أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - محمد عبده - تأسيس الروح الثقافي















المزيد.....

محمد عبده - تأسيس الروح الثقافي


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 5786 - 2018 / 2 / 13 - 16:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن بلوغ الفكرة النقدية ذروتها في تأسيس العقل الثقافي الذاتي كانت بدورها المقدمة التي أرسى عليها محمد عبده مهمة تأسيس الروح الثقافي الذاتي. فالروح الثقافي الذاتي هو ربط عضوي متجانس للعقل الثقافي الذاتي بالتاريخ القومي مع البقاء ضمن فلسفة الرؤية الثقافية الإنسانية. وليس مصادفة أن تتلازم في مجرى تطور الرؤية الإصلاحية عند محمد عبده الفكرة المصرية والعربية الإسلامية، بما في ذلك في مواقفه المتطورة من العثمانية والتركية بوصفها قوى سياسية غريبة ومغتربة عن حقائق التاريخ المصري والعربي الإسلامي. بمعنى أن اشد الأشكال نقدية وشدة في مظهرها القومي ليست إلا الصيغة الوجدانية العارمة للروح الثقافي الذاتي، أي أنها تخلو من حيث بواعثها وغايتها عن الأبعاد القومية العنصرية.
بعبارة أخرى، إن النزعة "القومية" الجلية أحيانا في عبارات محمد عبده في نقده للتركية والعثمانية ومختلف الأقليات "الغريبة" على مصر، لم تكن إلا الصيغة السياسية الحادة عن فكرته الإصلاحية. وبالتالي لا علاقة لها بصراع القوميات الضيق والأديان والمذاهب. على العكس أنها كانت تحتوي في أعماقها على محاولة إعادة بناء العلاقة العربية التركية، والعربية – الإسلامية، والمذاهب الإسلامية، والإسلامية – النصرانية بمعايير الفكرة الإصلاحية، أي رفعها من حضيض القومية والعرقية والعنصرية والدينية والطائفية والذهبية إلى مصاف الفكرة الإصلاحية (الإسلامية) الكونية وإقرارها الفعلي بالتنوع القومي والديني والمذهبي. لهذا نراه على سبيل المثال يشكو في إحدى رسائله للأفغاني في معرض حديثه عما اسماه بمعرفته بمسيحي الشوام قائل: "وجميعهم مع بعض المصريين من اصطبل واحد" . وأدرج ضمنهم أديب اسحق وسليم النقاش وسعيد البستاني. وفي معرض حديثه عن موقف "الأقليات" الدينية والمذهبية والقومية بالمصالح الكبرى للعرب والدولة العثمانية (الإسلامية) نراه يصور النصارى عموما على أن ولائهم للغرب الأوربي (الفرنسي والبريطاني). بل ويضيف إليهم أيضا السنّة، وبصفهم اقرب إلى هذا السلوك فيما يتعلق بإرسال أبنائهم إلى المدارس الأوربية والأمريكية النصرانية (التبشيرية). وكذلك حال الدروز رغم بعض الاختلاف. لكنه يفرز الشيعة عموما والنصيرية (العلوية) خصوصا من بينهم ممن يرفض إرسال أبنائهم لغير المكاتب الإسلامية .
غير أن هذا النقد وأمثاله هو مجرد مظاهر خارجية للفكرة الجوهرية في فلسفة الإصلاح، أي فكرة تأسيس العقل الثقافي الذاتي (العربي الإسلامي). وليس مصادفة أن يكون نقده الفعلي موجها ضد سلوك الدولة في تعميم الجهل ولكن من خلال نقد سلوك المذاهب والأديان أيضا. وضمن هذا السياق يمكن فهم موقفه مما اسماه بفضائل السنّة بالنسبة للدولة، انطلاقا من فكرة "الأكثرية" الفاعلة آنذاك بمعايير التاريخ الفعلي والثقافة القائمة. وإذا كانت تحتوي في بعض جوانبها على ضيق مذهبي فانه يتبخر تحت حرارة الفكرة الإصلاحية الداعية إلى ضرورة تأسيس ما أسميته بالعقل الثقافي الذاتي، أي الدرجة الأرقى لتأسيس العقل الثقافي. من هنا نرى أيضا تخوفه مما اسماه بعاقبة انحراف السنة في ظل استمرار ابتعاد الدولة عن الاعتناء بهم . وينطبق هذا على نقده للأقليات القومية. بمعنى نقده إياها بمعايير التاريخ السياسي وليس القومي. من هنا يمكن فهم مواقفه على سبيل المثال من سلوك صلاح الدين الأيوبي في جلبه للمماليك، وما آلت إليه البلاد لاحقا. بحيث يعتبر الشراكسة(المماليك) في آخر مراحلهم أتعس من كل ما سواهم. بحيث نرى احدهم يجرّب حدة السيف في أماكن بيع السلاح من خلال رؤية آثاره على المارة بقطع رؤوسهم أو أجسادهم ! وضمن هذا السياق ينبغي أيضا فهم موقفه من الأتراك، كما هو جلي على سبيل المثال في عباراته القائلة "إن جميع المصريين السياسيين منهم والعاديين يكرهون الأتراك. ولا يشعر المصري بشيء تجاههم غير القرف والكراهية والاستعداد للقتال" . وإن "الأتراك ظلمة. وتركوا في البلاد من أثار السوء ما يضرب القلب ضربان الجرح. فلسنا نريد رجعتهم ولسنا نريد معرفتهم" . بل نراه يجزم مرة قائلا:"ما أحب أن يكون الحاكم في بلادي تركيا أو شركسيا، لان استعداد أهل بلادي للحكم أقوى من استعداد هذين الجبليين. مظالمهم كبيرة كثيرة، موجودون حراس على أبواب السجون" . وبالمقابل جرى مرة تصوير محمد عبده بعبارة "هذا المصري الأصيل من أهل الفول وليس المصريين المزيفين من أتراك وشراكسة وأرمن وشوام ويهود، كل منهم يدعي انه ابن النيل لا نيل فيه ولا نبل" .
إننا نقف هنا أمام رؤية متراكمة لتأسيس الروح الثقافي الذاتي بأبعادها الإصلاحية السياسية. من هنا تداخل وتراكم وانتظام الأبعاد الوطنية (المصرية) والقومية (العربية) والثقافية (الإسلامية). فعندما يتكلم عن الأبعاد الوطنية، فان مضمونها يبقى على الدوام راسخا ووثيق الارتباط بفكرة العمل من اجل الخير العام والقانون . لهذا نراه على سبيل المثال، يعتبر تسوية الأمور المالية من دون الإخلال بمصلحة البلاد من بين أهم وأنبل عمل الحكومة والدولة . وليس مصادفة أن نرى مختلف مظاهر هذه الرؤية بما في ذلك في لباسه ومأكله وتوجهه الحياتي وأسفاره وغيرها. فقد غيّر وجهته في السفر عبر صقلية عندما قالوا له بأنك سوف ترى آثار العرب هناك باقية. بل ونراه يقارن بين اهتمام الأوربيين بجمع آثار الماضي من التماثيل والرسوم ومعاناتهم في ذلك بما كان العرب المسلمين الأوائل يعانون من اجله بالنسبة لجمع الشعر وحفظه. ووجد في كلتا الحالتين أشكال مختلفة للاحتفاظ "بديوان" يسجل الماضي وأحداثه . لكنه من جهة أخرى ينتقد العرب انتقادا شديدا على انعدام أثرهم في العصر الحديث. ويتساءل "أين هم"؟ وضمن هذا السياق نراه يؤيد ويدعم ما قام به لويس الصابونجي في نشره لتاريخ العرب والدفاع عن فضيلتهم التاريخية والثقافية. ويطالبه في الوقت نفسه بالاعتماد على مصادر التاريخ العربي الأصلية من اجل التوسع بهذا الصدد . كما نراه يمدح حافظ إبراهيم في ترجمته لكتاب فيكتور هيجو (البؤساء). بل ويجد فيما قام به إبراهيم حافظ "تناسخا" لروح ابن المقفع، وإخراجا للعربية من العجمة . ونفس الشيء يقوله في رسالته لسليم البستاني بعد ترجمته لكتاب (الإلياذة).
إن تحول اللغة إلى ميدان وأسلوب وغاية الإصلاح العقلي والروحي والثقافي للأمة يعكس تلقائية التطور الطبيعي والمنطقي للفكرة الإصلاحية عند محمد عبده. بمعنى مسارها الطبيعي والمنطقي صوب تكاملها الخاص بمعايير الرؤية الثقافية الإسلامية، أي الرؤية الثقافية التاريخية الخالصة. مع ما فيها من طاقة كبرى كامنة في تحرير العقل والوجدان من الاغتراب الثقافي والتقليد الفج. وليس مصادفة أن يجد محمد عبده "أول جناية" للجمود التاريخي والثقافي للعرب فيما دعاه بجمود أساليب وآداب اللغة العربية وضياع أمهات الكتب، أي المصادر الضروري بالنسبة لكل نهضة وإحياء ثقافي حر وأصيل. لهذا نراه يتكلم في معرض انتقاده لحالة اللغة العربية في وقته عن "الناطقين بالعربية من العراق إلى مراكش" بان "مثلهم مثل قوم من الأعاجم مخالطين للعرب". بحيث وجد في كلامهم بسبب المخالطة مفردات كثيرة من العربية! وهو ضياع تاريخي وثقافي هائل جعل محمد عبده يقر بان الاشتغال بلغة الأمة وآدابها فضيلة في نفسه ومادة من مواد حياتها. ولا حياة لأمة ماتت لغتها". ولهذا السبب أيضا نراه يصل إلى الفكرة القائلة، بان إصلاح الأمة يفترض إصلاح اللغة العربية. من هنا نقده لتقاليد الغربنة في اللغة بحيث نراه يعتبر أسلوب المعلم بطرس البستاني في جرائد (الجنة) و(الجنان) وعلى أثرها (الأهرام) مجرد تقليد فج لا قيمة له بحد ذاته. بل نراه يعتبر اندثار هذا النوع من الكتابة فضيلة. وهو نقد جارح ومتطرف لحد ما، لكنه يعكس غلو الفكرة الإصلاحية في موجهة حالة الانحطاط العميقة ومستوى الاغتراب المحتمل في تقليد لغة الغرب عوضا عن الرجوع إلى أصول اللغة ومنطق تراثها القومي والثقافي. من هنا ربطه بين فكرة إصلاح اللغة العربية وفكرة التمدن. وكتب بهذا الصدد يقول، بأنه عندما كان العرب في أوج كمالهم وتطورهم، بل وأرقى الأمم بمعايير ذلك الزمان، فان ذلك وجد انعكاسه أيضا في اللغة التي استطاعت أن تعبر عن انجازاتها ومعاركها الفكرية والروحية في مصطلحها وكلماتها وعباراتها وبيانها .
إننا نقف هنا أمام تكامل التأسيس النظري للفكرة الإصلاحية من خلال بروز منظومة الوعي الإصلاحي الفاعل بالنسبة لإرساء مختلف المفاهيم والأفكار والمواقف والقيم. وليس مصادفة أن تحتل فكرة النظام والعدل والقانون أضلاع المثلث الكبير للفكرة السياسية الإصلاحية الإسلامية عند محمد عبده. فهو الثالوث الذي يعبر بصور نموذجية رفيعة المستوى عن ثالوث فكرة العقل الثقافي الذاتي والروح الثقافي الذاتي والروح السياسي الذاتي. (يتبع...)
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد عبده ومهمة تأسيس العقل الثقافي
- محمد عبده: إصلاح التربية طريق الإصلاح الحق
- محمد عبده وفكرة التدرج في الإصلاح
- الفكرة الإصلاحية عند الشيخ محمد عبده
- مرجعية الخلافة الذاتية عند محمد عبده
- زكي الارسوزي - الفكرة القومية واللغة العربية
- كراهية الإسلام
- الصراع الديني - المذهبي في المشرق العربي المعاصر
- المشرق العربي وإيران في الصراع الروسي – الأمريكي
- روسيا والصراع من أجل الشرعية في سوريا
- الإمبراطورية (الأمريكية) والجغرافيا السياسية (للعالم العربي)
- في نقد طه حسين(7)
- في نقد طه حسين(6)
- في نقد طه حسين(5)
- في نقد طه حسين(4)
- في نقد طه حسين(3)
- في نقد طه حسين (2)
- طه حسين(1)
- مائة عام على الثورة البلشفية - اشكالية الثورة والاصلاح
- حدود العقل- المقدمة العقلية لطور الولاية عند الغزالي


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - محمد عبده - تأسيس الروح الثقافي