أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - رؤى فلسفية في قضية العلمانية ح1















المزيد.....

رؤى فلسفية في قضية العلمانية ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5751 - 2018 / 1 / 8 - 00:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في القضايا الصاخبة المثيرة للجدل الآن مع تطور المجتمعات وخروجها من مفهوم الأيديولوجية إلى فضاء الحرية الفكرية العابرة للنموذج أو الخارجة عن التحديدات الأطارية المسبقة، والتي يكثر حولها الضجيج والضوضاء حول مناصر متحرر وأصولي بعتمد فكرة الأصالة والحفاظ على الهوية، هنا لا بد أن يمنح العقل فسحة هادئة ليناقش الأمر بعيدا عن التشويش الذي يحدثه صراخ المتحاورين وجدالهم اللا منهي إلى أتفاق أطار، وأن يمنح الفكر العقلي المنطقي أيضا صلاحية أن يكون الحكم الذي لا ترد نتائجه إلا في ذات الهدف، وإلا تكون المحاولة مجرد عبث ينتهي كما بدا في ضجيج وتناقض مركب فيه منتصر ومهزوم, من هذه الأمور التي تحتاج إلى هدوء وعقلنة ناضجة مسألة فصل الدين عن الحياة العامة للإنسان وبالذات في مسألة الحكم وونظام الدولة والعلاقات البينية المتشعبة بين الناس .
الكل يعرف أن العلمانية المعاصرة تلك الفلسفة التي أثارت جدلا بين الناس بشقيها النظري الفكري والمادي الواقعي، أمنت بحل واحد ترى فيه تجذير لحق الإنسان بدون عنوان وحفاظا عليه من التناقض المؤدي للتنازع، أن يتخذ من مسألة الفصل بين الدين وإدارة الدولة حلا يؤمن له حماية من تناقضات وعجزه من أن يكون حاكما للإنسان، على قاعدة أنه يتفق معه على أن الدين ملزم لمن ألتزم به والمخالف ملتزم أيضا بذات الشعار، وبالتالي لا مشكلة أن يقر بالتناقض بين المعتقدات والجمع بينها دون مزاحمة أو تعارض, هذا الحال مثالي عند البعض وفوق العادة وطوباوي وخالي من الواقعية الحقيقة وإن أمنت بحقه وناصرته، وبالتالي لا يمكنني كإنسان (القول للمعترض) أن أدافع عن قيمي وأنا أراها تتعرض للمساواة مثلا مع نقيضها وأقبل التعامل معها كأنها واحد.
قبل الغوص في التفاصيل علينا أن نرجع لأصل فكرة العلمانية ومنشأها الأول التاريخي، حيث أن الفكرة بالأساس لم تولد كفلسفة ترمي لفصل الدين عن الحياة المدنية ولا نشأت من تفكير منعزل عن واقع فرض ولادة خاصة لها، العلمانية بالأصل هي محاولة الكنيسة المسيحية أن تضع حدود خاصة بين جهازها التكويني المعتمد على التخصص في الأداء الوظيفي, فهناك كانت طبقة من الأفراد تتولى الشؤون الدينية والتعامل المباشر بها وجها لوجه هم طبقة الكهنوت من الحبر الأعظم إلى أصغر كنسي يرتدي الزي الديني الخاص، هذه الطبقة هي طبقة الاختصاص بالتنظير والتبشير والدعوة والوعظ وكل ما يتعلق بشؤون الرعية من ربط بين الدين وبينهم, بالأصح هم الناظر على الدين والرقيب الدنيوي المكلف بها.
هذه الطبقة متفرغة للشأن الديني تماما أو كما يسمونها خدمة الرب، وخدام الرب هؤلاء لا بد لهم من مجهود مساند لأداء الوظيفة على الوجه الأتم من خلال أعتماد تفرغهم التام عن الشؤون الأخرى، فقد تم تخصيص ثلة من الناس للقياس بالأعمال اللا دينية وهم الإداريون والتنفيذيون ذوي المهارات وليس لهم شأن ديني بشكل مباشر, كانت طبقة الكهنوت وبحكم الإرث الديني يتميزون بشكلية فردية تخصهم وحدهم باللباس والتشريف والمظهر الخارجي التي هي من شروط العمل الكهنوتي التي لا يمكن التغاضي عن مراعاتها لأي سبب, بالمقابل الطبقة الأخرى كانوا مجرد موظفين لا علاقة بين ما يميزهم وبين شكليات الكهنوت، ولكن الجميع كانوا يخدمون في الكنيسة وللتفريق بينهما سمي الفريق الثاني علمانيون وصفا مميزا عن الكهنة.
العلمانية أذن نشأت من داخل الكنيسة نشأت كمصطلح عملي ليدخل التاريخ هكذا بهذا العنوان, طبقة مقابل طبقة وفريق مقابل فريق ولكن الكل كنسيون, أكثر العلمانيون كما قلنا إداريون وخدم للكنيسة يتعاملون بالجزء الذي لا يتعامل به الكهنة كالرسم الموسيقى والهندسة والعمارة النحت والإدارة المالية وكل ما يتصل بالعلوم والفنون، كانوا علمانيون وقد يكونوا مؤمنين متدينون لكنهم بعيدا عن خدمة الدين وخدمة الرب بشكل مباشر، حتى تضخم وجودهم مع تضخم الكنيسة ودورها في الحياة ليشكلوا بعد ذلك طبقة منفصلة منهم من خرج عن الكنيسة ومنهم من بقي تابعا لها, وصار لهم وجود ضروري ومؤثر وفاعل في المجتمع لأنهم في تماس مع التطور العلمي والفني والفكري الخالي من روح الدين والخضوع لظاهرة التدين.
من هذه النقطة جاء الانفصال الحقيقي بين العلمانية كظاهرة أفرزهتها الظروف والتطور البشري، وبين الكنيسة الأم ولكن ليس على أساس الفصل بين الدين والدولة، ولكن الفصل بين ما هو علمي وعملي وحياتي وعام عن الشأن الديني الخاص, وصار العلمانيون طبقة فاعلة في المجتمع شجعت على تعلم العلوم التي كانت تحرمها الكنيسة وانخرطوا فيها بقوة لينموا من قابلياتهم وقدراتهم في طريق أخر غير طريق الكنيسة وشروطها، حتى صار ما هو مدني خلاف الديني عموما هو علماني بالتفكير بينما بقى الكهنوتي متماشيا مع توجهات الكنيسة التي هزمت أخيرا على يد الصناعيين والقوميين، الذين هم نتاج نمو طبقة العلمانيين وتطورها الواقعي ليشكلوا الند التأريخي للكنيسة، ويخوضوا حرب ضدها أدت إلى عزلها عن الحياة العامة واقتصار دورها على الروحيات فقط .
العلمانية إذا برزت من خلال التناقض الفكري بين أفراد الكنيسة الواحدة ولم تكن ولادتها خارج رحم الدين أبدا, فالعلمانية لن تكن صنيعة الفكر المدني ونتاجه التنظيري بقدر ما هي نتيجة تأريخية لاختلاف القراءات حول الأهمية في الموضوع الأساسي الذي يتماس مع حاجات الإنسان، التي عجز الدين الكنسي وفهمه للدور عن حمايتها وضبطها مقدما الفكرة بالمقلوب, بين ما تدعي الكنيسة أنها تعمل لخدمة الرب والدين، كان الدين أصلا مسخرا لخدمة الإنسان المميز والطبقة الحاكمة وتلبية الضروري والأهم من حاجاتها المباشرة وركنت الإنسانية عموما في مرتبة متأخرة من أهتماماتها الأصلية.
ساهمت العلمانية بهذه الحركة التاريخية ان تعيد فعلا للدين شيء من روحيته المفقودة بتغيب وقطع الصلة التخادمية بين سلطة المجتمع وسلطة الكنيسة والفصل بينهما، ولكن الإصرار المدني على تحويل هذه الأفكار إلى أيديولوجيات سياسية أستخدمت للإجهاز على ما بقى للكنيسة من دور، يؤشر أن وراء هذا السعي المحموم صراع أخر، صراع من ذات النمط التكفيري الذي مارسته الكنيسة طويلا ضد خصومها، صراع على تحقير الدين المسيحي وإخراجه من دائرة التعامل من خلال تفريغ الساحة من مؤثراته وتأثيراته لبسط قيم دينية أخرى بثوب مدني, الملاحظ أن عناصر القوة في الثورة الصناعية التي رافقت الروح القومية المتمردة على الكنيسة والتي تزعمت المد العلماني، هي قوى توراتية متطرفة حاربت المسيحية من أول نشوئها ودخلت في حرب معها بكل الأنواع لتشويهها، دون أن تتمكن من إقصائها بالتمام كما فعلت القومية العلمانية بالكنيسة المسيحية في أوربا.
لم يتوقف الصراع بين نظريات العلمانية ذات الميول والتوجه المادي الصرف وبين الكنيسة وأتباعها، بل تعدى أكثر إلى كل المظاهر الروحية للشعوب ومنها فهمه لوظيفة الدين والأخلاق والمثل, ونشأت قيم أخلاقية جديدة لا تهتم بقاعدة الأخلاق القديمة التي ومع قسوة الحكم الكنسي لكن كان هناك مفهوم الرحمة والعيب والطيبة والخير والسلام الروحي، لتحل محلها البرغماتية السياسية والاقتصادية تماشيا مع مادية التفكير الجديد، لتؤسس هي أيضا إلى فكرة أوسع من فكرة أن العالم يجب أن يكون محكوما بمركزية واحدة، تتحكم بكل الحركة الوجودية للإنسان من خلال شعار العلمانية وهدفها المخفي هو إسقاط الرب من المعادلة، وإخراج الإنسان من فطرته الطبيعية ليتحول إلى عالمية رقمية تجرده من الهوية وتسخره فقط لتحقيق مفهوم الأنا الواحدة المطلقة .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية طوطمة الرب من خلال أستغلال النص الديني ح1
- إشكالية طوطمة الرب من خلال أستغلال النص الديني ح2
- جدلية الدين والدولة.... أزمة مستحكمة أم إشكالية تجسيد ح1
- جدلية الدين والدولة.... أزمة مستحكمة أم إشكالية تجسيد ح2
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول ) ح8
- ثنائية الحب والجنون (رزاق وعالم مخبول) ح9
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح7
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح6
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح5
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح4
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح3
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح2
- ثنائية الحب والجنون (رزاق المخبل دين ودينار ودنبك) ح1
- إشكالية التابع والمتبوع في الواقع العربي والإسلامي وأثرها عل ...
- تحرير المرأة هدف لتحرير الإنسان
- من أغاني الفجر
- الوعي وإشكاليات المعرفة
- لعنات يومية في مذكرات شعب
- علم الأجتماع والنظرية الأجتماعية ودورها في التطور والتحديث ا ...
- أغنية السلام


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - رؤى فلسفية في قضية العلمانية ح1