أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهور العتابي - كرم الموقف .....















المزيد.....

كرم الموقف .....


زهور العتابي

الحوار المتمدن-العدد: 5804 - 2018 / 3 / 3 - 02:51
المحور: الادب والفن
    



قادتني قدماي في صباحات أحد الأيام إلى أحد المكاتب للتحويلات المالية (شركة الطيف ) في مدينة الكاظمية...حيث اعتدت بين فترة وأخرى ان أبعث ما تيسر لي من المال لولدي الذي يعيش حاليا في أميركا مع العلم انه والله لم يطلب ابدا ... بل أحيانا يصر ان لا ابعث لكني كأم وقلب الأم كما الكل يعلم دوما مع أبناءها ... فكيف لمن يعيش في غربة وبعيدا عنها !؟ انا واحدة من جمع كثير من العراقيين ..انها ذات المعاناة...وذاك وضع طبيعي نتيجة لما حدث ويحدث لهذا البلد من تداعيات وظروف جعلت الكل يبحث عن الخلاص للاسف الشديد .....
من المعروف وفي زمن النظام السابق ان من كان له ولد او احد الاقارب في الخارج يكون محسودا من قبل الجميع لانه بين فترة واخرى يستلم حوالة ..مبلغ من المال يساعده لتمشية اموره وتحمل اعباء الحياة التي كانت صعبة انذاك لاسيما في زمن الحصار . .فمبلغ ٢٠٠ دولار كانت تعني شيئا و تسعد صاحبها ...الان تغير الحال ...اصبحت العملية معكوسة الأهل في العراق هم من يبعثوا إلى اولادهم ... وهذا ما لمسته من خلال زياراتي المتكررة لمكاتب التحويل .. طوابير طويلة من الناس تأتي منذ ساعات الصباح الاولى وقبل ان يفتح المكتب حتى وتقف طويلا في انتظار ان يأتي دورها للوصول الى الشباك... وأغلبهم ( يحوّل ) القلة القليلة والتي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة هي من تستلم... بما فيهم أولئك الذين يعملون في العراق من الجنسيات مختلفة ..من ماليزيا..الفلبين ..الهند و..و .. الكل يبعث ....
المهم ذاك اليوم ذهبت كعادتي لكني تفاجئت ان الإعداد كانت اكثر من ذي قبل ربما كوني وصلت متأخرة بعض الشيء !! لا ادري ...وكان تسلسلي هذه المرة (٦٨) مما تطلب مني الانتظار ..فاتخذت أحد الكراسي تلك التي هيئها صاحب المكتب لجموع المراجعين....ما ان جلست ..( الله بالخير) سمعتها من رجل يجلس بقربي ..رددت بهدوء ..الله بالخير شكرا جزيلا ..استطرد
...اختي انت ايضا تبعثين مثلنا لو تستلمين ؟..قلت.. لا والله حجي ابعث لابني...
بالطبع نحن كثيرا ما نلتقي بمثل هؤلاء الناس وننزعج من تطفلهم احيانا ... لكن هذا الرجل استوقفني فعلا ...كان رجلا وقورا في أواخر السبعينيات من عمره ضعيف الجسم ...متعب لكن مع هذا يشعرك انه مميز من خلال هيبته...كلامه .. لباسه ...مرتب ..بالغ في اناقته ( قاط مع بلوزه وربطة عنق رتبت بعناية وحذاء غاية في اللمعان ) اضافة الى انه يتكلم بطريقة لطيفة مؤدبة لا تخرج عن حدود الأدب و لاتخلو من الكلمات النحوية السليمة...لا اخفي سرا ان قلت اني لم امتعض ابدا من كلامه معي طيلة فترة الانتظار كونه يستحق الاحترام... ثم اني أدرك جيدا ان الأنسان في هكذا عمر يحب الكلام الكثير ...يتكلم عن نفسه ..ذكرياته...لذا لم أشعر بالاستياء منه أبدا ...مافهمته منه انه جاء ليبعث لولديه أحدهما يعيش في الدانمارك ...والاخر في أستراليا وكل منهما له بيته واسرته ....ولديه بنت ايضا تعيش في دولة أخرى لا أذكر بالضبط اين ... وهو الان يعيش لوحده في مدينة الاعظمية ..زوجته توفيت قبل سنوات و قبل سفر أولاده الثلاثة كما قال و ان لديه بنت اخرى لازالت في العراق لكنها تسكن مع عائلتها بعيدة عنه وتعوده بين فترة وأخرى وتسال عنه ...تعاطفت معه وتالمت فعلا لحاله ..قلت له اليس غريبا أن تعيش وحدك وانت بهذا العمر .و.و.قاطعني
.... لا ابدا انا تعودت الوحدة من زمان ..اعيش مع كتبي هم كل ما املك هم اصدقائي....حتى اني ما عندي صفحة فيس بوك كي لاتاخذني من متعة القراءة ....قال هذا حرفيا ..هو يستخدم الغة العربية في الكلام ..وحسب ما قال انه كان رئيس مهندسين في احد دوائر الدولة قبل أن يحال على التقاعد .وفهمت انه يعمل كل شي ...هو من يعد الطعام لنفسه ويغسل ملابسه و...و..لكن مع كل واضح انه سعيد...لم يشكو ابدا ..يتحدث وهو مزهوا بنفسه ...الطريف حينما تكلم..قال انه يسمع لام كلثوم و سألني تحبين ام كلثوم ..قلت نعم ومن لا يحب سيدة الغناء العربي ..استطرد قائلا.. ..حجية اسمعي سهران لوحدي ...هنا فعلا ضحكت لان هذه الأغنية فعلا قريبة إلى نفسي .كل يوم اسمعها تقريبا..سالني بعد أن رأى ابتسامتي اكيد انت أيضا تحبيها...تمام !؟..لم اجب ...تكلم عن رباعيات الخيام وكيف ان مؤلفها أعجمي الأصل وكيف انه تأثر بكذا و..و واصبج افضل من يكتب لام كلثوم .و..و....هو يمتلك معلومات جيده واضح انه مثقف....وبينا هو يتحدث ..جاء صوت أحدهم ليعلن عن رقم من شمله ( السرة) قام الرجل لان الرقم رقمه ( من رخصتك اختي )قالها وذهب إلى الشباك وهو يظهر مستمسكاته والمبلغ ... انا واكثرهم يعرف ان هناك تعليمات تقول انه لا يجوز أن يتم بعث حوالتين في ان واحد ..ممكن بهويتك ان تبعث لشخص واحد فقط لكن لا يحق لك ان تبعث لاخر في نفس الوقت وبنفس الهوية ..ممكن أن تأتي في اليوم الثاني لتبعث ... لكن نفس اليوم ولاثنين لا .. وهذا يعني أن الرجل الطيب لايمكن له أن يبعث لولديه اليوم ..اصيب بخيبة أمل لدى علمه بذلك واخذ يتوسل ويقول انا سبق وأن بعثت لولديَّ في كذا مكتب و.. و وتدخل الآخرين( خطية رجال كبير ساعدوه ) قال الموظف ..هي تعليمات لايمكن تجاوزها ( الي يريد يساعده ينطيه هويته يبعث بيها ) سكت الجميع لانهم في هذه الحالة يسقط حقهم في ارسال حوالاتهم لذويهم !! انا اخذ مني الموقف ماخذا بعيدا .. تألمت لحاله بعد أن سمعت قصته معاناته ..كيف لاولاده ان يدعوه يعيش هكذا وحيدا ..ماذا لو تعرض لمرض ما او حصل له مكروه لاسامح الله ....لما اصبح العراقيون بهذه القسوة ..هكذا كنت افكر وانا انظر إليه ..تعاطفت معه جدا ...فقلت دونما تردد ( اني راح اعطيك هويتي وخلي يدز لابنه الآخر ) ...قاطعني الموظف المسؤول( بس حجية ترة انتي اذا نطيته هويتج يسقط حقج اليوم ) قلت ...اعرف هذا ..عادي بكرة اجي وابعث ) تقدمت نحو الشباك واعطيت الموظف هويتي ولكن الرجل المعني قال ...( مستحيل حجية اني ما اقبل ..لا ..ابنك المحروس محتاج تبعثيله ) قلت ...حجي مو إلا اليوم بكرة ...مو مشكله) .. اقتنع اخيرا ..وانتظرت إلى أن أكمل الموظف عمله ....واعاد لي هويتي وخرجت ..وخرج الرجل معي وهو يكثر من الشكر والثناء علي ..استوقفتني كثيرا كلماته المؤثرة وهو يقول
... والله لساني عاجز عن شكرك تماما حجية ...انا من اللحضة الأولى الي شفتك بيها عرفت انتي مميزة وطيبة لهذا تكلمت معاك دون الآخرين .انا مدين الك يا اصيلة ..وبنفس الوقت متألم عالمحروس ابنك المفروض اليوم يستلم المبلغ !!..اني مقبلت انتي الي أصريتي....اني فعلا سعيد جدا جدا بمعرفتك ...أتمنالك كل الخير والسعادة....
قال هذا ...واجبته بما يستحق من كلام .. ثم سلّم ومضى ......
وعدت أدراجي دون أن ارسل لولدي الحبيب ولكني اقسم بالله الذي لا اله الا هو كنت سعيدة جدا بما فعلت....ولا ابالغ ابدا ان قلت اني اكثر سعادة مما لو بعثت المبلغ لولدي.. وسيف سيكون اسعد ان علم بما حدث ..انا متاكدة ..ولدي واعرفه ....لان الموقف كان بحق يستحق مني الكرم ...لم يكن كرما بمعنى الكرم ...لكنه كان أكبر منه بكثير ..فتجاوز الأنا والاحساس بالآخر لاسيما بمن هو بهذا العمر ومنحه شيء من الاستماع والأهتمام والتعاطف والأحترام ...وأن تشعره باللأمان وانه لازال مهمّا مؤثرا وان الدنيا لازالت بخييير ..فذاك أكبر من كل التسمياات وأعظم درجة وارفع من المادياااات .......



#زهور_العتابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدرسة الموسيقى والباليه في بغداد ....ظاهرة تستحق التعميم ... ...
- ثرثرة عالماشي ......!!!
- فيس بوك .....
- لازلنا بخير .. ..
- نزول المطر .....
- تفاحة ادم !!! (٢)
- تفاحة ادم !!!
- المفارك وَطن !!!
- من أرشيف العناية المركزة....... (٤)
- من أرشيف العناية المركزة ( ٣)
- من سخريات القدر ٢
- من سخريات القدر ....!!
- الحمدلله ....!!!
- من ارشيف العناية المركزة ( ٢ )..حالة الطفله لقاء ....
- قصص من الارشيف ...من الrcu .. ...قصة رقم (١)
- أيام وذكريات لا تُنسى .......
- صِحينَه ....
- نسينَه .....
- انتخابات... أم ماذا !!؟؟
- انَه موش انَه .......


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهور العتابي - كرم الموقف .....