أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -5-














المزيد.....

رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -5-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5789 - 2018 / 2 / 16 - 17:45
المحور: الادب والفن
    


آه كم نحن جياع للحرية، صحيح أنَّ الحرية الشخصية كنز لا يفنى، لكن هيتيروغينيتيت البلد السّوري لا تسمح للأسف بالبناء الديمقراطي ومنح الحريات الشخصية. وأعني بهذا المصطلح الكيميائي منظومة الفسيفساء الاجتماعية، أي جملة المخاليط غير المتجانسة التي يمكن تمييز مكوناتها عن بعضها البعض بالعين المجردة. والكلام عن الحرية الشخصية ليس وليد الساعة إذ أنَّ كل التشريعات والقوانين والأنظمة سعت جاهدةً لتحديد مفهوم هذا النوع من الحريات وتنظيمه وتبيان علاقته مع المجتمع.
ليس هناك أية حريات فردية في ظل الأنظمة الاِشتراكية ذات الطابع الدكتاتوري العسكري أو المدني، ولا في الأنظمة ذات الطابع البيروقراطي البرجوازي المُشوّه، ولا في ظل تلك التي تعيش حالة حربٍ حماسية باردة لأنَّ ثمة عدو يتربص بها، ومن أين ستاتي الحرية في الحالة الأخيرة إذا كان المثقف يهتف بدمويةٍ: "سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوك لا مفرُّ".
حيث توجد دولة حرب لا توجد حرية، والحرية في النتيجة هي مجرد حالة ذهنية. على الأكثرية في كل مجتمع أو مؤسسة الانقياد للأقلية واِحترام تعليماتها وتوجيهاتها، الأكثرية غالباً ما تكون جاهلة، الأكثرية على خطأ حتى لو أصابت حيناً. الأقلية هي النخبة التي تمتلك المعرفة وكيفية الوصول إلى الهدف، الأقلية على حق حتى لو أخطأت حيناً.
*****
سأل العامل دهمان في إحدى السهرات أخيه المثقف عبد الباطن والمؤمن حتى أذنيه بفكر البعث ونظريته: "أمعقول يا أخي هذه الظواهر المستشرية في بلدنا الحبيب في ظل قيادة حزبنا العتيد؟ أين فكر البعث من هذا؟ أين نظرية الحزب؟"
رمقه عبد الباطن بنظرةٍ عابسة مستهترة وقال: "وما الذي تعنيه؟"
قال دهمان بهجوميةٍ تتناسب ومعنى اسمه: "أقصد الفساد وكم الأفواه والاعتقالات والقمع وغياب الحريات الشخصية...."
وقبل أن يتابع اِسترساله قال أخوه عبد الباطن بغضبٍ: "والله وتالله لو ما كانت أمي هي نفسها أمك ، لكنت قلت لك: فكر البعث بقوط أمك".
ثم تابع حديثه دون أن يسمعه أو يفهم عليه دهمان: "الأمر بشكلٍ مُبسّط يا أخي دهمان هو كما يلي: أن تحمل الفكرة ونقيضها في نفس الوقت هو شكل من أشكال القوة في عالم السياسة، هو نوع من أنواع التفكير الاِنفصامي الإيجابي، التفكير المزدوج-المضاعف هو من أحد المصطلحات الهامة التي أبدعها الكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته التي تحمل اسم 1984. لقد تعلمنا كرفاق بعثيين منها الكثير، لقد تحوَّل مصطلحه مع مرور الزمن إلى نظرية أكاديمية في علوم الأحزاب والاجتماع والنفس".
*****
سُئل أحد الكتّاب التشيكيين المتشائلين في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عن تأثير كتاباته الإبداعية في خلق المناخ الملائم لتطوير الحريات الشخصية. أجاب الكاتب دون استخفافٍ: "لقد ساهمت كتاباتي بالدرجة الأولى في تنظيف مرحاض رأسي القذر من البراز الذي تراكم فيه عبر عشرات السنين، لقد فتحت كلماتي مجاريه المسدودة فقط، أخيراً صار رأسي فارغاً من صرير الصراصير والجرذان، أما الحديث عن بيئةٍ صالحة لنمو الحريات الفردية فما زال الوقت عليه مبكراً في بلدان أوروبا الشرقية". في تلك اللحظة توقفت الصحفية عن طرح المزيد من الأسئلة عليه.
*****
فقط في الأنظمة الرأسمالية عالية التطوُّر يمكن الحديث عن حريةٍ فردية، لأنَّ لهذه الأنظمة المصلحة في اِحتضان الفن والأدب والفلسفة، في تشجيع التعددية الثقافية والديمقراطية متعددة المشارب والثقافات، في إنعاش مفهوم الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي بين شرائح المجتمع بتعدداتها القومية والدينية والفكرية، في تشجيع الحريات الشخصية وحقوق المواطنة وحرية الأديان والتَدَيُّن وحرية التعلُّم والتعليم والبحث العلمي، لها المصلحة في إصلاح المؤسسات الديمقراطية المتواجدة وفي العمل على تعزيز مشاركة المواطنين والمواطنات وإيجاد طرق للمشاركة في إبداء الرأي في مسائل اِقتصادية واِجتماعية ولها المصلحة أيضاً في الإيمان بالتداول الديمقراطي للسلطة.
*****
آه كم أنت جائع يا أحمد، لا للحريات الفارغة بل للطعام حتى دون حرية، تنام جائعاً، تحلم وأنت جائع ثم تستيقظ جائعاً. لعلك لا تحلم بالطعام بالقدر ذاته الذي تحلم فيه بحميمية الجلوس إلى مائدة طعام. لعلك لا تحلم بالطعام بل بالأم التي تهتم بك من قلبها دون مقابل، لأنَّها تُقدِّر عالياً أنّك تعمل صباحاً ومساءً كي تبقى معها على قيد الحياة، تهتم بك ودون أن تراها تجلس إلى جانبك، بل تسمع صوتها الدافئ قادماً من المطبخ: "هل شبعت؟ هل ترغب بقرص بندورة؟ هل أقلي لك بيضتين إضافيتين؟"
أنت جائع هذا المساء، كما كل مساء وصباح، جائع وتقتلك الوحدة، تقتلك المائدة الفارغة، يقتلك المطبخ وهو يتثائب من شدة الإهمال، تقتلك المرأة الغائبة، يقتلك صوتها الطري، ابتسامتها، فرحتها، جسدها، رائحتها. أنت جائع، تستيقظ من نومك لا لتأكل وحيداً، بل ورغم الجوع لتجلس وتكتب عن أحلامك قبل أن تنساها. في الحقيقة لم يكن ما حلمتَ به حلماً بل حقيقة واقعية، الواقع والحلم لديك صنوان.
كنت تحلم قبل قليل أنَّك جائع وبقربك مائدة فطور شهيّ، وها أنت في اليقظة جائع وبقربك طاولة طعام خاوية ومتسخة من بقايا طعامٍ قديم لا مذاق له، لكنك تمتلك ربطة خبز سياحي، جواز سفرك الاِستثنائي لهذا المساء. كنت تهذي بإنَّك في عجلةٍ من أمرك واِمتحان الباكالوريا بانتظارك، وها أنت في الحقيقة كان لديك اليوم موعد اِمتحان مع الرفيق مجد الذي لم يأتِ، ظروف الامتحانين مختلفة، اِمتحان الحلم واِمتحان الواقع، وظروف الجوعين كذلك مختلفة، جوع الحلم وجوع اليقظة، كان لديك امتحان في الماضي ولديك اليوم امتحان، كان لديك جوع في الماضي ولديك جوع في الحاضر، الامتحان والجوع كالضوء والعتمة، كالحاضر والماضي، كالاستيقاظ والنوم.
*****
يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -4-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -3-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -2-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -1-
- الاعتقال والعرش
- خمارة دليلة والزئبق -الحلقة الأخيرة-
- خمارة دليلة والزئبق -10-
- خمارة دليلة والزئبق -9-
- خمارة دليلة والزئبق -8-
- خمارة دليلة والزئبق -7-
- خمارة دليلة والزئبق -6-
- خمارة دليلة والزئبق -5-
- خمارة دليلة والزئبق -4-
- خمارة دليلة والزئبق -3-
- خمارة دليلة والزئبق -2-
- خمارة دليلة والزئبق -1-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -الحلقة الأخيرة-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -16-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -15-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -14-


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -5-