أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - غيلان الغموض















المزيد.....

غيلان الغموض


نبيل محمود

الحوار المتمدن-العدد: 5775 - 2018 / 2 / 2 - 04:50
المحور: الادب والفن
    


(6)
غيلان الغموض (القسم السادس من قصيدة إنسان الجمال)
****************************************
(لا تقيّدْ عليّ لفظي فإني
مثلُ غيري تكلّمي بالمجاز)
أبو العلاء المعري

(أزِيدَ في الليل ليلُ
أم سال بالصبح سيلُ)
علي بن الجهم


إغفال الظلال خطيئة الوضوح..

يقرعان جرس الباب ويهربان
هكذا كانا ولا يزالان
الطفل وقرينه السؤال
أفتحه فلا أجد غير صرّة من الأسرار
وعلبة من لعبة الألغاز.

أنا
وأنت
وأنتم أيضاً
لمَ لا تقلقنا الأشباح التي تنام وتستيقظ معنا؟

خطاب الأسلاف
يوهمنا باقتسام إرثٍ رثٍّ بتدليس الكلمات
لو كانت العظة ناجعةً
لاستقامت أحوال البشر منذ أوّل عظةٍ في التاريخ!
حروب الكلام
ظلالٌ
للانقسام الأوّل
للفجور الأوّل
منذ فجر الجروح
وإهراق الدم
دم الفقراء المسفوك حول العروش والصروح!

أأغروك بالجزء أم تعبت من كونك أحد جوّابي الكون؟
أليس تشبّثك بامتلاك قطعةٍ من الأرض
تخلٍّ عن حقّك في بقيّة العالم؟!

شقاؤك لا يعني أنّ العالم عاطلٌ عن التعاسة
بمعرفةٍ مشوّشةٍ نظنّ أنّ السعادة هبةٌ متاحة
وحظّ الأذكياء
وأنّ الشقاء محض صدفة.

لولا التعاسة
لصدّقتُ أننا بشر!
ولصدّقتُ أنّ الحقَّ واحدٌ
لولا تضارب المعارف وتنازع العارفين.

فاجأنا الشيب
في منتصف الدرب
كان لابدّ من دفن أحدنا لمواصلة السير
قفزت بمهارة مقامرٍ محترفٍ والتقطت المعول
وابتدأت بالحفر
انشغلوا بتكفين أضعفهم
أفطنهم كان يراقبني ويهزّ ذيله!
نبح بوجهي كثيراً
بعد خروجي من حفرة الغش
واستأنفنا الدبيب
خلف عربةٍ مثقلةٍ بالذنوب والقش.

للعظمة وجهها المرهف اللطيف
وقلبها المسكون بالقوى الغامضة
حتى تنقض الريح العهد بالإعصار
فيفصح عن كوامنه ويخرج على نفسه البحر
ويعبر شاطئ الليل
ويجتاز عتبة البيت
ثم يُغرق غرفة النوم
ويفيض من النوافذ
الشعر نفسه ليس بريئاً من البحر!

استقبلتني الحياة بودٍّ عند باب الدخول
وما كدت أستأنس بالمكان
حتى أشارت بفظاظةٍ إلى باب الخروج.

- ستشقّ طريقك وتبلغ.....
- مهلاً !
كل الطرق قطعتها ولم أبلغْ بعْدْ!
لقد كانت الطرق تشقّني ولا أشقّها
عفواً..
يبدو أنني أخطأت العالم!

لو كان لكل داء دواء
لما مات إنسان..
قلها ولا ترُغْ
فمن يجرجر حقيبة العمر الثقيلة
أكثر الناس ضجراً من تثاؤب الوقت في المحطات
وأكثرهم ترقّباً
لقطار الرحيل.

في أمسيةٍ شتوية
والشارع يتموّه تحت رشقات المطر
وفي البعيد المبلّل
ألمح أشباحاً
تومئ وتختفي خلف الأشجار
ورغم ضجيج ماسحة الزجاج
أسمع بوضوحٍ صرير الروح..
ليتني كنت أمضي في طريقٍ أعرفها
في وطنٍ أعرفه
وليتني كنت أجهل الأسباب
لاستسغت القدر الفاتك
كابتلاءٍ أو عقاب.

إنسانٌ مجعّد
تهالك فوق مَقعد
إبهام قدمه اليمنى
تبرز من ثقب حذائه الترابي
تلحسها قطةٌ سوداء
طفلان رثّان
يركلان القطة ويلوذان بمَقعد شحاذٍ مُقعد
في مدينةٍ لا يجاوز عمر الإنسان فيها العجاف السبع
شخصٌ واحدٌ فقط
شذّ عن القاعدة وعاش طويلاً
ولم يقربه أحد
لكنّه تحجّر فوق المقعد!

هامش الخطأ المسموح للقانون
المصادفة الفظّة في الوجود
نحن..
ونحن المفارقة الغريبة
قد نبدو حزينين حتى النخاع
لكننا في الوقت نفسه
صالحون جداً ومناسبون كثيراً
كأبطالٍ مرحين لقصص التسلية والضحك
فأيّ مكرٍ يقلّبنا بهذا الشكل العابث
وتتعسّف بنا اللامبالاة؟!
وتهزأ بنا العبارة الساخرة
الموت كذبة الحياة الصادقة!

ضوء الغروب النحاسي رنينٌ لامع
فوق الأرصفة البليلة
نحثّ الخطى لبلوغ المأوى الليلي..
همهمات حزينة
كجلبة جيشٍ عائدٍ من هزيمةٍ كبرى
تاركين في الميدان وقتنا الضائع..
كل قلبٍ وحيد
والموسيقى نشيج..
تهجع أرواحٌ رمادية
في غرفٍ معتمةٍ تضيق بالأجساد المتعبة
وعند احتصار الليل تلمع دمعةٌ سوداء..

الليل هو الليل
والوحدة هي الوحدة
أصابعٌ متجمّدة تندسّ في جيوب معطف العتمة
بحثاً عن كفٍّ دافئة..
أتُسعف أيةُ لمسةٍ دافئةٍ كائنَ الوحشة والبرد؟
الليل مسرحٌ مهجور
وتذكرةٌ مجانيةٌ تدعونا لحضور عرض الأشباح
بعد نهارٍ يسطو على الوقت
ويترك الكائنات فريسة الفراغ الوحشي
يفرك أجساد الفقراء ويبري قلوب العشاق
من خذلان الفجر حتى خيبة الغروب..
الليل هو الليل
والوحدة هي الوحدة
الليل جثة نهار آخر..

الليل
جثة نهار آخر..
يرميها خبيثٌ ما من النافذة كل مساء ويجري؟
لم يعد لدي المزيد من الضوء
جثةٌ واحدةٌ تفوح برائحةِ جريمة
فكيف سأفسّر لرجال التحقيق
وجود هذا العدد من الجثث؟
والمدينة في حالة هلعٍ
وتبحث عن قاتلٍ متسلسل؟!

الليل لم يعد لي
والنهار فريسة الغروب..
والحلم
رغبةٌ مؤجّلة وموتٌ آخر..
الليل
جثة نهارٍ آخر.

حلمت أنني أسأل ظلي
لماذا يسبقني ويفلت مني
ولماذا صوتي يفرقع كالزيت السائل
في مقلاةٍ ساخنة
- غفوتك ستطول هذه المرة يا صديقي..
وحلمت أنني أقصّ حلم النائم على النائم
لم أعرفْ أيّ النائميْن أنا
لكنني كنت أعرف أنني أحلم
حلمت بالرقاد الأخير
والسكون الأبدي لأعضاء الكلام
في الجسد الزمني..
السماء ظلّتْ زرقاء
والورود ظلّتْ تفوح
والأغنية ظلّتْ تردّد أنين نغمةٍ تتدلّى
من وترٍ مشنوق..
- رقادك هذا ليس غفوةً يا صديقي..
وأجهش ظلُّ شخصٍ بالبكاء في المقبرة الموحشة.

لماذا كل طرقنا تؤدي إلى روما محترقة
وكل أنهارنا تنبع من منبعٍ مرّ
وتصبّ في بحرٍ بطعم الهروب؟
فتحمّلْ ظمأك حتى نهاية السراب..
أو وهم الخلاص.

كان يبحث عن فرصة خلاص
فيتعثّر بكأس الشوكران
كبطلٍ إغريقي..
لا يهرب من قدره إلا ليلاقيه في نهاية المطاف!

الأمر أسهل مما يبدو..
مثل إطفاء النور قبل الذهاب إلى النوم
فلن تنهض صباحاً
وستترك للآخرين قراءة آخر أخبار مآسي العالم.

أكثر من سببٍ
يجعل التشبّث بالحياة
عرَضاً من أعراض "مازوشيةٍ" مستفحِلة!

لنستمر في الحياة
تضيق بنا الطريق
وتباغتنا نقاط عبورٍ خطرةٍ
لنعبرها علينا أن نطأ قلباً ما!
القليلون سيرفقون بقلوب الآخرين
وبعضهم فقط ممن لا يتردّد بالاختيار
حتى وإنْ أخطرهم هاجسٌ عميق
بأنّ خطوتهم ستسحق قلبهم الوحيد!

قلمي أرهف من أن يرسم
الأطلس الشاسع لألم هذه الحياة.

لمّا خذلتني جميع السلال
كسرتُ البيض كله..
واستلقيت قرب البحر
مطهّراً قلبي العاري بالرمل والريح
من الروائح الفاسدة..
كانت القوارب المتماوجة
والنوارس الطالعة من الفجر الوشيك
تحمل الرسائل الصادحة والندية من جزر الجمال
إلى معذّبي مدن الأرض وأطفال الفاقة والعشّاق الخائبين
والفنانين المحبطين من فشْو القبح والخراب..
استهلكتكم النسخة التجريبية للحياة
فخسرتم الرؤية والرؤيا
الإنسان كغاية
والجمال كآية.



#نبيل_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمية الغربان
- شراك اليقين
- فزع الغزلان
- في البرية
- الأجنّة
- إنسان الجمال
- يوميات هيروشيما
- ذبول
- حديقة
- رمزية الحدث
- الغابة في المدينة
- قصيدة حلوى الليل
- أصوات
- عطرها
- إلى سركون بولص
- حلم صيفي..
- ليل الليلك
- زخات
- قالت أمي
- كأنها جريمة.. !


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - غيلان الغموض