أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - صبحي حديدي - العتب على تروتسكي














المزيد.....

العتب على تروتسكي


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1482 - 2006 / 3 / 7 - 11:29
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


ليس خبراً عابراً، كما أنها مفاجأة لافتة، أن يكشف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير النقاب عن هذا التفصيل المثير في سيرته الشخصية: أنّ الكتاب الذي شدّه إلى السياسة، بل دفعه إلى الإنخراط المباشر في العمل السياسي، كان سيرة البلشفي الروسيّ الشهير ليون تروتسكي (1879 ـ 1940)، كما كتبها المفكر والمؤرّخ البولوني الماركسي إسحق دويتشر في ثلاثيته الشهيرة (نقلها كميل قيصر داغر إلى العربية، بهذه العناوين: "النبيّ المسلّح"، "النبيّ الأعزل"، و"النبيّ المنبوذ"). ذلك لأنّ من يتتلمذ في يفاعته على اقتداء شخصية مثل تروتسكي، ثورية متمرّدة منشقة إشكالية، يصعب أن يبلغ النهايات التي نشهدها اليوم في مسارات بلير: على صعيد ما يعيشه حزب "العمّال الجديد" من انحطاط سياسي وفكري، وعلى صعيد بريطاني داخليّ صرف في الاجتماع والاقتصاد والحقوق والحرّيات، وكذلك على صعيد خارجي في مسائل الغزو العسكري والتحالف الذيلي شبه المطلق مع الولايات المتحدة.
ونقول "يصعب"، ولا نقول: "محال"، أن ينتهي ذلك التتلمذ المبكر إلى هذه النهايات المتأخرة، إذْ ثمة عشرات الأمثلة على طراز مماثل من الانحطاط (يسمّيه أصحابه ارتقاءً... ولله في خلقه شؤون!)، الذي يقود من معسكر أوّل إلى معسكر آخر نقيض تماماً، وتليق به أحوال العجب والدهشة وضرب الكفّ بالكفّ. وهذا الفتى المنشدّ في سنوات الصبا إلى تروتسكي، هو اليوم ـ في خمسينيات عمره، وفي ولايته الثالثة كرئيس وزراء ـ حامل الألقاب التالية: "مجرم حرب" حسب هارولد بنتر، و" كاذب" حسب أسبوعية "الإيكونوميست" البريطانية، و"منافق" حسب أهل اليسار في حزبه، و"صوت سيّده" الأمريكي حسب استطلاعات الرأي البريطانية، و "حليف صادق" حسب البيت الأبيض...
قبل هذا التصريح الثقافي ـ التربوي كان بلير قد أطلق تصريحاً لا يقلّ دراماتيكية، سياسياً ـ روحياً ـ دينياً هذه المرّة، قال فيه إنّ الله هو حسيبه في قرار غزو العراق، وإنه صارع ضميره طويلاً قبل أن يرسل القوّات البريطانية إلى العراق: "لقد توجّب عليّ اتخاذ ذلك القرار... وفي نهاية المطاف أعتقد أنّك إذا كنتَ تتحلى بالإيمان في هذه الأمور، فإنك سوف تدرك أنّ الحكم على القرار يصدر عن آخرين". وحين سأله محاوره، مايكل باركنسون، عن قصده من هذه العبارة الملتبسة، أجاب بلير: "إذا كنتَ مؤمناً بالله، فإنّ الحكم لله"!
وبالطبع، كان من حقّ أُسَر الضحايا البريطانيين الذين قضوا في العراق، أو جرّاء غزوه، أن يرفضوا هذا التلفيق الإيماني، فاعتبر ريغ كيز، مؤسس مجموعة "العوائل العسكرية ضدّ الحرب"، أنها تصريحات "مثيرة للإشمئزاز"، وبلير "يستخدم الله ذريعة للتملّص من استراتيجية فشل شاملة". وتساءل الرجل، الذي فقد ابنه في تفجيرات أنفاق لندن: "هل نرى 100 كفن قادمة من هناك لأنّ الله أخبره أن يذهب إلى الحرب؟ الحكم الأوّل يصدره أهالي الضحايا، وليس الله". من جانبها أعلنت روز جنتل، التي قُتل ابنها في البصرة سنة 2004، أنها "تشعر بالقرف" من تصريحات بلير: "المسيحيّ الحقّ لا يرسل العباد إلى هناك لكي يُقتلوا".
وليست مبالغة، بعد هذه التصريحات السياسية ـ الثقافية ـ الدينية، أن أن يتخيّل المرء إسحق دويتشر وهو يهتزّ في قبره بشدّة، وأن يحذو حذوه ليون تروتسكي بغضب أشدّ ربما، إزاء نهايات هذا التلميذ غير النجيب أبداً. وعلى المنوال ذاته، ليست مبالغة أن يهزّ رأسه ـ إعجاباً، وليس عجباً ـ رجل مثل الرئيس الأمريكي جورج بوش، المحظوظ بإلهام إلهيّ من نوع متطابق حول حكاية غزو العراق ذاتها. إلى هذا، بل بمعزل عن هذا، يحقّ لسيّد البيت الأبيض أن يكيل المديح لحليفه بلير، مردّد صدى صوته في سجلّ حافل قديم مستديم، كان فيه الأخير طائعاً طيّعاً مطيعاً في مسائل ليست بالغة الحساسية والخطورة فحسب، بل كارثية مأساوية أيضاً وأساساً.
في المقابل، من حقّ جورج بوش ـ الأب، هذه المرّة ـ أن يجري مقارنة بين بلير ورئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر. ففي الأول من شهر آب (أغسطس) 1990 وقعت "خصومة" من نوع ودّي خاصّ والحقّ يُقال، بين بوش الأب وثاتشر، على خلفية الموقف من الإجتياح العراقي للكويت. كانت الأخيرة تقوم بزيارة خاصة إلى كولورادو لاستلام جائزة من معهد آسبن، وشاءت سخرية الأقدار أن يتوجه بوش إلى هناك لإلقاء خطاب في المعهد ذاته حول انتهاء الحرب الباردة. وحسب أندرو ستيفن، مراسل «الأوبزرفر» في تلك الأيام، اكتشف بوش أن ثاتشر مستنفرة ضد العراق أكثر بكثير من الولايات المتحدة، حتى أنها قارنت الخطوة العراقية بغزو الأرجنتين لجزر المالوين عام 1982. ويسجل ستيفن أن ثاتشر حرّضت بوش على الانخراط في الحرب دون إبطاء، بل وبلغت حدّ تعنيفه أيضاً: "أنتم أمّة عظمى، ولا بدّ أن تقوموا بشيء... لا تكنْ رخواً يا جورج"!
وبالطبع، لا أحد حثّ بلير أن لا يكون رخواً، لأنه ارتخى من تلقاء ذاته، وانخرط في ركاب بوش الابن دون تردد، مثلما انخرط من قبل في ركاب بيل كلينتون. والعتب، دائماً، على تروتسكي ودويتشر!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوش في شبه القارة الهندية: الكيل بمكيال -غوانتانامو الصغرى-
- عشب القصيدة
- تصدير الديمقراطية: كيف للسفن أن تمخر بحر الظلمات؟
- ثروة ثروت عكاشة
- الوزارة السورية الجديدة: رجال لا في العير ولا في النفير
- عن ملوك أمريكا
- لقاء البيانوني خدّام: طيران فوق عشّ الوقواق؟
- الدانمرك أم النظام العربي؟
- ما خلا فلسطين، ديمقراطيات -بلاد بوش- على قدم وساق
- فتّشْ عن الشعر
- العراق: فواتير ديمقراطية ال -بزنس- المضرّجة بالدولار
- ذاكرة -ربيع دمشق-: ما تزال البنية عصيّة على الإصلاح
- غوانتانامو في العام الخامس: وصمة عار أم عدالة أمريكية الطراز ...
- برابرة عيد الأضحى
- غياب شارون: مفاعيل مشهد عابر للحدود والأقاليم
- سورية في 2006: القادم أعظم... هذه السنة أيضاً
- ديمقراطية أمريكا المعاصرة: أين جورج أورويل من جورج بوش
- النابغة والجولان
- دمشق بعد ميليس 2 واغتيال تويني: خمس رسائل انتحار
- بلد سيزير وقانون ساركوزي


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - صبحي حديدي - العتب على تروتسكي