أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الهاوية














المزيد.....

الهاوية


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5795 - 2018 / 2 / 22 - 00:49
المحور: الادب والفن
    


" بابا ! عليك الآن أن تقرر بسرعة، ما لو كنتَ ستأتي معنا أم لا؟ "
خاطبني ابني البكر وهوَ واقفٌ وسط ثلة من أصدقائه. كانوا بغالبيتهم شبان من عائلات كردية مهاجرة، وبعضهم من أبوين مختلفيّ الأصل. عندما قال ذلك، تخايل لي صورة العجوزة ( كما تسمى الحَماة بالمحكية المغربية ) تذكّرني بأنها لا ترحب حتى بأحفاد زوجها. هممتُ بإجابة الابن الملول، حينَ خطف بصري منظرٌ أكثر واقعية. المنظر تجلى على مساحة العينين كما لو كان شاشة سينما، وكان مقسوماً بالتساوي إلى مشهدين: فإلى اليسار، بقعة شبه صحراوية وثمة طريقٌ مستوٍ، يشقها في وسطها تماماَ. غرست على جانبي الطريق أشجار النخيل والزيتون والبرتقال، وكان ينتهي بمنارة شاهقة لا يمكن أن تخطئها العين. المشهد الآخر، كان أشبه بالفردوس، يخترقه من منتصفه طريقٌ يرتقي رويداً من الأسفل حتى يختفي في سفح الجبل. أروع ما في هذا المشهد الأخير، كانت الأعمدة الرومانية الحارسة للطريق والمشكّل بعضها قوسَ النصر في مدخله.
" إنها أعمدة أثرية، تم جلبها من مدينة تدمر وكانت قبل الترميم مدمرة على يد داعش "، قال ابني وكأنه يحثني على اختيار ذلك الطريق. أحد أصدقائه، علّق قائلاً وهوَ يضحك: " دواعش، أو قاذورات؛ كما كنتَ تسميهم! ". فلما نطق الشاب تلك التسمية، فإنني عرفت فيه ابنَ أحد أصدقائي القدامى. شاركتُ الآخرين في الضحك، ثم ما لبثتُ أن سرت خلفهم باتجاه ذلك الطريق الفردوسيّ. الفلاحون، المنهمكون في دِعَة ورضا بالعمل في البساتين المحدقة بالطريق، جعلوني أطمئن إلى أن الحربَ قد وضعت أوزارها حقاً دون أن تُحدث ضرراً يُذكر في حيّنا. انتهى سيرنا إلى منزلٍ جميل الواجهة، كأنما بقي لوحده بين أبنية حديثة تحيط به. الغموض، كان يلف المنزل مثلَ ضبابٍ فوق غابة. على الأثر، صار الشبان يهمهمون من خلفي بمثل هذه المفردات: " سطح المنزل.. أركيلة بطعم التفاحتين.. شاي بالنعناع ". فما عتموا أن تجاوزوني، ليرتقوا درجاً خشبياً يؤدي إلى الدُور الثاني من المنزل. لما وصل إليّ الدَوْر للصعود، إذا بالدرج ينقلب إلى سلّم وكأنما تمّ ذلك بفعل ساحر. ولأنني لحظتُ، أنّ ثمة فجوة تزيد عن المتر بين أعلى السلم ومدخل السطح، فلم يكن مني إلا إيثار القهقرى.
" لا يمكنك إلا الصعود، لأنّ ثمة دَوْراً طويلاً خلفنا "، خاطبني صوتٌ شاب من ورائي مباشرةً. سألته متلطفاً، إذا كان في مقدوره أن ينادي ابني. غير أنه أصمّ أذنه، وراحَ يستحثني كي أواصل ارتقاء السلّم. على حين فجأة، هوى أحدهم من أعلى السلّم إلى الأسفل. الصراخ والهَرَج، أصمّا هذه المرة أذنيّ. وكنتُ في اللحظة نفسها، قد أضحيت عند أعلى السلّم الملعون وقد بدت خشبتاه المسنونتان أشبه بزوج حراب. لما ألتفتُّ خلفي لأول مرة ( كنت أحاذر ذلك قبلاً نتيجة رهابي من الأماكن المرتفعة )، إذا بي أراني وحيداً على السلّم. الخشبُ تحت قدميّ، بدأ يُسمع له هسيساً يُنذر أيضاً باحتمال تخلعه. وها أنا ذا أسمعُ أصواتٍ من كلّ حدب وصوب، تدعوني إلى رمي نفسي قبل فوات الأوان: " أقفز ولا تخشَ شيئاً، فلقد وضعوا وسائد كبيرة تحتك كي تتلقاك.. ". فيما كانت يداي تمسكان مرتعشتين بالسلّم، كان بصري يبحث في الأسفل عن تلك الوسائد. خاطبتهم بصوت ضعيف: " ولكن، هلا جعلتم الوسائدَ تحتَ موقفي مباشرةً؟ ". بدا وكأنني أطلقتُ طرفة. راحت قهقهاتهم تتعالى، صائحين: " لا تخف، لا تخف!.. أقفز، فقط أقفز! ". كنتُ ما أفتأ قابضاً بيديّ المرتجفتين على سنَّيْ الحربتين، مُقدراً أنهما سيغرسان لا محالة في جسدي أو أنّ القائمة الخشبية تحت قدميّ ممكن أن تتقصف قبل ذلك. الهاوية، كانت عندئذٍ أمراً لا مناص منه.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الرابع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثالث 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثاني 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 5
- أدباء ورهبان 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 2
- أدباء ورهبان 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الأول 1
- أدباء ورهبان 2
- كعبةُ العَماء: كلمة لا بد منها 3


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الهاوية