أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سليم زاروبي - المرأة هي المستقبل















المزيد.....

المرأة هي المستقبل


سليم زاروبي
عالم فلك فلسطيني متخصص في دراسة فيزياء الكون

(Saleem Zaroubi)


الحوار المتمدن-العدد: 5804 - 2018 / 3 / 3 - 19:53
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يُخيّل إلى معظمنا أنّ العنف أصبح في عصرنا لغةَ الحوار، وأنّنا قد استبدلنا حكم العقل والقانون بشرع الغاب لنقتل بعضنا في وضح النهار. كما يُخيّل إلينا أنّ شيئًا واحدًا لم يتبدّل فينا وبقي على حاله منذ أقدم الأزمان، فما زلنا نحتفظ بأشنع جرائمنا في المرأة! كلّ شهر، تقريبًا، يأتينا خبرٌ يزعزع الأبدان، عن مقتل فتاةٍ في عمر الورد، جريمتُها التي لا تُغتفر أنّها أحبّت، أو امرأةٍ راحت ضحيةَ زوجها لأنّها أُجبرت على أن تبقى معه من قبل أقرب الناس إليها، وغيرها من أتفه الأسباب. وعند سماع الخبر نصرخ جميعًا بغضب واستنكار، متسائلين بذهول وحيرة: كيف يمكن لأبٍ أن يقتل ابنته، أو لأخٍ أن ينحر أخته، أو لزوجٍ أن يسلب أولاده أمّهم؟! إلّا أنّنا ننسى أنّ أشنعَ جريمة نرتكبُها بحقّ المرأة ليست قتلَ جسدها بل هي أذلالُ روحها وكبتُ طموحها وحدُّ حريّتها وسلبُ استقلالها. ذلك لأنّنا عندما نقتلها، تموت المرأة مرّة واحدة، ولكن عندما نقمعُها تموت كلّ يوم ألفَ مرة.

ولكن، هل هذا هو حقًّا كلُّ ما نراه يحدث حولنا؟

بالرغم من المقدّمة التي تبدو متشائمة، في الحقيقة، رسالتي في هذا المقال تعكس رؤيتي المتفائلة للمستقبل، وبالذات في موضوع المرأة ومكانتها في مجتمعنا الفلسطينيّ في الداخل. إذ إنّنا نشهد موجتين بارزتين من التغيير؛ فمن جهة، نشهد ازديادًا كبيرًا في التعامل غير الحضاريّ مع بعضنا البعض، ينحى في كثيرٍ من الأحيان إلى عنف أخلاقيّ، فكريّ وجسديّ، وبالذات ضدّ المرأة. لكنّنا نشهد من جهة أخرى هبّةً ثقافيّةً وفنيّةً واجتماعيّة وفكريّة غير مسبوقة تعكس قفزةً نوعيّةً عميقةً جدًّا تتبوّأ فيها المرأة موقعَ الصدارة، ووجودها في جميع أوجه هذه النهضة بارز وأساسيّ، وهذان، إلى حدٍّ كبير، وجهان لنفس العملة!

كي أب يّن ما أقوله فيما يتعلّق بالمرأة، أُعدِّد هنا بعض الظواهر والتغيّرات الأساسيّة التي لا يمكن إنكارُها، والتي تدلّ بشكل واضح على هذه الانطلاقة العامّة وعلى حصّة المرأة فيها. في العقود الأخيرة، ازداد دور المرأة في سوق العمل، وأصبحت نسبةٌ كبيرةٌ من النساء المعيلَ الثاني في الأسرة والذي لا يمكن الاستغناء عنه، وفي كثير من الحالات، أصبحت حتّى المعيلَ الأوّل. كما أنّ وجودها في سوق العمل تجاوز الأعمال العاديّة، فأصبحنا نراها رائدة في الإنتاج والإبداع والأعمال النوعيّة، تلك التي تحتاج قدراتٍ ومهاراتٍ خاصّة، فهي القاضية والعالمة والمعلّمة والأديبة والناشطة السياسيّة وصاحبة شركة الهاي تك والقائدة السياسيّة والمهندسة والطبيبة وغير ذلك. بل غدا وجودها في هذه المجالات حاصلًا بتسارع مذهل يثير الإعجاب، وجودٌ ملحوظٌ لا يقتصر على فئة اجتماعيّة، أو دينيّة، أو سياسيّة، أو عائليّة معيّنة، ولا على منطقة جغرافيّة محدّدة، بل نشهده في الجليل كما في النقب أو المثلث أو المركز.

أحد أبرز الأمثلة على هذا التغيير الجذريّ هو نسبة الطالبات العربيّات في الجامعات. إذ أذكر، منذ أيّام دراستي الجامعيّة في سنوات الثمانينات، أنّ عدد الطلاب العرب في معهد التخنيون كان حوالي ال-450 طالبًا، منهم ما لم يزد عن 120 طالبة، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الرقم ليس رسميًّا، بل كنّا نحصل عليه عن طريق إحصاءٍ تقوم به لجنة الطلاب العرب في كلّ عام، أي كانت نسبة الطلاب العرب في هذا المعهد لا تتعدّى ال 2.5 ٪ من الطلاب عامّة، ومن الطالبات حوالي ال 0.5٪ فقط. أمّا اليوم فنسبة الطلاب العرب تراوح ال-20٪، وأكثر من 50٪ طالبات (في السنة الأخيرة نسبة الطالبات العربيات الجديدات في التخنيون هي 60٪ من مجمل الطلاب العرب). هذا الرقم هو مثال عامّ لما يحدث في سلك التعليم العالي وفي جميع مجالات التعليم تقريبا؛ أي أنّنا في العقدين القريبين سنرى ازديادًا ملحوظًا لوجود المرأة في الوظائف والأعمال النوعيّة في المجتمع.

ونرى هذه التقدّم أكثر وضوحًا بين الأجيال الأصغر، أراه جليًّا في زياراتي للمدارس ومن خلال علاقاتي الشخصيّة (لدى أولاد الأصدقاء والمعارف)، ففتيات هذا الجيل ملتزمات بالتعليم بشكل واضح − وربّما كان هذا الأمر دائمًا صحيحًا − وهن ذوات طموح عال وأهداف كبيرة، يضعن أمام أنفسهنّ هدف تحقيق ذواتهنّ، بكلّ ما في الكلمة من معنًى، إذ يتجرّأن على رؤية الأحلام الكبيرة حدودها، غير مكتفيات بتكوين العائلات أو بتحقيق إنجازات صغيرة محدودة.

فضلًا عن ذلك، تشهد أيّامنا حركة ملحوظة وقفزة عظيمة، على صعيد عالم الكتّاب المحليّ، بعد ركود دام سنين طويلة، وأرى بهذه الحركة شهادة أخرى على هذه النهضة التي نعيشها. وللمرأة في هذه النهضة حصّة كبيرة، إن لم تكن حصّة الأسد. وقد يكون هذا مؤشّرًا أكثر أهمية من عدد النساء في المجالات المهنيّة المختلفة، أو من نسبة الطالبات الجامعيّات في المعاهد العليا، ذلك لأنّ الكتابة ليست مهنةً فحسب، بل هي تصريح جريء للكاتب يبسط من خلاله أفكاره للمجتمع ويطرحها كمنافس لقيادة المجتمع الفكريّة والثقافيّة. وبآليّة الكتابة تطلق هؤلاء الكاتبات صرخة تحدٍّ لسلطان الرجل على عالم الأفكار!

لا يمكن لهذا التغيير أن يحدث من دون شعور المرأة بتمكين الذات الذي ينبع من قوّة استقلالها الاقتصاديّ والفكريّ والاجتماعيّ، ومن إنجازاتها الفرديّة والجماعيّة، أي من شعورها العميق بالحريّة. ما يميّز ما نمرّ به هو أنّ هذه الحرية غير مصحوبة بشعور انعتاق واغتراب عن المجتمع، بل تعكس تغييرات أساسيّة وحقيقيّة يمرّ بها مجتمعنا بمجمل مركّباته وفئاته.

ليس غرضي من قولي هذا أن أجمّل الواقع، فأنا أوّل من يعترف بأنّنا ما زلنا في أوّل الطريق، إذ ما زال العنف بكلّ أشكاله، وبالذات تجاه المرأة، جزءًا من واقعنا اليومي الأليم. فمن ناحية، هناك عنف "باب الحارة" التقليديّ الذي يمارس ضدّ المرأة من قبل جزء من الرجال من منطلق قوّة، أو بالأصحّ، من منطلق وهم القوّة. ومن ناحية أخرى، نحن نشهد عنفًا من نوع آخر آخذ في الازدياد، عنفًا أشرس، يأتي من ضعف. هو ضعف الرجل التقليديّ الذكوريّ المغلوب على أمره إزاء التغييرات الجامحة التي تعتري مجتمعنا، في حين هو يتشبّث بمسلّمات وفرضيّات اجتماعيّة أكل عليها الدهر وشرب. يرفض هذا الرجل الذكوريّ الضعيف، أو بالأحرى العاجز، أن يلائم نفسه لهذا التغيير الذي يوجب رفع المرأة من مستوى "العورة" و"الوصاية عليها" إلى مستوى الندّ المكافئ. إذ هو، بحسب منطقه، يخسر "حقّه" الطبيعيّ في السيطرة في المجتمع، وذلك يزيده عنفًا، لا سيّما اذا كان ضعيفًا لا يدري ما يعمل!

ما تقدّم بالطبع لا يشمل كلّ الرجال، فمواقف الرجال تتراوح وتغطّي طيفًا رحبًا من الآراء والممارسات، تتراوح بين الرفض كليًّا لتحسين مكانة المرأة من جهة، إلى دعمها، قولًا وفعلًا، بدون حدود، من جهة أخرى. فكما في كلّ شيء في الحياة، الصورة مركبّة ومليئة بضروب وألوان مختلفة، ولا تقتصر على الأبيض والأسود. والحقيقة أنّ ما يثلج الصدر هو أنّ جزءًا كبيرًا من الرجال في مجتمعنا، بحسب تقديري، يحتضن هذا التغيير في مكانة المرأة ويشجّعه، بل ويرتقي ويتغيّر معه. وأرى أنّ النهضة الحاصلة في مجتمعنا لا تقتصر على النساء، بل تحدث في مجمل مركّباته، ولكنّ تطوّر مكانة المرأة هو أوضح الأمثلة على هذا التغيير.

الحريّة لا تتجزّأ، ولا يمكن لأحد أن يقصرها على فرد أو طائفة، أو عرق أو جنس. ومن يفعل ذلك فهو لا يملكها، و"حريّته" مجرد وهم وسراب. هذا ينطبق على المجتمع الذي يمنع الحريّة من شعب آخر، وعلى المتزمّت دينيًّا الذي يحاول فرض معتقداته على غيره، وعلى الرجل الذي يقمع المرأة، الخ. هؤلاء كلّهم عبيد عنصريّتهم (فئويّـتهم) وقيمهم المشوّهة وعاداتهم المتحجّرة، وهم مجرمون بحقّ غيرهم، كما هم مجرمون بحقّ أنفسهم (وطبعا أنا لا أُساوي بين الضحيّة والجلاد). هذا ما فهمه الكثير من المفكّرين ورجال السياسة العظماء. إذ لا يمكن لمن يمنع الحريّة عن الآخرين أن يكون حرًّا، كما لا يمكن لمن يقمع الإنسانية أن يكون إنسانيًّا. هذا صحيح في كلّ شيء، وبالذات في قضيّة المرأة وحريّتها.

أردت في هذا المقال القصير أن أشير إلى أنّه بالرغم من السواد الحالك الذي يحيطنا، هناك مصابيح نور عديدة تبعث الأمل. أهمّ هذه المصابيح وأكثرها إشعاعًا هي المرأة، التي في حصولها على حريّتها تُضيء لنا طريقَ المستقبل وتحرّرنا جميعًا من زنزانة تعصّبنا وتزمّتنا. ومع هذا، فما زالت هذه الطريق مزروعةً بالمصاعب ومليئةً بالتحدّيات والخطوات الفاشلة وحتّى المآسي. والاستمرار في هذا الطريق غيرُ مفهوم ضمنًا، ولا يأتي من دون صمود ومثابرة وإصرار وتضحيات. هذا هو ثمن الحريّة. ودورنا جميعًا هو دفع مسيرة حريّة المرأة إلى الأمام لأنّها أهمّ مؤشّر ونبراس ومحرّك في طريقنا نحو النهوض بمجتمعنا!



#سليم_زاروبي (هاشتاغ)       Saleem_Zaroubi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة العلمية الغربية وعلماء العرب
- بين اللانهائي والمحدود في فهم الكون
- هل هناك حياة ذكية غيرنا في الكون؟
- أتسمح لي بسؤال: هل أنت مسلم أَم مسيحي؟ قصة ووجهة نظر (الجزء ...
- أتسمح لي بسؤال: هل أنت مسلم أَم مسيحي؟ -- قصة ووجهة نظر (الج ...
- مئة عام على النظرية النسبية العامة لأينشتاين
- الدين وصناعة العلم


المزيد.....




- دراسة: الوحدة قد تسبب زيادة الوزن عند النساء!
- تدريب 2 “سياسات الحماية من أجل بيئة عمل آمنة للنساء في المجت ...
- الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري
- -اغتصاب الرجال والنساء-.. ناشطون يكشفون ما يحدث بسجون إيران ...
- ?حركة طالبان تمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس
- -حرب شاملة- على النساء.. ماذا يحدث في إيران؟
- الشرطة الإيرانية متورطة في تعذيب واغتصاب محتجزات/ين من الأقل ...
- “بدون تشويش أو انقطاع” تردد قنوات الاطفال الجديدة 2024 القمر ...
- ناشطة إيرانية تدعو النساء إلى استخدام -سلاح الإنستغرام-
- شوفوا الفيديو على قناتنا وقولولنا رأيكم/ن


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سليم زاروبي - المرأة هي المستقبل