أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - رسالة إلى أمي














المزيد.....

رسالة إلى أمي


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 5750 - 2018 / 1 / 7 - 09:16
المحور: الادب والفن
    



أمي البعيدة عني بُعد طفلين وحلمٍ...
كيف أنتِ؟ وكيف حال الطفلين؟
عساكِ في خير يا حبيبة، يا بعيدة، أيتها القريبة مني على الدوام...
أعرفُ يا أمي أن الأمور صارت غريبة كما تخافين وكنتِ تحكين لي في أيام الشتاء، وأن صورة الطفلين لا تضبهطها سرعة الإنترنت في القرى الفقيرة، وربما شوَّش ضابط الاتصالات المُكلف بمراقبة هاتف البيت- اتصالهما؛ ظنًّا أني لم أغادر...
هل تصدقين يا أمي أن الملاعين صادقون هذه المرة؟! وأني لم أغادر بيتنا الذي صار على خريطة الهاتف بعيدًا جدًا إلى الحدِّ الذي لا يُمكن لشاشة الآيباد أن تجمعني به!
أخبريني يا أمي عن حال العجائز في شارعنا الذي صار لي دُنيا جديدة حين قررتُ الاعتراف بالفشل في حماية الطفلين من غباء الناس وغضبي...
كيف حال القطة التي كانت تُقاسمنا سمك البحيرة في الغداء؟ وحين كُنا نضجر من مواءها تقولي: "الرزق رزق الله يا أولاد!!"...
وكيف حال الخالة التي كُلما سألناها عن صبرها على الفراق؛ تبكي الغائبين والراحلين والقريبين الذين صاروا في حكم الغياب؟
آه يا أمي الحبيبة،
خمسين ألف ليلة وليل لا أراكِ، ولم أمارس المحبة على ركبتيك المهزومتين أمام الزمن، ولم أضع رأسي عليهما، فتعدلين وضع جلستك لأجل أن يرتاح عقلي كما كنتِ تقولين وأنت في دهشتك الجميلة، وتسأليني: كيف تحمل رأسك كل الكتابة والمجادلات، "لماذا لا تُقصِّر شَعرك يا ولد؟!".
الناس هُنا يا أمي يولدون في نهايات الأسابيع من جديد، يحبون الحياة إلى الدرجة التي نكره فيها الحياة في بلادنا...
الناس يا أمي هُنا يضحكون،
يحبون، يعرفون أن السعادة ليست اختراعًا عجيبًا...
يا أمي؛ أُبشِّرك،
ينبتُ لي جناحان أبيضان يختلطان باللون الأخضر للقلوب حولي والجبل...
أتعلمُ الطيران يا حبيبتي من جديد،
ربما قريبًا أتمكن من القفز من أعلى حافة جبل الهزائم الذي كومته أمام ركبتيك حين عُدتُ،
قريبًا يا أمي سأقفز غير خائف من الخدوش والرتوش وياقة القميص، وهل يجوز، ولا يصح، وآلاف الأحجار التي تملأ جيبي سأرميها يا أمي...
وأنجو...
غريبٌ علينا أولاد البحر والبحيرة والنيل الحبيب ألا نقفز مغمضين ومنتظرين صوت ارتطامنا بسطح الماء!!
الهواء هُنا يحملنا جميعًا يا أمي، ولا يسألني: "هل تُصلي؟ هل تشرب الخمر؟ هل تحب النساء الجميلات؟
لا وجع هُنا غير البُعد، وأخبار الخيانات والتنصل والافتراء، وموت صديق، ومرض آخر، وصوتك الذي غابَ...
أمي...
كيف مرَّ شتاء العام في قريتنا؟ ككل الأعوام بارد لا دفء في قلبه، ويتهم ليالي الصيف بالخيانة والسهر؟ بالله أخبريني!!
غريبٌ يا أمي شتاء بلادنا؛ يُعلمنا الأنانية والطمع في شعاع الشمس والنور...
هُنا يا أمي تأتي إلى بابنا الشمس كل صباح تحدثني، وتخبرني كيف يمنعها الغيم كلما رحلت تطارد الليل في المدينة التي عذبتني، وكيف حاولت أن تمد شعاعًا إلى الطفلين فتحملهما إلي هُنا، لكن الزوابع شتت نور الشعاع...
الشمس يا أمي تلون السحاب هُنا فوق البيوت بألوان قوس قُزح، فأفرح وأذكر قريتنا القديمة التي شوهتها عصابات الإسمنت وأموال النفط وأطماع من تربوا على ذاك السُخام...
يا حبيبتي...
قُبلتك الأخيرة أحفظها في عُلبة مخملية، تفعل فعل السحر كلما شعرت بالغربة والحنين؛ أفتحها وأترك روحي لقُبلتكِ التي لا تنتهي، وأتناسى دمعتين علقتا رغمًا عنك وعني بها...
يا أمي...
صلي على ولدك في الليل إذا أخبروك أنني ممنوع للأبد، وأن الذين خرجنا نهتف "يسقطون" أسقطونا في جُب الغياب حتى الممات...
يا أمي، قبلي لي الصورة المهزوزة كلما يتحسن اتصال الشبكات، ولا تكترث بصوت أنفاس الرجل الغريب الذي يصحب على الدوام صوتهما حين يسألانك هل عاد يا جدتي؟
يا أمي... سلام.
ولدك المحب

مختار سعد شحاته
ميجال بيريرا/ ريو دي جانيرو
البرازيل في 2 يناير 2018



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظة التجلي... -من كتابات المساطيل-
- حدث في سانتوس
- عيد ميلادنا الأول
- يا دُفعة... قصة قصيرة.
- كذبة إبريل
- مرايا -قصة قصيرة-
- تهنئة عيد ميلاد... إلى Man Mikha (عبد الرحمن مختار)
- صورة أبي
- كراهية
- أنا المنسي
- رباعيات نبي مرفود
- في قعر الفنجان
- جذر تكعيبي
- كيف بوابين... نص أدبي.
- كلب ضال
- قصة لم تنتهِ
- أنا مستقيل.. في وداع -أبو خروف-
- طبق العشاء الأخير.
- الزعيم والكينج، وفاصل من سقوط جديد
- سمّ خياط قلبي


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - رسالة إلى أمي