أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - مي كمال أحمد هماش - القانون والاستعمار















المزيد.....


القانون والاستعمار


مي كمال أحمد هماش

الحوار المتمدن-العدد: 5772 - 2018 / 1 / 30 - 16:20
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


القانون
"الغاية تبرر الوسية"
ميكافيلي
لا يمكن الحديث عن القانون بصيغته الجامدة دون فهم الحاجة التي دعت لإنشاء وإصدار القوانين وجعلها ثابتة تتحكم بالبشرية على طول التاريخ، ففهما يساعد أيضا في فهم تغيير شكل ووسيلة وممارسة السلطة مع تغيير القوانين وبالتالي تغيير شكل الدول، فأصبحت القوانين تخضع للرقابة كما السلطة تخضع، وذلك بسبب إدراك أصحاب المعرفة أن القانون نفسه سلطة، سلطة مباشرة قمعية وعنيفة، وسلطة رمزية مخضعة بالخطابات "المتمدنة" الحضارية التي أفرزتها الدول الاستعمارية من تجاربها الاستعمارية في الدول التي أطلقوا فيما بعد عليهم مسمى "دول العالم الثاني والثالث".
إن تشكل الفكر القانوني والحقوقي في المجتمعات الغربية، منذ العصر الوسيط، وتمحوره حول السلطة المًلكية قد تأسس بطلب من السلطة الملكية ومن أجل مصلحتها ومن أجل أن يخدمها كوسيلة، وهكذا تكوّن الصرح القانوني لمجتمعاتنا. القانون في الغرب هو قانون القيادة الملكية، ووجب ألا ننسى أن إعادة تنشيط القانون الروماني حوالي منتصف العصر الوسيط كان الظاهرة الكبيرة التي تمّت حولها وانطلاقاً منها إعادة تكوين وتشكيل الصرح القانوني المفكك بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، والذي كان أحدى الوسائل التقنية المكونة لحكم العاهل السلطوية والإدارية، وأخرياً، المطلقة
والهدف الأساسي من القانون هو الحصول على السيادة، سيادة القانون وسيادة السلطة، فالقانون هنا هو غاية تستخدمه السلطة لتمرير سلطتها وشرعيتها وبالتالي سيادتها على الواقع الذي تريده، ولهذا يحمل القانون صفة ثابتة نوعا ما بالنسبة للذي يطبق عليهم القانون، إلا أنه مادة مرنة مثل "الليجو" يتم تشكيلها بما يتناسب مع مخيلة اللاعب ليشكل ويصيغ الواقع كما يريد، دون وجود ثغرات. وإن وجدت فلا ضرر بإعادة الصياغة حتى ولو تعرض النسيج والعلاقات الاجتماعية للخطر والتفكك، فالمهم هنا هو الحفاظ على السيادة، لأن عدم إعادة اللاعب صياغة الثغرة سيتطلب من النسيج الاجتماعي إعادة بناءه مع الوقت وبالتالي استلاب الشرعية.
يشير "صراع العمالقة حول الفراغ" أحد أهم فصول كتاب حالة الاستثناء لصاحبه أجامبين إلى حالات الاسثناء القانونية أو الحكمية التي لا تلتصق بها أي صفة قانونية، ولا يترتب على ممارستها أثار قانونية. وبالتالي حالة الاسثناء هذه تفسح المجال دائما أمام وجود سلطة سيادية تستشعر خطر تعده استثنائيا وتتخذ في أثره إجراءات استثنائية تؤدي بحياة الألاف من الناس. وهذا ما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث استغلت الولايات المتحدة هذا الحدث لتصدر قوانين محاربة الإرهاب وحققت كافة مطامعها في ظروف "استثنائية" ليعم الأمن والسلم الدوليين .
إن الصراع الطويل ضد كتاب الأمير لصاحبه ميكافييلي ومحاولة منعه لأنه كان اليد التي يضرب بها موسيليني وهتلر اللذان تتلمذان على يديه يعطي صورة رومانسية عن العالم والقوانين التي لا تشوبها شائبة، هذا في الظاهر بالطبع أما العمق فهو التشابه اللامتناهي في الأفكار والممارسة ولكن بتطور الشكل القانوني ليكون أكثر متناسبا مع العقلية البشرية. فقد كان جرم ميكافييلي أنه كان أكثر مباشرة ووضوح دون الحاجة للصياغة القانونية، فالقانون حسب ميكافيلي يتفق جدا مع القانون من وجهة نظر أجامبين أنه استثناءات سلطوية سيادية.
يقول الكاتب البريطاني جورج منبيوت أن الاستعمار لم ينته ولكنه جاء بحلة جديدة تسمى القانون الدولي الذي بموجبه تفرض القوى الغنية والقوية هيمنتها على الدول الضعيفة. ويأكد على أن شكل الاستعمار التقليدي لم ينته إلا بعدما أنشأ وسيلة أخرى للحفاظ على الهيمنة ، بالإضافة إلى أن القانون كما وذكرت سابقا جاء من الدول الاستعمارية الكبرى للهيمنة ليس فقط على الانسان ضمن منظومة موخدة، لا بل للسيطرة على الموارد وتنظيمها وحمايتها.
تطرقا للقوانين في السياق الاستعماري الذي هو لب الورقة البحثية والممهد لفصل "قانون المستعمر" وتحليل الخطاب القانوني والأدوات المستخدمة في استخدام سلطة القانون، سيتم حصر قانون المستعمر ب الاستعمار الصهيوني للمكان والذاكرة والانسان الفلسطيني، كون هذا القانون بحد ذاته بنية استعمارية، استخدم منذ بدايات الاحتلال والاستعمار للسيطرة بإصدار القوانين الاستثنائية للسيطرة على الأراضي بطريقة "قانونية" والحفاظ على القوانين البريطانية والعثمانية التي تستفيد منها الشرعية المتمثلة بالسلطة والحكم وبالتالي استفادة المُستعمِر.
الفصل الثاني: قانون المستعمر
سلطة الحقل القانوني (الرمز – الخطاب)
“لا تنسى أن القديس خاطئ يحاول أن يصير أفضل”
نيلسون مانديلا
يقول بارت إن كشف الكامن يبحث عن الأيديولوجيا خلف أقنعته، وهنا يتفق مع دي سوسير الذي رأى أن ما وراء اللغة بنية خفية لا يمكن للفرد أن يتصرف بها، إذ هي بمثابة العقد الإجتماعي الملزم لكل من يريد التواصل وأنها مؤسسة إجتماعية ونسق من القيم، ولكن بورديو نظر إلى اللغة على عكس دي سوسير أن تدرس كموضوع مستقل يبحث عن الدلالة في باطن اللغة دون البحث في الشروط الإجتماعية لاستخدام الكلمات، فإن قوة الكلمات وسلطتها لا تنبعان من ذاتها بل من الإستعمالات الإجتماعية لها، ذلك أن قدرة العبارات على التبليغ لا يمكن أن توجد في الكلمات ذاتها بل تستمد سلطتها من الخارج وأقصى ما تفعله اللغة هو أنها تمثل هذه السلطة وترمز إليها
المهم في الخطابات هو الخطاب نفسه والكلمات نفسها فكاتبها غير مهم ولا يمتلك سلطة بقدر السلطة التي تمتلكها الخطابات، وموقف فوكو من المؤلف أو كاتب الخطاب، قريب من موقف "بارت" الذي أعلن عن "موت المؤلف" باسم النص. حيث يرى أن المؤلف شخصية حديثة النشأة، ووليدة المجتمع الغربي، وبالرغم من كونها جديدة، إلا أن بعض الكتاب حاولوا خلخلتها، أمثال "مالارميه" الذي دعا إلى إحلال اللغة محل من كان يعد مالكها
يتعامل فوكو مع رمزية الخطاب على النحو الذي لا يبقى فيه مجرد خطاب، كما يعتقد بأن الموقف التفسيري له كنزا مليئا لا ينفذ بل إنه سيغدو ثروة متناهية، ومحدودة ومرغوبة ومفيدة لها قوانين ظهورها، وأيضا شروط تملكها واستثمارها، ثروة تطرح بالتالي ما إن تظهر إلى الوجود مسألة السلطة، ثروة هي بطبيعتها موضوع صراع سياسي، ويفترض فوكو أن إنتاج الخطاب في كل مجتمع، هو في نفس الوقت إنتاج مراقب ومنتقى ومنظم، ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التي يكون دورها هو الحد من سلطاته، ومخاطره، والتحكم في حدوثه المحتمل، وإخفاء ماديته الثقيلة والرهيبة
تستخدم الصهيونية القانون كغطاء أيديولوجي لتحويل أراضي فلسطين إلى وطن لليهود، واليهود فقط. وقد فشل الفلسطينيون في إكساب هيمنة بنيوية على مدار كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني وتشكيل وعي سياسي فلسطيني مستند إلى منطق قانوني. ولا يعود هذا الفشل بسبب أخطاء في التطبيق أو لنقص في وعيهم القانوني، بل إن المنهج القانوني في مثل هذه الحالة معيب بنيوياً، حيث يفشل النضال الفلسطيني في تحويل نضاله بوصفه نضالاً شرعية ونبيلاً وموضوعياً من خلال حصره في منهج نضالي أحادي المدلول وبعيداً عن الفعل السياسي غير المؤطر بالجملة القانونية. مما يجعل نضاله التحرر في نهاية المطاف غير قادر على تعبئة المجتمع العربي الفلسطيني نحو هوية نضالية مؤطرة قانوناً
إن محاولة صياغة الفلسطيني روايته بلغة قانونية تحوله إلى أبكم؛ فلا سبيل لتثبت براءتك أمام المحاكم الصهيونية سوى الموت أو الرحيل هذا ما أشار إليه رائف زريق من نجاعة التوجه إلى المحاكم الاسرائيلية. فعدا عن الشرعية التي يعطيها الفلسطيني للمحاكم الصهيونية من خلال توجهه إليها، فإنها أيضا وبشكل غير مباشر تجعل من "القانون" الخاص بها أداة مقاومة، وحسب قانون التحرر فإن أداة السيد لا تهدم بيت السيد. وإنما هدم الأداة هي بداية التحرر وهدم السيد.
يعتبر القانون ثاني الأساليب التي استخدمتها الصهيونية في السيطرة على الأرض الفلسطينية والتهجير القسري لهم بعد العنف المستخدم في أعوام ال48 – 67. وقد تم هندسة القوانين الاسرائيلية بالشكل الذي يحرم المقيمين بصفة اعتيادية أو المستحقين للإقامة بالبقاء في ديارهم، واستخدمت في أعقاب حرب 1948 قوانين الجنسية التمييزية على نحو من شأنه أن يستثني جميع اللاجئين من الحصول على جنسيتها. تخضع الجنسية الإسرائيلية لأحكام قانون العودة لعام 1950 وقانون الجنسية لعام 1952. وبموجب هذين القانونين، اكتسب يهودُ العالم قاطبةً ميزةً إذ أصبحوا "رعايا" يهودًا لإسرائيل يمتلكون الحق في الهجرة إليها واكتساب المواطنة الكاملة. وفي الوقت نفسه، منح القانون الجنسية للفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل واستثنى اللاجئين الفلسطينيين كافة رغم أنهم أقاموا قبلها لقرونٍ في الأرض التي أصبحت فيما بعد دولةَ إسرائيل. ‪ وبالإضافة إلى ذلك، جرَّم قانون التسلل الإسرائيلي لعام 1954 (الجرائم والاختصاص القضائي) محاولات اللاجئين في العودة إلى دياره.‬

ويأخذ النضال الفلسطيني في الأراضي المحتلة طابعا قانونيا نوعا ما، ينبع هذا من الحقيقة بأن السياسيين الفلسطينيين ومعظم النشطاء في أراضي الـ1948 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، مقيدون داخل حدود خطاب المواطنة. يخدم هذا الأمر تطبيع أوضاع الفلسطينيين من خلال المواطنة الإسرائيلية، وكأنهم ليسوا تحت الاحتلال. العلاقة بين الفلسطينيين و"إسرائيل" ليست علاقة مواطن بدولة، إنما هي علاقة مستعمر ومُستَعمّر. ولذلك فإن هناك فرق عظيم بين محاربة الدولة من خلال قوانينها وبين محاربتها من خارج النظام، خاصة أن الفلسطينيين لا يحاربون لجعل النظام أكثر مساواة، بينما هم يحاربون لتدمير النظام بأكمله. إنه نضال من أجل التحرر، وهنا لا يتعدى التمييز كونه متلازمة، وليس المشكلة الأساسية أو الكبرى .
هذه الرموز القانونية كافة التي تستمد سلطتها من الطريقة التي تُصاغ بها، عَمِدَ الظرف الاستعماري سابقا والواقع الاستعماري الاسرائيلي في الوقت الحاضر للجوء إليه؛ لتحقيق أهدافهم بتحويل البنية الاجتماعية إلى بنية يهودية بامتياز نقية لا تشوبها شائبة "وجود فلسطيني أو عربي فيها". فانتهجت القوانين الميكافيلية لتنفيذ أطماعهم بحجج غبية نوعا ما من قوانين أملاك الغائبين إلى قوانين المستعمرات وغيرها، والأمر الذي يزيد الوضع غرابة هو تعامل الفلسطيني معها والإنصياع للأوامر العسكرية والمدنية، دائما هنالك منفذ؛ والعصيان الجمعي بعدم الخروج من الأراضي وتسليمها والتكاتف والتضامن الفلسطيني هو منفذ رئيسي والمفروض أن يكون أولي، ولا بد أن نصل كفلسطينين إلى ذروة الوعي هذه.
القوانين الاسرائيلية العسكرية والمدنية
"الضرورة لا قانون لها"
فيصل عادل
كما ذكرت سابقا عن ميكافيلية القوانين وحالة الاستثناء التي قدمها لنا أجامبين فستكون عبارة الضرورة لا قانون لها مناسبة للحديث في جانب القوانين الاسرائيلية؛ لأنها ببساطة دولة بلا قانون. تعمل تحديث مستمر لقوانينها ومؤسساتها لتحمي وتحقق مطامعها، لا تستقر على حدود مكانية ولا زمانية وحتى تراثية، وهي دولة غير محددة الهوية، وتحديد هويتها يتطلب تحديد قوانينها وبالتالي أملاكها وهنا معضلتهم لأن الأراضي هي ليست ملكهم، فالحفاظ على الوضع الراهن مصلحة أيديولوجية، فهي كيان حاله كحال السرطان الذي لا يقتل الجسد ولا يتوقف عن بناء نفسه داخله.
وفي سياق الحديث عن القوانين الاسرائيلية التي استخدمتها للسيطرة على ما بتعلق بحياة الفلسطيني، من: قانون الأراضي – التخطيط والبناء، قوانين الاجراء الجنائي، المشاركة السياسية، المواطنة، قوانين مدنية وسياسية، حقوق اقتصادية، حرية تنظيمية، المواطنة. سيتم تركيز الحديث بشكل خاص عن القوانين التي استخدمت للسيطرة على الأراضي "حسب هدف البحث"، والوسائل التي استخدمت لتنفيذ القوانين، وتطور القوانين الخاصة بالبناء والمصادرة. وسيتم عرض المواد المتاح الحصول عليها من مركز عدالة القانوني لحقوق الأقلية العربية في اسرائيل ، وهي:
قانون الحق في البناء والتخطيط (1960)، قانون أملاك الغائبين (1950)، أنظمة الدافاع الداخلية "أنظمة الطوارئ" نظام 125 " مناطق مغلقة"(1945)، تعديل رقم 7(2009) بقانون دائرة أراضي اسرائيل (1960). (2009)، قانون دائرة أراضي اسرائيل "طرد مقتحمي الأراضي" (1981)، تعديل رقم 3 لقانون تنظيم الأراضي "حيازة الممتلكات العامة 1943" (2010)، تعديل رقم 4 على قانون سلطة تطوير النقب (1991) المستوطنات الفردية (2010)، قانون لجان القبول (2011)، تعديل رقم 3 على قانون أراضي اسرائيل (2011).
وهذه القوانين ليست ثابتة، بل هي ردة فعل لكل ضرورة صهيونية، وتتوسع نصوص هذه القوانين التي تشمل مع الوقت الكل الفلسطيني "الاراضي، والوجود". بحيث أن هذه القوانين قسمت الأراضي إلى حاجات عسكرية وارتباطات أمنية وأعطت لبعض الجهات المتخصصة تصريح بمصادرة هذه الأراضي وإطلاق صفات الضرورية عليها؛ لكسب وقت أكثر لهندسة قانون مناسب يحقق لهم السرقة بالطريقة "القانونية".
وتطرقاً لبعض التعريفات المرتبطة بالقوانين الاسرائيلية الخاصة بمصادرة الأراضي وعلى وجه الخصوص في" قانون أساس أراضي إسرائيل " الذي أقره الكنيست في الخامس والعشرين من تموز عام 1960 - الموافق الفاتح من شهر آذار العبري عام 5730 حسب التقويم العبري، وذلك باسم "قانون أساس أراضي الشعب"، في الكنيست الرابعة. يستند القانون إلى الصلة المميزة بين الشعب الإسرائيلي وأراضي إسرائيل وفلاحتها، ويستهدف إبقاء أراضي الدولة، والتي هي 90 بالمائة تقريبا من مجموع أراضي الدولة، إبقائها أملاكا للشعب، حيث بموجبه ممنوع نقل ملكية أراضي كل من: الدولة، سلطة التطوير، أو الصندوق القومي الإسرائيلي الدائم، سواء أكان الأمر بواسطة البيع أم بالطرق الأخرى، باستثناء نوع الأراضي أو الصفقات التي ينص عليه القانون .
في المقابل نرى صدور هذا القانون وترجمته في عدالة ووفا وغيرها على النحو التالي لنفس القانون وهو "قانون أساس أراضي الشعب ". يتضمن القانون أعلاه على "الرابط بين الشعب الإسرائيلي والأراضي في فلسطين، ويؤكد القانون على ملكية الشعب للأراضي، ولكن تحت تصرف الدولة المطلق. ويمنع نقل ملكية الأراضي التي بملكية الشعب، خاصة أراضي الدولة، وأراضي سلطة التطوير، وأراضي الصندوق القومي الإسرائيلي (الكيرن كييمت). وهذا يعني أن أي فرد أو طرف لا يستطيع أن يتصرف بالأراضي التي هي "أراضي دولة" أو الهيئات الأخرى المذكورة أعلاه. وجاء هذا القانون ليحمي الأراضي في إسرائيل من احتمال بيعها إلى أطراف غير يهودية، خاصة إلى العرب. وللدولة حق توزيع الأراضي على المستوطنات فيها بكافة أشكالها (مدن، قرى، كيبوتسات، بلدات تطوير...) أو إقامة منشآت عامة عليها .

إن القانون الاسرائيلي المذكور أعلاه يظهر الرابطة الفطرية الطبيعية بين الانسان والأرض ارتباطا بمفهوم "الفلاحة ، الشعب" فهذه الصفات تشير لقارئ القانون على الحق الطبيعي الذي لا يمكن الجدال والمخاصمة به، وهذا ما يحاول الكيان الصهيوني على طول الوقت القيام بها "تطبيع علاقتهم بالأرض"
أراضي الدولة، مصطلح قريب إلى الفجاجة عندما يأتي في سياق الحديث عن الاستعمار الاسرائيلي. وإن كانت أمر طبيعي وقانونية فمصطلح أملاك الغائبين وإجرام التسلل والمواطنة، كرموز قانونية وثقافية في الواقع الاسرائيلي تناقض مصطلح " أراضي الدولة"، فإذا كانت هذه المسميات ضمن أراضي الدولة فحالها سيكون على حال غيرها من الدول، تحاول تنظيم أملاكها برموز قانونية تعكس الواقع وتكون جزء منه.
إضافة لقوانين أراضي الموات والاراضي المتروكة وأملاك الغائبين وغيرها، هي مسميات رمزية تحاول فقط الحفاظ على استمرار السيادة القانونية الناهبة للأراضي بطريقة مشرعنة، فهذه المسميات وعاءها القانون وماؤها السرقة والاحتكار.
لو نظرنا إلى عنونة القانون باسم " قانون اساس قانون أراضي الشعب" ولا يستطيع الشعب "مالكه" أن يتخذ أبسط حق من حقوقه ألا وهو البيع والشراء والتوريث، فما المقصود هنا والمطلوب من هذا الرمز القانوني "الشعب"!. المطلوب فقط استمالة الشعب وكسب شرعيتهم وموافقتهم للسيطرة وسرقة الأراضي دون مسائلة قانونية دولية، ولكن بصفة الحاضنة لحماية أملاك "الشعب" وهي: الدولة ومجالس التطوير والصندوق القومي.
إن ملكية الأشياء يعني حق التصرف المطلق بها دون ما يمس بالأمن القومي للدولة، وهنا في سياق "حرية اختيار القرار"، فحصر حرية التعامل مع الأراضي بالنص القانوني المحدد داخل إطار ضيق النطاق يعني سقوط هذا الحق وإفراغ سلطة المالك للارض من ملكيته، وهذا أيضا سلطة وظلم واقعات على "الشعب" "اليهودي" نفسه، وليس فقط على الفلسطيني الذي سرقة أرضه
وجود 90% من الاراضي مصنفة على أنها أراضي دولة، مفهوم يشير بشكل أو بأخر إلى اشتراكية الدولة وشيوعيتها، ولكن بالنظر إلى النظام الرأسمالي المعولم داخل "اسرائيل" والتمييز العنصري الاقتصادي بين اليهود أنفسهم والاحتكار يظهر لنا بالعمق كم هي القوانين الاسرائيلية هشة، وضعيفة، غير قادرة على صياغة خطاب قانوني مسيطر، أو على الأقل خطاب قانوني حقيقي مستمد من الواقع وموجه له، وهنا تدخل أداة العنف لدى فوكو والتي هي شكل من أشكال السلطة لدى فيبر وماركس لتكون هي الحاكمة في هذا الظرف الاستعماري.
وكون هذا القانون من ضمن قوانين الأساس يتوافق مع الأيديولوجية الصهيونية التي تعمل بشكل مستمر على تهديد الوجود الفلسطيني، وهي تسقط جزء من واقعها قبل قيام دولتهم على أرضنا وتحقق أحلامهم بالتملك للأراضي والتصرف بها لتحقيق حلم الدولة، وإدخال قوانين تمييزية وعنصرية جديدة من قانون العودة وقانون الدولة اليهودية ما هو إلا استكمال لهذه القوانين من أجل ترانسفير كامل ومسح لأي وجود عرقي وتوابعه على هذه الأرض.
أما الترجمة للقانون فإن التفسير المذكور أعلاه للقانون الاسرائيلي يظهر الحالة الاستعمارية التي ترتبط بفلسطين منذ ال48 وحتى اليوم، بالإشارة إلى أنها أراضي فلسطينية والرابط، فهذان المفهومان على عكس القانون الاسرائيلي بتعريفاتهم وحدود رمزية لغتهم الذي لا يتحدث عن الروابط بين الشعب والارض لأنه شيء بديهي ليس بحاجة للاشارة إليه، فسياق الحديث يتم في إطار دولة طبيعية جدا تحاول تنظيم ممتلكاتها كحق طبيعي وفطري.
فالقوانين هنا عبارة عن سلسلة من الحلقات التي ستكون قلادتها حسب المنهجية القانونية "دولة اسرائيلية نقية". ولذلك فهم قوانين الأساس لا يتم فهمها إلا من خلال إدراكنا للظرف الذي دعا وما زال يدعو لوجود هذه القوانين، واستحضار ل "الضرورة لا قانون لها" التي من الممكن أن تكون مرادفة لحالة الطوارئ التي أعلنها الكيان الصهيوني منذ قيامه حتى الآن.
وهنا يستحضر رولان بارت نفسه بنفسه في مقولته إن كشف الكامن يبحث عن الأيديولوجيا خلف أقنعته، فإن قوة الكلمات وسلطتها لا تنبعان من ذاتها بل من الإستعمالات الإجتماعية لها، ذلك أن قدرة العبارات على التبليغ لا يمكن أن توجد في الكلمات ذاتها بل تستمد سلطتها من الخارج وأقصى ما تفعله اللغة هو أنها تمثل هذه السلطة وترمز إليها، وسلطة القوانين الاسرائيلية أنها أساسا صيغت في ظروف سياسية واجتماعية خاصة فأصبحت القوانين نفسها الحاضنة لهذه الظروف بصيغة ورموز وخطابات قانونية.



#مي_كمال_أحمد_هماش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- حركة فتح: قضية الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين تحتل أولوي ...
- نادي الأسير يعلن ارتفاع حصيلة الاعتقالات منذ 7 أكتوبر إلى 78 ...
- الاحتلال يفرج عن 7 معتقلين من الهلال الأحمر ومصير 8 ما زال ...
- الأمم المتحدة: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا
- تعذيب وتنكيل وحرق حتى الموت.. فيديو صادم يظهر ميليشيا موالية ...
- الأمم المتحدة: أكثر من مليون شخص في غزة يواجهون انعدام الأمن ...
- الأمم المتحدة: أكثر من مليون غزي يواجهون انعدام الأمن الغذائ ...
- زاخاروفا تضيف سؤالا خامسا على أسئلة أربعة وضعتها برلين شرطا ...
- مقال بموقع بريطاني: هذه طريقة محاسبة إسرائيل على تعذيب الفلس ...
- الأردنيون يتظاهرون لليوم الرابع قرب سفارة إسرائيل ومسيرات بم ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - مي كمال أحمد هماش - القانون والاستعمار