهذا العالم الثاني لتتعذب كدين من عذاب أزلي لها وفي حقها ،لأننا لم نرث سوى كل أصناف الوحدة والألم الذي صنع منا إرادة من حديد والهروب والآهات والبكاء على أطلال انكسار وضياع الطفولة والرشد والبلوغ وحين يهن العظم والعقل في هذا الوطن السجن الذي نعيش فيه السراح المؤقت فقط..

مثل هذا الطفل بالضبط الذي سرق منه شياطين عالمنا هذا ،رجال السياسة والمال،سرقوا منه لعبته، ومن آباءه مايشترون له به دراجة تليق بسنه وعضلاته وكبر رجليه التي يضعها فوق مقود دراجته الذبابة حين يهم أحد رفاقه الذي غالبا ما يدفعه مرغما، لصغر سنه أوخوفه منه ومن عيونه الماكرة التي تبرق بالقساوة التي علمتها له إياه الحومة والحارة ولم يتعلمها بعد أقرانه الذين يصغرونه سن..

فالأقوياء سرقوا منه ومن أطفال كثر أمثاله ومن كل أطفال هذا العالم الذي غذى خطيرا جدا لعبهم ودراجاتهم الهوائية ذات عجلتين فقط من المطاط عوض ثلاثة، مزعجتان ومنغصتان علي هدوئي وعليه أحلامه التي تنتظر منه أن يفرغ ويفجر فيها إحساسه ببداية قوة وصلابة عضلاته و عظامه التي اشتد عودها كما يتحسس ذلك من عمره..

حين أسمع قدومه أتخيل دراجته قدوم واتجاه آلة عملاقة لصنع الضجيج بالزقاق، مع أنها صغيرة الحجم وبهيكل يختلط فيه البلاستيك بالحديد،صغيرة مقارنة مع جسده وطول أطرافه ، يغريه وقوفه فوق كرسيها الإسفنجي فيصرخ في أحد رفاق جماعة اللعب ليدفعه من أعلى زقاق الحارة باتجاه منحدره المتدلي من فوق هضبة الحي، ليصرخ فرحا وانتشاءا كلما ازدادت سرعة دراجته الصورصورية الشكل اتجاه أسفل الزقاق ،غالبا ما يستعبد رفاقه ويمنعهم من الركوب فوق دراجته الصغيرة بل وقد يفسد عليهم ألعابهم التي ينعزلون بها عنه أثناء غيابه وقبل رجوعه ليعيد الكرة و يأمرهم كي يعيدوا عليه معايشته لإحساسه وانتشاءه وصراخه ذاك..

كان لعبه ومتعته رهينة بعلاقة السيطرة التي تربطه بأقرانه.. كما بهذا العالم الذي نعيش فيه..

أي الأقوياء يستعبدون الضعفاء، يهددونهم بشكل دائم ويستغلونهم بشكل متوحش ورهيب ،حتى تنتفي مع وحشيتهم وتسلطهم إرادة وأبسط رغبات الضعفاء،كل ذلك من أجل متعتهم الأنانية العمياء،وبمجرد ما يفكر أن يتمرد أحد الضعفاء يغلقون أفواههم بكسرة من الخبز أو شربة عصير بارد منعش جزاء لهم على عبوديتهم كما يفعل عادة هذا الطفل مع أصدقائه..

صوته المدوي مزعج لأبعد حد ،لأنه ينغرز في الآذان كما الشعرة بالحليب ويذوب ولا تستطيع التخلص منه، إلى درجة أني أنتظر معه دوري باللعب بذبابته وأتقمص معه لعبه رغم أني أكون أناضل من أجلي أنام فوق سريري الصامت بهذه الغرفة الهادئة،عند بداية كل نزول أوصعود له من فوف أو تحت هضبة الزقاق، مع كل ما يحسه من لعبه، كأن الزمن رجع بي لألعب وألعب معه بشبحيتي التي لا يبصرشبحها وهو يلعب معه.

هممت أن أفتح باب النافذة لكن تخشبت يدي ومعها عيوني فجأة ،وحضرتني أفكار يلطم ضجيجها بعضها البعض داخل عقلي وكياني ،حتى تملكني جبروتها وقطع أوصال أنفاس أفكار غيرها وخارجة عن مملكة ألامها الوجودية..

ليحضرني مع هذا كله ابني في العدم..

كحضور نسجت عيوني جسد حضور غيابه بين عيون، التي كلما حدقت في انعكاسها الشبحي، بقوة بمرآة نافذة منزلي، الذي ولفت فيه أن لا يزعج فيه إنسي ولا جني ولا صديق ولا عابر بلاد ومدينة أوفج، عيشي ومناجاتي ومحاججة أرواح الأموات بين صفحات الكتب والجدران..

أصدقاء ميتون لكنهم أحياء،تشع الحياة بأفكارهم،كل حسب انتماءه لمجاله، علميا كان أو فلسفيا أو دينيا أو فنيا ليحضرني مع كل ذلك ،ضجيج أفكار أخرى اختلطت مع هذا كله من قبيل: حق الطفل في اللعب،الزواج،الأنثى،السياسة،التربية،العلم،السلام والحرب،الثورة،السجن،التعليم،الصحة،الدين،الأبوة،الأمومة،ازعاج طفل صغير يزعج كائنا ليليا عند كل ظهيرة،حين يهم أن ينام ليستيقظ الليل كله يناجي الأشباح..

حتضنني العالم ولم يعرف عقلي إلى أين يتجه...؟

حدقت في انعكاس وجهي على زجاج النافذة وتماهي صورة طفل صغير معه فيها،تأملت عيوني وعيونه ،نظراتي الغارقة في الحزن ونظراته الحزينة، وتذكرت عيون طفل صغير بالعدم ،يجلس فوق هضاب في الجنة كأطفال الملائكة مدام هناك،بريئ بعيون سوداء يحدق بي،وكلما تسمرت البسمة في وجهه تمخضت منها رهبة واستفزاز رهيب و غريب،ابتسامة تدوي بقلبي لتنفجر انفجارا مدويا ينساب منه غبار مشاعر الأبوة،لأحدث يا بني في العدم:


لا شيء جميل في هذا لعالم الخطير..

بل كل شيء مخيف ومرعب،لأنه عالم تحول إلى لعبة للبلايستيشن في أيادي الأقوياء الطفوليين،فالأخبار كل يوم تتناسل وتزرع في قلوبنا الرعب لأن كنذير شؤم تقول أن كيم جون يملك زر الضغط على صواريخ قادرة على الوصول لكل بقاع العالم وحمل قنابل عنقودية تستطيع أن تمطر أي أرض شاء ،توجد تحت سريره وبمجرد ما يحلم حلم شؤم بترامب حضره بمنامه فإنه سيفزع ويضغط ويحرقنا جميعا..

وأن ترامب يقول أنه يملك زرا أكبروأعظم دمارللعالم وهو منتشي ،زر أضخم قنبلة نووية عرفها العالم بمكتبه متوعدا العالم كله في كل مناسبة بسياساته إما أن تكون عبيدا لما أو نحرقكم جميعا،وأن بوتين أيضا يملك زر طائرات تستطيع الغوص تحت الماء لتخرج لنا كأسماك القرش لتحرقنا نحن الضعفاء وحثالة الحضارة، وصواريخ قد تحمل عشرين قنبلة نووية وترميها في أي مكان بالعالم،هذا الزر يقول أنه بحديقته، وسيأمر كلبه الذي أخاف به ميركل ليضغط عليه كي يتخلص العالم من ضعفاءه كما يطرد الجسم ميكروباته وجراثيمه الميكروسكوبية..

فالأقوياء جدا،عادة ما يكونون ساديين جدا،كما يحدث بهذا العالم الخطير..

لذلك يا بني ابق بالعدم..

أعدك أني سأكون حذرا جدا و خائفا لأبعد حد قدر خطورة هذا العالم،كي لاأرتكب حماقة خروجك من عالم الجنان وسلام العدم إلى عالم العبودية التي لا تليق بك،فالعدم أرحم من هذا الكوكب الذي يتسيده الأقوياء والمليئ بصرخات الضعفاء..

عالم لا تستحق أن أجعلك فيه مجرد رقم عبد جديد بين أرقام لا ثابتة،لا أريد أن أصنع لك دور العبد وأنا أكذب عليك بالآمل الموهوم، لأنك سترث ما ورثه الطفل مع دراجته ..

وترث ما ورثه كل الناس الضعفاء من أوطانهم..

فلن ترث من كل شيء أي شيء..

إلا الوعود الكاذبة التي ستصنع منك أكبر كذاب في عيون الحقيقة والعالم والأجيال اللاحقة..

فلاشيء ينذر بأمل لهذا الكوكب إلا القتل والحروب والدمار والأمراض والقتل من أجل الماء والأوكسجين النقي ،حرب سيكون وقودها الضعفاء أولا ثم يتبعهم الأقوياء فيحترق كل شيء،لأن هذا العالم يملك مفاتيحه الأقوياء المستعدين لحرق كل شيء،حرق حتى أنفسهم معنا في النهاية..

لذلك يا بني ابق في العدم ..لكي لا تؤدي الكائنات الليلية مثلي، كما يؤذيني هذا الطفل الصغير مع دراجته بهذه المدينة والوطن السجن، فلن أصنع لك سجنا من بلور يا عزيزي..
فهذا العالم لن ينقده رجال الدين بالمعابد بمواعظهم الأخلاقية.. ولا الشعراء بشعرهم.. ولا الفلاسفة بفلسفاتهم ولاالحكماء بحكمتهم.. ولا السياسيين بخبثهم..ولا الضغفاء بصراخهم..ولا نبؤات المفكرين ورجال الإقتصاد والسياسة..ولا الأدباء بأدبهم.. ولا أي شيء فالعدم أرحم من هذا العالم الخطير لك يا صغيري..



#محمد_أحموم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيداغوجية الطنزولوجي!
- المبدأ الأول لمذهب اللاعنف الثوري!
- الروح بوصلة العقل!
- حينما تحرق الدولة نفسها!
- أسطورة السكان الأصليين
- التشيع سيغزوا العالم الإسلامي!
- الرحمة في العقل والإرادة!
- القطة ميميس
- الإسلام مشكلة, لكن أين؟
- التطرف بين المقاربة الأمنية والعلمية
- لا وعي النص,مقاربة التحليل النفسي نموذجا..
- احتضنا أيها الموت
- أيها الفلاسفة,أيها السيكولوجيون,أيها السوسيولوجيون أنقذوا ال ...
- قلم ينزف
- بحثا عن بديل


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أحموم - العالم الخطير!