أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عادل صوما - أعمق من الجيم القاهرية














المزيد.....

أعمق من الجيم القاهرية


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 5763 - 2018 / 1 / 20 - 10:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


فقدت مصر بعد الاحتلال العربي الصحراوي كوزموبوليتها المتوسطية حتى عصر القديس محمد علي باشا الذي أعاد مع أبنائه واحفاده بعضها، لكنها ظلت محتفظة ببعض من شخصيتها ومن ذلك البعض التمسك بالجيم القاهرية، وهو طريقة لفظ حرف الجيم في اللغة المصرية المتأخرة المتحدرة من الفرعوينة، كما يُجمع كل علماء اللغات، وهي أساس لفظ الجيم في الابجدية العربية أيضا، حسب بعض علماء الصوتيات، لأن بعض أهالي جنوبي الجزيرة العربية، وهم حسب كتب التاريخ مصدر سكان شبه الجزيرة العربية القاحلة، وتحديدا عدن ما زالوا يلفظوها، والعرب الذين خرجوا من الصحراء غيروها في ما بعد في العصر العباسي الاول، تمييزا كما يبدو عن "جيم" اللغة العبرية التي تُلفظ مثل "الجيم القاهرية".
لم تفقد مصر هذه الجيم سوى في ريفها، وصعيدها الذي يقول الجيم بطريقة مختلفة تماما حتى عن الجيم المُعطشة. والجدير بالذكر أن الابجدية العربية نفسها تعرضت لتغيرات في لفظ معظم حروفها بعد التوسع الاسلامي، فهناك بعض الناطقين باللغة العربية ينطقون الجيم مثل حرف "دال"، وحرف "القاف" مثل "الكاف" وحرف "ضاد" مثل "الظاء" وغير ذلك من التغيرات.
لم تتغير الجيم القاهرية في ظل الاحتلال العثماني الذي استمر حوالي اربعة قرون وظلت كما هي، وحتى في بدايات طموح الدعوة الوهابية لتحل محل مذهب مصرالاسلامي، كان الاعلاميون والمراسلون والمتربحون من الاسلام سياسيا في أي برنامج يتحدثون بالجيم القاهرية. كل مواطني مدن مصر الكبرى كانوا يلفظون الجيم القاهرية، ولم يشعر أيٌ منهم بغضاضة أو بإهانة إسلامه حين كان يلفظ الجيم القاهرية.
الممثلون أيضا كانوا استخدموا الجيم القاهرية، والمفارقة أن سعيد صالح، عندما سخر من عادل إمام في مسرحية "مدرسة المشاغبين" لأنه كان "بيذاكر من وراهم" وأراد أن يضفي طعم الصدمة على السخرية، خرج عن النص وقال له بالجيم المُعطشة: "يامجرم يا إبن المجرمين"، وقلده معظم تلامذة مصر في السبعينات عندما كانوا يريدون السخرية من أحدهم.
غنى كل المطربين بالجيم القاهرية حتى أم كلثوم خريجة مدرسة الانشاد الديني، وتحدث كل ادباء مصر بمن فيهم المفكر الاسلامي عباس محمود العقاد بالجيم القاهرية، وحافظ طه حسين فقط على الجيم المُعطشة أمام الاعلام لأنه صعيدي أزهري لا يُحسن اللهجة القاهرية، وكان يتحدث بلهجة أقرب إلى الفصحى لأنه "عميد الادب العربي" كما لقبّوه، وتحدث كل شيوخ مصر بالجيم القاهرية بمن فيهم متولي الشعراوي "الوهابي الهوى"، وكانوا يعطشون الجيم فقط إذا قرأووا آيات من القرآن، ظنا انهم يحافظون على القراءة الاصلية للكتاب.
ثم حدث أمر غريب بعد انتشاراحتلال الدعوة الوهابية لمصر، وسيطرة التمويل الوهابي على شبكات الاعلام العملاقة، هو ارغام المقدمين والمذيعين والمراسلين المصريين فيها على التحدث بالجيم المُعطشة، فرأيناهم يتحدثون اللهجة المصرية بالجيم المُعطشة، وتلاقي ياحبة عيني مراسل مصري واقف أمام مجلس الشعب المصري وبيقول الخبر بشويش علشان يقول الجيم المُعطشة وما ينسهاش.
أما غير المُفسر عندي فهو استعمال بعض نجوم العلمانية المصريين مثل سيد القمني وحامد عبد الفتاح للجيم المُعطشة بعيدا عن قراءة آيات القرآن.
المسألة لا تمت للتدين ولا تمس مكانة القرآن عند المتحدثين حسب ما أرى، ولا هي سُنة أيضا، فالرسول لم يطلب في أي حديث له، ولا حتى صانعي الاحاديث، من أحد أن يتحدث بلهجته. لم أقرأ أبدا أن أي صاحب دعوة أو نبوة طلب من الناس التحدث بلهجته.
الشخصية القومية
المسألة أعمق من محاولة طمس الجيم القاهرية لأنها تدخل في الصميم مباشرة إلى الشخصية المتميزة لكل بلد ومن مكوناتها اللهجة، وهدف احتلال المذهب الوهابي فرض اللهجة، والزي، وتصميم البنايات، وسيناريو الافلام، وإقامة الدعاوى على من تجرؤ وتغني أغنية جرئية أو صاحب فكرة لا تماشي منطقهم، إضافة إلى فرض فهم دعوتهم على المسلمين. وبما أن تقليد اللهجة صعب إختار المنافقون لفظ الجيم المُعطشة وهي ليست من مكونات شخصيتهم، وتجاهلوا أمرا آخر هو سرعة النطق فالمصري يتحدث بسرعة تختلف عن التونسي، والجزائري يتحدث بسرعة تحتلف عن اللبناني والسوداني تختلف سرعة حديثه عن المغربي. تعطيش الجيم من ثمة لا معنى له سوى نفاق هزيل ألبسوه ثياب الدين عنوة.
روح اللهجة تختلف عن روح الفصحى. شخصية لهجة شعب تختلف عن الآخر.
بدون شرح، هل سيفهم المغربي معنى المثل العراقي: "الغرايب ولا الكرايب". وهي سيفهم اليمني معنى المثل المصري: "العدد في اللمون"، أو "سمك لبن تمر هندي". وهل سيفهم الدمشقي معنى المثل التونسي: "ولدها على ظهرها وهي تفركس فيه". وهل يمكن أن يفهم الكويتي معنى المثل السوداني: "حبابكم عًشرة بلا كَشرة".
هل يمكن أن نستمتع بأغاني أم كلثوم ونجاة الصغيرة وعبد الوهاب وفريد الاطرش (اللبناني الأصل) وعمرو دياب ومحمد منير بالجيم المُعشطة؟ هل يمكن أن نتخيل فيروز وهي تقدم مسرحية "الشخص" أو "ميس الريم" بأغانيها ومعانيها وما بين سطور كلامها واحداثها باللهجة المصرية؟ وماذا سيحدث لأغنية وإيقاع دحمان الحراشي الجزائري "يارايح وين مسافر" لو مصرّناها؟ وماذا لو مصّرنا الاغنية العراقية "كل لي يا حلو إيش جابك عليً؟"
وإذا تأملنا جيل راقصات السبعينات، عندما كان حتى الرقص يمثل جزءا من الشخصية القومية، سنجد أن أداء نجوى فؤاد أو سهير زكي وهما ترقصان يختلف عن داني بسترس اللبنانية، فنجوى وسهير رقصتا بروح وسرعة وتمايل مختلف. شخصية مختلفة حتى عندما استعملت أي منهن العصا وهي ترقص. نجوى وسهير رقصتا بدون كعب عالٍ بينما داني رقصت به دائما.
المسألة أعمق من الجيم القاهرية.
سألت ضابطا إيرانيا سابقا يعيش في الولايات المتحدة: لماذا هاجرت؟ قال لي: نحن إيرانيون قبل أن نكون مسلمين. أذهلني رد ضابط إختصر كُتبا وأبحاثا في الشخصية القومية بعبارة موجزة على سؤال غير متوقع.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أساطير المعارج السماوية
- كل سنة وإنتم طيبين وبعودة
- النفاق والاساطير المتبادلة حول أورشليم
- ثورة المسيح على مفهوم الايمان
- الاموات يحكمون الاحياء
- شيما واخواتها
- ذكرى الاربعين للربيع العربي
- الاساطير أقوى من الوقائع احيانا (2)
- الأساطير أقوى من الوقائع أحيانا
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر (2)
- فارق التوقيت سبب عدم التوافق وكراهية الآخر
- بولين هانسون لم تحرض على الاسلام بل الظلاميين
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام (2)
- الادبيات الإبراهيمية بين صناعة الفتن والوئام
- التحايل على القانون والشريعة حلالٌ عند المتزمتين
- نفاق المسجد الكبير وورطة دول العالم
- منع النقاب حمايةً للشخصية القومية
- بناء المدارس أفضل من الجوامع في البلاد المتزمتة
- الخليفة الحالم بعضوية الاتحاد الصليبي
- إذا كان الدين تنمّرا فالمجد للعلمانية


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عادل صوما - أعمق من الجيم القاهرية