أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عادل صوما - رسائل مبطنّة في الاغاني الجريئة















المزيد.....

رسائل مبطنّة في الاغاني الجريئة


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 5769 - 2018 / 1 / 27 - 10:02
المحور: كتابات ساخرة
    


حكام وملوك ورؤساء مصر كانوا يحرصون على سماع النكتة التي يتداولها الشارع، إضافة إلى قراءة تقارير الاستخبارات المحلية والاجنبية، وكان من يروي لهم النكات محميا منهم بكلمة شرف، لأنه ببساطة الراوي وليس المؤلف. ومن المعروف على سبيل المثال، أن الرئيس عبد الناصر طلب من المصريين معاتبا أن يتوقفوا عن إلقاء النكات على الجيش المصري بعد كارثة 1967، والرئيس السادات كان يسأل أبناءه ايضا عن النكات التي يقولها التلامذة عنه في الجامعات، ويلح على سماع الأسوأ منها وكان يضحك أحيانا، لأنه كان يعتقد أن سماع نكتة الشارع مهم مثل سماع نبض قلب الانسان عند الطبيب.
جذور وثمار
تاريخ النكتة المصرية السياسية والاجتماعية طويل يمتد من ايام الفراعنة مرورا بالامبراطورية الرومانية التي منعت المحامين في الاسكندرية من الترافع امام المحاكم لأنهم كانوا يسخرون بالنكتة من القضاة "الاجانب"، وسيبويه العالم اللغوي الشهير كان يتجول في شوارع القاهرة ويلقي النكات على كافور الاخشيدي، والتقت المتنبي روح بعض هذه النكات أو نصها ثم صاغها في هجائه على الحاكم نفسه.
ما بعد النكتة
ظهرت طرق كثيرة في مصر الحديثة لنقد الحاكم أو ظروف معينة في المجتمع، كان أولها فن الاراغوز، وهو نسخة مصرية عن خيال الظل الاوروبي، وكان القائمون على هذا الفن ينتقدون العمدة أو إمام الجامع في القرى أو الخسيس أياَ كان، ولم يجد عمر الشريف غضاضة وهو يتقمص دور هذا الشخص الريفي البسيط في فيلم "الاراجوز" بادارة المخرج المتميز هاني لاشين.
استخدم الفنانون المسرح والسينما أيضا لنقد الحاكم أو المجتمع أو جهاز الشرطة، وطالما تدخل مقص الرقيب وحذف بعض المشاهد قبل عرض المسرحية أو الفيلم، وفوّض الرئيس عبد الناصر نائبه أنور السادات ليشاهد فيلم "ميرامار" قبل عرضه، واجاز السادات عرض الفيلم وسط دهشة الجميع بمن فيهم نجيب محفوظ كاتب القصة، لأن النقد فيه بنّاء حسب ما قال للرئيس.
كما ظهر فن المونولوغ الفكاهي في السينما والمسرح (والكاباريه قبل أن يختفي لأسباب طقوسية) المستوحى من أوروبا ايضا، بموسيقاه وقفلته الموسيقية الساخرة التي لا تتغير وكلماته التي تنقد سلبيات المجتمع أو نفاقه، ومن نجوم المونولوغ في مصر حسن فايق وإسماعيل ياسين ومنير مراد وثريا حلمي وسيد الملاح.
رقي وجرأة
تميز العمل الفني بصوره كافة في مصر برقي الكلمات لدرجة أن بعض الحوارات في الافلام ترتفع إلى مستوى أكاديمي رفيع، بينما تميزت النكتة المصرية احيانا بالجرآة الشديدة في صياغتها، مثل أي شعب آخر، لأن النكتة لها خصوصية معينة وتُقال بين أصدقاء. حتى الأغنية رغم جرأتها إكتفت بالتلميح بمفردات يعرف العامة مغزاها، لكنها جنسية تماما، ومن آواخر هذه التلميحات الشعبية المصرية الصريحة أغنية "الطشت قال لي"، و"هلا بالخميس" في السعودية.
لم تعرف الاغنية المصرية بشكل عام الجرأة الشديدة في السيناريو والإلقاء والكلمات سوى بعد سرقة الثورة كانون الثاني سنة 2011 من أصحابها. وحسب رأيي، هذه الأغنية مونولوغ حديث له الاهداف نفسها وأهمها النقد، لكنها سوِّقت على انها اباحية تهديدأَ باطنيا لمن يدافع عنها.
بعد سرقة ثورة 2011 ظهرت هذه الجرآة العلنية في التعبير أولا في المنشورات والغرافيتي والشعارات وحتى فن الكاريكاتور، ولأنني من هواة جمع صور الشعارات على الحيطان منذ الحروب الاهلية اللبنانية، طلبتُ من اصدقائي في مصر إرسال صور ما يُرسم أو يُكتب على الحيطان وحتى الكاريكاتور، وكان بعضها مكتوبا بلغة جريئة مثل "ك.. أم الاخوان" ، وتحت إسم ثورة الغضب الكبرى ثورة الانقاذ الوطني وُزع منشور يقول "أصبح تجار الدين في مصر أكثر عدد من تجار الشنط وأعلى رصيدا من تجار السلاح وأوطى ضميرا من تجار المخدرات"، ووصلني كاريكاتور بالإيميل يقف فيه شاب أمام تمثال نهضة مصر وهو يقول: كل إلي عملته كان عشانك يا مصر، فيرد التمثال : ك.. أمك ياعرص".
وهناك نكتة تداولها الكثير من الناس على شكل كاريكاتور يسخر من حالة الهلوسة الطقوسية التي تمر بها مصر، وتسأل فيه أم ابنها الملتحي بشكل مبالغ فيه: أريد ان اختار لك عروسة فقل لي أي النساء تفصل، فيقول لها: تشبه الفاسقة فلانة (نجمة لبنانية معروفة جدا)
سياسيون ومتربحون
الفن الجريء بكافة أشكاله، ومنه المونولوغ الحديث خصوصا الذي يقدمه بعض نجوم الراب الجزائري الابطال، في دول ثورات الربيع إياه وليس مصر فقط، بحاجة لقراءة من المتربحين من الاسلام، فالجزء الأعظم منه اليوم موجه لهم وليس للسياسيين فقط، والمؤكد أن أغنية "بص أمك بتعمل أيه" هي ترجمة حرفية لما يقوله من فاض به الكيل في مصر لإنسان وقح تحذيرا لما يفعله؛ يقول عادة: أيه ألي بتعمله ده يا ك.. أمك، لكن مؤلف الاغنية لم يستطع أن يذكر كلمة "ك... أمك" كما هي.
كاتب كلمات الأغنية ومخرجها يريدون إبداء اشمزازهم من أمر خطير يحدث في مصر ويجب على المسؤول أياً كان أن يفهم ذلك، بدلا من شهر سلاح الزندقة أو الفسق عليهم وإهاجة الرأي العام شبه المخدر طقوسيا.
أذكر أن المخرج يوسف شاهين وافق على حديث مع الملحق الادبي في جريدة "النهار اللبنانية" في التسعينات حين زار بلدة بيت الدين لعرض فيلمه "المصير" في مهرجانها السنوي، واشترط نشره كما هو بدون حذف أو تعديل أو تجميل للكلمات ووعده إلياس خوري الذي أجرى الحوار بذلك، وردا على سؤال عن انجازات زعيم مصري صاحب شهرة مدوية قال شاهين: ك... أمه هو عمل أيه غير الخراب والهزايم والبلاوي والديون.
زوبعة خارج الفنجان
اللغة في مصر أصبحت جرئية تعبّر عن المشاعر السلبية لمشاكل حياتية في غاية الاهمية للشباب لا حل واضحا لها على مدى عشرين عاما سوى الانتماء لتيار لا يحبه، أو الهجرة التي سيجد فيها أحدهم يدعوه للتمسك بإسلامه في بلاد الكفر، ما جعل الاحباط يصيغ لغة تفرّغ المكبوت لأن المصري أساسا لا يحب الهجرة، ومن الطبيعي أن تصل هذه الحالة إلى مؤلفي الاغنية الشباب لأنهم يتقاضون جنيهات قليلة على كلماتهم، وبصفتهم جزء من المجتمع المصري.
خطورة وأهمية الاغاني الجريئة التي ظهرت اخيرا، ومنها "بص امك بتعمل أيه" انها ليست منزوية على هامش المجتمع، لأن نسبة مشاهدتها تفوقت على مشاهدي الدعاة المتربحين من الاسلام وحتى كبار المطربين في العالم العربي، بالرغم من اشمئزار بعضهم من كلماتها "السوقية، مثل "الباكابورت" لفرقة كايروكي، والباكابورت كلمة إيطالية تمصّرت وتعني مجري القاذورات، والاغنية تعبّر عن معاني البطالة وعدم الحاجة إلى شهادة جامعية للنجاح في الحياة، ومن يحصل على شهادة سيعيش في باكابورت لأنه لن يستطيع الحصول على وظيفة محترمة تعينه على مواجهة الواقع وترفعه إلى مراتب الحياة العُليا بدلا من الباكابورت.
عذاب القبر
ولأن الحرمان الجنسي والطقوس الكاذبة وحلم الزواج الذي تبخر يحيطون الشاب المصري، بدأت نسبة التحرش الجنسي ترتفع ومعها زادت الاغاني الجريئة ذات الايحاءات الجنسية مثل أغنية "تسكر تبكي" لمريم صالح و"انا عايزة واحد" لإغراء.
كسرت المطربات الجرئيات ارقام مشاهدات "يوتيوب" وتفاعل الجمهور معهن على مواقع التواصل الاجتماعي وحققن نجاحا هائلا لا يتناسب مع ما توسم أغانيهن به، واشمئزاز الناس منها كما يُقال، لدرجة انها جعلت الشباب يستعيرون كلماتهن للتعليق والسخرية مما يحدث، ما جعل السلطات المصرية المدفوعة بخواء الطقوس الكاذبة والعقلية الصحراوية التي تحبذ العقاب الدموي العلني وليس حل المشاكل، إلى القبض على مطربين وممثلين ومنتجين ومخرجين، وجهت لهم في بعض القضايا تهمة التحريض على الفسق والفجور.
الامر يعتبر سابقة في مصر، لأن مقص رقيب ثورة 23 يوليو الموروث لن يستطيع الصمود امام الفضاء الافتراضي المتاح للجميع، وتهمة التحريض على الفسق والفجور، التي كانت توجهها النيابة لشبكات الدعارة فقط، ترد عليها أرقام المشاهدة التي تبلغ الملايين، وهي مقياس النجاح اليوم، وتطرح سؤالا: إذا كانت المطربة وطاقم العمل معها ومشاهديها الذين يصل عددهم إلى ملايين لا يأبهون بمنكر ونكير والثعبان الأقرع وعذاب القبر، فهل سيردعهم النائب العام؟
هذه الاغاني ليست زوبعة في فنجان، بل هي خارجه لأنها تحمل رسائل صادمة بلغة جريئة ليس فقط للمسؤول السياسي بل المتربح من الاسلام. الرسالة باختصار: ما يحدث لا يروق لنا لكنه مفروض علينا، والحرب ضده بالمونولوغ الجريء المسموع والمرئي جدا بفضل الفضاء الافتراضي.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أعمق من الجيم القاهرية
- أساطير المعارج السماوية
- كل سنة وإنتم طيبين وبعودة
- النفاق والاساطير المتبادلة حول أورشليم
- ثورة المسيح على مفهوم الايمان
- الاموات يحكمون الاحياء
- شيما واخواتها
- ذكرى الاربعين للربيع العربي
- الاساطير أقوى من الوقائع احيانا (2)
- الأساطير أقوى من الوقائع أحيانا
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر (2)
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر
- بولين هانسون لم تحرض على الاسلام بل الظلاميين
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام (2)
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام
- التحايل على القانون والشريعة حلالٌ عند المتزمتين
- نفاق المسجد الكبير وورطة دول العالم
- منع النقاب حمايةً للشخصية القومية
- بناء المدارس أفضل من الجوامع في البلاد المتزمتة
- الخليفة الحالم بعضوية الاتحاد الصليبي


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عادل صوما - رسائل مبطنّة في الاغاني الجريئة