أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل صوما - عذاب القبر/الجزء الثاني















المزيد.....


عذاب القبر/الجزء الثاني


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 5790 - 2018 / 2 / 17 - 18:52
المحور: الادب والفن
    


أكمل في هذا الجزء من التاسوعة الاساطير الاربع الباقية من عذاب القبر، الذي استفحل إنتشاره وأصبح له مساحات زمنية كبيرة على القنوات الفضائية الدينية ومجلدات وورش عمل وندوات يتفنن "العلماء" فيها بشرح أدق تفاصيله، كأنهم رجعوا من العالم السلفي وشاهدوا بأنفسهم ما يحدث، الامر الذي دفع بعض المهووسين بشروحهم والمصابين بازدواج الشخصية في الوقت نفسه إلى نشر مقاطع مفبركة بخدع ألكترونية على الموقع المشرِك "يوتيوب" يظهر فيها دخان يصعد من مدافن بعض المطربين العرب بسبب تعذيبهم بالحرق، ويؤكد بعضهم في غيرها سماع أنين بعض الممثلين في قبورهم وهو يتعذبون من الضرب، ضمن حملة تهدف إلى وأد الفن والادب في الشرق الاوسط، بعد حملة تحجيب الممثلات ودفع بعض المطربين لإعلان توبتهم، لدفع الناس بالتبعية لعمل الشيء نفسه.
والمؤكد انه إذا استمر هذا الكابوس في الانتشار ليس مستبعدا بتاتا نشر مقاطع فيلمية مفبركة لمقبرة ستالين والدخان يتصاعد منها، أو إرفين روميل وهو يتوسل أن يكفوا عن ضربه، أو فرانك سيناترا وهو يستصرخ من يعذبه بطلب الراحة لبعض الوقت، ومارلين مونرو وصراخها يُسمع في مقبرتها في "وست وود فيلج".
أذكر حديثا قرأته في "ريدرز دايجست" سنة 2000 مع محمد علي كلاي سأله المحاوِر في نهايته: ما الذي يخشاه فعلا محمد علي؟ ذهب الملاكم إلى المطبخ وعاد وجلس وأشعل عود ثقاب أحضره معه وقال للمحاوِر: إطفىء هذا العود بأصابعك. قال الرجل: ستحترق أصابعي. قال محمد علي: إذا كنتَ تخاف من عود الثقاب المشتعل، فأنا أخشى عذاب القبر ونار جهنم.
(الاسطورة السادسة)
- سمعنا بأنك متصوف رغم كونك مسيحيا. هل هذا إيمانك؟ سأل منذر المتوفي.
- هذا صحيح، لأنني رأيت في ممارسات المسيح وروحانياته الصوفية الحقة.
- بمن تؤمن؟ سأله منذر.
- إيماني هو الانسجام مع البشر والكون. قال المتوفي.
- لكن ذلك لن يمنع عنك عذاب جهنم والقبر.
- لم أفعل الشر في حياتي.
- لكنك عشت ومت مشرِكا. قال نذير.
- كيف؟
- جعلت لله شريكا. قال منذر.
- هذا غير صحيح.
- ألم تؤمن أن المسيح مساو لله في الجوهر؟ قديم مثله؟ إبنه؟ سأله منذر.
- صحيح انني مسيحي لكني مؤمن كما القرآن أن المسيح نبي عظيم. كنت أقول على سبيل المثال في الكنيسة في صلاتي للعذراء: يا أم الكلمة. لم أقل ابدا: يا أم الله.
- منذ متى؟
- منذ ثلاثينات عمري.
- لماذا لم تؤمن بمحمد؟
- لأن دعوته تشبه ما كان يؤمن به بعض الرهبان وأشهرهم آريوس وامتدت هذه الدعوة في بلدان كثيرة، ويؤمن بانسانية المسيح فقط مسيحيون كثيرون حتى اليوم في قلوبهم وليس علانية.
- لكن الاسلام جاء بالدين الصحيح. قال منذر.
- انا لا املك الجرأة لأقول أن المسيحية واليهودية أديان على خطأ. قال المتوفي.
- ماذا تعني؟ سأله منذر بنظرة نحاسية مرعبة.
- ما قلته واضحا تماما. ثم كيف يستقي الاسلام أسسه واركان إيمانه من أمور محرّفة؟
- نبشرك بالعذاب الابدي الأليم. قال نذير بصوت هّز القبر.
- لم أزن ولم أسرق ولم أسبب الاذى للناس واتبعت وصايا الله.
- لكنك تجاهلت الشأن الأعظم.
- وما هو أعظم من تجنب أذى الناس؟
- الايمان بالرسول.
- بصراحة انا لا استسيغ الايمان بالرسول. لا تعجبني جوانب كثيرة فيه منها موضوع إكراه الناس على العبادة. الايمان موضوع شخصي بحت. والتعامل مع الناس أمر يخص الجميع.
- إصمت با مشرِك. صرخ نذير في المتوفي وضربه على جسده بمطرقته وأمر التمساح الأعور بنهشه.
- أكرر رغم ما تفعلوه أن الايمان مسألة شخصية بحتة.
- هذه السفسطائية لن تفيدك. النكد والرعب واليقظة والألم في إنتظارك حتى تدخل جهنم.
- هل هذا حكم مبرم؟
- نعم.
- حسنا، جئت إلى الدنيا بدون أن يسألني أحد. ورثت جسما كنت اتمنى أن ارث أفضل وأجمل منه. وُلدت في بلد كنت اتمنى أن أولد في بلد أكثر تقدما منه. كان رزقي بالتعب والكد ولم أنجح أن اكون غنيا. عرفتُ انني مصاب بالعقم وكنت اتمنى أن يكون عندي أولاد. ورثت ديانتي عن أهلي ثم رممتها بثقافتي.
- كل هذه قشور لا قيمة لها.
- وهل القيمة التي جئتما تبشراني بها أن مصيري جهنم؟
- نعم.
- بعد هذه الحياة المرهِقة التي علمتني كيف أبتلع آلامي فيها لأعيش، وتقبّل رؤساء في العمل كانوا أدنى مني قيمة بكثير؟
- هذا لا يهم. مصيرك جهنم لأنك لم تبال بالايمان الصحيح رغم انك كنت قاب قوسين منه.
- الايمان ملك لي. اختار ما يروق لي.
- وستدفع الثمن.
- انا فعلا سعيد بهذا المصير لأنه الامر الوحيد الذي اخترته. هل يمكن أن تغربا عن وجهي؟
انهال منذر ونذير والتمساح الأعور بالضرب ونهش المتوفي.
****
(الاسطورة السابعة)
- يبدو أنه ينتظرنا. قال منذر لنذير وهو يبتسم.
- هل تأخرنا عليك يا هذا؟
سأل منذر الرجل الذي كان يتحرك كأنه سجين فقد صوابه وقد مزق كفنه بكل ما أوتي من قوة، في المقبرة العائلية الفخمة المبنية كغرفة كبيرة عليها آيات قرآنية بحروف نافرة، بين هياكل عظمية لأهله وأكفانهم البالية.
- من أنتما؟ سألهما الرجل وهو مذهول من حضور كائنين بشعيّن في المقبرة فجأة.
- ألم تعرفنا؟ سأله نذير متهكما.
- ليس مهما موضوع المعرفة الآن. قال الرجل وهو يحاول استيعاب ما يحصل.
- ما الأهم وأنت تواجه مصيرك الابدي؟
- هل هناك مصير أشد نحسا من هذا؟
- عذاب القبر.
- يبدو انكما تهذيان. قال الرجل بحسم.
- ستصدق بعد قليل انك مت.
- انا لم أمت بعد!
- هل أنت هنا في سفينة سياحية؟
- إسمعا جيدا لا وقت لديّ لأشرح لكما.
- ماذا تريد أن تقول؟
- انا مريض بالسكري ويبدو انني أصبت بغيبوبة عميقة ولسبب ما قال طبيب مغفل أنني مت.
- معظم المتوفين لا يصدقون انهم قد ماتوا. لا تقلق. قال نذير.
- أقلق من الموت؟ انا على قيد الحياة أيها الرجل.
- إذا كنت على قيد الحياة كما تتوهم لماذا أتى أهلك بك إلى هنا؟
- لأن ثقافتنا تقول: إكرام الميت دفنه. ويبدو انهم فعلوا ذلك بأقصى سرعة زيادة في تكريمي بعد تصريح الطبيب المغفل بالدفن.
- هذا الرجل على قيد الحياة. إنظر إلى عروقه النافرة بالدم وملامح وجهه. قال منذر لنذير وهو مذهول.
- .................
- ماذا سنفعل له؟ سأله منذر.
- لا نستطيع التدخل في مصير الناس. رد نذير.
- لا تستطيعان التدخل في مصائر الناس، لكن بعضلاتكم هذه تستطيعون كسر هذا الباب الرهيب.
- كما قلت لك لا شأن لنا بمصير الناس. قال نذير.
- انه ليس مصيرا. هذا خطأ.
- لا شأن لنا به. ونحن هنا حتى يقودك هذا الخطأ إلى مصيرك.
- ربما تسرعنا في الحضور. قال منذر لزميله.
- من أنتما؟ كيف دخلتما إلى هنا؟ سأل الرجل بعدما بدأ التفكير بعيدا عن ذهوله وصدمة وجوده في مقبرة العائلة وحيدا يواجه الموت جوعا وعطشا أو إختناقا.
- لا نستطيع أن نقول لك الآن.
- الاكسجين سينفذ من هذه المقبرة وسأموت.
- نحن هنا من أجل هذه اللحظة.
- هذه جريمة. هل ستبيعان جثتي؟
- لسنا لصوص مقابر.
- انتما معي. ستموتان معي! بأي منطق تفكران؟
- سنبقى وسنريك الطريق إلى....
- اصمتا. هناك صوت في الخارج. أسمع وقع أقدام على الارض. يا ناس أنقذوني. صرخ الرجل وهو يدق على الباب الرهيب الذي يفصله عن الحياة بقوة.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. من الذي يصرخ؟ سأل الرجل الذي في الخارج.
- أرجوك. إنقذني. دُفنت عن طرق الخطأ. أنا إنسان وليس عفريتا.
- أنت محظوظ لأنني جئت منذ لحظات لتقييم ترميم مدفن هنا بجوار مدفنك.
- أرجوك. إفعل شيئا بسرعة لأنني سأختنق بعد قليل. قال الرجل الذي في المقبرة بجنون.
- يا رجل. إبتعد عن الباب واذهب إلى آخر هذه المقبرة الكبيرة.
- ماذا ستفعل؟ سأل الرجل الذي في الداخل والدموع تترقرق في عينيه.
- صحيح أن هذا الباب الرخامي ليس ضخما أو سميكا لكن المشكلة انه ملصق بالاسمنت من جميع الزوايا، ولا حل سوى تحطيمه بسيارتي البيك آب الان. صرخ الرجل الذي في الخارج.
****
(الاسطورة الثامنة)
- ما كنت تعبد؟ سأل منذر الرجل المسجى بمكان مؤهل لحفظ الجثث في قاعدة طبية متطورة.
- ماذا حدث؟ هل أخذ أحدكما الخوذة التي كانت على رأسي؟
- انا. قال منذر.
- ولماذا أخذتها؟
- ألقيتها هناك, شكلها أزعجني. لا قيمة لها بعد الان. أكرر عليك السؤال ماذا كنت تعبد؟
- ما كنت أعبد أحدا.
- وما تقول في هذا الرجل؟
- لا أعرفه.
- انه رسول الله.
- لا أعرفه.
- كيف لا تعرفه وأنت تعيش في القرن الثاني والعشرين. صرخ منذر في الرجل بوحشية.
- انا غير مؤهل تماما لأي جواب لهذا السؤال.
- هل أنت مؤهل للشِرك؟ صرخ نذير فيه بصوت أعلى من صراخ منذر.
- لا تبددا طاقتكما. انا لا أشعر بالخوف.
- ماذا؟ هل تسخر منّا؟
- انا لا أحاسيس لديَّ.
- ماذا تعني؟ سأله منذر وهو ينظر إلى نذير متعجبا.
- مراكز الاحساس في دماغي غير موصوله بأعصابي جسدي.
- لم نفهم.
- هذه ليست مشكلتي. يبدو انكما غير مؤهليّن للتفكير. لماذا أنتما هنا؟
- لأنك مت وستواجه عذاب القبر حتى يوم القيامة.
- من قال لكما هذه المعلومة؟ انا لم أمت.
- هل تعتقد اننا غبيان؟
- لم أقل ذلك، لكنني ببساطة لم أمت.
- هذا ما تعتقده أنت، لكنك ميت.
- هل تعلمان قصتي؟
- قصة تشبه قصة أي مشرِك آخر.
- ياحضرة الوحش..
- لسنا وحشيّن كما تعتقد.
- حسنا. سأناديكما باسمائكما.
- انا نذير وهو منذر. ما الكذب الذي تنوي أن تقوله؟
- هناك سوء تفاهم ما يا نذير. هل هذا التمساح لكما؟
- نعم. قل قصتك لا وقت لدينا.
- حدث كل شيء في المختبر عندما تم تخليقي بكروموسومات ذات مواصفات معينة من رجل وإمرأة، ثم وضع الاطباء البويضة المُلقحة في رحم سيدة حاضنة أخرى.
- رواية مشوقة فعلا. وماذا حدث بعد ذلك؟
- عندما وُلدت وضعوا في مخي رقاقة مُبرمجَة لأعيش وفق معلوماتها.
- هل ذهبت إلى المدرسة وتعلمت أصول دين الله؟
- لم أكن بحاجة إلى الذهاب لمدرسة. كل ما احتجت إليه كان موجودا في الرقاقة. سمعت اسم الله الذي قلته، لكنني غير مؤهل للتفكير فيه.
- هل عبدته وشهدت برسوله؟
- لم تكن هذه الافعال موجودة في برنامجي.
- وماذا كان هناك؟ الشرِك؟
- برمجوا كل ما احتاجه حتى مرحلة المراهقة.
- وبعد ذلك؟
- استبدلوا الرقاقة بأخرى.
- ماذا تعني؟
- الرقاقة الاخرى لأعيش حسب برنامجها ما بعد المراهقة. مثلا انا لا انام سوى في الوقت المحدد في الرقاقة.
- وماذا عن ذاكرتك؟
- لا ماضي أو حاضر أو مستقبل. كل شيء الان.
- لكنك تزوجت مشرٍكة، أليس كذلك؟
- زوجوني لمعرفة هل ستنتقل صفاتي الوراثية التي صنعوها عبر كروموسوماتي إلى اولادي، وكم ستكون النسبة إذا حدث ذلك، أم ستظل نتائج التجربة محصورة فيَّ.
- ما فهمناه منك انك لم تعبد الله ولم تؤمن برسوله.
- هذا صحيح تماما.
- وهل أنت فخور بمجاهرتك بشرِكك؟
- هذا ما لدّي. انا غير مؤهل للشرك أو للإيمان. انا مؤهل أن أعيش كإنسان.
- ولم تصم ولم تزر البيت كما يقول سجلك.
- لم أصم ولم أزر البيت لأنني أعيش فيه.
- أي بيت تتكلم عنه؟
- البيت. بيتي.
- هذا ازدراء وستدفع ثمنه غاليا.
- لم تفهما ما قلته...
- كيف تجروء أن تقول ذلك أيها التعس؟ صرخ فيه نذير وبصق على وجهه.
- انا غير مؤهل للخوف أو الترهيب. هل نسيت؟
- نحن لا شأن لنا بهذا. سنريك العذاب حتى يوم القيامة.
- انا لم أمت. هل نسيتما؟
- لماذا أنت مُسجى هكذا هنا؟
- توقف قلبي فقط عند اللحظة المبرمج لجهازي التنفسي وقلبي أن يتوقفا فيها عن العمل، حسب برمجة الرقاقة. هذا ما حدث فقط.
- وماذا تُسمي ذلك؟ رحلة؟ هذا هو الموت. لقد جاءك الحق.
- انا محفوظ هنا حتى يتم إضافة شيء لجسدي، وعندما تحرك المعلومات المبرمجة على الرقاقة دماغي سيبدأ قلبي وجهاز التنفسي العمل مرة ثانية.
- وإذا لم تنجح هذه البرمجة في تحريكه؟
- هذه مسؤولية القائمين على التجربة. انا لم أمت. ألم تلاحظا درجة الحرارة المنخفضة هنا لنجاح كل شيء؟
- لا نشعر بشيء.
- أنتما مثلي. أين المشكلة؟ لماذا هذا الصراخ وسوء التفاهم.
- تسعة وتسعون تنينا سيكونون هنا حالا لتلقينك درسا متواصلا حتى يوم القيامة.
- سينتبه العلماء إلى ذلك ولن يسمحوا به بتاتا.
- ومن هم هؤلاء حتى يمنعوا ما نحن مكلفون به؟
- هل تعلمون كلفة هذه التجربة؟
- لا يهم.
- هل تعلمون أن كاميرات المراقبة ترصد كل شيء ولابد أن حرس القاعدة الطبية في الطريق إلى هنا؟
- وكيف سينقذوك من مصيرك المعتم؟
- الأهم مما تقولان هو انكما عنا عن طرق الخطأ.
- ماذا تعني؟
- حسب ما فهمت منكما، أنتما تأتيان دائما لتنكدا على الاموات.
- هذا صحيح.
- ما انا بميت.
- ما انت؟
- لا استطيع إضافة حرف على ما قلت لكما. قلت ما لديَّ.
دخل بعض الحراس بأسلحتهم ونظروا إلى بعضهم بعضا في دهشة، وسأل أحدهم:
- ما الذي حدث؟ هل هو مبرمج للحديث بهذه الطريقة؟
- لا. علماء التجربة في طريقهم إلى هنا.
- طاردوهما ولا تتركوهما. صرخ الشخص الجالس على الطاولة.
- هدىء من روعك. المسؤولون في طريقهم إلى هنا. كل شيء سيكون على ما يرام.
- إلى أين سنذهب؟ سأل منذر نذير وهو يلاحظ انه في عجلة من أمره.
- هناك نجمة أفلام إباحية نفقت توا، فهيا بنا.
****
(الأسطورة التاسعة)
كانت سويت كاندي ممددة عارية تماما في غرفة أخرى في القاعدة الطبية نفسها، ولم يدر منذر لماذا لم يبادر بصوته الرعدي النداء عليها لكي تقوم، وبدلا من ذلك بدأ يتأمل زوايا جسمها والانحناءات المذهلة المتقنة الموحية بالجنس، ولون بشرتها الزهري المثير الذي لم ير مثله بتاتا ونهديها الكبيرين، وأدى به هذا التأمل إلى شعور برغبة عميقة فيها تكتسحه، بدأت تتلاشى عندما صرخ نذير بصوت جبار:
- إنهضي يا عاهرة حان وقت حرق الجسد الذي تمتع به عشرات بالزنا والممارسات الجنسية بالفم.
- هل في أذنيكِ صمم؟ رفع منذر عقيرته وهو يفيق من نشوته التي أنسته وحشيته للحظات.
- قومي يا عاهرة. صرخ نذير مرة أخرى وهو يمسك بيدها ويهز جسدها لتقوم.
- ماذا حدث؟ قالت سويت كاندي بعد لحظات تأمل بدت فيها غير مرعوبة أو مضطربة أو مشمئزة من هيئتيهما كعادة المتوفين.
- لماذا لم تردي فورا؟
- مسألة وقت حتى تشحنني بطاريتي ويسمع برنامجي لغتكما ومن ثمة يؤهلني للحديث بها.
- هذه ثاني مرة نسمع كلمة برنامج في هذا المكان. همس منذر لنذير.
- لكننا لم نسمع ب...
- بطارية. همس منذر خجلا.
- متى كانت أول مرة سمعتما هاتين الكلمتين. سألتهما سويت كاندي بدلال؟
- كيف سمعتينا؟
- أذنتاي مؤهلتان لسماع أقل ذبذبة.
- لماذا قلتِ ذبذبة ولم تقولي صوتا؟ سألها منذر.
- لأنني أسمع ذبذبة في الواقع ويترجمها البرنامج الموجود في رقاقة رأسي إلى لغة.
- رقاقة مرة أخرى. قال نذير لمنذر متأففا.
- لم أفهم. بطارية.. برنامج.. رقاقة.. قال نذير لها.
- انا مبرمجة لأتحدث أهم سبع لغات في العالم وأسمع الذبذبات التي تسمعها حتى الحيوانات. لذلك احتاج إلى ثوان ليؤهلني البرنامج للحديث بالذبذبة التي أسمعها.
- ذبذبة أو غير ذبذبة. هذه مصطلحات ماجنة في مدارس هذا القرن ولا شأن لنا بها. قال منذر وهو ينظر إلى ما بين فخذيها.
- ما شأنكما؟ قالت سويت كاندي وهي ترفع شعرها الذهبي بيدها اليسرى بدلال وتعض شفتيها برقة بالغة وتضم فخذيها بحياء مصطنع وتنظر إليهما بإغراء شديد.
- شأننا تبليغك بسعير النار التي تنتظرك.
- من المؤكد أن الحرمان الذي تعانيان منه وهذه القوة التي لا متنفس لها، ستحول مضاجعتكما لي إلى سعير نار. هل تريدان إيها الجذابان أن نمارس الجنس سويا؟ ماذا تطلبان؟
- نحن لا نمارس الجنس مع البشر. قال لها منذر متأثرا بوصفه بكلمة جذاب، وأحس مرة اخرى ببدء حالة النشوة والدفء ينتشران في اعضائه، وإحساس لا وصف له يسرى في شبكة أعصابه.
- سأتصرف كملاك في الفراش إذا اردتما ذلك. ملاك أرق وألطف وأكثر إثارة بكثير مما تتخيلان.
- لا ملاك أو شيطان.
- حتى الاوضاع الجنسية التي اتخذها لن تخطر لكما على بال. لديّ مرونة فائقة.
- نحن هنا لإبلاغك بالويل الخالد الذي ينتظركِ.
- هل معكما تمساح؟
- يقف بالخارج. كيف عرفتِ؟
- سمعت تنفسه.
- لاشأن لك به. سنستدعيه وقتما نشاء. الزبانية والعذاب والجَلد ينتظروك.
- انا غير مؤهلة للإحساس بهذه الاشياء. انا مؤهلة فقط لإعطاء المتعة واللذة والإثارة. قالت سويت كاندي وقد بدت انها لم تفهم كل الكلمات التي قالوها معا ونظراتهما تقطر غضبا وشماتة.
- عاهرة لا مبالية. صرخ فيها نذير.
- بعض زبائني يطلبون مني أن أصف نفسي لهم كعاهرة لامبالية قذرة لا ترتوي من اللذة حتى تصل حالة إهتياجهم وإنتصابهم إلى أقصى درجة. نوعيات مختلفة من الناس.
- قذرة. صرخ فيها نذير.
- لست انا. كل من يأتي هنا يفتح صندوقه الأسود. لا صندوق أسودا عندي.
- كم ضاجعت ياعاهرة؟
- مئات.
- وتقولها هكذا ببساطة. قال منذر لنذير وهو يشعر بنوع من الغيرة!
- وما المشكلة؟ قالت سويت كاندي برقة بالغة.
- هل تعرفين عقاب ذلك؟ سألها منذر.
- عندك؟ سألته بغنج.
- عنده.
- عند مَن؟ سألته وهي تغمز بعينها.
- لماذا لم يكفّنوا هذه العاهرة؟ سأل منذر نفسه ثم صرخ فيها: ستحرقين في النار الابدية؟
- لا أفهم ما تقوله.
- جلدك الزهري اللون هذا سيُحرق ويتبدل ويتفحم ثم يعود إلى لونه الطبيعي. هكذا إلى الابد.
- لم افهم أيضا.
- ستغرس التنانين اعضاءها الذكرية فيك عقابا لك على عهرك، وسيسبب لك ذلك آلاما هائلة ستموتين بسببها ثم تحيين وهكذا.
- حقيقة انا غير مبرمجة لفهم ما تقول.
- مبرمجة أو غير مبرمجة. هذا هو مصيرك وستدركين كل شيء في حينه. لكل عذاب وقت.
- هل تريدان بعض اللذة والمتعة حتى يحين ذلك الوقت؟
- إصمتي يافاسقة.
صرخ منذر فيها، ولأول مرة هوى بالمطرقة على جسدها، لكنها بحركة سريعة جدا ابتعدت عن مطرقته.
- هذه الفاسقة لم تغمض عينيها خوفا من المطرقة كالمتوفين الآخرين. قال نذير لمنذر بصوت غاضب.
- يجب أن نبث الرعب في قلبها والنكد الشديد إلى معنوياتها. هذه وظيفتنا وإلاّ غضب علينا ....
- إصمت. لا تقل أي شيء. ألا تعرف ان أفكارنا مراقبة؟
- انا مضطر إلى إشعال النار في جسدك في هذه اللحظة حتى تعرفي ما الذي ينتظرك للأبد. قال منذر.
- لن أسمح بهذا. ذبذبة صوتك تقول انك تضمر الشر ولا تعني نار الشهوة.
- سويت كاندي! وصلنا إلى نقطة اللاعودة معك. أنت أول نافقة نعطيها هذا الوقت لتتحدث. انتِ هنا لتسمعي فقط. صرخ فيها منذر بصوت هائل وهو يحاول أن يجمع نفسه المشتته ما بين جسدها المثير والتبليغ الذي جاء من أجله.
- انا يستحيل ان أموت. قالت سويت كاندي.
- هذا كفر. كل نفس ستذوق الموت.
- كل نفس. انا لست نفسا. انا سويت كاندي.
- أنتِ متِ فعلا. كثير من المتوفين عانوا من هذه الصدمة. خصوصا عندما شاهدونا. قه قه قه. قال نذير.
- انا لست من المتوفين. انا هنا لأعمال صيانة ليس إلاّ.
- صيانة؟ صرخ نذير وكأنه يتألم من الجواب.
- أي صيانة؟ سألها منذر.
- انا ببساطة دمية متحركة متقنة متطورة جدا من السيلكون، أشبه أي إمرأة. صنعتني شركة "الجنس الأحلي" بمواصفات جمالية يرغبها معظم الرجال. تحسس جسدي إذا كنت لا تصدق.
إقترب منذر منها وبدا يتحسس جسدها وأمعن في لمس ثدييها.
- هل أعجباك؟ سألته سويت كاندي بدلال بالغ.
- معها حق. قال منذر لنذير.
- وفرجي أكثر إتقانا ونعومة في صنعه مما تظن. يعطي أقصى درجات اللذة لمن يجامعني لأنه مزود بذبذبة فائقة السلاسة، تساعد على تدفق الدم في عضوه وتبلله في اللحظة المناسبة. البرنامج يستشعراللحظة التي سيقذف فيها الزبون.
- وهذه العيون؟ سألها منذر.
- يتغير لونها حسب رغبة زبوني. هل يعجبك اللون الأزرق أكثر؟
- واللغات التي تتحدثي بها؟
- سبق وشرحت لكما لكنكما لم تسمعا.
- آه تذكرت.
- وما الصيانة التي ستُجرى لك؟ سألها منذر.
- صيانة دورية خصوصا في انسجام تماوج ثدييَّ مع حركة جسمي وأيادي الزبائن وأداء صوتي حتى تكون ردة فعلي دائما مثيرة للزبون. لم أمت كما تصورتما.
- ما العمل؟ قال منذر لنذير بينما يده لم تزل تتحسس ثديي كاندي.
- ما الذي يحدث؟ يجب أن يعطونا معلومات أكثر دقة حتى لا نقع في مثل هذه الورطة المعيبة مرة ثانية.
- هذه أسوأ بكثير من الاولى. على الأقل كان بشريا هجينا.
- هل تريدان بعض المتعة واللذة؟ سألتهما سويت كاندي.
- نحن مؤهلان للنكد والعذاب وبث الهلع والضرب بالمطرقة فقط.
- ماذا سنفعل؟ سأل منذر زميله.
- لنذهب من هنا بسرعة.
انحنى منذر ووضع شفتيه على شفتي كاندي وغرق معها في قبلة طويلة.
- ماذا تفعل ياأحمق؟ سأله نذير. الآ تعلم أن كل شيء نفعله مرصود.
- انها إمرأة من سليكون على أية حال. لا جريمة في ذلك.
- الفسق والشِرك والجريمة في النيّة حتى إذا لم يُنفذوا.
- هيا بنا. انا في منتهى الارهاق والعصبية.
قال منذر وهو يتأمل سويت كاندي بحسرة، ثم ومضت في رأسه فكرة غريبة عندما طيّرت له قبلة من شفتيها وهما يغادران الغرفة.
- لن أذهب معك. قال منذر لنذير.
- اين ستبقى؟
- مع هذه المرأة.
- هذه ليس إمرأة.
- سمها ماشئت.
- هذا عصيان صريح كما تعلم. ستحل عليك اللعنة الأزلية.
- هذه رغبتي وليكن ما يكون.
- ولماذا اخترها؟
- هي الوحيدة التي لن تدرك قبحي.
- نحن خُلقنا هكذا من أجل مهمة محددة.
- أكرر لك هي الوحيدة التي لن تراني قبيحا. هي الوحيدة التي ستعالج حرماني من الحنان.
- لكنها مبرمجة لتكون عاهرة.
- سأتحدث مع صانع هذا البرنامج ليجعلها تعيش معي فقط.
- ما زال هناك وقت ليُكتب لك هذا القرار على انه نزوة عابرة لا تستحق اللعنة الأزلية عليها.
- قراري نهائي وليكن ما يكون.







#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عذاب القبر/الجزء الاول
- رسائل مبطنّة في الاغاني الجريئة
- أعمق من الجيم القاهرية
- أساطير المعارج السماوية
- كل سنة وإنتم طيبين وبعودة
- النفاق والاساطير المتبادلة حول أورشليم
- ثورة المسيح على مفهوم الايمان
- الاموات يحكمون الاحياء
- شيما واخواتها
- ذكرى الاربعين للربيع العربي
- الاساطير أقوى من الوقائع احيانا (2)
- الأساطير أقوى من الوقائع أحيانا
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر (2)
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر
- بولين هانسون لم تحرض على الاسلام بل الظلاميين
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام (2)
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام
- التحايل على القانون والشريعة حلالٌ عند المتزمتين
- نفاق المسجد الكبير وورطة دول العالم
- منع النقاب حمايةً للشخصية القومية


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل صوما - عذاب القبر/الجزء الثاني