أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله النملي - المشردوزن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء















المزيد.....

المشردوزن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء


عبد الله النملي

الحوار المتمدن-العدد: 5758 - 2018 / 1 / 15 - 22:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قديما كان النوم على الرصيف مقصورا على القطط والكلاب الضالة فقط، ولكن العقود الأخيرة شهدت انضمام رجال ونساء وأطفال إلى قوائم المشردين بالمغرب، يعيشون في العراء، بلا بيت ولا أسرة تحميهم، ولا أهل يرعونهم، لكل واحد منهم حكاية. ولم تعد مشاهدة من يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، أمرا غريبا مع تزايد الظاهرة، فالمتجول ليلا بين أرجاء المدن المغربية يرى معاناة هؤلاء المشردين. ففي هذا الفصل البارد الذي تعصف فيه الرياح بشدة، تتمسك عائلات كثيرة بما لديها من أغطية بالية، وعلب كارتونية، لا تكاد تقيها شدة البرد القارس. واللافت أن موجة البرد التي تشهدها البلاد، دفعت بعض المشردين إلى الإستعانة بكحول الحريق الممزوجة بمشروب غازي، وشم لصاق " السيليسيون " و " الدوليو " للوصول إلى مرحلة تخدير متقدمة، تجعل المتشرد لا يحس بأطرافه المتخشبة جراء البرد والنوم في العراء.

المشردون اتفقوا جميعا في الملامح، وعلامات الزمن تبدو على محياهم خطوطا وتجاعيد، منهم العجائز الذين تخلى عنهم أبنائهم، ومنهم المختلون عقليا الذين يحتاجون إلى علاج، فقراء لا يعرفون الدفء، يلتحفون خرقا بالية، يقاومون قسوة الصقيع بما يستطيعون لبسه أو أخذه من المحسنين، وهناك آخرون بالقرب من الأرصفة والدكاكين والمنازل المغلقة، يبيتون في العراء بلا مأوى، ترتجف أجسادهم، وهم يستجدون الناس لقمة دافئة تدفئ بطونهم الخاوية، أو أغطية تحميهم من برد ليالي طويلة وقاسية. يأكلون من القمامة، والتسول، و الخطف، ومن إعانات أهل الخير أحيانا. وليلا تتضاعف معاناتهم بسبب انخفاض درجة الحرارة، فيتخذون أماكن مختلفة للإحتماء من قساوة المناخ، يتوسدون أحذيتهم، ويفترشون قطعة كارتون، وكلما اشتد البرد تفاقمت آلامهم.
مشاهد المشردين المؤلمة تثير انتباه المارة، وتحرك مشاعرهم، حين يشاهدون ذلك الكهل الملفوف في أوراق من الكارتون، أو تلك العجوز المتوسدة لرزمها التي تحملها أينما حلت وارتحلت. وذلك المسكين الذي يحمل فراشه أو نوعا من الأثاث فوق ظهره كالحلزون، وينتقل من جهة إلى أخرى بعد أن يتم طرده من هنا وهناك، فتجدهم في الساحات، وعند المقاهي، وفي محطات النقل، وفي الأماكن المهجورة والخرابات، وعتبات المنازل، ومداخل القيساريات، وسقيفات العمارات، وأركان الأسواق، و حتى المقابر، يحتمون فيها من لسعات البرد القارس وزخات المطر. ومع موجة البرد والمبيت في العراء، تحصل بين الفينة والأخرى، وفيات لمشردين من شدة البرد، مما دفع الحكومة والجمعيات إلى إطلاق حملات منح الدف للمشردين وتوفير الإيواء لهم مؤقتا، ومدهم بأغطية ومواد غذائية تقيهم الجوع والبرد.
وقد أكد تقرير وطني أن عدد الأشخاص بدون مأوى بالمغرب يبلغ 7226 شخصا. وحسب التقرير فإن الرجال يشكلون نسبة 86.7 في المائة، مقابل 3.13 في المائة من النساء. واستنادا للتقرير، فخلال سنة 2014 ، كان 32 في المائة من الأشخاص بدون مأوى في حالة إعاقة، تصل إلى 32.5 في المائة لدى الرجال، مقابل 28.4 في المائة لدى النساء. وعلى النقيض من ذلك، تقدر منظمات الإغاثة عدد الأطفال بالمغرب الذين لا أسر لهم ب 6000 رضيع كل عام، أي بمعدل رضيع من كل 50 (2% ). وتتحدث تقارير أخرى، أن مركز جمعية " بيتي " بمدينة الدار البيضاء، يستقبل يوميا أطفالا مشردين من مختلف الفئات والأعمار. وتقدر إحصاءات وزارة التخطيط بالمغرب عدد المشردين، الذين تطلق عليهم اسم الأطفال المتخلى عنهم، بنحو 400 ألف طفل. وفي كلمة له أمام المجلس العربي للطفولة سنة 2000 ذكر رئيس جمعية " حماية الطفولة " أن عدد المشردين بالمغرب يبلغ 237.000 شخص. وتشير وثائق الإتحاد النسائي المغربي أن أكثر من 10.000 ( أم عازبة ) تخلت عن طفلها بعد الوضع، ويتراكم العدد سنة بعد أخرى. وبحسب دراسة ميدانية صادرة عام 2002 عن أطفال الشوارع، شملت عينة من 411 طفلا من هؤلاء، فإن التسول يأتي في مقدمة الأعمال التي يزاولونها بنسبة 18 في المائة، ثم مسح الأحذية وبيع الأكياس البلاستيكية ب 15 في المائة، وغسل السيارات ب 13 في المائة، وأخيرا السرقة ب 6 في المائة.
لعل تكاثر المشردين بالمغرب لأسباب مختلفة، يدلل بأن التصدي للظاهرة ما زال ضعيفا، ذلك أن القانون الجنائي المغربي يعتبر المشردين وأطفال الشوارع في حالة نزاع مع القانون، وبالتالي تجب معاقبتهم، إما بإيداعهم السجن أو مراكز حماية الطفولة، وهو ما من شأنه أن يزيد في تعميق الوضعية السيئة التي يوجد عليها هؤلاء. وبالرغم من المجهودات التي تقوم بها الجمعيات للمساعدة في التغلب على الظاهرة، فإن هذه المجهودات تبقى محدودة. وهو ما يستوجب من الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا المجال عبر معالجة أسباب التشرد، وعلى رأسها الأوضاع الإجتماعية المأساوية التي يوجد عليها خمسة ملايين من المغاربة تحت عتبة الفقر، وتوفير بنيات كافية لاستقبال هؤلاء المشردين، وتشجيع منظمات المجتمع المدني لتأطيرهم. كما أن الوضعية المزرية التي توجد عليها مراكز حماية الطفولة، لا تشجع المشردين المودعين بها على الإستقرار، ذلك أن فضاءات هذه المراكز، على قلتها، فضاءات متردية، وتنعدم فيها أبسط شروط الحياة الكريمة، حيث لا تتعدى المنحة اليومية المخصصة للتغذية لكل طفل دولار واحد، لا تمكن من توفير السعرات الحرارية و الغذاء الجيد، ناهيك عن ضعف التكوين و التأطير، مما يدفع بالكثير من هؤلاء للفرار من هذه المؤسسات.
قد يكون دفء المكيفات والفراش الصوفي الوثير، والملابس الجلدية والصوفية والقطنية هو الذي ينسينا غيرنا فلا نفكر في معاناته، وقد تكون اللامبالاة واحتقار الإنسان لأخيه الإنسان من العوامل التي تجعل بعضنا لا يهمه أن يموت واحد أو جميع المشردين الذين اقتلعهم القدر من أحضان أسرهم الدافئة. لكن الأشد ايلاما هو لا مبالاة الدولة والمجتمع بهؤلاء المقصيين من كل شيء، وغياب سياسة حقيقية، وليست مناسباتية مرتبطة بفصل بعينه، للتحرك لإنقاذهم، والأخذ بأيديهم لإيوائهم طول السنة. ومع ذلك، لا تنتظروا الدولة أن تتحرك لوحدها، تصدقوا من أموالكم لأشخاص يعيشون على الهامش، اجمعوا تبرعاتكم، فهم يحتاجون للمسكن والألبسة والأغطية، وأكلة دافئة تبعث الدفء في أجسادهم الهزيلة، يحتاجون للمسة إنسانية صادقة في هذا الفصل البارد، لا تكلف ثمن ما تنفقوه في أعراسكم وأفراحكم وأسفاركم.



#عبد_الله_النملي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غطرسة أمريكية ضد الحقوق الفلسطينية
- فَعلها ترامب، فماذا نحن فاعلون ؟
- فاجِعة الصويرة..والسؤال العميق !
- الاعتداء على الأساتذة..إِهانة للمدرسة والعامِلين تحت سَقْفِه ...
- المسيرة الخضراء..تفاصيل غير معروفة
- تهميش العربية
- غازات كيماوية تخنق ساكنة آسفي
- التطبيع مع الكيان الصهيوني يحط الرحال بالبرلمان المغربي
- الحرب على الإرهاب..ذريعة لها فروع في كل قارات العالم
- المتصرفون يحتجون لهذه الأسباب
- إبادة شعب -الروهينغا- وسياسة الغرب المزدوجة
- - شارلي إبدو - والإساءة المُتَعمّدة للإسلام مرة أخرى
- أشكال إجرامية غير مألوفة، فماذا نحن فاعلون؟
- حتى لا ننسى -رابعة-..أفظع مَجزرة في العصر الحديث
- كِبار رحَلوا في صمت في حين أن مهرجاناتنا مُنشغلة بغيرهم !
- الزجال الراحل عبد المجيد بنخالي.. سلام عليك حاضرا وغائبا
- الفساد المالي مسؤول عن فَقْرِنا
- هواتف جوالة تَشْدو بالموسيقى في صلاة التراويح !
- النفار شخصية رمضانية تراثية عميقة بآسفي
- الشهيد كمال عماري..مسار ملف قضائي يُراوح مكانه


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله النملي - المشردوزن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء