أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليم - البُصاق














المزيد.....

البُصاق


حسين سليم
(Hussain Saleem)


الحوار المتمدن-العدد: 5802 - 2018 / 3 / 1 - 22:01
المحور: الادب والفن
    



الشّمس كتّلة نار، تدفع الرّيح لهيبها، فتنحسرُ الظِلال في الشارع، لكنْ؛ السائق بصق من النافذة المفتوحة، بصق البائع الجوّال وهو ينادي على بضاعته، تبعه باعة البسطات، بصق شرطيّ المرور، والجندي، أيضا، بصقت المرأة، بصق بائع الماء، بصق الموظف، بصق الشحّاذ ورَجل الدين، بصق صاحب المطعم وعامله، بصق المثقف، الفلاح، الحمّال، المعلم والتلميذ، بصقت المستشفى، المقهى والعربات، بصق الدّجاج والطيور، بصقت كلّ المجودات والألقاب والأسماء،... البُصاق يمتدُّ في كلِّ زاوية وزقاق.
"إيّاكم والبُصاق!"
صوت يتعالى كلّما رأى بصقة. يدسُ يده في جيبه، يخرجُ حفنة من تراب ويرميها، صارخاً:
إنه بيت الدَّاء!
النّاس تبصق في كلِّ مكان. وكأن البصقة سِمة تميّزنا عن الآخرين.
قالوا عنه: أحمق، هائم، أبله،...
كان يرى ما كنّا نراه، ويقول كلاماً لايفقهه أحد، كأنه من عالم آخر. كنّا نعيش تداعيات حرب أهلية.
قيل: إنه أستاذ مادة الرياضيات، في إحدى ثانويات بغداد، فقدَ عقله جراء التعذيب، لأنه دائما ما يردَّد "أنتبه للسكوير!" ويقال إن هذه الجملة، دفعت السلطات الحاكمة إلى سجنه.
لا أحد يسمع كلام رَجُل، رثّ ثياب، يحمل كيساً صغيراً من القماش. يغرف منه حفنات تراب، ويقذف بها بصقات على بقايا أرصفة، في شوارع متآكلة.
أهوج، مخبّل، مهوّس، بليد،...
جرذان تزحّف على مدينتنا في اللّيل، تقتنصُ الدجاج، أحجامها مختلفة، تكاد تكون بأحجام القطط. أدوية تباع على الرّصيف، أغذية فاسدة تعبر الحدود. بدأ مشواره من ساحة (باب المعظم) مارا بساحة (الميدان) يتوقف عند (الحيدرخانة) يجلس عند واجهة مقهى (حسن عجمي) الزجاجية ، يحدّق لا على التعيّن، يبصق أحد المارة، يصرخ فيه:
إيّاكم والبُصاق يا حمير!
"تعددت الأسباب والموت واحد"، هكذا يقول النّاس في مدينتنا. لافتات سوداء كثيرة على جدران المنازل والبنايات، جديدة وأخرى قديمة لموتى أعمارهم مختلفة.
"ماذا أفادكم العِلَم، ماذا أفادتكم المدرسة؟!"
قيل: إنه فقدَ عقله جراء شظية في إحدى الحروب التي مرّت على البلد.
"أولاد القحبة! ماذا جنيتم من الخارج؟"
رقيع، هائم، أبله.
قاذورات في كلّ مكان، تتراكم كتلال، ستغلق الشّوارع والساحات.
"أوغاد! الأزبال أمام بيوتكم! ستغلق انوفكم وعيونكم! وأنتم لا تفعلون شيئا!"
ويقال إنه فقدَ عقله في إنفجار سيارتين، قرب بيته؛ واحدة كانت أمامه، صمَّتْ أذنيه، وأخرى خلفه، حين التفتَ، أخذتْ عقله.
يمضي في (شارع الرّشيد) بإتجاه (ساحة التحرير). تقطعت أوصال الشارع ورصيفه، صار مكبا لنفايات مرمية، وسطه وعلى جوانبه. البنايات في حال يرثى لها. كان يمشي ويستريح بين الفينة والأخرى، يرمي أي بصقة يقع بصره عليها. وصل ساحة التحرير وقف قبالة (نصب الحرية) محدقا إلى الأعلى. كانت المساحة التي تحت النصب تكتظّ بالبُصاق، هزَّ رأسه وقال: أين أنت يا جواد لتضيف إلى لوحتك أشياء أخرى!

*ضِمن مجموعة (سفينة جواد) ستصدر قريبا، عن دار ومكتبة أوراق بالاشتراك مع دار ومكتبة كريم، بغداد - 2018



#حسين_سليم (هاشتاغ)       Hussain_Saleem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإعلام البيئي والصحة
- منفوش
- منديل أبيض
- الساحة
- صحة الأرياف
- انجلس والصحة العامة
- مسدّسات
- قصة قصيرة : خوف
- همبلة 4 : أنت تعرف تسبحلوجي ؟!
- قصة قصيرة : سيميسدي *
- الإعلام الصحي
- صاحب المفتاح
- همبلة 3 : موكبكم ما يشبع بطن !
- همبلة 2 : ذني مو النا !
- أفكار
- همبلة 1 : لا تهمبلون علينا !
- شّوق
- الوطن والمنفى في كويستيان
- الصحة العامة للمرأة العاملة
- قليل الكلام : الأخلاق أم الدِّين أولاً !


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليم - البُصاق