أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أمواج . . . سيرة ذاتية جريئة أثقلتها حروب القائد المتعالي















المزيد.....

أمواج . . . سيرة ذاتية جريئة أثقلتها حروب القائد المتعالي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5804 - 2018 / 3 / 3 - 02:45
المحور: الادب والفن
    


في أبسط تعريف للسيرة الذاتية هي أن يكتب الإنسان قصة حياته بنفسه، وأن يركِّز على صاحبها كشخصية محورية رئيسة تتسيّد على كل الشخصيات الأخر التي ترِد في سياق النص السيري، غير أنّ السيرة الذاتية الجريئة التي انضوت تحت عنوان "أمواج" للناقد عبدالله إبراهيم قد تشظّت إلى محورين آخرين التهما قسمًا كبيرًا من شخصية الكائن السيري وهما العراق وصدام حسين حيث ولج الأول في عين العاصفة، بينما اختبأ الثاني في حفرة دكناء.
لا يخالجني الشك أبدًا في أن الناقد عبدالله إبراهيم هو الأقدر على التفريق بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية لكنه ارتأى، على ما يبدو، أن يكون العراق بحروبه الثلاثة خلفية لهذه السيرة الصادقة التي يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، ويشتبك فيها الخاص بالعام. وربما وجد في شخصية صدّام حسين أنموذجًا للقائد المتعالي الذي حوّل العراقيين من مواطنين إلى أتباع فوضع أفكار الرئيس السابق ومشاعره وأوهامه على طاولة التشريح النقدي الصارم الذي يكشف للمريض ما لهُ وما عليه. ولو كنتُ محلّ الكاتب لجرّدت النص السيري من خلفية هذه الحروب المعروفة سلفًا للقارئ، وأبقيت من شخصية صدام ما يخدم التحولات الدرامية للكائن السيري خلال العقود الأربعة التي رصدتها السيرة منذ أوائل الستينات حتى الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
استعار عبدالله إبراهيم تقنية الموجة من البحر الذي رآه أول مرة في مدينة الزاوية الليبية حينما عُيِّن أستاذًا في جامعة زوّارة وهي تقنية مناسبة جدًا لهذه السيرة التي وجد فيها الكاتب نفسه مرميًا أمام إحدى عشرة موجة غطّت حياته من الطفولة في قرية من قرى كركوك حتى سقوط البلد على يد القوات الأنكَلو-أميركية التي فتّتت هويته الوطنية وتركته نهبًا لتجّار الحروب وأسيادها.
السيرة في جزء كبير منها هي اكتشاف للذات، وتعرية لها من دون حجب لأي موقف مهما كان صعبًا أو حرجًا، وهذا ما فعله عبدالله إبراهيم في كل مراحل حياته الشخصية والدراسية والإبداعية، فلم يخبئ شيئًا، ولم يتبرّم من رأي قيل بحق تجربته الأدبية على وجه التحديد. فهو لم يطمس أي رأي سلبي قيل بحقه كأديب أو فنان مسرحي ولعل القاص جليل القيسي والشاعر جان دمّو لم يريا فيه أي موهبة قصصية أو روائية لكنهما توقعا له أن يكون ناقدًا كبيرًا، وقد تحققت نبوءتهما على أرض الواقع إذ حصد أهمّ الجوائز النقدية في العالم العربي. جرّب عبدالله إبراهيم التمثيل المسرحي لكنه لم ينجح فيه وقد وصفه بعض المخرجين المسرحيين في كركوك بأنه أشبه بالإطار الاحتياطي الذي لا يُستعمل إلاّ في الحالات الطارئة.
هناك مثلث يستحق المداومة عليه، والاستغراق فيه وهو "القراءة، والكتابة، والنساء" والذي لم تخلُ منه أي مرحلة من مراحل حياته حيث يتألق الكاتب فيه ويقدّم أحلى ما عنده لغة، وأسلوبًا وتجليات، بل أن قدرته السردية والروائية تتمثل في سيرته كلما تناول ضلعًا من أضلاع هذا المثلث المُشع الذي تتأكد فيه إنسانية الإنسان وتنجلي فيها طويته الجوانية الصريحة التي لا تعرف الزيف والكذب والادعّاء.
لم يعرف الوسط الثقافي العراقي غير "جماعة كركوك" التي كانت تضم فاضل العزاوي، سركون بولص، جان دمّو، جليل القيسي، أنور الغساني وآخرين لكن كاتب هذه السيرة أضاف لهم "جماعة كركوك الثانية" التي تتألف من حمزة حمّامجي، إسماعيل إبراهيم، محمد البدر، فاروق مصطفى قبل أن ينضمّ إليهما القاصين عبدالله إبراهيم، وعوّاد علي حيث يكرِّس الأول حياته للنقد الأدبي لاحقًا، فيما ينصرف الثاني إلى النقد المسرحي وكتابة الرواية.
كشوفات "الموجة الأولى" مهمة بمكان لأنها تستعرض العناصر والقناعات الأولى التي تجعل من الكائن السيري ضحية للثقافة السائدة التي أصبح معظم العراقيين أسرى لها بما في ذلك كاتب السيرة، بل أن جليل القيسي لم يتردد لاحقًا في وصف عبدالله إبراهيم بأنه "أحد مسوخ النظام"(ص180) الذي تشرّب بالأوهام الوطنية والقومية التي غزت أذهان السواد الأعظم من الناس في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
كتب عبدالله إبراهيم عن طفولته، ودراسته الابتدائية في القرية ومدينةكركوك، وتوقف عند باقة من الفتيات والنساء اللواتي شاركنهُ متع الحب الروحي الذي تجاوز اللمسات والقبلات قليلاً وأفضى به إلى اكتشاف المعالم الأنثوية التي قلبت حياته رأسًا على عقب بحيث أصبحت المرأة الضلع الثالث في مثلث حياته. وكان بإمكانه أن يستفيض لكنه انجرف صوب الحروب والسياسات الخاطئة التي أخذت من السيرة حصة الأسد.
تنقّل السارد في دراسته الجامعية من الموصل إلى البصرة قبل أن يستقر به المطاف في جامعة بغداد، وكانت هذه الدراسة هي الحقل الأكثر خصوبة وإثارة في سيرته الذاتية لكنها انحسرت وتبعثرت بسبب القائد وحروبه الذي وضع الكائن السيري وكثير من العراقيين في الحيّز الفاصل بين الحقيقة والخِداع. وعلى الرغم من تفوقه في الدراسة الجامعية إلاّ أنّ كلية الضباط الاحتياط تلقفتهُ مثل آلاف من الخرّيجين الذين سيقوا لاحقًا إلى محرقة الحرب لكنه عاد إلى مقاعد الدراسة العليا فكتب في مرحلة الماجستير عن "البناء الفني لرواية الحرب في العراق" ونال الامتياز عن هذه الأطروحة التي كانت تبشِّر بولادة ناقد رصين. وفي مرحلة الدكتوراه وقع اختياره على موضوع شديد الحساسية وهو "السردية العربية: دراسة لنُظم السرد العربي" الذي أفضى به إلى اللوم والتقريع وكاد أن يصل إلى سحب الشهادة الجامعية وعدم الاعتراف بأطروحته المُخالفة للأطاريح الجامعية آنذاك، والغريب أن المُشرف د. عبد الإله أحمد قد تبرأ من هذه الأطروحه وادعّى بأن الباحث كتبها بمنأى عن مشورته، ومع ذلك أُجيزت الأطروحة شرط أن يجتث الفصل المتعلق بالأصول الشفوية للثقافة الإسلامية.
بعد أن تخلّص عبدالله من الفضاء العسكري بدأ يصغي إلى نغمة المُختلفين، ويفكر بطريقة مغايرة أوصلته إلى أن صدام "يفتقر إلى البصيرة، وبُعد النظر في القرارات الكبرى"(ص414) ولولاه لما وصل العراق إلى عزلته الخانقة. حينما ضاقت به السبل قرر عبدالله إبراهيم أن ينجو بجلده بعد أن اتهمه عبدالأمير معلّة بشتم الرئيس، وخيانة الوطن. وفي إحدى الدعوات الموجهة إليه من الأردن قرر الالتحاق بجامعة زوّارة الليبية وأمضى فيها سبع سنوات منهمكًا بالتدريس، والقراءة، والكتابة، ومُراسلة حبيبته النائيةلمياء رافع التي كانت تحاول الالتحاق به خصوصًا بعد تحررها من زواح فاشل.
أجمل ما في الموجة العاشرة هي الملحوظات التي دوّنها الكاتب عن الأمازيغ وشعورهم بعقدة التفوق على شركائهم في الوطن، وانغلاقهم على أبناء جلدتهم في الزواج تحديدًا فهم لا يزوجون بناتهم لغير الأمازيغ وإذا صادف أحبت أمازيغية شخصًا من خارج قومها فإن الموت ينتظرها لا مُحالة.
الملحوظات المهمة التي دوّنها الدكتور عبدالله إبراهيم عن الدراسة في الجامعات القطرية مثيرة، ولافتة للانتباه. فهذه السيرة الذاتية ملأى بالمفاجآت في كل موجة من موجاتها، وهي تحتاج إلى دراسة تفصيلية تغطي متنها وتنتصف لجرأة الكاتب، وجماليات أسلوبه، وقدرته على السرد الروائي الشيّق.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باسم فرات. . . جوّاب المدن، وعابر المفازات البعيدة
- الحلقة السادسة من مسابقة شاعر المليون
- التورية والمجاز البصري في تجربة الفنان التشكيلي عبدالكريم سع ...
- الفنان سعد علي يخلّد الحُب في حديقة الحياة
- ساعة بغداد . . رواية تخالف توقعات القرّاء
- تعويم الزمان، وطمس المكان في رواية -بيت البحر- لفاطمة الناهض
- تيريزا أكاديا . . ومغامرة الحُب المستحيل
- أفلام السيرة الذاتية بين الالتزام الحرْفي والتعاطف المُعلن
- -كل المعارك- وهاجس العنف المضمر في الكينونة البشرية
- العراق والعالم العربي بعيون أربع كاتبات غربيّات
- بقايا النهار ونزعة الكتابة البصَرية
- الخطوة الأولى . . ثيمة سلسة ترصد الفوارق الطبقية
- قصص بأقلام الأسيرات المُحرَّرات من السجون الإسرائيلية
- تعالوا معًا. . فيلم يرصد القلق، ويدرس فن العلاقة الاجتماعية
- قصة مُحكمة، وإيقاع سلس في فيلم قبر لاجئ
- لوحتا جواد سليم ومحمود صبري الأغلى ثمنًا في مزاد كريستيز
- 60 فيلمًا في مهرجان الفيلم الكوري بلندن
- ملامح الفن والثقافة العربية في المثلث الذهبي
- خمسة فنانين يخلِّدون ذاكرة المدن السورية
- فيلم فوتوكوبي وقصور الرؤية الإخراجية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - أمواج . . . سيرة ذاتية جريئة أثقلتها حروب القائد المتعالي