أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - خمارة دليلة والزئبق -9-














المزيد.....

خمارة دليلة والزئبق -9-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5768 - 2018 / 1 / 25 - 01:21
المحور: الادب والفن
    


كان قد مضى أكثر من أسبوعٍ على مشاهدتي لفلم "جُماع عبر النافذة" عندما انتقلنا إلى ورشةٍ ثالثة في حي أقل رُقْي من حي البرجيات. ذات نهار يوم خميس كنا ما زلنا على سطح البناية في غرفة المصعد حين توقفنا عن العمل لاستراحةٍ قصيرةٍ، رحنا ندخن فيها ونتحدّث ونراقب الأبنية المجاورة وسكانها.
قال وفيق وهو ينظر باتجاه البحر: من لم يزر اللاذقية ومشى في شوارعها، لا يعرف الكثير عن العالم. شيئان في الحياة يستحقّان الحرب والتضحية من أجلهما، مدينة بحرية رائعة واِمرأة شبقة. ثم أضاف: أشعر أحياناً أنَّ الله قد خلقني حيوان خمَّارات ومصاعد، ما أجمل عطلة نهاية الأسبوعِ بعدَ عَمَلٍ مُضْنٍ، لقد اشتقت إلى خمَّارة دليلة والأصدقاء هناك، اشتقت للعم هاشم خضرة وجملته المعهودة بعد أول كأس: "الحياة حلوة لو كنا نفهمها، علينا أن نفرح بها لا أن نعقّدها".
هنا ضحكت ملءَ شِدْقيّ وسألته على سبيل المِزاح والتسلية: منذ متى صار خالي هاشم عمك؟ هل أنت إبن خالي دون أن أعلم؟
قهقه وفيق وأجابني: والله لم أكن أعرف أنَّ العم هاشم هو خالك، لكن الآن توضّحت لدي الصورة أكثر، إذ طالما سألت نفسي ما الذي يدفع أبوك إلى أن يقف في صف هاشم في كل مرة نحاول فيها مداعبة هاشم بالكلام. ولماذا يلقبونه باسم خضرة؟
رَدَدْتُ عليه: عندنا في الضيعة كما في كل ضيعة لكل إنسان لقبه، وإذا لم يكن مُلقَّباً نخترع له اِسماً يلائم صفة من صفاته بالذم أو المدح. لدينا كل ما قد يخطر أو لا يخطر على بالك من أسماء. بعضها غريب عجيب لا معنى له وبعضها مرتبط بموقفٍ معينٍ حدث في الماضي كما الحال مع اسم الخال، لو أن شخص ما من كل قرية يهتم بإنشاء ملفٍ يحفظ الألقاب الاِجتماعية من الضياع والضلال ويشرحها لصار لدينا في المستقبل قاموس سوري مدهش بحكاياته.

قال وفيق: لقد أثرت فضولي أكثر، هيا أخبرني من أين أتى الاِسم خضرة؟
*****
ورحت أحكي له ما أعرفه عن لقب خالي:
"كان أبو هاشم في الخامسة والستين من عمره حين تمكّن من شراء راديو صغير، ربطه ذات يوم صيفيّ على مقود بسكليته الغليظ، وساق إلى المدينة ليلحق بعمله، الذي لا يمكن له الاستغناء عن ساعة عمل منه لصعوبة الحال، وهو في الطريق فاحت رائحة زوادته التي اعتادت زوجته الصبورة خضرة على تحضيرها له وتنوعيها قدر الإمكان، هزّ رأسه بحبٍ حين شمّ رائحة زهرة الفل التي حشرتها خضرة في جيب قميصه بعد أن قطفتها من الجُنَيْنَة الصغيرة أمام بيتهم المؤلّف من غرفة كبيرة ومطبخ وحمّام وباحة دار، الجُنَيْنَة التي زرعتها خضرة بالفل والياسمين والنعناع رغم مساحتها الضيقة التي لا تتجاوز الأمتار الثمانية المربعة، في الجُنَيْنَة ذاتها اعتادا على تناول لقمة الفطور وشرب كأس الشاي واستقبال خيوط الشمس الأولى.
في الطريق أدار أبو هاشم الراديو على إذاعة دمشق المحببّة، ليأتيه صوت جبليّ جميل يغني: (خضرة يا بلادي خضرة رزقك فوار) حينئذٍ قطب أبو هاشم حاجبيه غضباً وغيرة على زوجته، (أوّل ما الشــمــس بتوعى علينا بتطل)، عندئذٍ فرمل بسكليته، وما أن سمع (بجناينها المزروعة ياســـــمين وفل) حتى جُنَّ جنونه في تلك اللحظة، أمسك الراديو، فكّه وضربه بأرض الشارع وقال: اِذهب إلى جهنم الحمراء، إلى هنا وكفى.
ثم قفل عائداً إلى بيته، فتح الباب بعنفٍ، صرخ بأعلى صوته: وك يا خضرة، والله لأقصف عمرك. من المطبخ صرخت به: ليش رجعت يا أبو هاشم؟ نسيت الزوادة؟ دخل إلى المطبخ وأمسك بمنديلها ودفعها باتجاه الحائط وهو يزعق: قولي لي بسرعة، أين تعرّف عليك وديع كي يغنيلك بالإذاعة ويتغزّل فيك وبجنَيْنَتك؟ وانهال عليها ضرباً بكفه الغليظة كجسر بسكليته، بينما كانت تئن خضرة تحت وقع ضرباته وتغمغم: والله العظيم يا أبو هاشم لا أعرف ولم أعرف غيرك في الدنيا كلها."
وهكذا يا معلم وفيق ما أن سمع الجيران الحكاية حتى صار اِسم جارهم: أبو هاشم خضرة ومن بعده توارث أولاده اِسم الكنية خضرة.
ضحك وفيق وقال: والله قصة حلوة، الآن جاء من يعرفك يا هاشم خضرة.
*****
ضحكت بدوري وقلت: وأنت ما هي حكايتك يا معلم وفيق؟ يلقِّبك الناس في غيابك بالأعرج وهذا أمر عادي، فالجميع صار يعرف بأنَّك تَغْمِز برِجلِك بعد أنْ سقطت في مراهقتك في بئر المصعد وأُصيبَتْ قدمك بعَطَبٍ. لكنهم غالباً ما يسمونك "ربع البالة"، كما يفعل أبي أيضاً، فمن أين جاء هذا اللَّقَب؟
يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمارة دليلة والزئبق -8-
- خمارة دليلة والزئبق -7-
- خمارة دليلة والزئبق -6-
- خمارة دليلة والزئبق -5-
- خمارة دليلة والزئبق -4-
- خمارة دليلة والزئبق -3-
- خمارة دليلة والزئبق -2-
- خمارة دليلة والزئبق -1-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -الحلقة الأخيرة-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -16-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -15-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -14-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -13-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -12-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -11-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -10-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -9-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -8-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -7-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -6-


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - خمارة دليلة والزئبق -9-