أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الحزب الشيوعي السوداني - مدخل الي المنهج الديالكتيكي المادي















المزيد.....



مدخل الي المنهج الديالكتيكي المادي


الحزب الشيوعي السوداني
(Sudanese Communist Party)


الحوار المتمدن-العدد: 5780 - 2018 / 2 / 7 - 00:55
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مدخل الي المنهج الديالكتيكي المادي

طبعة ثالثة منقحة

تقديم:

يسرنا أن نقدم طبعة ثالثة منقحة من محاضرة( مدخل للمنهج الديالكتيكي المادي)، راعينا فيها اضافة الملاحظات التي وردت في مدارس المحاضرين الحزبيين والمرشحين والمناطق والفروع التي وصلتنا، كما ركزنا فيها علي شرح قوانين ومقولات الديالكتيك المادي من خلال امثلة من العلوم الطبيعية الحديثة والمجتمع، وردت في الفصل الثاني من المحاضرة، حسب الاقتراحات التي وصلتنا.


الهدف من هذه المحاضرة هو تقديم الديالكتيك بوصفه المنهج العلمي في أوسع معانيه ، الذي ينظر للظواهر في حركتها وتطورها وترابطها وبذهن مفتوح ، كما أن الهدف هو مساعدة المرشح علي استخدام هذا المنهج في التحليل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية وكطريقة علمية في البحث ، إضافة للتطورات الأخرى في مناهج العلوم الحديثة ، وبهذا يتم معالجة السلبيات في الطريقة السابقة التي كان يقدم بها الديالكتيك بطريقة مدرسية تنقب عن أصله وأنواعه وميادين استعماله ... الخ ، بعيدا عن اتخاذه مرشدا لدراسة وتحليل الواقع الملموس والعمل علي تغييره . ومعلوم أن ماركس وانجلز لم يضعا قواعد أو بيانا منهجيا عن الديالكتيك ، وإنما استخدما الديالكتيك المادي في أبحاثهما ودراساتهما.

كما أن الهدف هو تأكيد جوهر الديالكتيك النقدي الثوري والذي يتمشى مع منهج العلم الذي لا يعرف النهائية والاكتمال والحقيقة المطلقة .

كما يفيد تعريف مصطلحات مثل المنهج ، النظرية ، المقولات ، الأيديولوجية ... الخ وتوضيح الفرق بين الايدلوجية والعلم .

كما نوضح أن المحاضرة ليست نهاية المطاف في الديالكتيك المادي ، وانما الهدف منها حفز المرشح لمواصلة البحث والاطلاع والتدرج في استخدام المراجع ، والأهم من ذلك هو محاولة استخدام المنهج في التحليل والدراسة واستنباط الحلول للمشاكل اليومية والحزبية التي تواجه الزملاء ، أي استخدام المنهج الذي تتسع وتتنوع طرقه وأهمها تناول الظواهر بذهن مفتوح ، بدون وضع نتائج مسبقة تحقق رغباتنا ، كما يمكن أن نعطي أمثلة من تطور العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية ، ومن تجاربنا كاستخدام المنهج في تناول ثورة اكتو بر 1964 ، الثورة المهدية (راجع الفصل الثاني من المحاضرة).

كما حاولنا أن نبسط المحاضرة بقدر الامكان وشرح المصطلحات والمفاهيم، دون ابتذال للعلم والمعرفة، والذي يتطلب جهدا من الدارس في الفهم والاستيعاب.

كما راعينا أن المحاضرة مدخل للمرشح( العضو الجديد) ، تهدف الي تعريفه بالأساسيات، وربط النظرية بالممارسة والعمل ،ثم بعد ذلك يواصل عن طريق التثقيف الذاتي، مع الاخذ في الاعتبار ان هناك مرشحين متقدمين، لا تشبع المحاضرة تطلعاتهم، وبالتالي علي المحاضرين ان يتعاملوا معهم من نقطة متقدمة، المهم بقدر الامكان نراعي التفاوت بين المرشحين، والفروق الفردية بينهم كما يقول علماء التربية، في طريقة التقديم، وباعتبار ان المحاضرة عبارة عن خطوط عامة، علي المحاضرين أن يرجعوا للمزيد من المصادر لتوضيحها وشرحها وتقريبها للمستمعين، بأشكال متعددة ومتنوعة.

تتكون المحاضرة من فصلين:
•الفصل الاول: يتناول المدخل للمنهج الديالكتيكي المادي، وهو مدخل نظري.
•الفصل الثاني: يركز علي امثلة للديالكتيك من الطبيعة والمجتمع، ويمكن للمحاضرين والدارسين ان يتوسعوا في المزيد من الامثلة التي ترفع من درجة استيعاب الموضوع.

كما قدمنا عددا من المصادر والمراجع في نهاية المحاضرة بهدف مواصلة التثقيف الذاتي الذي يصقل الشيوعي ويوسع مداركه السياسية والفكرية، اضافة الي أنه من واجب الشيوعي(المثابرة علي التثقيف الذاتي) والإنخراط في النشاط العملي الذي يساعد في استيعاب النظرية وتطويرها، كما جاء في لائحة الحزب، ولصعوبة وجود المراجع في السوق اعطينا موقعين في الانترنت يمكن زيارتهما للوصول للمراجع والمصادر.

ونامل ان تصلنا المزيد من الملاحظات حتي نضمنها الطبعة القادمة.

مكتب التثقيف المركزي

سبتمبر 2016 م

مدخل الي المنهج الديالكتيكي المادي:

مقدمة:

قبل دراسة المنهج الديالكتيكي أو المنهج العلمي في اوسع معانيه، يبرز السؤال : ماهو المنهج؟ وماهي النظرية العلمية؟ وما هي الايديولوجية؟ وماهي المفاهيم والمقولات؟

أولا: المنهج:

هناك تعريفات كثيرة للمنهج اهمها: هو الطريقة التي يسترشد بها الباحث في دراسته، بحيث يتيح له أن يكتشف حقائق جديدة يضيفها الي تراث الانسان العلمي.

علي أن المنهج ليس جامدا ، بل يتطور ويغتني مع تطور العلوم وتقدم التحليل المنطقي والرياضي والاكتشافات العلمية والانجازات التكنولوجية وتطور المعرفة ، كما أن المنهج لا يشكل ضمانا من حدوث الاخطاء، ولكن في حالة حدوث الاخطاء يتم الاعتراف بها وتحليل الاسباب التي قادت لها ونقدها وتصحيحها.

ثانيا: النظرية العلمية:

أما النظرية العلمية فهي حقيقة علمية أو مجموعة من الحقائق التي توصل اليها الباحث بمساعدة طريقة ما ، يختارها هو بوعي أو بغير وعي وتتكون النظرية العلمية من عناصر تشمل الآتي:-

أ – قابلة للإثبات أو التحقيق من خلال وقائع محددة.

ب- تخضع للنقد الموضوعي.

ج- تقبل التعديل والتطوير.

د- قابلة للدحض.

ه- النظرية ترشد الممارسة التي بدورها تغني وتطور النظرية.

وبعبارة اخري، ان النظريات العلمية أو القوانين العلمية ماهي الا تقديرات تعبر عن الانتظامات في الاشياء بأكبر دقة ممكنة ، وانها تستخدم لتفسير الوقائع التي تمت معرفتها ، كما تستخدم للتنبؤ بالوقائع التي لم تعرف بعد، وعندما تعجز النظرية عن تفسير ظواهر جديدة تظهر نظرية جديدة تعمل علي تفسيرها، وكل نظرية جديدة تستند علي منجزات النظريات السابقة وتبني عليها، وهكذا تتطور المعرفة.

على ان العلم ليس ضمانا من حدوث الاخطاء ، كما ان للعلم تقاليده وآدابه والتي يمكن تلخيصها في الآتي:-

أ‌- حظر الوصاية علي التفكير العلمي ، حتي لو صدرت من مختص.

ب‌- الاعتراف باحتمال وقوع العلماء في الخطأ ، بشرط تحليل الاخطاء والتعلم منها بدل التستر عليها، وممارسة عملية النقد والنقد الذاتي.

ت‌- احترام الباحث في العلم لحرية الآخرين في النقد والاعتراف بحقهم في تنبهيه الي اخطائه، فذلك ادعي الي تصحيحها من الاكتفاء بالنقد الذاتي.

ث‌- الا يكون اهتمام المشتغل في العلم تنبيهه الآخرين الي اخطائهم شاغلا له عن الاهتمام بأخطائه هو.

(انظر ارنست ماير: هذا هو علم البيولوجيا( الكويت 2002، ص 60).

كما ان المهمة الاولى للعلم هي بالتأكيد استكشاف الحقائق وهذا ما يميزه عن الفلسفة. في العلم تكون الاجتهادات متجددة وليست هناك حقيقة نهائية، والاختلاف في الرأي يكون السمة الغالبة في كل زمان ، كما ان من سمات العلم الانفتاح لقبول التحديات والاستعداد لتنحية أي اعتقاد شائع عند ظهور ما هو اصح منه ، وذلك من اهم الفروق بين منهج العلم والجمود العقائدي.

ثالثا: الايديولوجيا:

تعريف الايديولوجيا كما جاء في معجم العلوم الاجتماعية والفلسفية (هي مجمل التصورات والافكار والمعتقدات وطرق التفكير لمجموعة امة او طبقة أو فئة اجتماعية أو طائفة دينية أو حزب سياسي، وتكون الايديولوجيات عادة مشروطة ومحددة بالظروف المناخية والعادات) ( انظر معجم العلوم الاجتماعية والفلسفية، نيويورك 1944م، ص 149).

وفي قاموس الياس العصري(1985م) ترد كلمة ايديولوجيا Ideology، بمعني : فن البحث في الافكار والتصورات أو الفكريات.

مفهوم الايديولوجيا في الادبيات الماركسية:

وفي مؤلفات ماركس وانجلز يرد تعبير الايديولوجيا بالمعاني الآتية:
•في مؤلف “الايديولوجيا الالمانية” لماركس وانجلز يرد: ( الايديولوجيا والبناء العلوي الايديولوجي، بأنها تقلب الأشياء رأسا علي عقب). (خيالات)، ( الصور الكاذبة التي يرسمها الناس عن انفسهم).(آراء تبرر الأوضاع الاجتماعية الخاصة).(مذهب)، (انتاج عقلي مباشر)، ( الدين).

•وفي “بؤس الفلسفة لماركس” و ”البيان الشيوعي” لماركس وانجلز يرد بالمعاني التالية: ( يتضمن كل العلوم الانسانية وخاصة العلوم الاجتماعية، بما فيها الاقتصاد السياسي والتاريخ). (برامج وتصريحات الاحزاب السياسية المختلفة).(التصورات والآراء وردود الأفعال السيكولوجيا). (أماني مختلف الطبقات الاجتماعية).

•وفي “نقد الاقتصاد السياسي” لماركس يرد بالمعني الاتي: (الأبنية الايديولوجيا العليا، كل الاعمال الثقافية، القانون، الأخلاق، الاستطاطيقا، اللغة والمعارف الفلسفية والعلمية، وكل المذاهب والمواقف الاجتماعية والسياسية، وكل المنتجات الفكرية والاحوال والافعال النفسية التي تميز الوعي الطبقي أو الوعي الفردي).

•وفي “بؤس الفلسفة ” ايضا يخلص ماركس الي أنه ( لكي يتدعم كيان الطبقة، لابد أن يتحول الوعي الطبقي الي ايديولوجية طبقية، وان يتشكل الاثنان في خدمة الصراع الطبقي) .

•وفي كتابه “الثامن عشر من برومير لويس بونابرت “، يشير ماركس الي الاتي( يقوم فوق اشكال الملكية وظروف الحياة الاجتماعية بناء علوي من الانطباعات والاوهام وأساليب التفكير والمفاهيم الفلسفية الخاصة والطبقة بأجمعها هي التي تخلق هذه الاشياء وتشكلها وفقا لظروفها المادية والعلاقات الاجتماعية المقابلة لها، وقد يتخيل الفرد الذي يتلقاها عن طريق العرف أو التربية انها تشكل الأسباب الحاسمة لنشاطه ونقطة البداية لهذا النشاط، وكما أن الانسان يميز في حياته الخاصة بين ما يقوله الناس عنه أو يفكرون بشأنه، وبين حقيقة شخصه، وما يؤديه بالفعل، فانه يجب التمييز اكثر من ذلك في الصراعات التاريخية بين اقاويل الاحزاب وادعاءاتها وبين تكوينها ومصالحها الحقيقية، وكذا بين ما تتخيله عن نفسها وبين ماهي عليه في واقعها).

•وفي مؤلفه “لودفيج فورباخ ونهاية الفلسفة الالمانية الكلاسيكية” يحدد انجلز اشكال الايديولوجيا علي النحو التالي: ( ان القرون الوسطي الحقت بعلم اللاهوت جميع الاشكال الأخرى للأيديولوجيا: الفلسفة، السياسة، وعلم الحقوق وجعلت منها – اي هذه الاشكال- اقساما تابعة لهذا العلم(اللاهوت)، ولذا اضطرت كل حركة اجتماعية وسياسية أن تتخذ شكلا دينيا، وكانت كل حركة لكي تحدث اثرها في الجماهير المحشوة بالغذاء الديني وحده مضطرة أن تقدم لهذه الجماهير مصالحها الخاصة بها في لباس ديني).

•كما يحدد الفيلسوف الماركسي الفرنسي التوسير في مؤلفه “من اجل ماركس” الفرق المنهجي بين الايديولوجيا والعلم يقول : ( وليس ثمة مجال للتساؤل حول تقديم تعريف دقيق للأيديولوجيا، يكفي القول علي نحو تخطيطي جدا بأن الايديولوجيا هي نظام – يملك اتساقه المنطقي الخاص- من التمثلات، الصور أو الاساطير أو الافكار أو المفاهيم حسبما تكون الحالة، له وجوده ودوره في مجتمع معين، والايديولوجيا كنظام من التمثلات يتميز عن العلم بأن وظيفته العملية الاجتماعية ترجح وظيفته النظرية- أو وظيفة تقديم المعرفة).


- وفي مؤلفه:” دراسات في الواقعية الاوربية” يقول الفيلسوف الماركسي المجري جورج لوكاتش( الماركسية تبحث عن الجذور المادية لكل ظاهرة وتلاحظها في علاقاتها وحركتها وتكشف عن تطوراتها عبر مراحلها المختلفة، وهي في هذا السبيل تنتزع كل ظاهرة من الضباب اللاعقلي والعاطفي والغامض، وتدفع بها الي ضوء الفهم الباهر).

* مما سبق نلاحظ التباين في تناول ماركس وانجلز وبقية المفكرين الماركسيين للأيديولوجيا، فماركس وانجلز تناولا الايديولوجيا بمعاني سلبية وغير مرغوب فيها مثل: (صور كاذبة يرسمها الناس عن نفسهم)، ( أراء تبرر الأوضاع القائمة)، وبالتالي، فان ماركس وانجلز كانا يهدفان الي نقد الاوضاع الرأسمالية القائمة وعدم تبريرها عكس الايديولوجيا البورجوازية التي تحاول تبريرها والابقاء عليها، وبالتالي، فان ماركس حاول أن يوضح الصورة الحقيقية والصادقة والتي تنير الطريق لتحرير الطبقة العاملة والكادحين من كل اشكال الاستغلال.

النقطة الهامة التي أشار اليها ماركس في مؤلفه(بؤس الفلسفة): انه لكي يتدعم كيان الطبقة، لابد ان يتحول الوعي الطبقي الي ايديولوجية طبقية، وأن يتشكل الاثنان في خدمة الصراع الطبقي. وعليه لا يمكن تناول البرامج وقضايا الصراع الطبقي بمعزل عن الوعي الطبقي والايديولوجية الطبقية.

بالنسبة للطبقة الرأسمالية، فأن ايديولوجيتها تبرير الاوضاع القائمة، وبالتالي ترسم صور زائفة عن هذا الواقع.

اما بالنسبة للطبقة العاملة، فان مصلحتها في تغيير هذا الواقع، وبالتالي مصلحتها في امتلاك صورة حقيقية عنه، حتي تفهمه وتعمل علي تغييره، وبالتالي، فان ايديولوجية الطبقة العاملة تتسق مع العلم.

علي أن النقطة الجديرة بالاعتبار والتي أشار اليها ماركس في مؤلفه: “الثامن عشر من بروميرلويس بونابرت” ( يجب التمييز اكثر في الصراعات التاريخية بين أقاويل الاحزاب وادعاءاتها وبين تكوينها ومصالحها الحقيقية، وكذلك بين ما تتخيله عن نفسها وبين ماهي عليه في واقعها).


اذن القول بزوال الايديولوجيا وتقليل الحمولة الايديولوجية هو نفسه موقف ايديولوجي هدفه اشاعة المواقف الضبابية واللاعقلية والغامضة، بهدف التخلي عن الماركسية وطبيعة الحزب الطبقية وتبرير الاوضاع القائمة، والابقاء علي الاوضاع الرأسمالية التي تكرس الثروة في يد قلة والاستغلال البشع والمزيد من الافقار للكادحين ونهب ثروات شعوب العالم الثالث، وكبح تطلعاتها من أجل التنمية والديمقراطية والسلام والاستقرار.

اذن الماركسية ليست عقيدة جامدة ، ولكنها تغلب جانب العلم والمعرفة الحقيقية بالأوضاع القائمة من اجل فهمها وتغييرها. ، وهذا ما ميز الماركسية ومنهجها “الديالكتيكي المادي” عن بقية الفلسفات السابقة لها، أن الماركسية تسعي لفهم العالم من اجل تغييره يقول ماركس: ( كل ما قام به الفلاسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة ، ولكن المطلوب تغييره). فالماركسية لا تبتدع مذهبا أو (ايديولوجيا) كما فعلت الفلسفات السابقة ، ثم تحاول أن تجعل كل شيء متلائما معه، ولكنها تتوسل للتغيير بدراسة الواقع، تلك الدراسة المنبثقة من الخبرة والممارسة، فالنظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني النظرية.

رابعا: المفاهيم (المقولات):

لكل علم منظومة من المفاهيم خاصة به ومميزة له، علي سبيل المثال في علم الميكانيك نجد مفاهيم أو مقولات مثل: الكتلة، الطاقة، ...الخ. علي أن المفاهيم (المقولات) قابلة للتطور ، ولا يمكن للنظريات العلمية أو القوانين العلمية أن تكون دقيقة علي الاقل، لأن المفاهيم أو المقولات يمكن أن تتطور، أي تظهر مفاهيم ومقولات جديدة تعبر عن نظرية علمية أو قانون علمي جديد يكون اكثر دقة من السابق.

المنهج تطور العلوم:

التطورات الراهنة في العلوم الطبيعية والاجتماعية والانسانية جعلت العالم يعيش اليوم في ثورة غير مسبوقة في تلك العلوم، وهذه الثورة تتطلب النظرة الشاملة للواقع وعدم الرؤية الأحادية له. كما تؤكد ثورة العلم والتكنولوجيا وحدة كل من الطبيعة والمجتمع والانسان. كما تؤكد ثورة العلم والتكنولوجيا علي ضرورة التعامل مع الواقع بذهن مفتوح ونبذ فكرة الحقيقة المطلقة والنهائية والتي تتعارض مع روح ومنهج العلم، فما ان تحل نظريات جديدة مشكلات قائمة أو تفسر ظواهر معينة حتي تظهر مشكلات جديدة اخري تحتاج لتفسير جديد أو اجابات جديدة. وهكذا تتطور النظرية العلمية والمعرفة.

علي أن منهج العلم لا يتعارض مع النظرية العلمية، فهو يؤكد أن النظريات العلمية الجديدة تستند علي منجزات النظريات السابقة وتكمل جوانب نقصها. وبعبارة اخري ، أن النقد للماضي لا يعني تدمير منجزاته الايجابية والبداية من الصفر، وهكذا تتراكم التجارب والخبرات، كما ان الحقيقة التي يتم اكتشافها بالبحث لا تكون بالضرورة الحقيقة كلها أو الحقيقة النهائية عن الحياة والكون. وكلما اكتشفنا حقائق جديدة وقمنا بصياغة نتائج ، فان معارفنا تزيد وتراجع بصفة دائمة، وهذا هو مدخلنا للمنهج الديالكتيكي في هذه المحاضرة:



الفصل الاول

المنهج الديالكتيكي



اولا: ما هو الديالكتيك؟

اصل الكلمة (ديالكتيك) مستمدة من الكلمة اليونانية(Dialogue) وتعني النقاش أو المجادلة

أو( تقابل الناس سويا من اجل الحوار)، والغاية من الحوار الاقناع، والاقناع يستند علي برهان، ولهذا قيل عن الديالكتيك: أنه فن البرهان.

اذن الديالكتيك قديم، ويقال أن الفيلسوف اليوناني زينون الايلي هو الذي ابدع فن الديالكتيك، كما اشار ارسطو. كما كان الفيلسوف اليوناني ابيقور يرى (الاشياء كلها في حالة حركة) ، وهيراقليطس كان يشير الي (وحدة الحركة والمادة).


وكان الديالكتيك يعني في العهد الاول من الفلاسفة الوصول الي الحقيقة باكتشاف المتناقضات التي يتضمنها استدلال الخصم ,وكان الجدل وتصادم الآراء عندهم وتصادم الآراء خير وسيلة لاكتشاف الحقيقة .

وكان للفلاسفة اليونان اراء مختلفة في تعريف الديالكتيك :

يري هيراقلطيس ان الديالكتيك عبارة عن توافق الاضداد في الفكر والاشياء علي منهج واحد . ويعتبر هيراقلطيس عند المادية المحدثة رائد الديالكتيك الاول فهو يرجع اصل الاشياء لشيء واحد وهو النار. , ويري ان التناقض هو اساس الوجود .

والديالكتيك عند زينون فن المناقشة وان الديالكتيك يشير الي صفحة سلبيه بحيث يقع المناقش في التناقض .

ويري سقراط ان الديالكتيك قائم علي منهج فلسفي بالحقائق , بالتدرج وصولا الي الحقائق المطلقة وعليه فان الفكر يأخذ من التشخص الي المجرد والعكس وكذلك من الكلي الي الجزئي والعكس ولذلك فالجدل عنده منهج استقرائي .

والديالكتيك عندافلاطون هو مناقشة النفس مع ذاتها اي هو حياة النفس من المحسوس الي المعقول .

وبذلك يكون الديالكتيك عند فلاسفة اليونان هو المنهج العقلي للحصول علي كشف الحقائق من خلال التناقض الذي يصطدم فيه الخصم مع ملاحظة دحض الحجة والقضاء عليها ومن خلال وقوع الخصم في التناقض والوصول الي الحقائق انبثق مذهب التناقض في المنهج الديالكتيكي.


كما ظل الديالكتيك متداولا بين الفلاسفة العرب في العصور الوسطي والذين كانوا ينظرون للأشياء في شمولها وتطورها وحركتها، ويوردون عبارات مثل: ( بضدها تتميز الاشياء)، و(الشيء يظهر حسنه الضد).وابن خلدون، الذي يعتبر من المؤسسين لعلم الاجتماع، كان ينظر الي المدنيات أو الحضارات أو الامم في حركتها، أي في نشؤها وتطورها وانحطاطها وزوالها، وانبعاثها من جديد.

علي ان الديالكتيك تطور علي يد الفيلسوف الالماني هيغل (1770- 1831م)، الذي بسط قوانين الديالكتيك الثلاثة بطريقته المثالية علي انها قوانين للفكر وحده.

وتم توسيع مفهوم الديالكتيك بالمعني الفلسفي علي يد ماركس وانجلز واصبح يعني:

(علم القوانين العامة لحركة وتطور الطبيعة والمجتمع الانساني والفكر).

يقول انجلز في مؤلفه ديالكتيك الطبيعة: (ان المقولات الديالكتيكية غيبية الطابع عند هيغل الذي يصوّرها أولية، أما ديالكتيك العالم الواقعي عنده، فليس الا ظلالها، ولكن الامر في الحقيقة هو علي النقيض من ذلك ، ان ديالكتيك الفعل ليس الا انعكاسا لا شكال حركة العالم الواقعي للطبيعة والتاريخ علي السواء).

يواصل انجلز ويقول: ( اذن من تاريخ الطبيعة وتاريخ المجتمع البشري استخلصت قوانين الديالكتيك، وهذه القوانين ليست سوى القوانين الاكثر عمومية لهاتين المرحلتين من التطور التاريخي ، وكذلك للفكر ذاته ايضا، وفي الحقيقة، فانها ترجع في جوهر الامر الي القوانين الثلاثة الآتية:
•قانون وحدة وصراع الاضداد
•تحول الكم الي كيف.
•قانون نفي النفي.

هذه القوانين الثلاثة كلها بسطها هيغل بطريقته المثالية علي انها قوانين للفكر وحده.

ان الخطأ يكمن في أن هذه القوانين لم تستنتج من الطبيعة والتاريخ، بل فرضت عليهما من فوق علي انها قوانين للفكر، فاذا قلبنا الأمر يصبح كل شيء بسيطا. وبذا تم وضع الديالكتيك علي قدميه بعد أن كان واقفا علي رأسه عند هيغل)( انجلز: ديالكتيك الطبيعة).

ثانيا: ما هي سمات وخصائص المنهج الديالكتيكي؟

يتسم المنهج الديالكتيكي بكونه يتناول الاشياء وانعكاساتها الفكرية في علاقاتها المتبادلة، وفي تشابكها، وفي حركتها، وفي شمولها ، وفي نشؤها وتطورها ثم زوالها، وهو طريقة في البحث ومنهج علمي في التفكير.

وكان دور هيغل الكبير أنه قدم لأول مرة كل العالم الطبيعي و التاريخي والروحي في شكل عملية، اى في حالة حركة مستمرة وتغير وتحول وتطور ، ويحاول ان يكشف عن الترابط الداخلي لهذه الحركة والتطور.

يقول انجلز في مؤلفه( انتي دوهرينغ): ( كل كائن عضوي هو نفسه وليس نفسه، وهو في كل لحظة تموت بعض خلايا جسمه وتتكون خلايا جديدة ، وعلي مدي معين، طال ام قصر ، تتجدد تماما مادة هذا الكائن وتحل محلها ذرات جديدة من المادة، ولهذا، فان كل كائن عضوي هو نفسه وليس نفسه).

وهذا هو جوهر المنطق الديالكتيكي، الذي يتعارض مع المنطق الصوري أو الشكلي الذي يقوم علي مبدأ عدم التناقض، فالشيء هو نفسه لا يتغير في المنطق الشكلي أو الصوري، عكس المنطق الديالكتيكي الذي ابتدعه هيغل الذي يري الشيء في حالة حركة وتجدد دائمين، فالشيء هو نفسه وليس نفسه.

منهجية للبحث العلمي:

من سمات الديالكتيك ايضا، أنه منهجية للبحث العلمي ، اعتبر لينين (رأس المال) لكارل ماركس مثالا للبحث العلمي الاصيل في ضوء المنهج الديالكتيكي. وأشار لينين الي ان ماركس لم يترك لنا مؤلفا في المنطق الديالكتيكي، بل ترك لنا منطق رأس المال.

كما يقول انجلز: ( في كل ميدان – سواء في الطبيعة او التاريخ – يجب الانطلاق من الوقائع المعطاة لنا).

يواصل انجلز ويقول: ( عادة ما تكون الاكتشافات العلمية هي تلك الانتقالات من التحولات الكمية( من ميدان المادة الوقائعية) الي الكيفية( في ميدان التناول النظري للمادة الوقائعية وتفسيرها وتعميمها).

كما يقول لينين(ما اسماه ماركس وانجلز المنهج الديالكتيكي ليس شيئا اكثر او اقل من المنهج العلمي في علم الاجتماع الذي يتألف من اعتبار المجتمع كائنا حيا في حالة دائمة من التطور، يتطلب دراسته تحليلا موضوعيا لعلاقات الانتاج التي تشكل التشكيلة الاجتماعية المعينة وبحثا لقوانين عملها وتطورها(لينين: من هم اصدقاء الشعب وكيف يحاربون الاشتراكيين الديمقراطيين؟ - الجزء الاول).

اذن الديالكتيك :
•يعني المنهج العلمي في اوسع معانيه.
•يتعارض مع التصورات المسبقة أو الجاهزة التي يجب أن تلائم كل الاشياء داخل نموذجها.
•التحليل الملموس للواقع الملموس، ودراسة الواقع بذهن مفتوح بهدف معرفته واستيعابه للتأثير فيه وتغييره الي الافضل.
•في جوهره نقدي وثوري .

ثالثا: ما هو الفرق بين المنهج الديالكتيكي والميتافيزيقي؟ .
•المنهج الديالكتيكي كما اشرنا سابقا ينظر للظواهر في :

1- في ترابطها وشمولها.

2- في حركتها وتطورها وفنائها ( وأن الحركة هي عبارة عن وحدة وصراع الاضداد والتحول من كم الي كيف).

3- التطور من داخل الاشياء ( نفي النفي أو ميلاد شيء جديد).
•اما المنهج الميتافيزيقي: عكس المنهج الديالكتيكي ينظر للظواهر في :

1 - في سكونها والنظرة الاحادية.

2 - يعتبر التطور مجرد زيادة أو نقصان.

3 - التطور من خارج الاشياء.

رابعا:الديالكتيك والممارسة:

ولكن ما الذي يميز الماركسية ومنهجها الديالكتيكي عن بقية الفلسفات؟

ما يميز الماركسية ومنهجها الديالكتيكي المادي عن بقية الفلسفات السابقة لها، أن الماركسية تسعي لفهم العالم من اجل تبديله تغييره. يقول ماركس ( كل ما قام به الفلاسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة ، بيد أن القضية هي تغييره)( ماركس موضوعات عن فورباخ رقم(11)). وبالتالي، فان الماركسية ومنهجها الديالكتيكي ، لا غنى عنه للمناضلين الثوريين الذين يستهدفون تغيير وتجديد مجتمعهم الي الافضل.

فالماركسية لا تبتدع مذهبا كما فعلت الفلسفات السابقة، ثم تحاول أن تجعل كل شيء متلائما معه، ولكنها تتوسل للتغيير بالدراسة الواقعية للأشياء ، تلك الدراسة المنبثقة من الخبرة والممارسة، فالنظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني النظرية، كما كان يقول الشاعر الالماني جوته: النظرية رمادية وشجرة الحياة مخضرة دوما.

كما تعطي الماركسية اهمية لنشاط الناس الواعي وصراعهم من اجل التغيير والتجديد ، من هنا كان نقد الماركسية للمادية الميكانيكية التي ترى أن بيئة الانسان وتربيته هي التي تحدد ماهيته ، شخصيته ونشاطه ، ومن هنا اعلنوا أنه لا يكفي لكي نجعل الناس افضل واسعد واكثر معقولية ان نضعهم في ظروف افضل وان تقدم لهم تربية افضل. لكن ماركس يجيب علي ذلك بقوله ( ان المذهب المادي الذي يقول ان الناس نتاج ظروفهم وتربيتهم، وبالتالي ان الظروف المتغيرة والتربية المتغيرة ستخلف اناسا متغيرين . ان هذا المذهب ينسي أن الناس بالتحديد هم الذين يغيرون الظروف ، وان الذي يعلم يجب عليه أن يتعلم هو ايضا)(ماركس: موضوعات عن فورباخ(3)).



خامسا: العلاقة الديالكتيكية بين المادة والوعي:

ما هي المادة؟

تعّرف المادة بانها الواقع الموضوعي والمستقل عن ذاتنا، اى الاجرام والاجسام المحيطة بنا والعمليات الميكانيكية والكيميائية والفسيولوجية..الخ، وتتنوع أشكال المادة مثل:

1 - الاجسام المتناهية في الكبر والصغر مثل ( النجوم، الكواكب، الذرة، الالكترونات، البروتونات..الخ).

2 - الاشعة(الراديو، اشعة اكس...).

3- الطاقة مثل( الذرية، الكهربائية، المائية..الخ).

4 - الحقول(الجاذبية، الذرية، الكهربائية،..الخ).

ما هو الوعي؟

اما الوعي فيعرّف بانه مجمل الافكار والمشاعر والاحاسيس والانطباعات بواسطة الحواس الخمس، ويرتبط الوعي بالعمل واللغة والتفكير ، وكل منها يختلف في علاقته بالوعي.

أشارت الماركسية الي اسبقية المادة علي الوعي، ولكن للوعي استقلاله النسبي ويعمل علي تغيير المادة ويعيد تشكيلها ، اذن العلاقة بين المادة والوعي ديالكتيكية ومتبادلة ومتشابكة وليس هناك فصل ميكانيكي بين المادة والوعي.

وحدة المادة والحركة والزمان والمكان

يؤكد الديالكتيك وحدة المادة والحركة، وان المادة في حالة حركة وتغير دائمين، ولا يمكن تصور الحركة بدون مادة، أو مادة بدون حركة.

كما يؤكد الديالكتيك أن المكان والزمان لا ينفصلان عن المادة، ومعلوم أن المكان يعبر عن مقاييس معينة(الطول، العرض ، الارتفاع، الزاوية المعينة..الخ).

والزمان هو تواتر الظواهر المادية المتعاقبة بعضها اثر البعض الآخر(علاقات زمانية).

وكان الفهم القديم علي ايام (نيوتن) أن الزمان مطلق والمكان مطلق، ولكن النظرية النسبية لاينشتين اكدت وحدة المكان والزمان والمادة والحركة.

سادسا: المفهوم الديالكتيكي للتطور:

اشرنا سابقا الي أن قوانين الديالكتيك هي:
•وحدة وصراع الاضداد
•تحول التغيرات الكمية الي تغيرات كيفية.
•نفي النفي.

الماركسية لا تقتصر علي تأكيد حقيقة أن كل شيء في العالم يمر بعملية من التطور ، فما اكتشفته الماركسية هو كيف نفهم ونفسر هذا التطور بطريقة مادية؟.

ينظر الديالكتيك المادي للكون لا علي أنه ثابت لا يتغير ، بل علي انه في عملية تطور مستمر، وهو لا ينظر الي هذا التطور كعملية هادئة مستمرة لا تنقطع ، بل كعملية تفترض فيها مراحل التطور التدريجي ، انقطاعات في استمرارها بوثبات فجائية من حالة الي اخري ، وهي تبحث عن تفسير حركة الكون هذه وقوتها المحركة داخل العمليات المادية ذاتها في التناقضات الداخلية والاتجاهات المتضادة المتنازعة التي تعمل في كل عمليات الطبيعة والمجتمع.

يقول لينين:( الفكرة الأساسية للمادية الديالكتيكية هي ادراك الاتجاهات المتضادة التي تنفي بعضها البعض في كل ظواهر وعمليات الطبيعة ، فهذا وحده يزودنا بمفتاح الحركة الذاتية وانقطاع واستمرار التحول الي الضد ودمار القديم، وبزوغ الجديد، والديالكتيك بالمعني الصحيح دراسة التناقض في جوهر الاشياء ذاتها، فالتطور هو صراع الاضداد).

اضافة لصراع الاضداد هناك قانون تحول التغيرات الكمية الي تغيرات كيفية، وقانون نفي النفي، والواقع انها عمليات مترابطة لا يمكن الفصل بينها.

فقانون تحول التغيرات الكمية الي تغيرات كيفية يوضح أن كل تغير له جانب كمي، اى جانب من مجرد الزيادة والنقصان لا يغير من طبيعة ما يتغير، لكن التغير الكمي ، الزيادة أو النقصان، لا يمكن أن يستمر الي ما لانهاية، فعند نقطة التحول هذه أو النقطة الحرجة كما أسماها هيغل ، يحدث التغير الكيفي بشكل مفاجئ نسبيا عن طريق الوثبة اذا جاز التعبير مثال: غليان الماء وتحوله الي بخار عند درجة 100مئوية.

ويقود هذا الي قانون النفي، فالنفي في الفهم الديالكتيكي له هو نفي يبقي علي كل انجازات القديم وجوانبه الايجابية وعناصره القابلة للحياة والاستمرار.

اما نفي النفي، فيأخذ الشكل الحلزوني (اللولبي)، فلا يعود بنا الي نقطة البدء الاصلية، انه يأخذنا اماما الي نقطة بدء جديدة هي النقطة الأصلية بعد أن رفعت – خلال نفيها ونفي نفيها – الي مستوى اعلي، هكذا نرى أنه يمكن في مجري التطور وكنتيجة لنفي مزدوج أن تكرر مرحلة اقدم، لكنها نكررها علي مستوى اعلي من التطور.

سابعا: مفاهيم أو مقولات الديالكتيك المادي:

مفهوم المقولة :

لكل علم مقولاته الخاصة، فللاقتصاد مقولاته مثل ( السلعة، النقود، القيمة، القيمة المضافة ...) ولعلم الأحياء مقولاته مثل ( الكائن العضوي، الوسط، التمثل، الوراثة .. ) وللقانون مقولاته كـ ( القانون، المعيار القانوني، المرسوم، المخالفة، العلاقة القانونية .. الخ ).

وللفلسفة أيضا مقولاتها ، لكن مقولات الفلسفة تتميز عن مقولات العلوم الخاصة كالقانون او البيولوجيا أو القانون ، وهذا الاختلاف يكمن في أنها لا تعكس مجرد العلاقات والخصائص الأساسية ، بل الخصائص والعلاقات الكلية ، أي تلك الواقعة في كل ظواهر الواقع والمعرفة،

ومن هذه المقولات الفلسفية : الفردي والعام / الكم والكيف / السبب والنتيجة / المضمون والشكل / الضرورة والمصادفة / القانون / الجوهر والمظهر ، والتناقض .


* وتعتبر هذه المقاولات مراحل في تطور المعرفة ، فالأنسان مواجه بشبكة من الظواهر الطبيعية، الانسان البدائي ( الغريزي) لا يميز نفسه عن هذه الطبيعة، والانسان الواعي يميزها، والمقولات هي مراحل هذا التمييز، أي مراحل معرفة العالم.


* وهي أيضا ( المقولة ) شكل من أشكال التفكير ، تقوم بدورها كوسيط لفهم مادي فعلي تم اكتسابه عن طريق البحث العلمي والتغيير العملي للواقع .

عن الترابط الداخلي للمقولات :


حسب منهج الديالكتيك المادي، فإن الأشياء والموضوعات المادية تترابط فيما بينها ترابطا كليا داخليا ، ومتبادلة الاعتماد، وهي في تفاعل دائم إحداها مع الاخريات، وفي ظل ظروف معينة تنتقل إحداها إلى الأخرى،

ولهذا السبب يجب ان ندرس المقولات لا كلا على حدة ولا إحداها إلى جانب الاخرى، ولكن في ترابطها وتبادلها الاعتماد الطبيعي، من حيث الروابط الضرورية في نظام منطقي واحد تشغل فيه كل مكانها المحدد.


والفلسفة الماركسية هي التي قدمت الحل المادي والعلمي المتسق لمشكلة الترابط الداخلي للمقولات ، فقد طورها ماركس باستفاضة بالنسبة للاقتصاد السياسي في كتابه "رأس المال"، وطبقّها لينين على الفلسفة في " دفاتر فلسفية".


رأى لينين ان المقولات هي الاشكال الكلية التي تعكس الواقع ومراحل تطور المعرفة الاجتماعية والممارسة، واستنتج ترابطها الداخلي من القوانين التي تحكم الوجود والمعرفة، واعتبر ان علاقتها تعكس علاقة الجوانب والترابطات الكلية في الواقع، ومن ثم فهي تعبر عن التطور الضروري للمعرفة من المراحل الادنى للمراحل الأرقى.


وجدير بالتذكير بان ظهور المقولات الجديدة مرهون بتطور المعرفة كما ذكرنا سابقا، وهي تنشأ لأن المعرفة تصبح أعمق في عالم الظواهر، وتكشف بالتالي عن جوانب وعلاقات كلية جديدة لا تعود متفقة مع المقولات الموجودة وتتطلب مقولات جديدة تعبّر عنها وتسجلها، وما دامت هذه المقولة الجديدة ظهرت فلا بد أن تدخل في علاقات أو ترابطات ضرورية مع المقولات الموجودة، ومن ثم تأخذ مكانها في كلية المعرفة.


وإذا رتبت هذه المقولات بتعاقب ظهورها فإننا نستطيع أن نحدد ترابطها الداخلي وتبادلها الاعتماد الضروري.

في المفهوم المادي ان المقولات أو المفاهيم هي انعكاس للعالم الموضوعي ، وانها وليدة الممارسة، وتتجدد وتكتسب مضامين جديدة مع تطور العلم والمعرفة، فالمقولات ليست ثابتة جامدة. وعلي عكس المدارس المثالية يتناول الديالكتيك المادي المفاهيم أو المقولات باعتبارها انعكاس للعالم الموضوعي ، وانها وليدة التجربة، كما يتناولها في تطورها وتغيرها تبعا لحركة وتطور الواقع الموضوعي، كما يتناولها في ترابطها وشمولها وتأثيراتها المتبادلة.

فعلى سبيل المثال:

1- مقولة السبب والنتيجة أو (العلة والمعلول): ننظر اليها في علاقاتها المتبادلة والديالكتيكية، أي أن السبب والنتيجة لا ينفصلان كما هو الحال في المنهج الديالكتيكي، وانما يتبادلان. علي سبيل المثال: الحركة الميكانيكية(سبب)، توليد الكهرباء(نتيجة)، والكهرباء نشغل بها الآلات (سبب).اذن هناك ترابط، اذ لا يمكن أن تكون الكهرباء سببا فقط أو نتيجة فقط، فالسبب يؤدي الي النتيجة والتي بدورها تصبح سببا تؤدي الي نتيجة.

يقول أنجلز " يوجد تصور سخيف عند الايديولوجيين، فنحن لا نقر بالتطور التاريخي المستقل لمختلف الميادين الايديولوجية التي تتطلع بدورها في التاريخ ، فننكر بالتالي كل إمكانية لتأثيرها في التاريخ ، وفي أساس هذا ، يقوم تصور سطحي غير ديالكتيكي، عن السبب والنتيجة يعتبرهما قطبين متضادين أحدهما للآخر ابدا ودائما، ويغيب عن البال كليا التفاعل بينهما. إن هؤلاء السادة ينسون في كثير من الأحيان قصدا وعمدا تقريبا أن الظاهرة التاريخية التي تولدها بالأحرى أسباب من طراز آخر هي في آخر المطاف أسباب اقتصادية ، تصبح علي الفور بدورها عاملا فعالا ، ويمكنها أن تؤثر بالمقابل في البيئة المحيطة وحتي في الأسباب التي ولدتها" أنجلز : رسالة إلي فرانس مهرينغ، لندن ، 14 تموز / يوليو 1893م).

2- مقولة الصدفة والضرورة: لا يمكن الفصل بينهما في الديالكتيك المادي، عكس المناهج الميتافيزيقية، علي سبيل المثال: صدفة سقوط تفاحة من شجرة كان نائما تحتها عالم الفيزياء نيوتن، كانت ضرورة لاكتشاف قانون الجاذبية، اذن لا يمكن الفصل بين الصدفة والضرورة.




ثامنا: ديالكتيك الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية:

المنهج الديالكتيكي، شأن منهج العلم يتعارض مع فكرة الحقيقة النهائية. كان انجلز يعترض بشدة علي أن يفترض الانسان أنه صاحب الحقيقة النهائية، أشار انجلز في كتابه ( انتي دوهرينغ) الي أنه( عندما يكون الانسان صاحب الحقيقة النهائية والاخيرة والنهج الدقيق الوحيد فمن الطبيعي أن يشعر باحتقار تجاه باقي البشرية الضالة والغريبة عن العلم). جاء انتقاد انجلز للأستاذ الجامعي والاشتراكي الالماني دوهريتغ لأنه ادعي أنه الفيلسوف الحقيقي الوحيد في عصره لأنه يتكلم عن الحقيقة الاخيرة والنهائية (لأنه لم يعرض ببساطة افكاره ويترك للتاريخ مسألة تقويمها ، وانما هو كائن غير مادي لا يدعي لنفسه بأقل من العصمة البابوية من الخطأ والاعلان المسبق عن زيف أي رأي بجانب اراءه ، ولأنه تحدث عن اسلافه بازدراء شديد).

يقول انجلز ( ان السيد دوهرينغ صاحب الحقيقة المطلقة أو ايضا صاحب المنهج العلمي الوحيد في البحث الذي تصبح بعده جميع المناهج الأخرى غير علمية).

وهناك ترابط ديالكتيكي بين الحقيقة النسبية والحقيقة المطلقة كما أشار لينين في مؤلفه(المادية والمذهب النقدي التجريبي)، يقول لينين( ان الفكر البشري قادر بطبيعته أن يقدم لنا، وهو يقدم لنا بالفعل الحقيقة المطلقة التي تتجمع من جملة الحقائق النسبية، فان كل درجة في تطور العلم تضيف حباتها الجديدة الي حصيلة الحقيقة المطلقة).

وهذا يوضح أن طريق الحقيقة النسبية يقود الي الحقيقة المطلقة ، لكنه طريق لا نهاية له، فالمعرفة الانسانية مستمرة نحو الاعمق والارقي ، ولانهاية لها.

وفي رسالة لانجلز الي كونراد شميدت بتاريخ: 27/10/1890م، يشير انجلز الي تطور الفكر الذي يرتقي صاعدا علي سلم المعرفة البشرية ويحطم عند كل درجة منه الاطر العتيقة للتصورات والمعتقدات القديمة، ينطلق في الوقت ذاته من مستوى المعارف القائم ويستند الي نتائجه ومن ذلك( ان فلسفة كل عصر تملك كمقدمة مادية فكرية معينة ورثتها عن اسلافها لتنطلق منها).

كما ان المعرفة العلمية ليست تكهنا، كما أنها ليست يقينا نهائيا وكاملا، وعملية فحص العالم واختبار النظريات هي عملية الاقتراب من المعرفة والتقدم نحوها، هي عملية الانتقال من عدم المعرفة الي المعرفة، ومن عدم المعرفة الجيدة الي المعرفة الأفضل.

وهذا يتطلب التواضع، فالمعرفة ليست لها حدود، فالأنسان كلما ازداد معرفة كلما ازداد جهلا، كان ابوقراط (ابو الطب) يقول ( ليس لي من فضيلة العلم الا علمي بأني جاهل)، وهذا ما يطلق عليه تواضع ابوقراط.



الخلاصة:

خلاصة ما نود أن نقوله في هذه المحاضرة:
•ان المنهج الديالكتيكي هو دراسة الاشياء في تغيرها وتطورها ، وان الديالكتيك لا يفهم العالم علي أنه مركب من اشياء جاهزة، بل مركب من عمليات تمر خلالها الاشياء في تطور لا ينقطع من الوجود والفناء ، وأن التطور لا يمكن فهمه بمعزل عن قانون صراع الاضداد وتحول التغيرات الكمية الي تغيرات كيفية، وقانون نفي النفي ، في ترابط شامل.
•الديالكتيك في جوهره هو التحليل الملموس للواقع الملموس، كما أن الديالكتيك يتعارض مع الحقيقة النهائية.
•ان المنهج الديالكتيكي في النهاية ليس سوى المنهج العلمي وتطبيق المنهج بصور شاملة يتضمن استخلاص النتائج عن الانسان والمجتمع الانساني والقضايا الانسانية.
•الديالكتيك في جوهره نقدي ثوري، ويتناول الظواهر بذهن مفتوح ويتعارض مع النتائج المسبقة، وهو في جوهره منهج للبحث والتحليل، ودراسة الواقع من اجل استيعابه وتغييره. كما أن النظرية ترشد الممارسة، والممارسة تغني وتخصب النظرية.




الفصل الثاني

الديالكتيك : أمثلة من تطور العلوم والمجتمع

تطورت معارفنا عن القوانين الأساسية التي تعتمد عليها معظم فروع العلم والتي كشفها العلم الحديث مع نهاية القرن العشرين مثل :
•نظرية الكم عن المادة .
•نظرية اينشتين عن الزمان والمكان .
•نظرية داروين في التطور والأساس الجزئي ( D . N. A ) .
•نظرية الانفجار الأعظم الفلكية.

وما زال العلم الحديث في حالة حركة وتطور لاكتشاف المزيد من أسرار الطبيعة والحياة .

ليست هناك أحكام نهائية أو نظريات مكتملة ، فحركة العلم هو الانتقال من المعرفة الضيقة إلي المعرفة الأوسع ، وطرح أسئلة جديدة تحتاج إلي إجابة بعد كل اكتشاف لنظرية جديدة . وهذا هو جوهر الديالكتيك ، كل جيل يضيف معرفة جديدة إلى ما راكمته الأجيال السابقة من معارف .

1 - الفيزياء الحديثة

معلوم أن الفيزياء التقليدية كانت تقوم علي قوانين نيوتن في الحركة ، ونظرية دالتون الذرية ، وانفصال الزمان و المكان عن حركة المادة ، ومع نهاية القرن التاسع عشر تم اكتشاف مكونات الذرة ( إلكترون ، بروتون ، .. )، كما ظهرت النظرية النسبية لاينشتين التي وسعت وعمقت قوانين الحركة لنيوتن وخاصة تلك الأجسام التي تتحرك بسر عات عالية قريبة من سرعة الضوء ، وبالتالي تم نفي ديالكتيكي للفيزياء التقليدية ، أي تم الانطلاق من منجزاتها السابقة وتم رفعها إلي مستوى أعلي ، ومعلوم أن النظرية النسبية أعطت نتائج تتفق مع التجربة بصورة أدق وأفضل من أي نظرية سابقة ، واستطاع أينشتين بها أن يفسر ظاهرة الفراغ المقوس وعدم انتظام حركة الكوكب عطارد ، وهكذا أضافت نظرية اينشتين تطورات علي نظرية نيوتن عن النظام الشمسي .

كما كشفت نظرية اينشتين عن الترابط الديالكتيكي بين الزمان والمكان والمادة ، فقد كان الاعتقاد السائد في نظرية نيوتن بأن الزمان مطلق والمكان مطلق .

علي أن التطور الهائل في الفيزياء والذي لا تخطئه العين ، كان ثورة الكم التي ولدت نظريتها عام 1925 ، لقد أطلقت ثورة الكم موجة عارمة في الاكتشاف العلمي استمرت في الارتفاع دون توقف حتى الآن ، لقد زودتنا ثورة الكم الآن بوصف كامل نسبيا للمادة ، كما مكنتنا من فهم المادة التي نراها حولنا .


2 - ثورة الكمبيوتر ( الحاسوب ) :

كما هو معلوم إن جوهر الثورة العلمية التقنية ارتبط بتطور علوم الكمبيوتر ، وظهرت الحاسبات الإلكترونية التي أجرت انقلابا في كثير من المجالات التجارية والعلمية والإدارية .

كانت أجهزة الكمبيوتر في الماضي ضخمة الحجم تملأ غرفا كاملة بصفوف من آلاف الأنابيب المفرغة من الهواء، لقد حدث التحول المهم عام 1948 عندما اكتشف علماء في مختبرات شركة ( ييل ) الترانزيستور الذي جعل الكمبيوتر الحديث ممكنا ، وبعد عقد من هذا اكتشف الليزر الضروري للإنترنت ولطريق المعلوماتية وكلاهما من أجهزة ميكانيكا الكم .

والكمبيوتر يمتاز بالسرعة في إنجاز العمليات الحسابية ، وخزن واستعادة المعلومات ، وبالتالي أصبح الكمبيوتر مكملا ومتمما للعقل البشري ، وبالطبع ، فإن الذكاء الاصطناعي لا يصل إلى مستوي الذكاء الإنساني ، وعملية التخطيط يقوم بها الإنسان ، وإن الآلة مجرد أداة تنفيذ التعليمات ، ولكنها آلة جبارة كما أوضحنا سابقا ، وهكذا أسهم الكمبيوتر في تطوير وتعميق معارفنا عن العالم من حولنا .

3 - البيولوجيا الحديثة ( الثورة البيوجزيئية)

تأثر الكثير من البيولوجيين تاريخيا بنظرية ( الحيوية ) ، أي هناك قوة خفية أو جوهرا يكسب الحياة للأشياء الحية ، ولقد تحدى شرود نجر في كتابه عام 1944 ( ما هي الحياة ؟ ) هذه النظرية ، وتجرأ علي الادعاء بأنه يمكن تفسير الحياة ( بشفرة وراثية ) مكتوبة علي جزيئات في الخلية ، لقد كانت فكرة تفسير الحياة باستخدام نظرية الكم جريئة حقا ، ولقد تمكن جيمس واطسون وفرانسيس كريك في النهاية وبوحي من كتاب شرود نجر أن يبرهنا علي صحة حدسه باستخدام التصوير بأشعة اكس المشتتة من جزئي ( D . N A) ، استطاعا أن يعيدا بناء البنية الذرية المفصلة لهذا الجزئي وأن يميزا الطبيعة الحلزونية المزدوجة له.

هكذا في البيولوجيا بعد داروين حدث تقدم في علم الوراثة ، وتم الكشف عن لغة الوراثة أو الشفرة الجينية التي تنقل بها الجينات الصفات الوراثية عبر الأجيال عن طريق الأحماض النووية . وستعطينا الثورة البيولوجية في النهاية قدرة خارقة علي التحكم في الحياة حسب إرادتنا ، مثال ذلك سيجعل في الإمكان تحسين وتخليق سلالات الحيوانات والنباتات بالتغييرات الموجهة بدلا عن طريق التجربة والخطأ العشوائية التي ظل الإنسان يستخدمها من القدم حتى اليوم ، كما سيجعل في الإمكان تخليق سلالات جديدة حسب الطلب .


4 - تطور معرفة الإنسان للكون

في البداية كان الاعتقاد السائد أن الأرض هي مركز الكون ، ولكن بتطور أساليب البحث العلمي وتقدم وسائل الملاحظة التكنولوجية ، كان من الواضح أن الأرض عضو متواضع التكوين ينتمي إلي مجموعة فلكية أكبر هي المجموعة الشمسية ، وأن هذه المجموعة تنتمي إلي مجرة تحتوي علي الملايين من المجموعات الشمسية ، وأن الكون يحتوي ملايين المجرات والتي تحتوي علي ملايين المجموعات الشمسية .

ومع نمو المعرفة وتطور طرق البحث والتعليل ، كان من الواضح ، أن هذا الامتداد الكوني الهائل يحتوي علي ملايين بل بلايين من الكواكب والأجرام كل منها له مكوناته الكيميائية المميزة ، بالإضافة إلي أن بعضا منها له غلافه الجوي الخاص والذي يحتوي علي العديد من الغازات الكيميائية والتي توجد بتركيزات مختلفة . وحول نشأة الكون هناك نظرية الانفجار الأعظم Big- Bang) ) التي اكتشفها عام 1922 م العالم الروسي الكسندر فريد مان ) الذي قال إن كل ما في الكون من مجرات ونجوم وكواكب تتمدد بسرعة هائلة مبتعدة عن بعضها البعض ، وكأنها شظايا متناثرة لقنبلة عظيمة انفجرت في الفضاء ، وتقوم هذه النظرية علي أن الكون قد جاء من العدم ، ثم بدأ يتبخر وكأنه كرة نارية هائلة ، وأنه في اللحظة الأولي من وقوع ( الانفجار الأعظم ) ، كانت كل مادة الكون مجمعة في كتلة صغيرة أقل حجما بملايين المرات من نواة الذرة ، وأكثر حرارة بملايين من كوكب الشمس !! . ثم جاءت ( نظرية التضخم ) التي جاء بها العالمان ( ألان غوث ) و ( أندرية جيد ) ، والتي تقول : إن الكون قد بدأ في التمدد والاتساع مع الكتلة النارية ذات الطاقة الخالصة التي هي عبارة عن الانفجار الأعظم بسرعة هائلة للغاية خلال بلايين البلايين من أجزاء الثانية ، ثم ظهرت داخل الكون السحب الساخنة والغيوم التي تسبب التموجات ، وما زالت معارفنا تتطور في هذا المجال .

5 - الرياضيات الحديثة:

في الماضي كانت فروع الرياضيات : الحساب ، الجبر ، الهندسة ، علي وجه الخصوص تدرس كمواد منفصلة غير مترابطة ، وكل فرع نما بطريقة تختلف عن الفروع الأخرى ، ثم جاءت الرياضيات الحديثة ( أو الطريقة أو المنهج الجديد ) للنظر في الرياضيات والتي كشفت عن مجموعة من المبادئ الأساسية المشتركة تنبني عليها فروع الرياضيات المختلفة ( أي التعامل كفروع مترابطة لا منفصلة ) ، وأساسيات هذه المفاهيم هي الفئات ( Sets ) ، العلاقات ( Relations ) ، الدوال ( Functions ) ، العمليات ( Operations ) ، والرياضيات الحديثة كشفت عن أنماط معينة أو طرق لتنظيم الفئات والعمليات في أبنية رياضية تنطبق علي كل من الجبر والهندسة وتصنيفاتها ، وأحد هذه الأبنية يسمي المجموعة ( Group ) ، وهناك كثير من الأبنية التي يمكن أن تستنبط منها ، كما تم الانتقال من الهندسة الاقليدية إلي الهندسة اللاإقليدية التي عمقت ووسعت مفهومنا حول الكون والمكان .

وأخيرا، أصبح المحرك الحقيقي للتجديد في علم الرياضيات هو الرغبة في الوصول لنموذج أكثر أمانة للطبيعة كما نشاهدها لاكما نتمناها.


الخلاصــــة:

من الأمثلة السابقة يتضح لنا أن تطور العلوم يؤكد علي ضرورة التعامل مع الواقع بذهن مفتوح ونبذ فكرة الحقيقة المطلقة والنهائية ، فما أن تحل نظريات جديدة معضلات حتى تظهر معضلات جديدة تحتاج إلى إجابات جديدة وتفسير ، وهكذا تتطور النظريات العلمية والمعرفة.

كما تؤكد الأمثلة ضرورة إخضاع النظرية للواقع لا إخضاع الواقع للنظرية ، كما أن النظريات العلمية الجديدة تستند إلي منجزات النظريات السابقة وتكمل جوانب نقصها ، كما أن المعرفة العلمية ليست يقينا نهائيا وكاملا ، وعملية المعرفة والتقدم نحوها هي عملية الانتقال من عدم المعرفة إلى المعرفة ، ومن عدم المعرفة الجيدة إلى المعرفة الأفضل ، كما تؤكد ضرورة الشمول والترابط والنظر إلى الظواهر بذهن مفتوح وبدون مخطط مسبق ، وهذا هو جوهر المنهج الديالكتيكي الذي يتسق مع المنهج العلمي .

الديالكتيك : أمثلة علي القوانين والمقولات

كما هو معلوم ، الديالكتيك يهتم بالتطور والترابط الشامل بين الأشياء ، ويعتبر العالم المحيط بنا في حالة حركة وتطور دائمين ، وإن القوة الدافعة للتطور هي الكامنة في الأشياء ، كما يتعارض الديالكتيك مع الميتافيزيقا التي تتناول الأشياء في سكونها وانعزالها ، علي أن قوانين الديالكتيك المادي ومقولاته تساعد في دراسة العالم بوصفه كلا واحدا مترابطا ، وفي دراسة الترابط والشمول بين الأشياء .

أولا : قوانين الديالكتيك كما أشرنا لها في الفصل الاول من المحاضرة هي :
•وحدة وصراع الأضداد .
•التراكمات الكمية تؤدي إلى تحولات كيفية .
•نفي النفي .

أ – وحدة وصراع الأضداد: أمثلة من الطبيعة والمجتمع:

في الكهرباء: وحدة السالب والموجب، في الرياضيات: وحدة الأعداد السالبة والموجبة، وحدة الأعداد الحقيقية والأعداد التخيلية.

في المجتمع الرأسمالي : العلاقة بين العاملين بأجر والرأسماليين أو أصحاب المصانع علاقة وحدة وصراع أضداد : أصحاب المصانع يحتاجون لقوة عمل العاملين ( اليدوية والذهنية) التي تلعب دورا حاسما في الإنتاج ، والعاملين بأجر يحتاجون إلي أصحاب المصانع لبيع قوة عملهم لتوفير احتياجاتهم الأساسية في المعيشة ( المسكن ، الملبس ، الغذاء ، التعليم ، العلاج ، ... ) ، أصحاب المصانع يعملون علي استحواذ أكبر قدر من فائض القيمة الناتج من عمل العاملين بأجر الذين يناضلون من أجل زيادة أجورهم وتحسين أوضاعهم المعيشية ، وهنا تكمن علاقة الوحدة والصراع .

ب – قانون التراكمات الكمية تؤدى إلي تحولات كيفية : أمثلة من الطبيعة والمجتمع :

- ذوبان الحديد عند درجة حرارة معينة تسمي الدرجة الحرجة والتي يتحول فيها الحديد من حالة الصلابة إلي حالة السيولة .

- المثال الكلاسيكي والذي أورده هيغل : تحول الماء إلى بخار في درجة حرارة معينة ، بعد تغير كمي في درجة الحرارة يؤدي إلى تغيير كيفي ، أي التحول من حالة السيولة إلى بخار . وهذا التحول من حالة إلى حالة يتم في شكل قفزة أو طفرة بعد حالة السكون النسبي.

تجربة نضال الشعب السوداني:

1 - ضد الحكم التركي : تراكم الانتفاضات والمقاومة ضد الاحتلال التركي أدي إلي تحول كيفي في النظام باندلاع الثورة المهدية كانتفاضة شاملة ضد النظام توفرت لها الظروف الذاتية والموضوعية .

2 - التراكم الكمي لنضال ومقاومة الشعب السوداني ضد الاستعمار البريطاني أدي إلي تحول كيفي في جلاء الاستعمار وتحقيق الاستقلال عام 1956.

3 - التراكم الكمي للنضال ضد ديكتاتورية عبود ( 1958 – 1964 ) ، أدي إلي تحول كيفي في ثورة أكتوبر 1964 .

4 - التراكم الكمي للنضال ضد ديكتاتورية النميري ( 1969 – 1985 ) أدي إلي تغيير كيفي أو نوعي في انتفاضة مارس – أبريل 1985 .

5 - التراكم الكمي للنضال الداخلي وضغط المجتمع الدولي ضد نظام الإنقاذ الشمولي أدي إلى توقيع اتفاق السلام مع الحركة الشعبية ولاشك إن تراكم النضال سوف يستمر حتى يتم التحول الديمقراطي والذي يشكل تحولا كيفيا بإسقاط النظام الشمولي الفاسد المستبد.

ج – نفي النفي :

التحول الكيفي هو نفي للحالة القديمة ، ولكن النفي في الديالكتيك لايعني القضاء التام علي القديم، ولكنه يستند إلي أفضل ما في القديم . فالتطور يأخذ الشكل الحلزوني الذي تكون فيه كل درجة أرقي من السابقة .

الجديد ينشأ من القديم : مثال : في الطبيعة الحية يحدد كل نوع جديد السمات الإيجابية التي كدسها الأجداد في سياق التطور التدريجي البطيء .

مثال آخر في المناقشة العامة الجارية الآن في الحزب الشيوعي السوداني لتجديد الحزب ، أننا نجدد الحزب الشيوعي استنادا إلي أفضل ما في القديم ، أي تراث الحزب ونضاله السابق ، ونتجاوز ما عفي عليه الزمن .

المثل السوداني يقول ( الما عندو قديم ما عندو جديد ) .

في العلم النظريات الجديدة لا تلغي النظريات السابقة ، ولكنها تكمل جوانب نقصها ، وترفع معرفتنا إلي مستوى أعلي بحيث تستطيع تفسير ظواهر جديدة كانت النظريات السابقة قاصرة عن تفسيرها ... وهكذا . مثال :

- نظرية النسبية لاينشتين طورت وعمقت قوانين الحركة لنيوتن .

- لينين طور نظرية فائض القيمة لماركس ( العمل غير مدفوع الأجر مصدر الأرباح ) ، واضاف مصادر جديدة للأرباح مثل الربح الاحتكاري ونهب شعوب المستعمرات في مرحلة الإمبريالية ، كما أضاف بول باران مفهوم الفائض الاقتصادي الذي يعني بالإضافة لاستغلال العاملين ، الأرباح الطفيلية والاحتكارية ونهب شعوب المستعمرات ، وهكذا تم تطوير وتعميق نظرية فائض القيمة لماركس التي فسرت سر الاستغلال الرأسمالي في القرن التاسع عشر ، وهكذا تتطور النظريات .

أخطاء التجربة السياسية السودانية السابقة :

كل انقلاب عسكري يلغي المنجزات الإيجابية السابقة مثل انقلاب عبود ونميري والإنقاذ ، أما الإنقاذ فقد دمرت كل ما هو إيجابي في تجاربنا السابقة مثل التعليم والخدمة المدنية .. الخ .

الخلاصة في قوانين الديالكتيك :

نحن أمام قانون واحد وليس ثلاثة قوانين منفصلة ، والتي تم توضيحها للتبسيط ، فصراع الأضداد يؤدي إلي تراكمات كمية ، والتراكمات الكمية تؤدي إلي تحول نوعي ، والتحول النوعي يؤدي إلي نفي الحالة القديمة ديالكتيكيا ، ونشؤ وضع جديد ، هذا الوضع في حالة التطور الباطني الطبيعي يستند إلي أفضل ما في القديم ويحمل سماته الإيجابية القابلة للاستمرار والحياة ، وهكذا تتم دورة الحياة والتطور .

ثانيا : مقولات الديالكتيك :

المقولات مفاهيم تعكس الواقع المحيط بسماته وصلاته وخواصه العامة والمشتركة ، مثال :

أ – الخاص والعام:

هناك علاقة ديالكتيكية بين الخاص والعام ، في إطار العام نبحث عن كل ما هو خاص في كل حالة ، مثال نبحث عن خصوصية تطور وسمات كل بلد في التطور العام للمجتمع البشري.


ب – السبب والنتيجة:

هناك علاقة ديالكتيكية بين السبب والنتيجة ، السبب يكون نتيجة والنتيجة تكون سببا مثال : هطول الأمطار : السبب تبخر الماء الذي يتكثف في سحب تؤدي إلي الأمطار التي تكون الأنهار والبحار والتي يتبخر ماءها وتؤدي إلى هطول الأمطار وتتحول النتيجة إلي سبب .

ج – الضرورة الصدفة :

الصدفة هي شكل لتجلي الضرورة مثال: اكتشاف قانون الجاذبية، كان نيوتن نائما تحت شجرة تفاح، سقطت تفاحة صدفة، جعلت نيوتن يفكر ويتساءل لماذا سقطت التفاحة إلي أسفل ؟ ، وقاد تفكيره هذا إلي اكتشاف قانون الجاذبية، إذن صدفة سقوط التفاحة كانت تجليا لضرورة اكتشاف قانون الجاذبية.

د – المضمون والشكل:

هناك علاقة ديالكتيكية ين الشكل والمضمون : مثال الثعبان يخلع جلده القديم عندما يضيق ولا يلائم حجمه الجديد . الشكل يؤثر في المضمون بصورة فعّالة ، الشكل الجديد يعجل التطور ، الشكل القديم يعرقل التطور .



اهم المصادر والمراجع في الديالكتيك المادي

1 - انجلز : لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية .

2 - انجلز : أنتي دوهرينغ .

3 - أنجلز : ديالكتيك الطبيعة .

4 - لينين : مصادر الماركسية الثلاثة .

5 - لينين : المادية والمذهب النقدي التجريبي .

6 - موريس كورنفورث : مدخل للمادية الديالكتيكية والتاريخية

7 - مواقع علي الانترنت:

الحوار المتمدن



#الحزب_الشيوعي_السوداني (هاشتاغ)       Sudanese_Communist_Party#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان جماهيري من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
- بيان من الحزب الشيوعي السوداني بالعاصمة القومية
- تعميم صحفي من الحزب الشيوعي السوداني- العاصمة القومية
- قضايا فكرية - سلسلة التثقيف السياسي النظري (5)
- سيرة كفاح المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم ..
- حول تطوارت الأوضاع في المنطقة و دور - نظام البشير- في تنفيذ ...
- سلسلة محاضرات للاعضاء الجدد( المرشحون) المنقح 2016
- يدعو الجماهير للمشاركة بفعالية في عصيان 19 ديسمبر
- اوسع تحالف لإسقاط النظام وقيام البديل الديمقراطي
- فلنواصل المقاومة حتي النصر
- معاً لمقاومة القرارات الكارثية
- بيان من الحزب الشيوعي السوداني - قطاع الأطباء
- تصريح صحفي من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني - حول رس ...
- حوار الوثبة ( قفزة في الظلام)
- كل التضامن مع إضراب الاطباء السودانيين
- جرائم النظام تكشف طبيعته المعادية لمصالح الشعب والوطن
- البيان السياسي الختامي للمؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني
- قرار بفصل الزميل الشفيع خضر سعيد من الحزب
- لا للتسوية السياسية القائمة علي الهبوط الناعم
- بيان جماهيري من الحزب الشيوعي السوداني


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الحزب الشيوعي السوداني - مدخل الي المنهج الديالكتيكي المادي