عامر الدلوي
الحوار المتمدن-العدد: 5778 - 2018 / 2 / 5 - 01:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع تسابق عقارب الساعات .. يدنو منا رويدا ً رويدا ً تاريخ ترك بصمته الدامية على وجه الوطن العراقي المبتلى بالحروب و الدمار على مر الحقب التاريخية المتعاقبة كنتيجة للصراع الدامي المستمر على الخيرات التي منت بها الطبيعة عليه و التي أحالت حياة أبنائه من مختلف القوميات و الطوائف و الإثنيات إلى جحيم لا يطاق , فأصبح حاملا ً بإمتياز للقب ٍ مؤسف و فظيع و هو " الوطن الطارد لأبنائه " .
مذ وعينا و نحن نرى و نسمع أن فلانا ً قد غادر في بعثة دراسية و لم يعد , وأن فلانا ً باع ممتلكاته و أخذ عائلته و هاجر أما إلى إحدى دول أوربا أو بلد الأحلام و الفرص كما يحلو لهم تسميتها و أعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية , و هذا الأمر لم يقتصر على حقب الصراع الدموي على السلطة و أعني بذلك حقبة ما بعد إنتصار ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة و حتى عودة حزب البعث الفاشي إلى السلطة في إنقلاب 17 تموز 1968 و للمرة الثانية بقطار أمريكي .
في المرة الأولى و هذا هو التاريخ الذي عنيت صاحب البصمة الدامية أي 8 شباط 1963 لم يصدق السذج من المثقفين و العروبيين المتهافتين على الولاء لجمال عبد الناصر بأن كل مافي الأمر هو مخطط أمريكي للإطاحة بالنظام التقدمي الذي قام في العراق , لم يصدقوا ذلك إلا بعد سنين طويلة عندما بدأت الإعترافات تتوالى من قادة البعث التاريخيين آنذاك ( علي صالح السعدي و هاني الفكيكي ) فتحالفوا مع البعث آنذاك في رغبة شديدة للإنتقام من الشيوعيين الذين ناصروا حتى اللحظة الآخيرة لسقوط الحكم الوطني , ناصروا الثورة و قائدها رغم كل ما لاقوه على يده من إقصاء و إعتقال .
في الساعة التاسعة من صبيحة يوم الجمعة المصادف الرابع عشر من رمضان , كان راديو بغداد يذيع بيان الإنقلابيين و يعلن إنتصارهم و سيطرتهم على العديد من الوحدات العسكرية و المطارات و قصفهم لوزارة الدفاع مقر الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم , الذي أبى أن يسلم الجماهير التي هبت بمئات الآلاف للدفاع عنه و عن الثورة سلاحا ً تحت ذريعة خوفه من نشوب حرب أهلية تضيع فيها الدماء .
ما أن تم التفاوض معه على الإستسلام في اليوم التالي بعد مقاومة عنيفة منه و من رفاقه في السلاح حتى تم إقتيادهم إلى دار الإذاعة , حيث كشف الإنقلابيون عن وجههم الخبيث و كشروا عن أنيابهم العطشي لشرب الدماء فكانت المحاكمة المهزلة في دار الإذاعة الكائن في منطقة الصالحية و تنفيذ الحكم في الإستوديو الخاص بالبث , و وصلت بهم الدناءة إنهم لم يسمحوا له بشرب كوب من الماء و هو الصائم في ذلك اليوم .
عندما أمنوا إنتصارهم , بدأت البيانات تتوالى حتى وصلت الرقم ( 13 ) المشؤوم , المستند في دعواه إلى إبادة الشيوعيين إلى فتوى مدع بالنسب إلى محمد كان يمثل المرجع الأعلى للشيعة في العراق آنذاك ألا و هو " محسن الطباطبائي الحكيم " التي قال فيها " إن الشيوعية كفر ٌ و إلحاد " و حرم بذلك الإنتماء للحزب الشيوعي العراقي على العراقيين من أتباع المذهب الجعفري الذين يتبعون مرجعيته .
أما السبب الرئيس في فتواه تلك و الذي يحاول البعض من الباحثين تقزيمه فهو لتضارب مصلحته مع قانون الإصلاح الزراعي النافذ آنذاك و الذي أتهم الإقطاعيون فيه الحزب الشيوعي بأنه من كان وراء إصداره و هددوا السيد الحكيم بأنه سوف لن يقدموا فريضة الخمس السنوية من إيراداتهم التي قلت بسبب من فقدانهم لسيطرتهم على الأرض و الفلاحين و التي حررهما القانون من تلك السلطة البغيضة التي وصف حيثياتها بدقة و روعة الرفيق الرائع الفقيد " شمران الياسري " في رباعيته الراقية .
مع سيطرة الإنقلابيون على الأمور أبتدأت حمامات الدم المنصوبة في كل مدينة للشيوعيين و أنصارهم حتى بلغ عدد من فقدوا حياتهم نتيجة لتلك الفتوى البائسة ( 60 ) ألفا ً من الشباب و العدد ورد في حديث وعلى ذمة السيد (أياد جمال الدين) في معرض رده على تهجم لأحد صبيان " عمار الحكيم " عليه .
و كان أشهرها مقر اللجنة التحقيقية في النادي الأولمبي في الأعظمية و اللجنة التحقيقية في قاعة الشعب في الباب المعظم و التي تعرض فيها الشيوعيين و أنصارهم و حاملي الأفكار الديمقراطية من غير المنتمين للحزب الشيوعي حتى للتصفية الجسدية تحت صنوف التعذيب الوحشي التي كانت تمارس ضدهم , ناهيك عن حالات الإغتصاب للعديد من النساء و التي ابدع في وصفها كتاب " المنحرفون " الخاص بنشر الفظائع التي أرتكبها افراد المؤسسة الفاشية المسماة بـ " الحرس القومي " والمطبوع في عهد حليفهم المنقلب عليهم عبد السلام عارف في 5 ايلول 1963 .
هذه الأشهر ما بين شباط و أيلول شهدت إفراغ مدن كاملة و أقضية ونواحي من رجالها و شبانها الذين أكتضت بهم سجون و معتقلات منها ما كان معروفا ً منذ العهد الملكي البائد كسجن بغداد المركزي في الباب المعظم و رقم (1) في معسكر الرشيد و سجن الكوت و سجن " نقرة السلمان " و منها ما أبتكر حديثا ً كسجن " قصر النهاية " الرهيب .
" قصر النهاية " هو " قصر الرحاب " العائد للعائلة الملكية , و الذي أتخذه جلاوزة البعث في حينها كسجن خاص لقيادات الحزب الشيوعي العراقي و الذي تمت فيه تصفية الشهيد " سلام عادل " سكرتير الحزب الشيوعي العراقي آنذاك بعد إمراره بمراحل من التعذيب الوحشي لا يجيدها سوى فاقدي الرجولة و الساقطين أخلاقيا ً و مجموعة كبيرة من الرفاق الذين صمدوا بوجه أولئك السفلة حتى آخر رمق و لم ينبسوا بكلمة واحدة كان الأنذال يتمنون سماعها منهم .
و من عجائب تصاريف الدهر أن ياتقي حزب إسلامي طائفي مع حزب البعث الفاشي الذي يدعي في نفس الوقت بأنه من ألد أعدائه في الإحتفال بذكرى " عروس الثورات " كما أسماها الفاشست في حينه كل عام على صفحات جريدة ذلك الحزب الإسلامي عندما يخص تلك الذكرى بإفتتاحية ينضح السم و الحقد على الحزب الشيوعي العراقي من كل حرف من حروفها , أقول من عجائب تصاريف الدهر أن يكون ذلك اللقاء كلقاء " الأخوة الأعداء " لا لشيء سوى النكاية بالشيوعيين و تاريخهم النضالي المجيد من أجل سعادة الإنسان و حرية الأوطان .
مع إقتراب هذه الذكرى المشؤومة لابد أن نستذكر شهدائها بكل فخر , الزعيم عبد الكريم و رفاقه الأماجد , سلام عادل و جمال الحيدري و محمد العبلي و القائمة التي تطول و لا تنتهي , ونكيل اللعنات على الفاشية متمثلة بالبعث وصدام و من جندهم لهذه المهمة القذرة التي وردت لاحقا ً في أيامنا هذه , أيام الثورة التكنولوجية و وفرة المعلومات , وردت على شكل شريط فيديو يتحدث فيه عميل الإستخبارات الأمريكية " جون بيركنز " لطلاب أحدى الجامعات الأمريكية عن كيفية تجنيدهم لصدام لإغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم بسبب من تأميمه للأراضي غير المستثمرة في إمتيازات شركات النفط حسب القانون رقم " 80 " .
هذا رابط الفيديو : https://www.youtube.com/watch?v=__XL3OEO-Bg
#عامر_الدلوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟