أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وفاق القدميري - حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /4















المزيد.....

حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /4


وفاق القدميري

الحوار المتمدن-العدد: 5769 - 2018 / 1 / 26 - 22:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحلقة الرابعة : فيتاغورس والفيتاغورية

كسابق الاشراقات الفلسفية التي عرفها مبتدأ الحضارة اليونانية، كان فيتاغورس (570/494 ق.م) نتاجاً خالصا للزخم الثقافي والحضاري لأيونيا القديمة، فبزوغه كشخصية فلسفية ودينية فذّة، كان على جزيرة ساموس؛ الجزيرة المتواجدة في الشمال الغربي لأيونيا، هذه التي عرفت نشاطا فلسفيا واسعا كما أسلفنا. إلاّ أنّ ساموس لم تكن إلاّ حاضنة النشأة الأوّلية؛ إذ إنّه وفي سنة 538 قيل الميلاد، حيث بلغ فيتاغورس الأربعين من عمره، قام بالنزوح -بعد جولة واسعة في عموم اليونان الكبير، امتدت لثماني سنوات تقريبا- مع بعض أتباعه نحو كورتونا، المدينة الواقعة في الجزء الغربي من اليونان الكبير، وبالضبط في جنوب إيطاليا الحالية، ليؤسس فيها مدرسته الشهيرة. هذا كلّه وقع بعد أنْ ساءت الأحوال في جزيرته، وتمّ تخريبها على يد الطاغية بوليكراتيس بدءاً، ثم سقوطها في يد الفرس في الأخير. ليصبح بعد هذا التأسيس، الواقع في 530 ق.م، من الصّعب جداً الفصل فيه بين فيتاغورس كشخص من جهة، وبين الفيتاغورية كمدرسة وتيار من جهة أخرى؛ إذ أنّه وفي الكثير من الحالات، صار من العصيّ التعرّف على ما قاله فيتاغورس ممّا قاله تابعيه، ليُجْمَل القول كلّه في خانة التعاليم الفيتاغورية، وهذا سيتزكى أكثر مع ظهور موجة جديدة من الانتماء للمدرسة في القرن الأول والثاني للميلاد؛ أو ما سيُطلق عليه المؤرخين «الفيتاغورية الجديد».

- الأورفية ومصير النفس المحتجزة..

إحدى مميزات المدرسة الفيتاغورية، هي أنّها لم تكن مدرسة بمرجعية فلسفية فقط، بل مزيج من الأفكار الفلسفية المخضّبة بنفحة دينية قوية، والمتجلية في ديانة الأسرار الأورفية¹، إذ أنّ المدرسة كانت تتماها بشكل كبير مع التصورات الدينية للأورفية، دوناً عن ديانة الأولمب، وباقي التوجهات الدينية السائدة حينها في غالب الثقافة الإغريقية. إذ إنّها مثلا، كانت تقول إن النفس هي إلهية خالدة، وأنّ الأجساد التي تسكنها، ما هي إلاّ سجون أرضية، وهي محكومة بالتناسخ، فبفناء الجسد المستضيف، تنتقل النفس إلى كيان جديد- إنساني، حيواني، نباتي- حتى تصل إلى كيان قد يكون قادرا على منحها الخلاص اللازم، لتعود إلى موطنها العلوي، خلاص لا يُتأتى إلاّ بالمجاهدة والمثابرة الروحية، التي توفرها التعاليم الدينية للفيتاغورية/الأورفية. من هنا نتجت بعض الأفكار الشاذة والغريبة والتي عادت على الفيتاغوريين بالمضرّة أكثر من النفع. منها تحريمهم على أنفسهم، وعلى سكان كورتونا، أكل الفول -باعتباره نبتة مقدسة، وفي الغالب لكونه ينتمي لحلقات التناسخ الممكنة- ولضرب الدواب وتعنيفها؛ أو قتلها، ظنا منهم أن أرواح الأقرباء والأحباب، قد تقوم بالاستكان داخلها.

- ما مصدر الكون ؟

على شكل اعتراف بسابقيه، لم يتوانى فيتاغورس في الاستعانة ببعض الأفكار الأيونية لتتميم تصوره عن العالم والكون. ويتجلى هذا مثلا، في تبنّيه لجزء من فكرة انكسيماندر عن المحدود واللامحدود، وهي أنّ جزءً من اللامحدود انفصل عن المحدود، ليستمر في النمو عن طريق استنفاذ اللامحدود²، ليصير دور المحدود هو تحوير اللامحدود وإعطاءه شكلا وحدوداً، ليصبح هذا هو دور المحدود، هو إضفاء التناغم³ والانسجام على المطلق اللامحدود. من هنا سيصير هذا الدور الذي يقوم به المحدود هو مثار اهتمام الفيتاغوريين، ومدار فلسفتهم كلِّها.

- أصل العالم عدد..

هذا الدور الذي لولاه لما انتظم العالم، هو الذي جعل من فيتاغورس وأتباعه يروا في الأعداد أكثر بكثير مما يروه فيها غالب الناس، حتى البابليين والمصريين القدامى، الذين بَرعوا في علومها واستفاضوا، إلاّ أنهم بقوا حبيسي استعمالات الأعداد العملية. اهتمام يلخصه أحد المؤرخين القدامى بالقول : إنّ فيتاغورس هو أوّل من رفع الأعداد فوق حاجيات التجّار. إذ إنّها صارت معه علما برهانيا يقوم على ضوابط وقواعد ومسائل، بل الأكثر من هذا، أضحت علما من خلاله يُفهم العالم، وتفسّر أصولِه. فأبيرون فيتاغورس –إن صح هذا التعبير- هو العدد، فالعالم تحكمه علاقات عددية صارمة حسب فيتاغورس. بل أصل العالم عدد : هذا الأصل، لا يكمن في كون العناصر المادية مكوّنة من أرقام، كما قد يظن البعض، بل طبيعة الأشياء من جهة، وطبيعة العلاقات بينها من جهة ثانية، هي طبيعة انبنت على أساسات عددية. هذه النتيجة هيّ التي ستجعل من فيتاغورس يعطي للأعداد أبعادا هندسية، لاقتناعهم بأنّ هناك ارتباطاً وثيقا بين المحدد وبين الانسجام الذي يضفيه التوصيف العددي.

استمرارا في هذا التوجه المنتصر للأعداد، يحسب ضد هذا التيار التمادي -ولأسباب دينية- في النزعة الأنتربومرفية⁴، وهي نزعة ظاهرة من خلال تقسيم الأعداد إلى أعداد فردية تقابل المحدود، وأعداد زوجية تقابل اللامحدود، الأولى هي تعبير عن الخير، والثانية هي تعبير عن الشر. من جهة ثانية وضع لكل رقم من واحد إلى عشرة، دلالة قيميّة، تصل إلى أقساها مع هذا الأخير، باعتباره أقدس الأعداد وأكملها، الشيء الذي سيقلل من قيمة هذا المشروع إن نحن نظرنا له من زاوية تحليل معاصرة لنا. غير أنّه لا يمكن لنا بأي شكل أن نقلل من قيمة هذه المدرسة لما حققته من دفعة قوية للفلسفة من زاوية معرفية، بل الأكثر من هذا، كانت أحد الأساسات القوية التي ستقف فوقها بعض أهم العقول الفلسفية القديمة، خصوصا أفلاطون. فحسبنا إن لم توجد الفيتاغورية، كان من الصعب أن تأخذ الأفلاطونية فيما بعد، الملامح الكبرى التي عرفناها عليها. وفي ذاك لا شك، تفصيل لاحق.
______________

¹ - الأورفية هي ديانة أسرار مصدرها تراقيا، وهي منطقة تقع شمال اليونان، إذ تقوم على تقديس ديونيزوس إله الخمر والمجون، الإله المبعوث من جديد، بعد تمزيقه والتهامه من طرف التيتانز، بعث سيساهم أيضا في خلق البشر من طينتين مختلفتين، طينة إلهية، وأخرى مصدرها التيتانز، هذا كله بعد عقاب زوس لهم على التهامهم لابنه ديونيزوس.
² - يقول أنكسماندر عن بداية تشكل العالم : إن بذرة انفصلت عن المطلق -أو اللامحدود- لبدأ بالنمو بشكل تدريجي، حتى تصير النواة الأوّلية للكون.
³ - سيفتح هذا التناغم أعين الفيتاغوريين على مدى أهميّة الموسيقا، باعتبارها أسمى أشكال التناغم الممكنة، وهو ما سيجعلهم يفسرون مجموعة من الظواهر الفلكية، باعتبارها تناغمات موسيقية دقيقة.
⁴ - الأنتربمورفيا : هي اضفاء خصائص، قيميّة، وإنسانية، على أشياء غير إنسانية.



#وفاق_القدميري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /3
- حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /2
- حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /1


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وفاق القدميري - حلقات تاريخ الفلسفة اليونانية /4