أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات إسبر - الموت عندما كان لعبة















المزيد.....

الموت عندما كان لعبة


فرات إسبر

الحوار المتمدن-العدد: 5780 - 2018 / 2 / 7 - 09:54
المحور: الادب والفن
    



أذكرُ من أيام ِطفولتي ،في قريتي الصغيرة ،حيث كنّا نقضي أجازةَ الصيف فيها . والدي كان يصُّر على التواصلِ مع ما تركه جدي من أرث ٍله فيها .
كنا نجتمع ،أولاد القرية صبياناً وبناتاً نلعب ُ ونمرح ُ غير عابئين بهموم ِ الحياة ولا مصائرها ،من موتٍ أو حياة .!
كان في القرية رجل عجوز أصابه الخَرفُ فبتنّا نخشاهُ ونخشى عصاه الطويلة التي يلوح بها ويسرد قصصاً لم يسمعْ بها البشر من قبل ،إذ أنه فقد ذاكرته ، لا يعلمُ من هو ولا أين أتى . !
هذه الحكايات ترسختْ في طفولتنا ،حيث كانت النساء تروي القصصَ عنه وعن شبابه ويحذرننّا من الأقتراب منه . مع كل الحكايا ت ِالتي كنا نسمعها ، لم يخطر على بالنا فكرة الموت ولا نفهم ما معناه ، إذ سمعنا الخبرَ الذي أنتشر في القرية بأن العجوز، مات .
أجتمعنا وأولاد القرية للركض إلى بيته لنراه دون أن ندرك معنى كلمة موت ونحن نضحك ُ غير عابئين بقسوة الكلمة ومعناها النفسي وحتى اللغوي .
وتسابقنا ركضا ً إلى بيت العجوز لنراه ممدداً على الأرض ومغطى من رأسه إلى قدميه بغطاءٍ أخضر اللون ما زلت ُ أذكره إلى اليوم رغم مرور السنوات . كان ممددا ً في غرفة واسعة مفتوحة الأبواب والنوافذ . بدأنا بالتلصص على العجوز الميت دون أن ندرك معنى هذ ا المشهد . جسد ٌ ممددٌ بلا حراك ٍ وقد كان يوما جسداً تسري فيه الحياة ، يمشي ويأكل ويشرب ويلوح بالعصا .بدأنا نتسائل بهمس ٍ عما حل ّ به ولماذا هو مغطى من رأسه إلى قدميه ، وكل ذلك بهمسٍ خشية أن يسمعنا وينهض بعصاه الطويلة .
نبتعد ونقترب منه ، دون أن يكون لدينا الجرأة لأيقاظه . حضرتِ النساء والرجال وقاموا بالدعاء له ومن ثم واروه في التراب في حفرة كبيرة وطويلة على قياس ِ جسده الذي أزداد طولاً بموته هكذا نعتقد نحن الصغار بأن من يموت يصبح له أجنحة ويزداد طولا ً .
غادر الجميع بعد أن وضعوا له الريحان ورشّوه بالماء . وهكذا انتهت اللعبة ، بالموت وذهب كل إلى بيته مع سؤال كبير لا أجابة له .!
يا إلهي هل سيبقى وحيدا ً في البرية؟
كانت أمي ، تقول لنا أن الملائكة تأتي إلى الموتى وترفعهم إلى السماء وترفرفُ بجناحيها بعيد اً وعاليا ًحيث لا يمكن
لأ حد أن يرى الموتى سوى أمهاتهن فالطريق إلى السماء هو للأمهات ،لأن الله جعل الجنة تحت أقدامهن، لذلك يكون العبور إلى الموتى سهلاً وأن الأ طفالَ جميعهم في الجنة .
صار الموت شكلاً آخر للحضور . موت ٌيقابله ُحضورٌ ولكن هذا الحضور لا يتجلى بالجسد الفاني ولا بالأنفاس التي توقفت . تبقى الصور على الحيطان معلقة ً، تابوت آخر معلق ٌ، يذكرنا بالموتى . لا أحب الصورَ التي تُعلق
على الحيطان .
أذكرُ موتَ جدي ، من الحكايات التي كنت أسمعها عنه . مات جدي حرقاً في سيارة كانت تَقله من المدينة إلى القرية ،لقد احترق جسده كاملا ًو لكن الجميع تعرّف عليه من نظارته ومن المصحف الذي كان يحمله ُ في صدره ، حيث أقسم الجميع أن معجزة القرآن هي من أثبتت شخصيته بعد الأحتراق !.
كنت ولا أزال أحبُّ صورة َجدي المعلقة َفي البيت ، أحب كتبه ُ ومعاجمه التي تركها ، ..وبيته وأرضه وكل ما يحيط به ولكنني لم أحب الموت الذي سرقه مني ، ومنا جميعا ً. كراهيتي أبدية للموت الذي يأخذ بوحشية ، من نحب .!
الرسل تميزوا ،بعضهم عن بعض بدرجات ، ويبدو أن أبشع وظيفة يكرهها البشر وظيفة عزرائيل .!عزرائيل ملك الموت ، هل للموت ملك ؟ كما للبلدان والشعوب ؟
ملاك باختصاص ، ملاك الموت يأخذ فرادى وجماعات في الحروب والزلازل والأغتيالات .
الخوف من الموت الذي يأتي على غفلة ولا يحق لنا أن نسألَ، من هو هذا الملاك ؟ ومن أرسله .؟ً دون أن نحرك العقل لتفسير معنى موت أو ملاك الموت .
العودة الممكنة والتباساتها : تسألني ابنتي ،اسئلة صعبة لم أكن اجرؤ أن أسألها لأمي ، لأنه كان عليّ أن استغفر الله مرارا ً وتكرارا ً ،لكنني اليوم استعيد هذا الغفران و ما زلتُ في غموض ٍ من نفسي ،إذ أني لا أفهمُ مصدرهَا ولا أفهم إلى أين مرجعها ولا كيف سأكون فيما إذا رجعتُ وفي أ ي جسد ٍسأكون بعد أن أ عود من الموت .لكن جوابي واضح ٌ لأبنتي لأقول لها بكل صدق سأختارها أن تكون ابنتي وأن تكون عائلتي ، عائلتي .لكن كيف لنا أن نثبت العودة إذا كان هذا الجسدُ فانٍ " أليس كل من عليها فان ؟
الفلاسفة رغم اختلاف وتطابق نظرياتهم حول الموت ،لم يبق َ أحد ٌ منهم إلى يومنا هذا بدليل قول جبريل لمحمد عليه السلام :
"يا محمد عش ما شئت فإنك ميت "
رسلٌ الله ماتوا ، وحَسب الخطاب الألهي يبقى "وجه ربك ذو الأكرام والأجلال "،فما دام الموت حتمية كما هي الحياة ، لماذ ا لا تنتهي هذه الرهبة منه وهذا الخوف وهذا القلق العظيم الذي لم يتوقف عنده الفلاسفة ولا البشر إلا اعترافا منهم بعدم جدوى البحث عن يقينٍ لا يمكن اثباته من حيث الروح والجوهر .
دائما تحضرنا فكرة الموت ، سواء لأحباء وأعزاء لنا أو حتى أشخاص لا يمثلون قيمة روحية ومع ذلك نشعر بالحزن والأسى لغيابهم ،بالعزاء تجاه أنفسنا بأننا سوف نذهب ُ إلى نفس ِاُلمصير، فبكاء الموتى هو حقيقة بكاء ٌ الذات . أذكرُ في أحدى المرات بأنني كنتُ ، في أحد المشافي وأنا في الممر الطويل أرى عربة يجرها ممرضان وعليها جسدٌ مغطى وكلاهما يترحم ُعلى الميت ِ ،فانتابتني نوبة بكاءٍ شديدة، وجلست على أحدى الكراسي كي أتمالك نفسي قليلا ًوبدأ الناس بالتقدم نحوي لتعزيتي لأعتقادهم بأن الميت يخصني .
الموت في الشرق مقرونٌ بالبكاء والحداد واللون الأسود الذي ترتديه المرأة طوال حياتها فيما إذا فَقدتْ عزيزا أو زوجا ً بينما هنا في الغرب تختلف الفكرة ٌ تماما ً في فهم ٍ الموت ،بأن الميت سيذهبُ إلى أجمل مكان أُعدَّ خصّيصاً له ، هكذا جارتي ودعت زوجها بملابسَ أنيقة وزهورٍ وعطور . لتقول لي :" أنه ذهب إلى مكانه المفضل الذي ينتظره .هناك سيكو ن أكثر سعادة ."
الفلاسفة لم ينتظروا هذه النهايات .. السعيدة لموت محتم .
التديّن ، يعطي للمتدين راحةً أبدية بأن هناك الجنة والنار وهو يعمل للحصول على الفوز الذي يريد .
نولد خارج أ رادتنا ونموت خارجها، لذلك لا نستيطع أن نتحكم بمصائرنا .
بعض الفلاسفة لم ينتظروا هذه الأرادة الألهية للموت وكان هناك من تحداها إثباتاً لذاته ووجوده .
يُحكىَ أّن الفليسوف اليوناني "أمبادوقليس "، أنه رمى نفسه في فوهة النار بعد أن أعاد إمراة ً للحياة ،أذ أن لهيب بركان "أتنا "قد ابتعله كاملا ً ما عدا حذائه النحاسي فقد قذفه اللهب خارجا ً .
الفلاسفة يؤمنون بالموت وبأنه مصير محتم بالرغم من حججهم وقناعاتهم ونظرياتهم التي طرحوها حول فلسفة الموت ، وكيف يفنى الجسد وتعلو الروح إلا أن الجواب بقي غامضا ً.
سُئل الفيلسوف اليوناني السوري "زينون الرواقي" ،عندما توفي أبنه لماذا لم يبدي كثيراً من الحزن على وفاته فأجاب مؤكدًا فلسفته الطبيعية:" لم ألد أبنا ً لكي لا يموت .!
الموسيقار العظيم بتهوفن وهو يحتضر نادى بأعلى صوته : صفقوا يا أخوان لقد انتهت المهزلة .. !
نفكر بالموت غدا ًومستقبلاً .سرٌ عظيمٌ نجهله عقلا ًوندركه أيمانا ً.



#فرات_إسبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصافير التي جاءت أول الصباح
- سيرة الغائبة
- أول الملكات
- لا عريش نستظل به
- الكتاب المسافر بين الجهات
- أبواب الجنة
- من جسد الطائر
- يشدني المكان يكسرني العطر لجميلة عبد الرضا
- القطاف ُ يأس ُ الثمار
- لا أريد ُ لهذا المحيط أن يهدأ
- من الهاوية إلى عطر الحب .نيسان آخر
- قصائد تجرح العين
- الشعر صعود إلى السماء
- قديسة ٌ لا يوجد مثلها على الأرض
- نار ٌ وكتاب
- مجلة ذوات
- الطريق إلى أرض الله
- مطرٌ على جيكور
- في بهاء المدن
- ربيع الموت


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات إسبر - الموت عندما كان لعبة